|
شخبطة على الحائط جلال الدين الرومي رمز الوحدة والمحبة والتسامح توما شماني – عضو اتحاد المؤرخين العرب قررت منظمة اليونسكو التابعة للامم المتحدة الاحتفال بجلال الدين الرومي هذا العام عالميا، وهو حدث كبير سيعرف العالم بجلال الدين الرومي الذي يعرفه الاكاديميون حيث درسوه درسا وافيا كما احياه المستشرقون ووضعوه في مرتبة عالمية عاليه، اما الكثرة الكاثرة في العالم فيعرفونه بالاسم فقط حتى الذي يعيشون في بلاده لا يعرفون عنه الا القليل. ولد جلال الدين الرومي قبل 800 عام وكانت ولادته معلما في تاريخ الانسانية، فالمعروف ان اليونسكو لا تمنح الاشخاص بل الاحداث مثل هذه المناسبات، اذ هو رمز للوحدة والمحبة والتسامح، فما قاله ودافع عنه الرومي هو الاسلام، لكنه يحمل ايضا رسائل حب الى كافة الشعوب والاديان ورفض الانانية والتقديرات غير المنفتحة. رغم انه قال قوله المشهور (يوم وفاتي يوم ولادتي، لا تبحثوا عن قبري في الارض فهو في قلوب جميع العارفين والمفكرين). الا ان مكان دفنه تحول بعد عام 1926 الى متحف ومزار يقصده عشرات الآلاف من كافة ارجاء العالم واطلق عليه (القبة الخضراء)، وتعرض تحت القبة الخضراء مخطوطاته ومؤلفاته والادوات الموسيقية التي كان يستخدمها كشيخ للطريقة الصوفية المولوية المثنوية. ولد جلال الدين الرومي عام 1207 وراد افغانستان وايران وسوريا والعراق وتركيا، واستقر في النهاية في قونيه عاصمة الدولة السلجوقية ومات فيها. ابرز مؤلفات جلال الدين الرومي (الديوان الكبير) المعروف لقراء اللغات التركية والعربية والفارسية و(مكتوبات) وهي رسائل تتضمن 147 رسالة وجهها كنصائح لحكام زمانه، وله ديوان (شمس تبريز)، غني باربعين الف بيت. اهتم المستشرقون بدرس كتبه واشعاره اكثر مما قام به الباحثون والدارسون في الجامعات الشرقية، وهذا شاننا في عالمنا، الكتب يغضبون عليها فيحرقونها، حيث ان اكثر المخطوطات الشرقية تحتضنها مكتبات الاكاديميات الغربية وتمنع عنها عاديات الزمن. الغربيون عرفوا العالم بجلال الدين الرومي حين ترجموا له كافة كتبه الى اللغات الاوربية ونشروا افكاره في العالم. عاش جلال الدين الرومي عصرا مضطربا ورغم ذلك فانه انتج مالم يصله مفكري عهده وكان شعاره السلام حيث يقول (تعال... تعال ايا كان اعتقادك تعال.. هي عتبة سنتجاوزها معا حتى ولو كنت اخللت بالتزامك وتعهدك وتخليت عن قسمك تعال...). بالاضافة فيما برع فيه في زمانه المضطرب فقد كان شاعرا وقاضيا ومتبحرا في الإلهيات فانه كان ايضا معلم الصوفية في رقصات الدراويش الدوارون، وهو من ناحية افغانيا وايرانيا فقد كتب مؤلفاته وشعره بالفارسية وهو الذي انشأ الفرقة المولوية والذين يعرفون بالدراويش وهم يمزجون الدين بالرقص ويعتبرونه عبادة. جلال الدين الرومي ادعى انه من سلالة اابو بكر الخليفة الاول للراشدين، رحل في البلاد عند غزو المغول مع والده القاضي بهاء الدين الذي أنشأ (المدرسة) الدينية، حتى وصل جلال الدين الرومي نيسابور (خراسان) وتعرف على (عطار) الشاعر الفارسي الصوفي الذي كتب (اسرار نامة) الذي يقول فيها (هنا يأتي البحر ويتبعه المحيط) ذكر عنه انه قصد بغداد فالتقى بالصوفيين ثم قصد دمشق فالتقى بصديقه الصوفي (شمس) وقيل ان (علاء الدين) نجل جلال الدين الرومي قتل صديق والده الحميم (شمس) وجرت على ذلك اقوال كثيرة الا ان الاسى اصاب جلال الدين الرومي على هذه الفاجعة. ثم استقر جلال الدين الرومي في قونيا زمن الامبراطرية السلجوقية. كان لحب صديقه (شمس) اثره في الموسيقى والرقص والشعر الغنائي انعكست في (ديوان شمس تبريز) وفيها يقول (لماذا انا ابحث انني انا وعطره يتحدث به من خلالي وكنت انا ابحث عن نفسي) وهذه من ترجمة انكليزية لـ (كولمن باركس). نظم جلال الدين الرومي شعر الغزل وجمع في (ديوان كبير) يعتبر مثلا لما يعرف بالفارسية (انساني كامل) ويقولون عنه (انه بالتاكيد ليس نبيا لكنه جاءنا بمكتوبات) حيث مزج المعتقد بالموسيقى للوصول الى الاعالي ويقولون ان الروح تتدمر ثم تحيى بالموسيقى والشعر في الرقص الدوار وهذا مما دفع الدراويش الى ايجاد المولوية وهي رحلة صوفية للروح انها رحلة اكيدة للوصول الى البلوغ الاعظم في عالم لاتفرقة فيه في المعتقد والعرق والمقام والامم. ومن شعره ما يقول (انا ابحث عن نفسي انا لست مسيحيا انا لست يهوديا ولا جبريا ولامسلما. انا لست من الشرق ولا من الغرب ولست من الارض ولا من البحر. انا لست عطر النعناع ولست من الكون الدوار. انا لست من الارض ولا من الماء ولا من الهواء ولا من النار. انا لست سماويا ولا انا غبار ولا املك وجودا ولست موجودا، انا لست من الهند ولست من الصين ولست من بلغاريا ولست من السكسين، انا لست من مملكة الاراكيان ولا من قطاع خراسان، انا لست من هذا العالم ولا من الجنة ولا من النار، انا لست من آدم ولا حواء ولا جنة عدن ولا من رزوان، مكاني هو اللامكان واثري لا اثر له) والواقع ان عالم جلال الدين الرومي ليس من عالم الصوفية ابدا ولا من عالم الهندوس ولا عالم اليهودية ولا عالم المسيحية بل هي اعلى درجات الانسانية، واليوم تقرأ اشعار جلال الدين الرومي المنصبة في موسيقى تنشد في الكنائس والتوراة واديرة الزن وآخرها الى الموسيقى الامريكية انها رسالة حب عالمية بين الشعوب. ومن شعر جلال الدين الرومي (الحب سبب الانفصال من الانفصالات الاخرى، الحب اصطرلاب لمعرفة الله واالصوفيات وغموض الكون) وهو سعي الصوفية لاكتشاف الكون. الدراويش الدوارون يعتقدون في رقصهم يمارسون (الذكر) وكان لفرق المولويين دور كبير في العهود العثمانية فاصبحوا موظفين في الدولة. ولهم شعر (تعالوا تعالوا مهما كنتم ايها الضائعون عبدة النار تعالوا مهما ترددتم الف مرة، تعالوا مرة اخرى تعالوا، فقافلتنا ليست قافلة يأس) وفي العهد العثماني ظهر العديد من الشعراء المولويين كشيخ غالب واسماعيل ديدي واسرار ديدي وغيرهم. اما المولويون فقد منعوا في تركيا عند مجيء اتاتورك. وفي الخمسينات سمحت الحكومة التركية بمماسة رقصهم الدوار في مهرجانات في قونية، وفي السبعينات مارسوا رقصهم في اوربا . كان لجلال الدين الرومي اثره الكبير على الادب الفارسي كما كان له الاثره الكبير ايضا على الادب التركي. والمعروف ان الشاعر الباكستاني محمد اقبال كان من عاشقي الرومي، اما ترجمة كولمان باركس لاشعار رومي الى الانكليزية فقد بيع منها نصف مليون نسخة. وقد غنت اشعار رومي كل من مدونا وغولدي هون وديمي مور. والذي ذكره التاريخ انه عندما كان والد جلال الدين الرومي في بلخ بلغت شعبيته عاليا نافس فيه الحاكم لذا ارسل رسوله له طالبا ترك بلخ، وكان عمر الرومي آنذاك 7 سنوات. قبل النهاية قال جلال الدين الرومي (عند موتي لاتبحثوا عن قبري في الارض بل تجدوني في قلوب الرجال) وكان الرجل في ذلك العهد هو الكل والمرأة من ضلعه، انني لا اعيب هذا على جلال الدين الرومي ذكره الرجل فقط، فقد كانت تلك لغة ذاك الزمان ومعذرتي لعشاق جلال الدين الرومي. على اي حال كان جلال الدين الرومي شعلة زمانه التي لم تنطفئ ولن تنطفئ.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |