دعاء وأخواتها

 سناء صالح / هولندا

sanaelgerawy@hotmail.com

لم أستطع أن أحبس دموعي وأنا أقرأ ماكتب عن مأساة الشابة دعاء والموت رجما , أية سادية تلك الأيادي التي تطاولت لتنال من الجسد الغض , ومن الذي أباح لهم هذا الحق , ووفق أية شريعة سوى شريعة الغاب المنفلتة  من عقالها تعيث في أرضنا قتلا وتدميرا وتسمم كل شيء جميل , دعونا نناقش هذه الآفة الفتاكة التي تصم مجتمعنا بالوحشية وتعطيه صورة من هو خارج ركب الحضارة  والتمدن , متخلف عن سائر المجتمعات المتحررة بقرون  .  لدعاء أخوات سبقنها وأخريات سيلحقنها  بطرق الموت المتعددة الحرفي والمجازي مادام الأمر على ماهو عليه ولم نتحرك خطوة باتجاه تقويم ماورثناه من قيم بالية تنتقص من حقوق المرأة كأنسان  مادامت العشيرة وقوانينها تسيطر وتلعب دورا بديلا  عن سلطة الدولة والقانون .

 إنّ ماحدث لدعاء قد حدث على مدى سنين طويلة وما زال يحدث في المدينة كما في القرية , مع الفارق أن دعاء صورت  وبتصوير الطريقة الهمجية التي قضت بها هذة الشابة حدا بالأعلاميين وبعض المنظمات التي استنكرت هذه الفعلة الشنيعة التي تكررت وتتكرر بطرق وأساليب متنوعة  , يحضرني في هذا السياق حادث وقع في الخمسينات من القرن الماضي  صورة فتاة لم تكن تتجاوز العشرين من عمرها كانت تسكن في الشارع الموازي لزقاقنا , تخيط الملابس لتعتاش هي ووالدتها كان ذلك في سنوات ماقبل ثورة الرابع عشر من تموز , وفي أحدى الصباحات الصيفية وكنا لم نزل نياما حين سمعنا صراخا واستنجاد ا ركضنا باتجاه المنزل الذي ينبعث منه الصوت, إنه بيت الخيّاطة حينما وصلنا الى المكان فاجأنا وجه شاب ريفي  يحمل سكينا  تقطر دما  صارخا خلصت من عاري  , قتلت المجرمة !!  دخلنا المنزل  , الأم المكلومة  تحتضن جسد وحيدتها الذي لم يزل دافئا  تدور بين الناس بعينيها متمتمة ابنتي بريئة , الوجوه التي كانت تتحلق حول منظر  لايمكن نسيانه ,  كان بعضها يقر بمشروعية الفعل , وأخرى تضمر الأسف دون أن تعبر عنه , لأن العرف هو أقوى من المشاعر الأنسانية  والمرأة هي ملك صرف لأخوتها وأبناء عمومتها   .  

 رغم القوانين الأيجابية بعد ثورة الرابع عشر من تموز التي حدّت بشكل ملحوظ من مثل هذه القضايا لكن يبدو لنا أن المجتمع العراقي لم يتخلص من هذه التقاليد الجائرة رغم التطور الذي حصل في وضع المرأة وارتفاع نسبة المتعلمات وحاملات للشهادات بمختلف التخصصات ورغم الحملات المكثفة التي كانت تقودها المنظمات النسوية التي جعلت من مساواة المرأة من أبرز أهدافها , فحالما أرجع النظام الدكتاتوري العمل بقانون دعاوى العشائر وأباح قتل الفتيات غسلا للعار وبعقوبة مخففة جدا أرجع حوادث قتل الشرف    كما أننا لاننسى  الحادث البشع الذي تداولته وسائل الأعلام  في السنة الأخيرة من عمر النظام  في حفلة قتل جماعية لنساء عراقيات أتهمن بممارسة الدعارة  فذبحن وعلّقت رؤوسهن  على أبواب منازلهن , إن هذا يعني أنّ التطوّر لم يكن جذريا قد مسّ الأفكار بحيث يحدث التغيير في الموقف من المرأة  والنظر اليها كأنسان متكامل الحقوق  ,  ومن الغريب أن حوادث القتل أو قضايا الشرف قد تجاوزت حدود العراق الى البلدان الأوربية   حيث أن الأهل وربما لوشاية أو لشبهة عن علاقة  بريئة ينفذون القصاص في بناتهم دون أن تأخذهم رحمة أو شفقة .

  لم يقتصر هذا التعصب على دين أو قومية أو مستوى ثقافي رغم أن مثل هذه الحوادث غالبا ماتكون في أوساط متدنية الوعي ولكن هناك نسبة ولو ضئيلة من المثقفين الذين يعلنون  مواقفهم المتضامنة مع  المرأة  في أبداء رأيها  وتقرير مصيرها في أختيار شريك  حياتها  حتى وأن لم تتوفر شروط الأسرة في العريس المرجو  هذا لو كانت المرأة بعيدة ولاتمت بصلة القرابة أمّا لو كانت أختا أو أبنة أو قريبة فستستيقظ كل القيم والموروث من الأجداد وسيمتطي جواده شاهرا السيف من قبيل"لايسلم الشرف الرفيع من الأذى - مالم تراق على جوانبه الدم"   ومعلم الرجولة لايكون معمّدا ومدعّما إلا بدم فتاة  ليس لها من جرم سوى أنها تريد أن  تمارس حقها في الحياة في أختيار إنسان ترتاح معه وتبني معه مستقبلها  بغض النظر عن المواصفات التي  يفرضها الأهل , أوفوارق اللغة والدين واللون لاتقف عائقا  أمام العلاقات الأنسانية  .

  لو انتقلنا الى الأشكال الأخرى التي تمس آدمية المرأة وتجعلها ضحية  وترتفع الى مستوى الحكم بالموت  هي الفصلية التي ماتزال كظاهرة موجودة  في المجتمع العراقي  في الريف وفي  بعض المدن   ففي سفرتي الأولى الى العراق  عام 2003 بعد سقوط النظام  وأثناء زيارتي لمدينة البصرة   كنت عند أحد الأصدقاء القدامى الذي أصبح شيخا لعشيرته وقد كان حكما بين عشيرتين بينهما قتيل  وكيف حلت المسألة ! بعد دفع الدية وتقديم فتاتين لاتتجاوز كبراهما الثانية عشرة من عمرها  , أية جريمة هذه حين تقضي على مستقبل طفلتين بريئتين   على حقهن في الحياة  وفي التعليم   حقهن في رسم صورة لأسرة سعيدة يملؤها الحب لاأن يعشن وسط النبذ والحقد والكراهية  يتمنين الموت يوميا لالذنب سوى أن لهن أخ أو قريب أرعن إستخدم القتل وسيلة لحل خصومة  وقد تكون الأسباب تافهة لاتتعدى سرقة رأس غنم  , أو يكون قتلا بطريق الخطأ  .

 ومن الأمور التي يصعب على أغلبية العوائل العراقية سواء في داخل العراق أو في المهجر   الأقرار بها وتفهمها  وجود علاقة مسبقةلأبنتهم مع شاب  حتى وإن كانت هذه العلاقة جدية وهدفها الزواج   وحتى إذا كانت الفتاة في العشرينات من عمرها وفي سن يسمح بالزواج  وتحمل المسؤولية ., إذ أنّ من المفروض بالنسبة للكثيرين أن يتم الأختيار عبر الأطر التقليدية   وأن يتم التعارف  بعد حكم الأسرة بصلاحية الزوج المقبل  وبهذا يعني السيطرة على مقدراتها في التدخل المبالغ فيه  في رسم مستقبلها واختيار شريك حياتها  مما يثبت  انعدام الثقة  بقدراتها وأمكانياتها   ,  ومن المستغرب أن الكثير من العوائل المتعلمة  تتيح الفرصة للفتيات وتعطي الحرية في العمل والدراسة وغيرها من الأمور الحياتية ماعدا مسألة الزواج واختيار الشريك  , وأنا لاأدعو من خلال ماقلت أن يرفع الأهل أياديهم تماما عن بناتهم بل أن يكون الرأي استشاري, وأن يسدى (بضم الياء ) النصح ويكون القرار في الأخير للفتاة فهي الأجدر   بأتخاذه وتحمل مسؤولية أختيارها  .

 إن المشاكل الأجتماعية التي تحدثت عنها لايمكن  أن تحلّ جذريا بالقوانين الفوقية بل هي عملية دقيقة تحتاج الى وقت طويل وجهد أكبر  تشترك فيه :

 الدولة  في الحد من هيمنة العشيرة  وسلطتها على الأفراد   وتحجيم تدخلها في حل المشاكل وفق أعرافها ويأتي ذلك من خلال أخذ أجهزة الدولة لمكانها الطبيعي ودورها في حل المشكلات  . والمؤسسات التربوية في تطبيق مفاهيم حقوق الأنسان  وتثبيتها  ضمن المناهج التربوية  .

 أن تأخذ المؤسسات الأجتماعية والمنظمات النسوية دورها في التوجه الى قاع المجتمع  للتثقيف بخطل هذه المفاهيم التي تسيء للمرأة  وأن تجعل أحد  أهدافها الرئيسية هو تخليص  المجتمع العراقي من آفة التمييز ضد المرأة وسلبها أبسط حقوقها   ,

 أمّا وسائل الأعلام المختلفة   فما زالت تتحرك  كرد فعل على حدث ما يطرق في وقته ثم ينسى  ,ان وسائل الأعلام  مدعوة لمناقشة هذه القضايا بطريقة مقنعة وبخطى مدروسة.

  ختاما لك يادعاء ولأخواتك ممن يعانين الظلم كل حبي  ولك  ياشهيدة الحب زهرة بيضاء نقية كنقاء قلبك الذي حينما إختار لم يختر وفق الطائفة وشهادتك لابد أن تكون درسا   لاينساه من يحاول بث الفرقة والتمترس وراء الدين والقومية واللون , فالحب ليس له حدود وفواصل , الموت لقتلتك.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com