|
بغداد بين الإمس وغداً الحسين غزاله بغداد مدينة عريقة عمرها تجاوز الالف سنة بناها الخليفة العباسي الثاني (ابو جعفر المنصور) في القرن الثاني للهجرة(144هـ) , لقرن الثامن للميلاد(862م) اسست على شكل دائري, وكانت مركز الحضارة والتطور والحياة المرفهة فاصبحت ارقى مدن العالم انذاك وصار حلم العلماء زيارة هذه المدينة الجميلة سميت بالعديد من الاسماء منها مدينة السلام. لقد كانت بغداد عاصمة الدولة العباسية التي امتد حدودها من الصين شرقا الى المحيط الاطلسي غربا فاصبحت محط لانضار العالم, اليوم وبعد اكثر من الف سنة من بنائها لاتزال محط انضار العالم و موضوع حديث الناس ولكن وبطريقة مختلفة فبعدما كان الناس يتحدثون عن جمال هذا البقعة من الارض صاروا اليوم يتحدثون عن الدمار والخراب الذي يحدث فيها كل يوم بل انها تحولت من اسما مدينة في العالم الى اخطر مدينة في العالم, فمدينة السلام اليوم هي ضحية للعنف الدولي والمضاهر المسلحة والخوف الضاهر في وجوه مواطنيها. فهذه المدينة اليوم قد عانت وسكانها الكثير خلال الاربع سنوات الماضية ومنذ دخول الجيش الامريكي لها في 9/4/2003 ففي كل سنة تحدث ظاهرة جديدة تجعل الاوضاع الامنية والاجتماعية تسوء اكثر فاكثر. لقد عشت انا هذه الاحداث وسأرويها بالتسلسل التاريخي
بعد دخول القوات الامريكية لبغداد: في البداية توقفت الحياة في بغداد لما يزيد عن اسبوعين ولكن بعدها عادت الحياة الطبيعية فيها وانتعشت خاصة من الناحية المادية حيث دخلت العراق سيارات ومنتوجات اجنبية كثيرة جدا لم تكن موجدة قبل الحرب كما ان شكل العملة النقدية تغير وزادت قيمتها وفي نهاية هذا العام ظهرت خدمة الهاتف المحمول لاول مرة في بغداد وضهر شيئ بسيط من اعمار المباني والبناء الحديث, ولكن بعد بضعة اشهر من نفس السنة بدأت المقاومة المسلحة تظهر ضد الجيش الامريكي فتحول الجنود من اشخاص ودودين يقفون وسط الشوارع ويجمع حولهم الاطفال الى اشخاص خائفيين يبعدون من يتقرب منهم. وعندما اقبلت هذه السنة على النهاية وبعد اعادة تشكيل كتائب صغيرة من الجيش عرفت بالحرس الوطني واعدة تشكيل الشرطة تحول جزء من العمليات المسلحة التي كانت ضد الجيش الامريكي فاصبحت تستهدف هذه الكتائب الضعيفة.
السنة الاولى بعد الحرب (2004): منذ بداية هذه السنة شهد العراق وخاصة بغداد والانبار تصعيد كبير في العمليات المسلحة ضد الجيش والشرطة وتمثلت هذه العمليات بالعبوات الناسفة و السيارات المفخخة كما زادت عمليات الخطف و سرقة السيارات وتضاعفت اعداد العصابات المسؤولة عن هذه الاعمال و ضهرت بوادر الفتنة الطائفية في بغداد مما دفع كثير من العوائل الساكنة في بغداد الى ترك منازلها والسفر الى خارج بغداد قاصدين مناطق اكثر استقراراً, زادت هذه الفتنة الطائفية بشكل سريع و زادت اعمال الشغب من سرقة وسطو وغيرها اضافة الى ازدياد قوة مليشيا جيش المهدي التي اسست مابين نهاية 2003 وبداية 2004 فكادت هذة الميشيا ان تصبح بقوة الجيش الجديد كما انها اشتبكت مع الجيش العراقي والقوات الامريكية في مدينة النجف في نفس الوقت الذي اشتد فيه القتال بين القوات الامريكية و كتائب مسلحة في مدينة الفلوجة غرب بغداد. بعد انتهاء هاتين المعركتين ازداد التطرف الطائفي واتسعت الفتنة وبدأت تأخذ شكل مسلح في الاشهر الاخيرة من 2004 وكانت اشد اشكال هذه الفتنة متمركز في بغداد فزادت الاعمال المسلحة و زاد طابعها الاجرامي فبدأت تستهدف عامة الناس وخاصة سكان بغداد.
في العام الثاني بعد الحرب2005: ازدات العمليات المسلحة بصورة واضحة من قبل الجيش والشرطة والقوات الامريكية من طرف و الجماعات المسلحة من طرف اخر كما بدأت ظاهرة القتل على الهوية اي القتال الطائفي فاصبح الحال اشبه بالحرب الاهلية غير المعلنة وزادت الاغتيالات الفردية خاصة للاطباء والاساتذة الجامعين, واصبحت العمليات العسكرية تستهدف جميع مشاريع العمران في بغداد وهذا ادى الى هجرة عوائل عديدة الى خارج بغداد ايضا.
في العام الثالث بعد الحرب 2006 كثرت في هذه السنة اعمال العنف حيث اصبحت تستهدف المدنيين بصورة رئيسية فاصبحت تستهدف الاماكن التي يتجمع بها الناس وخاصة الاسواق الشعبية و توقفت الحياة معضم مناطق بغداد واصبحت هذه المدن من اخطر المناطق في العالم فحتى الجيش صار يخاف دخول هذه المدن, وظهرت ظاهرة قصف منطقة لمنقة اخرى بقذائف مدافع الهاون وظهرت عمليات التهجير القصري للسكان من منازلهم وزاد القتل على الهوية كما ان عمليات الخطف اتسعت بصورة كبيرة جداً و زاد معدل القتل حتى وصل في احد الاشهر معدل الضحايا الذين قتلوا جراء عمليات العنف في بغداد وحدها اكثر من خمسة واربعين شخصا يومياً وهذا كان الدافع لهجرة عدد كبير من العوائل الباقية في بغداد الى خارجها وتمثلت مناطق الهجرة في كل من الاردن وسوريا والامارات العربية والمحافضات الجنوبية واقليم كردستان فبلغ عدد العراقيين المهاجرين الى سوريا منذ بداية الحرب اكثر من مليون ونصف المليون عراقي اغلبهم من بغداد وعدد العراقيين في الاردن الان يزيد عن النصف مليون عراقي اغلبهم من بغداد. لقد اصبحت هذا المدينة التي كانت في يوم من الايام من اجمل مناطق العيش التي يقصدها الناس الى اخطر مناطق العيش التي ينفر منها الناس فاليوم انا اوافق على اي فكرة لترك بغداد ولكن قلبي لايزل معها فأنا افرح كل مرة اسمع اسمها حتى لو كان في النشرة الجوية. فهذه المدينة الجميلة التي تتساقط الان امام انظار محبيها لاتزال تزهو في قلوبهم ولا يزالون يسعون لبنائها واحيائها من جديد من الحطام والرماد المحيط بها, نعم اليوم الجيش اقوى من ذي قبل والسعي في ايقاف العنف اكثر جدية ولكن هنالك الكثير من المطبات لاتزال في طريق هذه المدينة التي نتمنى ان نراها تستعيد مجده قريبا. و بغداد ليست المدينة الوحيدة على هذه الحال فمثلها الكثير من العواصم العربية كالقدس وبيروت والتي يسعى محبيها الى ان يروها على قمة مدن العالم في يوم من الايام قريبا ان شاء الله.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |