|
بقعة مضيئة من مخزون الذاكرة في ذكرى عيد العمال العالمي سناء صالح / هولندا لاأريد في موضوعي هذا أن أتحدث عن هذه المناسبة التي تجمع عمال العالم وتوحدهم في الأحتفال بهذا اليوم التاريخي ولماذا بالذات الأول من مايو ولا أريد أن أستذكر الطبقة العاملة العراقية وتاريخها المجيد وتضحياتها في سبيل حقوقها والدفاع عن مصالحها والبطولات التي خاضها عمالنا في كاورباغي والميناء والسكك،إنّما أريد استذكار الأحتفالية الأولى أو الكرنفال بهذه المناسبة في عام 1959 على حد تذكري وهي المناسبة الأولى التي تحل بعد انتصار ثورة تموز المجيدة ويكون الأحتفال بها كبيرا، كنّا صغارا حينذاك،كان لزوج خالتي فندق في شارع الرشيد الذي يعتبر شاهدا حيا على كل الأحداث التي حدثت في بغداد من التظاهرات الأحتجاجية أو المؤيدة أو المسيرات التي شارك فيها الآلاف من أبناء شعبنا، لقد قدمنا من مدينتنا كربلاء شأننا شأن الكثيرين من أبناء المدن لمشاهدة هذا التجمع الضخم الذي لم يشهد له العراق مثيلا وكنا محسودين لأننا سنرى ومن خلال البالكونات المطلة مباشرة على الشارع وسنرى كل صغيرة وكبيرة إضافة الى أننا ستنتمكن من أخذ قسط من الراحة والأكل والماء البارد ولم نكن الوحيدين القادمين الى فندق بيت خالتي بل كان هناك الأقارب الذين قدموا من الموصل بعد ليلة قضوها في النوم في القطار القادم الى بغداد، كان الفرح يعم القلوب منظر شارع الرشيد وهو مزدان باعلام الجمهورية الفتية والمصابيح الملونة وشعار الجمهورية،شباب مفتولي السواعد يربطون معاصمهم بشريط مكتوب عليه باللون الأحمركلجان انضباط وحماية للمسيرة . كنّا قد وصلنا مبكرين وكنا نستعجل قدوم اللافتات إيذانا بابتداء الكرنفال الذي لم نكن قد رأيناه سابقا فقد كانت أعناقنا تمتد في كل لحظة، مكبرات الصوت تذيع أغاني لمطربين عراقيين غنوا للسلام, للحب, للديمقراطية و للجمهوريةالفتية كان أبرزهم الفنان أحمد الخليل . لاحت من صوب الميدان لافتات وأعلام، فتية وفتيات في ملابس بيضاء مزينة بشرائط مكتوب عليها بالأحمر شعارات تطالب بحماية مكاسب الثورة التي بدأ الأستعمار والرجعية يتكالبون عليها محاولين النيل منها بعد أن لقنتهم وبفترة وجيزة دروسا لم ينسوها، رافعين شعارات تطالب بسن قوانين تحمي حقوق العمال والفلاحين وتصون كرامتهم، بعدها بدأ سيل من البشر كل فئات الشعب العراقي حاضرة،أزياء عربية وكردية، المنظمات الديمقراطية أصحاب الحرف والمهن فوق سيارات كبيرة مكشوفة كلّ يؤدي مهنته في استعراض جميل، الحلاّق، الخبّاز، الحمّامي والمدلّك، فنّانون معروفون، فرقة الجالغي،الزورخانة ألوية العراق ( محافظاتها ) جميعها مساهمة في هذا الكرنفال الفريد الذي لم يتكرر، كان الناس سعداء رغم بساطتهم كانت الضحكة نقية، استمر الحال حتى الصباح ولم نشعر ليلتها بالتعب رغم أننا لم نتوقف عن الجري ومد الرقاب الى أسفل من شدة الأستمتاع . انتهى الأحتفال واحتفلنا كثيرا بالمناسبة نفسها في الداخل والخارج سرا وعلنا ولكن تفاصيلها لم تحفظ رغم أنها أقرب وأحدث،لكن التفاصيل التي تختزنها ذاكرتي لهذا اليوم المجيد قبل ما يقارب الخمسين عاما لم يمسها غبار، عجيب أمرنا بني البشر لماذا تبقى الذكريات البعيدة منيرة لامعة لاتصدأ كجوهرة نفيسة !! لعلها تعيدنا الى زمن نتوق دوما الى عودته وقد افتقدناه مبكرا حيث اللمة الدافئة،حميمية الأم والأب والأهل أو لربما أن هذه الأحداث تداخلت في نفوسنا وكونت فينا أفكارا آمنّا بها وساهمت بشكل ما في رسم اتجاهات حياتنا، تحية خاصة للعباقرة الذين خططوا وبنجاح منقطع النظير لهذا اليوم الذي لايفارق الذاكرة رغم السنين ورغم الأحداث الكبرى التي مر بها عراقنا . تحية أكبار للطبقة العاملة العالمية والعراقية والمجد لشهدائها الأبطال .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |