كركوك اسيرة ثلاثة حكومات ذات مطامع .. في عراق المواجع

 

محمد قوجا

kaisaliraq@yahoo.com

في الوقت الذي تتلاحم الشعوب فيما بينها لتتولد تكتلات اقليمية في زمن العولمة الاقتصادية والتقنية والمجتمعاتية، حيث تلتقي الاستراتيجيات المتضادة لمجتمعات مختلفة تجبرها شروط العالم الجديد على التحاور الحضاري وتوسيع نطاق المصالح والتنمية الاقتصادية والسياسية والعسكرية، تتجزأ دولتنا الموحدة منذ الازل الى دويلات، وتولد بدورها بدلا من حكومة مركزية واحدة قوية ذات مصداقية عدة حكومات هزيلة، بل وتسوق لنا نماذج غير مالوفة من القادة الذين يحملون افكار قد عفى عليها الزمن، ويتشبثون بخطاب سياسي لم يحصد منه العراقيين غير الويلات تلو الاخرى، كانها جاءت لهدم الجزء المتبقي من حضارة خدمت الانسانية عبر العصور .
هاهو رئيس الوزراء يصادق على قرارات لجنة تطبيع الاوضاع في كركوك، على الرغم من ان هذه اللجنة وحسب الية عملها ليس من حقها سوى رفع التوصيات، تصدر قرارات ترفعها الى رئاسة الوزراء ليوقع عليها رئيس الحكومة بكل يساطة، ليرضي بذلك فئة من الشعب على حساب العراق. كيف لنا ان نفسر ما اقدمت عليه حكومة المالكي ، سوى انها تستخدم ورقة كركوك مساومة مع أطراف معروفة فقط، من أجل الاستمرار على راس الحكومة، بعد أن فشلت كل الوعود التي قدمها للعراقيين من فرض الامن والرفاهية وغيرها. أن ما يظهر جليآ اليوم هو ان الأطراف الكردية الفاعلة في البرلمان والحكومة قد مارست ضغوطاتها مثل كل مرة، ومن خلال اللوبي المتعشعش داخل الحكومة واجهزتها، التي من المفترض أنها تخدم العراق وشعبه، ولا فئة معينة تريد تمرير احلامها الشوفينية عبر الديمقراطية العرجاء التي ابتلي بها العراق الجديد. فكانت النتيجة ان خرجت هذه القرارات تحمل توقيع المالكي الذي اصبح وللأسف بيدقآ بيد القيادات الكردية والسلطة الامريكية المحتلة!! ياترى على ماذا ساومت حكومة المالكي حين صادقت على تلك المقررات المخزية وخسرت مصادقيتها أمام شعب العراق!
لو عدنا الى اللقاء الاخير لرئيس حكومة العراق الشمالية مسعود البرزاني مع قناة العربية وراجعنا ردود بعض الافعال في حينها، لوجدنا مدى التخبط المزمن في السياسة العراقية التي اختلط فيها الحابل بالنابل، وبات العراقيون لايعرفون من يقود العراق حقيقة، هل هي الحكومة المنتخبة في بغداد، ام هي الحكومة المفروضة على شمال العراق!
لم يكن تهديد البرزاني لتركيا كلاما عابرا مثلما اراد البعض ان يقنع الجهات الغاضبة، بل كانت عملية مدروسة بدقة وعن سابق اصرار وترصد، والا من اين للبرزاني هذه الثقة ان لم يكن هناك من يسانده؟ ففي الوقت الذي هدد فيه الرئيس المذكور جمهورية تركيا اعتذر رئيس جمهورية المنطقة الخضراء وما يجاورها جلال الطالباني للاتراك للحيلولة دون تفاقم الوضع، وكان قد أعلن رئيس وزراء ادارة الروتين في العراق نوري المالكي، بان وزارة الخارجية في حكومته هي المعنية في السياسة الخارجية.
اما حكومة العراق برئاسة سفير الولايات المتحدة في بغداد فقد إنتقدت من خلال متحدثها باسم وزارة الخارجية الامريكية شون ماكورماك قائلا: إن التصريحات الأخيرة الصادرة عن البرزاني سلبية للغاية ولا تسهم في تحقيق الهدف الأكبر المتمثل في تعزيز التعاون التركي العراقي في القضايا ذات الإهتمام المشترك، بما فيها محاربة حزب العمال الكردستاني ومناهضة الغارات التي يشنها عبر الحدود ضد تركيا ويقوم فيها بقتل مدنيين أتراك أبرياء.
هذه الاراء المتضاربة وسياسة الحكومات الغير المتفقة مع البرنامج الوطني الصحيح ماهي الا دلائل تشير بان هذه الحكومات ما هي الا صورية، واداة بيد من يريد ان يضع صورة جديدة لمستقبل العراق بالشكل الذي يجب ان يكون عليها متوافقا مع متطلبات المرحلة القادمة من خارطة الشرق الاوسط الكبير، ففي هذا السياق جاء في نشرة (فورين ريبورت) الأميركية الاستراتيجية مايلي ( أن من بين المصالح الأمنية الأميركية في المنطقة إبرام تسويات سلمية في الشرق الأوسط، تستقر مع إعادة رسم الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة التي تشتعل بالصراعات الإقليمية والدولية وفقاً للتخطيط الأميركي، بينما يبقى الاهتمام الأميركي في المنطقة هو المحافظة على التفوق العسكري الإسرائيلي، وخلق كيانات صغيرة في المنطقة؛ للمحافظة على ذلك التفوق، ومن ثمّ تأمين تدفق البترول من الخليج العربي وبحر قزوين إلى الغرب بالمعدلات والأسعار الملائمة له، وتأمين خطوط المواصلات البحرية العالمية بما يخدم حرية التجارة الدولية بلا قيود، وتدفق الصادرات الأميركية والأوروبية - وفي مقدمتها السلاح - إلى الدول العربية)
في ظل هذه الحكومات التي لا يوحدها غير الطمع والجشع وفي ظل الظروف الدولية الراهنة والحساسة، اصبحت مدينة كركوك الرهان الاكبر بين الفرقاء، الجهات الخارجية الفاعلة في القرارات المصيرية في العراق مثل امريكا واسرائيل تؤيد انضمام كركوك الى اقليم الشمال، لاسباب اقتصادية وسياسية مستقبلية، ويعد التحالف القوي بين الاحزاب الكردية مع تلك الجهات عاملا مهما لأنجاح تلك الاهداف ذات المصالح المشتركة، فالولايات المتحدة واسرائيل تسيران في خط متوازي فيما يخص السياسة العراقية، وما يجري في الساحة العراقية من احداث دامية تعد جزء من فصول الخطة الرامية الى تمزيق العراق. اذ يقول مايكل إيفانز في كتابه ما بعد العراق النقلة الجديدة:
إن قيام إسرائيل، فتح حياة الجيل الأخير قبل (أرماجدون)، ثم جاء احتلال كامل أرض فلسطين في 1967م ليؤكد هذه النبوءة، وتسارع التاريخ في الحرب الأخيرة على العراق، ليؤكد الصلة الأبدية المتجددة بين (بابل) و(أورشليم)، الأولى هي الظلام، والثانية هي النور، دمار الأولى شرط انبعاث الثانية، هكذا ورد في العهد القديم حيث ذُكرت بابل (العراق)ليس أقل من 300 مرة بصفتها أرض الخطيئة الأولى، والتجسد الشيطاني الأول في (نبوخذ نصّر)سابي اليهود، والوعد الأول(بأرماجدون).
ان ظهور مسعود البرزاني بهذه القوة مع تصريحات الاخيرة يجعلنا نعيد ذاكرتنا الى الوراء قليلا لنستذكر ايام كان صدام في اوج جبروته لنتنبأ بان اداة تدمير العراق مازالت مستمرة بعد صدام ليس فقط لتحقيق الهدف المضمور وهو توسيع دولته المزعومة على حساب المدن التركمانية، بل تحقيق التنبئات اليهودية في ارض بابل، وانجاح الهيمنة الامريكية المطلقة على المنطقة وثرواتها. اذ يقول جيمس بيتراس أستاذ علم الاجتماع في جامعة بنجامتون في نيويورك وأستاذ مساعد في جامعة سانت ماري في هاليفاكس بكندا (ان الولايات المتحدة تستند إلى 4 محاور لفرض هيمنتها على المنطقة، منها القدرة الهائلة للامبراطورية الأمريكية على إقامة دول شرق أوسطية تدور في فلكها، ومن ثم اتخاذ هذه الأنظمة كأدوات تستخدم لتنفيذ سياسات ومآرب الولايات المتحدة، وإنشاء قوات مرتزقة لتنفيذ السياسات الأمريكية، ولربما اشتملت أهم الأدوات الحالية وأكثرها خطورة على النظام المنصب في بغداد، ونظام كردستان العراق، و”منظمة مجاهدي خلق”، والزعامات العشائرية التي ترتضي مصانعة أمريكا وموالاتها).
فتصرفات هذا الرئيس الذي يريد وكما يبدو ان يكون بطل التحرير القومي الكردي، قد تؤدي بالعراق الى منزلق خطير تزيد من ماسي العراقيين بدلا من تخفيف معاناتهم فمن لم يحسن التعامل مع امريكا التي لاتعرف سوى مصلحتها، لن يجني غير الخزي والخسران . .
اما حكومة المالكي فهي الان تعيش بين مطرقة الامريكان وسندان الاحزاب المتحالفة معها، ولم يبقى من يساند حكومته غير الاحزاب الكردية، وان الصدام القوي بين عرب العراق بسبب الفتنة الطائفية التي زرعتها امريكا واسرائيل كان عاملا قويا في وصول العراق الى هذا الوضع ليهدد هويته القومية وتهتز ثوابته الوطنية، وما امام المالكي والائتلاف العراقي الموحد الا الموافقة على ما تشترطه الاحزاب الكردية، وهذا ما يتطابق مع مصالح القوى الخارجية في العراق.
اذا ما نظرنا الى وضع كركوك واضعين امامنا كل هذه المتغيرات نرى بان كركوك هي أصبحت عمليآ ضمن نفوذ الاقليم الكردي، ولم يبقى سوى التوقيع على هذا الانضمام رسميا، وهذه حقيقة على ارض الواقع تعرفها الاحزاب التركمانية وقياداتها قبل الشعب، هذه الاحزاب لم تحرك ساكنا، وهي وقادتها منهمكون بالاحتفالات تارة والانتقادات تارة اخرى، بل تحولت بعض الكتل والاحزاب السياسية التركمانية الى دوائر للرعاية الاجتماعية او منظمات انسانية تقوم بتوزيع المؤن والمستلزمات للعوائل المتعففة.
مالذي يميز مدينة كركوك من الناحية الادارية عن السليمانية او دهوك او اربيل؟ اليس رؤساء الدوائر جميعهم من الاكراد؟ اليس المحافظ كردي؟ الم تتغير الاشارات الدالة من العربية الى العربية والكردية؟ اليس عدد الاكراد الان اكبر بكثير من التركمان؟ الم يكن شارع الجمهورية والمحلات التجارية فيه كانت للتركمان والان لاترى الا عددا قليلا من التركمان يمتلك محلا هناك؟ الى متى تبقى القيادات التركمانية تستخدم (لا ) دون ان يتبعها شئ يفيد الشعب التركماني.
نحن التركمان لا ننتظر خيرا لا من حكومة المالكي التي لم يبقى على نهاية تاريخ صلاحيتها سوى ايام قلائل قبل ان تبدأ وحسب رأي بعض المراقبين عاصفة من الازمات السياسية الجديدة التي ستعصف في العراق، ولا من حكومة مسعود البرزاني الذي يكره التركمان ويتجاهل تأريخهم المشرف في العراق هذا اولا، والافكار الهمجية والعنصرية الشوفينية التي ينتهجها ثانيا، هذا الشخص الذي استنجد بصدام لذبح ابناء جلدته من الاكراد، واستغل فرصة وجود القوات العراقية لذبح التركمان في اربيل ليقدم التركمان خلالها العشرات من الشهداء من ضمنهم القياديين، ليس غريبا عليه ان يبيع العراق من اجل مصالح عشيرته، واخطر ما في الامر هي محاولات حكومته المستمرة لفصل الجغرافية والحياة المشتركة بين الشعبين الكردي والتركماني اللذين عاشا على هذه الارض بالفة ومحبة واحترام دون عداء.
اما الحكومة الامريكية وهي راس الهرم الذي يعلو الحكومات الاخرى في العراق فهي تنظر الى التركمان كاقلية غير مؤثرة من حيث المصالح في العراق، واود هنا الاشارة الى ما كتبه جيمس بيتراس حول موقف امريكا من التركمان اذ يقول(يخدم الاستخدام الامبريالي لأكراد شمال العراق أهدافاً امبريالية أمريكية استراتيجية بسبل شتى. اذ يتم تسخير الأكراد لقمع المعارضة العربية والتركمانية التي تبلورت خلال السنوات الأربع الماضية وتجسدت وتجلت في قوى منتشرة في جميع ارجاء العراق لا سيما في الشمال) واذا كانت امريكا تستخدم الاكراد لضرب التركمان، مالذي ينتظره التركمان من امريكا اذن؟
اليس من الحكمة ان تراجع القيادة الكردية اوراقها لتعيد الى الذاكرة المعاناة التي عاشها الشعب الكردي على مر السنين على ايدي النظام الفاشي العربي في العراق، لتقارن ماتقوم به اجهزتها تجاه الشعوب الغير الكردية مطبقة النهج والسياسة نفسها، الا تدرك هذه القيادة بان مثل هذه التصرفات ستنعكس سلبا على الشعب الكردي في المستقبل القريب؟ الا يستحق هذا الشعب ان يعيش بامان وسلام وحياة كريمة بعيدة عن الحروب ومأسيها؟ من السبب في قتل وتشريد بعض المواطنين الكرد الابرياء من بعض المدن العراقية او ذبحهم كونهم اكراد فقط؟ الم تكن سياسة الاحزاب الكردية العنصرية الفاشية سببا وراء كل ذلك؟ لماذا تصر القيادة الكردية على اظهار التركمان والعرب في نظر الكرد كاعداء في الوقت الذي يجمعهم تاريخ وجغرافية مشتركة يعود تاريخها الى مئات السنين؟ مالذي ستجنيه القيادة الكردية من زرع بذور الفتنة والعداء بين الشعب التركماني والكردي؟ ومحاولاتها المتكررة بالصاق تهمة الخيانة والتجسس لصالح تركيا؟ التي لولاها لما كانت للقيادات الكردية من وجود، وان ماقدمته تركيا لهم لم تقدم ربعه للتركمان!!
واخيرا نقول للقيادين والمسئولين والاحزاب والكتل التركمانية، الا يكفينا الخمول في السياسة والتكاسل في اداء الواجب والانشغال بالعمل الغير المنتج واعتماد السياسة العقيمة التي لم يقطف منها التركمان سوى الاخفاق وهدر الحقوق؟ ،الم يحن الوقت لمراجعة ذاتنا لنضع امامنا كل الاوراق ونتدارسها على طاولة واحدة ،واود ان اتسائل ، هل لنا سياسة اصلا ؟ وما الذي نريده؟ ما هي اهدافنا؟بيرليغ برابرليغ(الوحدة)؟ ان الذي يراهن على كركوك عليه ان يعرف جيدا انه يعيش في زمن الماضي قياسا لمانراه على ارض الواقع فالوقت كالسيف يقطع من لايحسن استخدامه، الصحوة يا قياديي هذا الزمان قبل فوات الاوان، فالاوراق تترتب في اروقة المخاصصة الحزبية لتوزيع الكعكة خلف اسوار المنطقة الخضراء والبيت الابيض ، وبعض الغرف الحساسة في اسرائيل، علي الجميع ان يتهيأ للقادم ،بروح قومية ووطنية تركمانية عراقية، فالذي لم يستطع تقديم شئ للتركمان خلال اربعة سنوات مضت ، ينبغي ان لانتأمل منه شيئا ، كفانا متجارة الشعارات، ورسم صور الانتصارات المزيفة في ذهن المواطن التركماني الحائر مابين القيادات واحزابها ،قيادات كثيرة وقادة اكثر ، وحقوق مهدورة ومكتسبات ماندر ( خوروزو جوخ اولانين .. صباحي كيج اجيلير).

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com