من دفتر ذكرياتي في أبو غريب / (نـوروز في الظلام!!) (10)

جلال جرمكا / كاتب وصحفي عراقي / سويسرا

عضو ألأتحاد الدولي للصحافة وعضو منظمة العفو الدولية

tcharmaga@hotmail.com

نـوروز .. يعني الكثير ، في المقدمة أنتصار الحق على الباطل ، حلول فصل الربيع ، حيث النرجس الكوردستاني وأعتدال الجو وتفتح ألأزهار وأنفجار الينابيع وخروج الناس الى ألأراضي الوسعة والتمتع بتلك المناظر الخلابة على أنغام الموسيقى ، حيث حلقات الدبكات والسماء الصافي ... ولكن هل سمعتم ألأحتفال بين أربعة جدران وتحت رحمة الجلادون وعديموا الضمير ...؟؟ .. لنرى :

 ***********

قبل عيد نـوروز 21/ آذار بأيام فأجأني الشباب ( نزار وريبوار و أسفنديار وكامران وبرهان ) بأنهم قد خططوا لقيام أحتفال بمناسبة / نـوروز .. وإنهم قد هيأوا الكثير..لم يبقى إلا الحصول على موافقة ألأدارة!!! ( وتلك من أصعب ألأمور ) !!.

في تلك الفترة كان / مدير القسم ظابط أمن برتبة ـ رائد ـ ويدعى / أسماعيل ، من أهالي مدينة ـ الفلوجة ـ للتأريخ كان أفضل من الذين سبقوه.. كان مؤدب في الكلام ويستمع للمتكلم.. ولكنه كان يقبل ( الرشاوي ) بشكل غير طبيعي!! ، وتلك كانت نعمة ربانية ، حيث كنا نحل الكثير من ألأمور بعد دفع ( كم دولار ) بالعملة العراقية التي كانت من غير قيمة تذكر..حيث كل دولار كان يساوي الفي دينار!!!.

تكفلت بالحديث مع المدير وأقناعه بالمسألة .. ، طلبت من الحرس أنني أروم مقابلة المدير.. بعد ربع ساعة سمحوا لي بالمقابلة .

دخلت غرفته.. قام من مكانه وجلست وبعد دقائق شرحت له سبب الزيارة ، في البداية رفض الفكرة من أساسها.. ولكن ما أن رأى ( شدة الدنانير ) أي خمسة وعشرون الف دينار.. حتى خطفها بسرعة ووضعها في ( جرارة الطاولة ) التي كانت أمامه .. سكت برهة وقال :

ـ عندي شروط!!.

قلت له : وانا موافق !!.

قال : أريدكم أن تلتزموا بالنقاط التالية :

1 / عدم أسماع النزلاء أية هتافات معادية .

2 / عدم تلاوة أشعار سياسية .

3 / ألأحتفال لمدة ساعة واحدة فقط .

قلت وأنا موافق على شروطك !!.

حينها أخرج ورقة وطلب مني أن أكتب الشروط وأوقع على الورقة .. فعلت وكل شىء أنتهى !!.

بعد العودة كان الشباب على ( أحر من الجمر ) ينتظرون النتيجة.. عندما أخبرتهم أنهالوا علي بالقبلات.. والشكر !!!.

حينها تشاورنا مع بقية ألأخوة في بقية ألأحزاب فقمنا بتشكيل لجنة للأشراف وألأعداد للأحتفالية وكانت اللجنة كالأتي :

ـ عدد من ألأخوة من الكلداني ألأشوري السرياني .

ـ عدد من ألأخوة التركمان و اليزيدية .

ـ عدد من ألأخوة من الحزب الشيوعي .

ـ عدد من ألأخوة من حزب الدعوة ألأسلامي .

ـ عدد من شباب الكورد .

ـ شخصيات مستقلة .

بدأنا بالأجتماعات للتهيؤ ووضع منهاج للأحتفال .. وهنا لابد ألأشارة بأن الشباب كانوا قد هيأوا الكثير منها :

ـ شراء كميات من الحلويات والمعجنات .

ـ شراء مطيبات وأصباغ لعمل ـ عصائر ـ شربت ـ برتقال .

ـ شراء وتهيئة مستلزمات الزينة .

ـ أعداد كلمات وأشعار بالكوردية .

وقد قاموا بتوزيع ألأعمال .. أتذكر أن ألأخ العزيز المهندس / سلام مدلول وهو ( من أشقائنا الصابئة المندائيون ) من أهالي كركوك ، تبرع بعمل الشربت.. وكان يجيده بشكل غريب !!.

تم أختيار الغرفة رقم 6 لكونها أكبر الغرف.. قبل الموعد كان الجميع منشغلون بتهيئة الغرفة.. وضع طاولات وتغطيتها بأقمشة ملونة وتعليق الزينة .. وغيرها !!.

وتم تبليغ الجميع أرتداء أفضل مايملكون.. أما الشباب فأرتدوا الملابس القومية الكوردية!!.

تم أفتتاح الحفل بأنشودة ـ نوروز ـ للشاعر الخالد / بيرميرد .. كان الشباب قد كتبوها على أكثر من ورقة لسهولة القرأة من قبل الكورس وكالأتي :

 [هذا اليوم من السنة الجديدة ـ نوروز ـ قد عاد

 عيد الكورد القديم بالفرح والخير عاد ...
 منذ سنين ووردة أملنا ذابلة حتى العام الماضي
 حيث كانت دماء الشباب هي وردة الربيع الحمراء
 كان ذلك اللون ألأحمر المطل من أفق الكورد العالي
 بشير الشعوب القريبة والبعيدة بأنجلاء الصباح
 نـوروز .. هو الذي أجج في قلوب الشباب نارا
 تجعلهم يستقبلون الموت بعشق ومحبة ...
 ها قد طلعت الشمس من ثنايا الوطن العالية
 أن لون الشفق المشع هو لون دم الشهيد
 لم يحدث في التأريخ والى آلآن ..
 أن يكون صدر الفتيات ترس الرصاص في الوثبة
 لاينبغي البكاء على شهداء الوطن..
 أنهم لن يموتوا فأنهم أحياء في القلوب ]

بعد ذلك تلى ألأخ / كامران كلمة بالمناسبة ، شرح فيها المعاني السامية لنوروز.. وقدم التهاني للجميع !!.

بعدها القى الجميع كلماتهم وتهانيهم بالمناسبة .. بعد ذلك بدأ ألأحتفال بدبكات كردية.. المعضلة عدم وجود موسيقى.. لكن تلك لم تكن بالمعضلة..لقد تبرع ألأخ / جبار كلاري بأن يقوم بتقديم مجموعة من ألأغاني الفلكلورية ويقوم الشباب على ضوئها بدبكاتهم.. لقد تناوب على ألأغاني ألأخ / أسفنديار.. منها علمنا أن للأخير خزين من الكلمات وألأغاني!!.

بعدها تم قطع ( كعكة ) كبيرة ، وبعدها توزيع الحلوى والعصائر والحلويات.. والجميع يتقاطرون لتقديم الهدايا والتهاني.. وبين فترة وأخرى يقدم أحدهم أشعاراً حماسية!!.

أستمرت ألأحتفالية لثلاثة ساعات من دون أن تتدخل ألأدارة !!!.

كانت ليلة جميلة ( حلوة ومحزنة ) ..حلوة لكونها مناسبة عظيمة.. محزنة لكوننا كنا نحتفل في الظلام !!!!.

حضر الجميع لتقديم التهاني.. حتى سماحة السيد / محمد الطباطبائي بارك حفلتنا من الطابق العلوي.. أعتذر من الحضور بسبب وضعه الصحي.. نعم كان متعباً بسبب سنوات البقاء في / قسم ألأعدام !!.

ولكن للتأريخ كان نفر قليل ( بحدود خمسة أو ستة ) لم يحضروا ولم يقدموا التهاني.. لقد تحججوا بالمرض.. مع ذلك كانت حفلة رائعة وناجحة بكل المقاييس!!.

ألأغرب:

 في اليوم التالي عاتبنا مدير القسم قائلاً : لم تلتزموا بالتعهد .. حفلتكم كانت لساعات .. لذلك مطلوبون هدية !!!.

في اليوم التالي قدمنا الهدية ونحن الممنونون !!!!.

كانت أيام مرة..مضت ولكنها لاتفارقني... هنالك حلقات أخرى إنشاءالله تعالى.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com