|
أواصرنا أقوى فلا يذهبن بحلمكم الارهاب مصطفى حبيب بين الآونة والأخرى وأنا في خضم متابعة ما يجري على مدار اليوم بتوجه قلبي ودواخلي الى بلدي وشعبي فلا يستقر أمام أحاسيسي غير هذا التوافق بين العراقيين الذي لم اشهد له بداية غير ما فتحت عليه غيناي وأنا في وسط اسر وعوائل ترتبط بوشائج بعض منها وشائج الأخوة القرابية، لكن في معظمها تلك التي انبنت على اساس الأخوة الانسانية، يومها لم يكن الدين أو المذهب هو الذي يرسم تلك العلاقات. كل هذا يستدعي منهم اليوم صيحة واحدة ضد الارهاب، وهنا يلفت أحد ابناء الأنبار النظر الى أن صحوة الانبار مصطلح خاطئ فمتى كان أبناء الأنبار وعشائرها نائمين حتى يصحوا؟ الوقفة الحازمة من الارهاب تعني تحقيق الهوية العراقية، فالارهابيون يستهدفون البنى التحتية للبلاد حيث تقوم حياة المواطن في حركته اليومية ونشاطه في الصراع من أجل البقاء ومن أجل التقدم في شتى نواحي الحياة ومناحيها المختلفة. يستهدف الارهاب قلب العاصمة بغداد كما في العملية التخريبية الضخمة بنسف أحد رموز التآخي بين جانبي بغداد جسر الصرافية الذي أوقع أعداء السلام أجزاء من وسطه الى قاع نهر دجلة، فعطلت التواصل بين الكرخ والرصافة في هذه المنطقة الواسعة وأربكت نسبيا حركة الناس بين الشاطئين. حتى بدت لدى المواطنين مشاعر الألم العميق كما أبرزت مشاعر التحدي بتعميق التواصل على الرغم من الخلل الذي حصل. ما يوحي به التخريب ليس العدوان على الحديد والحجر انما العدوان على الحياة ببعدها الانساني والروحي. وهو ما يبرز فيه حالة المجتمع العراقي في رفض التشظي تبعا لتشظي معالم مدينته بيد الارهاب. وحقيقة الارهاب تتمثل باستهداف المدنيين من شعبنا الذي لم يكن عداوة للشعوب الأخرى في كل تاريخه وما برز من عدوان من العراق فانما كان من غوغاء الحاكم الذي شجعه بعض حكام دول الجوار ما شكل عدوانا على شعب العراق نفسه.الذي ما يزال هدفا لعدوان من خارج الحدود. كيف نفسر ما وقع من مقتلة جماعية في كربلاء قبل ايام لم يكن الهدف المرسوم لها غير حصد أرواح المئات في آخر ساعات النهار يخرج فيها أبناء المدينة لشؤونهم الصغيرة في نهاية يوم مرهق من العمل، أو يؤم الناس الحرم الحسيني لإقامة الصلاة. الارهابيون يحاولون استهداف التماسك والتقارب والتوحد العراقي في مجمل مظاهر الحياة، ويبغون مزيدا من التمزق الطائفي أو العرقي لا أكثر، محاولين تحقيق أحلامهم في عودة التسلط الدكتاتوري لخنق انفاس المواطنين مرة أخرى وأنى لهم ذلك. ولا يسر عدوا أو صديقا هذا التحالف بين رموز النظام البائد ومجمل المجموعات التكفيرية والارهابية التي قلبت السحر على الساحر في حوادث متقاربة كان آخرها الشبكات التي كشفت في الممكلكة العربية السعودية والاعتقالات الواسعة لأفرادها والخطط التي كانت بحوزتهم لاستهداف المرافق المختلفة وبعضها حساسة وخطيرة. دأبت الأنظمة الدكتاتورية على زرع التمزق وتقنين التمايز من خلال التشريعات ومنها قانون الجنسية الذي يقسم المواطنين العراقيين حسب تبعية مواطنة تاريخية غيرتها معالم الجغرافيا خاصة بعد تأسيس الدولة العراقية. فالتبعية العثمانية لها الموقع الأول في القانون فيما التبعية الايرانية لها الموقع الثاني. وهي النغمة التي عزف عليها النظام البائد وشتت الآلاف من العراقيين وراء الحدود. ربما يطرح سؤال هو لماذا هذه الثنائية في تبعية العراقيين القانونية بالأساس؟ لم يكن للعراق كيان سياسي مستقل بعد سقوط الدولة العباسية ففي قرون مضت كان مرتهنا بالدول المحيطة به وأبرزها الدولة الايرانية والدولة العثمانية. وشاءت الأقدار أن هاتين الدولتين مختلفتان في المذهب فالعثمانية سنية والايرانية شيعية وكان لكل منهما الدور في تمزيق المجتمع العراقي. لكن العكس هو الذي كان يحصل، فطول أمد الحكم العثماني للعراق وتسلط اتلايرانيين عليه لفترات قصيرة نسبيا في القرون الماضية كرس في واقعه صورا جميلة من التلاقي وتكوين العلاقات الزوجية وبالتالي فان الكثير من العوائل العراقية من الموصل الى البصرة ترتبط بوشيجة ما بأصل تركي عثماني أو ايراني دون أن يلغي ذلك الانفتاح والاندماج هوية معظم العراقيين العرب خصوصا أبناء العشائر. لغير العراقيين نقول ليس لدينا ما يمنع استيعاب هذا التعدد كأي مجتمع في الأرض لكن حكومات تولت رقابنا كانت بالقومية والدين والمذهب بصورتها السلبية في الوقت الذي يناسبها. وحيث لم تفلح الحكومات المتعاقبة في تأسيس الفرقة في داخل المجتمع العراقي، فان للعراقيين اليوم وقد تخلصوا من كابوس الطغيان والاستبداد، فرصة ذهبية لنزع تلك الأردية البالية التي خلعتها الأنظمة السابقة على مكونات الشعب لتمزيق وحدة العراقيين ولغرس التمايز بينهم. وما يعزز هذه الدعوة أن العراقيين طيلة أجيال متلاحقة وعقود طويلة أثبتوا أن تماسكهم الاجتماعي أقوى من تعددهم السياسي والقومي والثقافي، فضلا عن التعدد الديني والمذهبي. وكتجربة شخصية لم يكن يميز بين أهل المحلة أو أبناء البلدة الواحدة بين شيعي وسني ومسيحي وصابئي. واذا كان ثمة تمايز فان أصوله تعود الى ممارسات رسمية طائفية غير معلنة، لم تستطع الحكومات المتعاقبة أن ترسخ اقدامها في العراق بالرغم من تطاول الزمن، حتى لكأن الناظر الى العراق من الخارج قبل دخول ظلام الارهاب يعتقد أن العراق يضم في تكوينه لونا واحدا من البشر موحدا في قوميته ودينه ومذاهبه. وهذا يصدق في الواقع فقد تشكلت سلسلة صداقات تاريخية وصلت في بعض صورها الى علاقات اخوية وعائلية. وهذا ما ينطبق على آخرين ممن عشنا معهم سني الدراسة الأولى في المحلة أو القرية ومراحل الجامعة في افق أوسع وكذا السلك الوظيفي في مؤسسات الدولة وإداراتها المختلفة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |