|
شخبطة على الحائط بغداد الاسيرة تعاني من الغبار في محنة تضاف الى المحن الاخرى القاتلة
توما شماني – تورونتو / عضو اتحاد المؤرخين العرب ابكيكي وانوح واشق ثوبي عليك يابغداد، بغداد فقدت عطرها الندي، اصبحت ارملة التاريخ التي فقدت صدق اولادها الذين احاطوها بالمحن والرزايا، بغداد التي احتضنت اعلى درجة في ترجمة الكتب من اليونانية الى السريانية ثم العربية وخلقت عالما عظيما في العلم والطب لم يبلغه العالم، قبل بغداد كان الطب مبعثرا بين الشرق الاوسط والصين، في بغداد جمعت الكتب وترجمت فخلقت قفزة جديدة في الطب. بعد الطب اليوناني حدثت فصلان ، فصل الترجمة ثم تلاه فصل ماهضم من الترجمة فافرز فصلا جيدا في كتابة الطب بالعربية والتطبيق في العالم وممن ابدعوا اخص بالذكر الرازي الذي كان ثمرة مدرسة بغداد الطبية، وهو اول من مارس التدوين السريري وهو ما يمارسه الطبيب الحديث وهو من ابداع الرازي، في عصر الهضم شع نور بغداد وغدت الكتب الطبية الصادرة من بغداد متداولة في العالم العربي آنذاك من مصر حتى الاندلس. بغداد كانت بارقة في وجه التاريخ لكنها تتصعلك الآن على ارصفة التاريخ، وكانها الآن تعاني ذات المشهد عندما سقطت فيه بغداد بسيوف المغول ثم تلاها تكالب الغزاة الصفويون والبويهيون من الشرق والسلاجقة من الشمال. الكتب التي كتبت في بغداد اعتمدها الغرب بعد ترجمتها الى اللغات الاوربية. فكانت انطلاقة طبية عندما ترجمت كتب الطبية الى اللاتينية فدرست في اشهر مدارس الطب في ذاك الزمان وخاصة ايطاليا في في مدينتي بادوا وفي مونبلييه في فرنسا. بغداد بكتبها في الفلسفة والطب ايقظت العالم في قت لاحق حيث غدى الطب اكثر علمية ودقة. بغداد التي قال فيها الشاعر علي بن الجهم (عيون المهى بين الرصافة والجسر، جلبن الهوى من حيث ادري ولا ادري) لم تعد بغدادا اذ عفى عليها الزمن، كانت بغداد نجمة التاريخ اللامعة ولكنها الآن اسيرة تباع في اسواق النخاسة الحديثة ليس بيديها حلا وربطا جائعة مصابة تستجدى جيرانها الذين جعلوها اوراق قمار بايديهم. انني اتابع يوميا درجات الحرارة في تورونتو وبغداد بالتقارير التي تاتيني عبر الشبكة الكومبيوترية كل 24 ساعة. ففي اكثر من شهر سجلت درجات الحرارة في بغداد ليلا 18 وهي تعيش هذه الدرجات القاتلة ليلا ثم يحل الظهر فترتفع الدرجات الى 34 درجة مئوية واكثر انها درجات حرارة جهنم، فتصورا اية ليال يعيشها اهل العراق ليلا حيث لا ماء ولا كهرباء ولعل هذه مقبولة ولكن الاسوأ ان هذه الدرجات العالية تاتي مقرونة بالعجاج ليلا ونهارا فاي حياة يعيشها اهلنا واحبابنا وخللاننا واصدقاءنا. ظاهرة العجاج كانت ظاهرة متواجدة في بعض ايام السنة تكثر في البصرة وبغداد ولكن ذلك العجاج اختفى عندما جرت اعمال باهرة في الري حيث شقوا على الارض انهارا وجداولا فاحدثت ثورة في الزراعة وكان نهر الفرات عامرا بالماء، بيد ان الفرات في العراق لم يعد فراتا فهو يعاني الموت فقد بنت تركيا العديد من السدود فحجزت الماء واوفقت جريان الفرات العادي الذي كان جاريا مذ بدأت الحياة وكان الفرات فراتا يدر لبنا وعسلا. أما سوريا هي الاخرى فقد بنت سدا عظيما وهذا من ناحيتها ربما يكون اعتياديا لان تدفق على سوريا كان جاريا منذ آلاف السنين، الا ان حصة العراق اصبحت في حدود الصفر ولهذا لم يبق للعراق اية حصة من الماء الفراتي. حدث ذلك في العهد الصدامي اللعين وكان للعراق حق الاحتجاج دوليا الا ان صدام لم يفعل شيئا وكان طربا لانه كان يريد من ناحية تجفيف الاهوار لملاحقة الثائرين الذين يستخدمون الهور غطاء لهم، ومن ناحة الاخرى ان الهور تتشارك فيه العراق وايران في الشرق والهور يملك رصيدا هائلا من النفط وربما سيكون مصدرا للخلاف بين ايران والعراق في المستقبل اذا نهض العراق ولكن ذلك هو الامل الضائع فقد انتهى العراق في سقطه اخير وغدى العراق عراقا اي ممرا للغزاة الذي اعتاده وكان للعراق سقطات وكبوات لكن السقطة الاخيرة امحت العراق من الخارطة والوجود جراء افعال ابنائه الذين اصابهم الجن وتحكم فيه العفاريت. اما دور تركيا تحت شعار (اذا كان النفط عربيا فان المياه تركية)، فقد حدث عندما كان العراق مشنغلا في حروبه التي افتعلتها في اغلبها الهلوسة الصدامية في العظمة الكاذبة فخاض العراق بها ثلاثة حروب تركت العراق مريضا، التقاتل الاول مع الاكراد واستمر عشرين عاما واكثر يضاف الى ذلك الحرب الايرانية العراقية التي تركت الشعب العراقي منهوكا وآخرها الهجوم على الكويت والانسحاب الذي جعل العراق اعرجا يضاف الى ذلك الحصار الاقتصادي الذي عاناه العراق، وكان البعقري صدام يضخ النفط ويضع النصف في جيوبه وجيوب نغليه الساقطين اللعينين عدي وقصي، اما النصف الآخر فيدعه لمنظمات الارهاب والعرب على ارجاء العالم ومنهم الكثير من قراصنة تورونتو حيث اشترى دارا للمنظمة العربية الكندية، وكان يمنح قتلة العراقيين المعارضين في الخارج الدولارات ولم يبق ما يأكله العراقيون الا الفتاة وكانوا اهل حلقته ياتون بالجبن المنتهي حدود استهلاكه باسعر بخسة ويبيعنها للعراقيين على انها مكرمة من السيد الريس. في زمن القطيعة كان عملاء صدام يبتاعون له الالبسة المؤنقة من باريس لتنقلها له الطائرات النفاثة معفاتا من الكمركه. وفي عودة العجاج الذي يجتاج العراق فانه يملأ االاجواء الآن دون انقطاع الا فيما ندر وتلك محنة اظافية الى محنهم الكثيرة وهذا هو البلاء الاكبر، يستنشقون التراب ليصل الى رئاتهم وعيونهم وليس هناك من ماء لغسل العيون ويعتبر ذلك من نواحي صحية اسوأ البلايا بالاظافة الى الى مايعانونه من من القلق والتوتر العصبي والانهيار، اذ هم لايعرفون كيف سيرجع اولادهم وبناتهم من المدرسة احياء او الاباء ما الذي سيصيبهم في طريق العودة الى بيوتهم واكثر ما يحدث من انهيار هو عنما تحدث الانفجارات ويبدأ كل فرد في العائلة بالقلق القاتل ان كان احبائهم لا يزالون على الحياة. والمحنة الكبرى وكل الحياة هناك محن، هي ان الاطباء بعضهم قتلوهم رميا بالرصاص وبعضهم هرب هروبا اما الاطباء الموجودين فهم لايرون متى ياتيهم العتاة ليحزوا رقباتهم بالسكاكين في عرض الطريق او في العيادات وليس هناك من محاسب لتعقب الاشرار والقتلة والجناة والسراق. اصبح العراق بجميع فئاته متصعلكا على ارصفة التاريخ وليس لدى الناس الخيرين في العراق الا البكاء واللطم على الخدود وشق الثياب. اما نحن في كندا وغيرها من الاقطار الاخرى ونحن نرقب احداث التفجيرات على شاشات التلفزيون وكاننا في وسط تلك الانفجارات وكثيرا ما ياخذني الالم فتبدا عينانى بالامتلاء بالدمع والحرقة في القلب. وكثيرا من العراقيين النازحين لا يزالون يتفاءلون بالمستقبل الجيد ولكني عندما انظر الى المستقبل فاني ارى المسار مسدود وليس لنا غير البكاء والنحيب وشق الثياب على مستقبل اسود مليء بالسيئات.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |