شباب المسلم وفلسفة الجهاد في أوروبا

 

نادية عيلبوني / كاتبة وصحافية فلسطينية مقيمة في فيينا

 الأسباب التي تقف وراء تطوع بعض الشباب المسلم الذي يعيش في أوروبا للعمل الإرهابي المسلح  كثيرة، إلا أن السبب الرئيس الذي يقف في مقدمة تلك الأسباب يعود إلى برأينا إلى تأثر بعض الشباب المسلم بظاهرة المد الديني المتطرف التي سادت خلال العشرين سنة الأخيرة والتي وصلت  تأثيراتها إلى مختلف دول العالم  بفعل تأثيرات العولمة.

 بداية لا بد من الإقرار بحقيقة أن العقلية التي سادت في المنطقة العربية منذ بداية الخمسينات وحتى الآن، هي عقلية تتحكم بها العوامل الأيديولوجية أكثر مما تتحكم بها العوامل السياسية. لذا فلقد لاقى المد القومي أو الناصري في بدايته صدى كبيرا لدى شعوب المنطقة العربية وكذا الأمر بالنسبة للفكر الأيديولوجي الماركسي. وبسبب من الهزائم  المتتابعة التي واجهها كل من هذين التيارين وعجزهما عن تحقيق الأهداف التي ادعت  قدرتهما على تحقيقها، هو ما جعل المنطقة تعيش حالة  من الفراغ الأيديولوجي الذي سارع إلى ملئه التيار الأصولي خلال العشرين سنة الأخيرة الذي امتد تأثيره ليشمل بقية دول العالم الغربي التي يتواجد فيها المسلمون.

 ولعل ما عرف بالصحوة الإسلامية التي تسلح أصحابها بكل الأفكار والقيم التي بشرت بخوض حرب لا هوادة فيها ضد العالم المختلف معها في الرأي وفي العقيدة، تكون قد انتشرت بسرعة مستندة إلى هزيمة الأيديولوجيات السالفة الذكر مع تعزيزها للقناعة التي روجت لها والقائلة بأن الإسلام يحمل كل الحلول لمشاكل العالم الإسلامي.

 وبالطبع، لم يقتصر تأثير المد الأصولي على البلدان العربية والإسلامية كما ذكرنا، بل أن تأثيرات هذا المد طالت المسلمين الذي يعيشون في الغرب وتحديدا بين أبناء الجيل الثاني من  المسلمين على وجه الخصوص. ففي حين تميز جيل المهاجرين الأوائل بقدر من التسامح والمرونة والقدرة على الاندماج وعلى التعامل من القضايا الدينية بمعزل عن السياسة، نرى أن أبناء الجيل الثاني من  المهاجرين هم الأكثر تشددا والأكثر استعدادا بقبول فكرة الصراع الديني وتبني نظرية انقسام العالم إلى فسطاطين متصارعين .وربما كان لقبول هذه الأفكار الراديكالية بين هؤلاء أسبابا موضوعية تقف وراء استعداد الشباب هذا.

 ربما كان من الصعب الحديث عن أزمة الهوية لدى الشباب الأجانب في أوروبا دون الحديث عن الدور الذي لعبته وتلعبه نمو الاتجاهات والتيارات العنصرية في أوروبا عموما. كما أن الحديث عن أثر العنصرية في المجتمعات الأوروبية لا بد وأن يقودنا إلى فشل برامج دمج المهاجرين في مجتمعاتها، ولنا أن نلاحظ كيف نمت جراء ذلك مجتمعات موازية يعيش فيها المهاجرون في مجتمعات الغيتو المغلقة التي تنتشر بين ساكنيها البطالة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية.  ولعل شعور الشباب المهاجر بالتهميش من قبل المجتمعات الغربية المضيفة هو ما فاقم لديهم وإلى حد كبير أزمة البحث عن الهوية والانتماء بعيدا عن المكان – الوطن الذي يعيشون فيه. ولنا أن نعترف أن الجماعات الإسلامية المتطرفة قد نجحت إلى حد بعيد في مخاطبة هؤلاء الشباب والعزف على وتر حاجة الشباب للشعور بالانتماء، كما استطاعت هذه الجماعات أن تملأ هذا الفراغ بالايدولوجيا الإسلامية المتطرفة التي تعتبر عنصر الانتماء للدين فوق الانتماء للأوطان. فالوطن لدى الفكر الإسلامي المتطرف هو الدين، والرابط بين البشر بحسب هذه الايدولوجيا هو رابط الأخوة الديني وليس الرابط الوطني.

  لقد خلقت العلاقات الحميمة بين الجماعات الإسلامية البديل المفقود لدى هؤلاء الشبان الذين يعيشون حالات التمييز التي استطاع التيار الديني توظيفها لصالح فكرة صراع الحضارات أو فكرة انقسام العالم إلى  فسطاطين، مسلم وكافر، وأمكن تفسير التمييز العنصري في أوروبا على أساس من هذه النظرية أي نظرية عداء الغرب للإسلام والمسلمين واستبعادهم اجتماعيا على هذا الأساس الأمر الذي يسهل في نهاية المطاف انجذاب هؤلاء الشباب لكل الأفكار التي يحاول المد الديني المتطرف الترويج لها وإشاعتها بما فيها فكرة الجهاد وضرورة الذود عن حياض الأمة الإسلامية في كل مكان في العالم وخصوصا تلك الأمكنة التي يحتل فيها قوات غربية بلدانا إسلامية.لقد استطاعت الجماعات الإسلامية ودعاتها استثمار كل الأخطاء والمشاكل التي تعاني منها الجاليات الإسلامية في دول الغرب لصالح إسلام متطرف ينفذ دعاته كل ما يعتبرونه شرعا وواجبا دينيا.

  ولنا أن نلفت أن نجاح هؤلاء في الوصول إلى هذا الهدف لم يكن فقط عبر انتشار المساجد في دول الغرب فقط بل أيضا عبر كافة  وسائل الاتصالات الحديثة مثل الانترنت التي تنتشر عبره وبكل اللغات الحية مواقع الإسلاميين المتشددين ودعاويهم الدينية. ولعل نجاح التطرف الإسلامي بالوصول إلى هؤلاء الشباب يكون أيضا في قدرة الجماعات الإسلامية في الغرب على مراكمة رؤوس أموال جنتها من مصادر متعددة ووظفت قسما لا يستهان منها في حصول الشباب العاطل عن العمل على أعمال وتزويده بما يحتاج له من أموال تحت مسمى التكافل والتعاضد الإسلامي. ولا بد أن نشير في هذه العجالة إلى أن الكثير من هذه الجماعات ذات قدرة مالية متميزة تجعلها في غنى عن التعامل المادي  المباشر مع المجتمع المضيف مما يعزز تأثراتها وقدراتها ونفوذها بين هؤلاء الشبان، كما لا بد لنا من الإشارة أيضا إلى دور وتأثير الاتجاهات اليسارية في المجتمعات الغربية التي تقف موقف المعادي للولايات المتحدة الأمريكية وخصوصا بعد الحرب على أفغانستان والعراق. هذا بدوره أثر بطريقة غير مباشرة في رؤية هؤلاء الشبان وعزز بالتالي فكرتهم عن ضرورة الجهاد والمقاومة في هذين البلدين.

هذه باختصار أهم العوامل التي ساهمت في قولبة استعداد بعض الشباب المسلم للانخراط في الأعمال الإرهابية المسلحة في العراق.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com