وثيقة العهد الدولي: ليست هي الحل

 د. سّيار الجميل

www.sayyaaljamil.com

 تابع العالم مجريات مؤتمر شرم الشيخ الاخير باجتماع اكثر من خمسين دولة لمعالجة وضع العراق وانبثاق وثيقة العهد الدولي التي قبلها البعض وشكك في مصداقيتها البعض الاخر .. ولكن العالم قال للعراقيين : سنحقق مطالبكم ولكن شريطة الوفاء بالعهود التي قطعتموها .. نعم ، لقد تبّنى المشاركون في المؤتمر بنود هذه " الوثيقة " والتي تمّثل الاجماع الدولي على ما اقرّ حتّى الان شريطة تنفيذ ما يريده العالم من العراقيين .. وفتح الطريق امامهم في خطة خمسية تهدف إلى إحلال الاستقرار السياسي والاقتصادي في العراق الذي يعيش دوامة صعبة جدا من أعمال العنف منذ اربع سنوات ، فضلا عن تعّهد بخفض ديون العراق بقيمة 30 مليار دولار.

 لقد كان رئيس الوزراء العراقي قد تعهد في افتتاح المؤتمر بنزع سلاح المليشيات في العراق، وطالب الدول العربية والصديقة بإسقاط الديون المستحقة لها على العراق، مشددا على أنه لا يمكن الحديث عن استقرار أمني دون ازدهار اقتصادي أو تقدم اقتصادي دون استقرار امني، مؤكدا كذلك أن حكومته تعمل على إرساء علاقة جديدة بين العراق والمجتمع الدولي قائمة على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة . أما وزير الخارجية المصري ، فقد دعا في كلمته إلى عدم تهميش تيار بعينه في العراق أو الانحياز لفريق دون آخر، موضحا أن أي جهود إقليمية او دولية لن تؤتي ثمارها بدون إدراك دقيق للأولويات الملحة التي تواجه المجتمع العراقي.

 كما أعلن وزير الخارجية السعودي عن تقديم بلاده مليار دولار للمساعدة في إعادة إعمار العراق، وكذلك أعلن عن استعداد المملكة لتخفيض ديونها، وقال : إن السعودية تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف العراقية. وأعرب عن أمله في ان يخرج المؤتمر بنتائج تتلاءم مع دقة الوضع الذي يمر به العراق، مشيرا إلى أن ‘’المشاهد المأساوية’’ تحمل المشاركين مسؤولية أخلاقية من اجل انتشال العراق من واقعه المرير ووضعه على طريق الاستقرار.

 أما وزير الخارجية الإيراني فقال : " في ظل الظروف الراهنة، فإن أفضل طريقة يمكننا من خلالها خدمة الحكومة والشعب في العراق هي مساعدتهما على إحلال الأمن والاستقرار والتضامن الوطني ومنع الأعمال التي تؤدي الى تصعيد العنف الطائفي والفتنة الداخلية’’. وأكد وزير الخارجية السعودي أن بلاده تراقب بقلق الوضع المتردي في العراق " . وتابع قائلا : " إن هذا الوضع لا يمكن تجاوزه إلا بتحقيق مصالحة وطنية شاملة تضمن مشاركة جميع الفئات العراقية ".

 وقد دعت وزيرة الخارجية الأميركية الى تقديم دعم دولي للخطة الخمسية الهادفة الى إنهاض الاقتصاد العراقي. وقالت كونداليزا رايس : ‘’في وقت تعمل فيه الحكومة العراقية على تحسين حياة كل العراقيين. ستكون بحاجة لدعم فاعل ومستمر من جيرانها في المنطقة ومن المجموعة الدولية’’. وهذه الخطة يفترض ان تتيح إعادة إعمار العراق ، وتابعت : ‘’هذه العملية ستتعزز مع التزام دول إضافية ومنظمات بدعم العراق، وعلينا بالتالي ان نعمل على توسيع المشاركة الدولية في هذا العهد’’.

 هنا أسأل : هل يكفي كل هذا وذاك من اجل ولادة عراق جديد آمن ومستقر ؟ انني اعتقد ان مؤتمر شرم الشيخ لم يتوان في دعم العراق والاستجابة لمتطلبات حكومته ، ولكنه كان مغّردا خارج السرب ، ولم يحقق امنيات العراقيين .. ربما رجع المسؤولون العراقيون الى بغداد تملؤهم النشوة والحبور لما كسبوه في هذه الجولة ، وقد صفقّنا ايضا لكل الاهتمام الذي اولاه العالم للعراق ، ولكن اغلب المسؤولين العراقيين ومن قبلهم المسؤولون الامريكيون ما زالوا غير متفهمين ابدا سر المعضلة العراقية التي لا يمكن ان يحلها المجتمع الدولي بقدر ما يكمن الحل بايدي العراقيين انفسهم سواء في ما بينهم كعراقيين او بينهم وبين الامريكيين كقوة احتلال ..

 ومن الواضح ان المجتمع الدولي قد اقّر الصيغ والمبادئ التي اعلنها العراق الجديد ، وان اسقاط 30 مليارا من الديون العراقية يعد انتصارا للعراق ، ولكن العراقيين لا يقبلون بالتغاضي الامريكي عن استحقاقات بلادهم التي سحقتها جيوش التحالف .. فاسقاط الديون العراقية لا يعني هروب الولايات المتحدة الامريكية من الاستحقاقات التي كانت قد وعدت بها لأعمار العراق ! اننا ندرك ادراكا كاملا ان شرم الشيخ بقضّه وقضيضه يدور في عجلة امريكية وهو يعمل بكل اهدافه من اجل ضمان المصالح الامريكية .. قبل معالجة مصالح العراق وايجاد الحلول لمأساة شعب العراق .

 كما ان اطلاق الوعود من قبل دول الاقليم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية العراقية ، لا يعني ابدا ان صراعاتها قد سوّيت مع الولايات المتحدة ؟! ان تشديد المجتمع الدولي على المصالحة الوطنية معناه ان يفتح كل العراقيين صفحة تاريخية جديدة ، وان ينفتحوا على بعضهم الاخر مهما كان الثمن .. وهذا لا يتم مع وجود ميليشيات علنية وسرية ووجود محاصصات ومراكز قوى وتيارات وانقسامات ونهب ثروات واعلاميات مضادة .. وان الحكومة العراقية عاجزة تماما في تفكيك هذه أو القضاء على تلك ما دامت هناك ثمة تخندقات طائفية واثنية واختراقات خطيرة خفية غاية في الاستقطاب ! كما ان الوثيقة تطالب بتعديل للدستور وتقاسم للسلطة وتأسيس للحوار وتوزيع عادل للمصالح والموارد . فهل غدا العراقيون بمستعدين لذلك كله ؟ هل هناك ارادة وطنية عراقية يمثلها الشعب قابلة بكل المجريات ؟ انني ارى بأن الحكومة العراقية كانت ولم تزل حكومة مدّللة من قبل الولايات المتحدة ، برغم كل ما تسجّله عليها من نقاط ومثالب.. ولكنها حكومة وقعت بين المطرقة والسندان فهي تنادي الاخرين بالقضاء على الارهاب وهي لا تستطيع تفكيك ميليشيات علنية ! وهي تنادي بالمصالحة الوطنية من دون اي استجابة وفاعلية ! وهي تطبق خططا امنية حاسمة والوضع يزداد سوءا . ان مؤتمر شرم الشيخ لم يدرك بعد عمق المأساة التي تطحن المجتمع العراقي .. وشكرا للمؤتمرين ولكن هكذا حلول ترضية أمريكية لا تنفع ابدا ان لم تترسخ ارادة عراقية مستقلة جديدة بمشروع وطني مدني يجمع عليه كل العراقيين .. فالكرة ستبقى دائما وابدا بأيديهم بعيدا عن كل المزايدات.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com