|
من اجل أخلاقيات رفيعة في الكتابة العراقية أولا .. القيم المفتقدة لدى باعة خردة !! د. سّيار الجميل تثير مقالاتي واطروحاتي المتواضعة بعض الاخوة العراقيين الذين لا يتابعون اولوياتها المتضمنة ما أؤمن به وما افكر فيه وما اعلن عنه.. ومنهم من يحّب ان يستعرض عضلاته تحت مسميات شّتي وهو لا يفقه آفاق الرؤية البعيدة كونه رهين محبسه او طائفته او ايديولوجيته او وضعه الجديد. وليس من طبيعتي ان ارّد علي كل من يكتب عني سواء كان معي أو ضدّي، وليس من اخلاقي ان اقدّم مواعظ لاعّلم الاخرين الصواب من الخطأ، ولكنني لن ادع احدا يتسلق من خلال مقالاتي بأي طريقة، كما ليس لدي وقت اصرفه علي الردود والا اصبحت موزع بريد.. فالوقت ثمين جدا عندي، وليكن ثمينا ايضا عند غيري، انني اتركهم حتي يستكشفوا بانفسهم حقائق الامور، فيصبحوا علي ما قالوه نادمين..! نعم، انني لن اترك اعمالي وكتاباتي وبحوثي كي اتفّرغ لتعليقات سمجة كتبها هذا او شتائم بليدة نشرها ذاك من الكتبة الجدد الذين يستهلكون انفسهم ووقتهم في القيل والقال! ولكن والحق يقال لن ابخل عن طلبة وطالبات علم وأدب ومعرفة، هم بحاجة الّي محاضراتي واجوبتي ونصائحي، ولا ضير، ان يدلو كل ذي رأي برأيه، ولكن من الذوق الرفيع ان يعرف الانسان حقوق الانسان وكيف يستخدم الالفاظ وكيف يجادل الاخرين.. وكيف يخاطب الناس بالحسني او يجادلهم بالتي هي احسن، فالمسائل لا تخضع لامزجة شخصية او لتموجات عاطفية.. ولا اريد ان اذكر بعض الاسماء نظرا لاعتزازي بكل كاتب عراقي مهما تطاول علّي او استخدم تجريحاته ضدّي! وخصوصا من الذين ظهروا حديثا علي الساحة ولم نسمع بهم قبل سنوات مضت. انهم لا يثيرون الا زوبعة في فنجان او يشعلون نارا في يوم ممطر..
القيم المفتقدة: الحاجة الي المثل السائر ـ مثلا ـ لا يجوز لأي كاتب ان يهذي ويستطرد في كتابة انشاء عادي ليعلن بأنه يفهم افضل من غيره، فهذه ليست من صفات الكتّاب المحترفين.. ومن المضحك جدا ان يطلب من مؤرخ محترف الغوص في الاعماق وهو نفسه لا يعرف كيفية الغوص وهو لا يدري كيف يغوص.. بل وهو يدرك طبيعة المهمة التي يؤديها، انه ينتقد من اجل ان يقال ان فلانا انتقد فلان، انه يطالبه بالاجوبة علي موضوعات كبيرة جدا وهو بصدد نقد مقالة صحفية صحفية.. ومن دون ان يدرك قيمة الافكار المنشورة وحجم المقال المكلف باعداده (بحيث لا يتجاوز 800 كلمة).. من المعيب جدا علي بعض الكتاب العراقيين استخدام لغة فوقية يتنطعون بها ازاء غيرهم، وفي مقال صحفي! ان خللا فاضحا يعتور ثقافتنا العراقية اليوم وفي مقدمتها الانحرافات النفسية والتعبير عن مكبوتات قديمة والكتابة من اجل رضي النفس المقنعة بالزيف او الاستفادة او التملق.. فاذا كانت مستويات التفكير تصل الي هذا الحد من النزق مع اناس قضوا حياتهم في القراءة والكتابة والاشراف العلمي والمشاركات الدولية؟ فكيف تعاملون الجيل الجديد وطلبة الجامعات لديكم بحق السماء؟! اذا كنتم لا تفقهون لغة الاختزال، فليس من مهمتي ان اعلمكم القواعد العامة للكتابة! وكم اتمني علي الكتاب الجدد من العراقيين او العرب، ان يقرأوا كتاب ابن الاثير (المثل السائر في ادب الكاتب والشاعر) بمجلديه الاثنين كي يتعلموا آداب الكتابة، قبل ان يتعلموا منهج الجدل عن ارسطو، وبدل لغة الشتائم السوقية التي تعلموها بجدارة من الشوارع الخلفية والازقة الضيقة والاجتماعات المغلقة والاوكار الخفية!
التشنج والتعصب داء قاتل ان اغلب العراقيين من الاقوام الذكية، ولكنهم يتشنجون بسرعة ويتعصبون بلا تفكير.. وتجدهم فجأة وقد افتقدوا أعصابهم وصوابهم وباتوا لا يتمتعون باللباقة ولا اللياقة ولا بحسن التدبير او التعبير او التقدير. ويبدو ان بعضهم لا فرق عنده بين حز الرقاب وقتل الابرياء او نحر الكتابات وتشويه الاسماء! ان من الحكمة قبول الرأي الاخر اذا كان الرأي عاقلا وضمن سياقات (الزمالة) التي يقحمها البعض عليك وانت في غني عنها.. والرجل الذكي باستطاعته ان يرسل برسالته او مقالته التي تتضمن ما يؤمن به من افكار تخالفك باسلوب خال من التجريح وخال من البذاءات، اللهم الا اذا كان المقال سياسيا من الدرجة الواطئة او ان نستسلم لتجريح احدنا الاخر، او نتحول الي باعة خردة سياسية او كتابية في سوق مريدي! وهذا ما لا يفعله ابدا العقلاء الذين يحترمون اسماءهم وتخصصاتهم..
اصول النقد وقواعد الجدل من يكتب نقدا حقيقيا علي مقال محدود ومختزل الكلمات والافكار، فهو امر رائع يعني مدي الاهتمام الذي اثاره ذلك " المقال " بما فيه من " رؤي " و " افكار "، اما ان يعبث بالنص وتوزع الاحكام عليه ويوصف صاحبه بشتي الصفات غير اللائقة، فهذا ما لا يمكن قبوله ابدا.. كيف يمكنك ان تدّعي زمالته وهو لا يعرفك ولم يلتق بك ابدا، بل ولم يقرأ لك ابدا..؟؟ ينبغي ان يعيد المرء قراءته لنفسه ويحترمها قبل ان ينتقد غيره من الاخرين! والمرء من هذا النوع يحاول الصعود علي سلالم مكسرة. ان من ساهم بدراساته وكتبه ـ مثلا ـ في بلورة فكر العولمة في الثقافة العربية ومنذ قرابة عشرين سنة لا يمكنه ان يستسلم لهواجس التوجس من الحداثة والمعاصرة والعولمة! وينبغي علي كل من ينتقده ان يراجع تلك الكتب والدراسات باكثر من لغة حتي يعرف المرء كيف يخاطبه وكيف يكتب عنه.. لا يمكنك ان تضمن بمقال صغير طبيعة النظم السياسية العربية في القرن العشرين.. والا نكون من المجانين..! ان وجهات النظر عديدة حول بعثرة ما يجري في عالم كان الناس وما زالوا يسمونه بـ (وطن عربي)، ولا يمكنك البتة ان توقف الحالة المعاصرة التي يهذي بها الناس! منذ زمن طويل فصلت بين مبدأ " العروبة " وبين ايديولوجية " القومية العربية "، فلا يمكن ان يزايد علّي هنا احد، او ليعلمني كيف نمّيز بين الاثنين.. ان من الواجب ان لا يتسرّع المرء في اطلاق الاحكام.. ولا ادري كيف يضلل القارئ بتزوير ما قلت وتبديله اذ لم اقل أبدا بأن العروبة ايديولوجيا، بل القومية العربية هي الايديولوجيا.. كيف باستطاعة المرء ان يوهم الاخرين بعكس ما أؤمن به وبعكس ما كنت نشرت.. ويأتي ليوزع الاحكام ضدي علي هواه.. كتب ضدي النص التالي: " مع تحفظنا علي ما وقع به الكاتب، من الخلط بين العروبة كمصطلح، او كتكوين افتراضي يراد به التعبير عن الشعور بالانتماء، او كآيديولوجيا تعبوية بتوجهات ومقاصد سياسية، وبين القومية العربية كواقع عرقي ثقافي وتأريخي" (انتهي كلامه) ان هذا تضليل وتحريف متعمّد، فالعروبة التي اعتقدها هي الواقع العرقي والثقافي والتاريخي وليست القومية العربية التي اعتبرتها ايديولوجيا جديدة! وهذا ما اوضحته منذ الثمانينيات في كتابي (العثمانيون وتكوين العرب الحديث: من اجل بحث رؤيوي معاصر، بيروت: مؤسسة الابحاث العربية 1985، ص 203-204)، وقد قلت في مقال لي عنوانه: (العروبة لا يحتكرها أحد!! مسافات شاسعة بين العروبة التاريخية وبين القومية العربية) " نشر في مواقع الكترونية بتاريخ 20 يوليو 2006 بأن " العروبة " هي غير " القومية العربية وقلت بالحرف الواحد: " وانها هوية ثقافية قديمة جدا ومجموعة قيم يتصف بها ابناؤها وسلسلة اساليب حياة تتوارثها الاجيال كابرا عن كابر، وانها مجموعة من بقايا القيم والمواريث، وهي كل النسق الفكري والاجتماعي والثقافي لتراث حضاري بكل حقوله والوانه وعناصره وتاريخه. اما القومية العربية، فهي ظاهرة ايديولوجية حديثة تطورت عن فكرة سياسية لا يزيد عمرها علي قرن واحد عربيا، وتبلورت متأّثرة بالفكرة القومية التي نضجت خلال قرنين من الزمن اوربيا.. ولقد وجدت القومية العربية لها عناصرها في ظروف دولية معقدة، وتبلورت نفسها في ظروف تاريخية صعبة وتأثر اصحابها بالنزعات القومية الاخري القريبة والبعيدة وبالاخص الاوربية.. " (انتهي النص الذي نشرته). وثمة نصوص اخري تؤكد هذا التفكير الذي اعتقد به، فليس من الصواب ابدا ان يتّم التحريف ضدي بمثل هذه الطريقة، وينشر علي الملأ وينتظر صاحبه مني ان ارد عليه، ولن افعلها ابدا حتي لا افرحه باهتمامي به!
اصحاب رؤية مشوشّة ان السقف الزمني الذي حددّته في المقال هو حصيلة لما قد جري في القرن العشرين من بلايا ورزايا.. انها تحمل ترسباته وقد اعدت ذلك وكررته في كل كتاباتي، ولا حاجة ان اكرره هنا ايضا.. فالامر لا يحتاج الي هذا التساؤل عن خطأ وقع فيه مؤرخ محترف!! هذا ايهام للقارئ وتساؤل في غير محله من قبل (زميل) يبدو انه لا يعرف من كتابات المؤرخ المحترف الا مقالة يتيمة واحدة ومحاضرة دولية واحدة لكي يطلق الكلام علي عواهنه.. وبعد هذا وذاك كم قلنا واعدنا القول بأن النظم السياسية تتحمل عظم المأساة، ولكن النظم الاجتماعية التي تتمثلها بقايا وجذور الماضي الصعب تتحمل مسؤولياتها في المأساة هي الاخري.. فما وجه الخطأ؟ وهل تختلط الألوان هنا؟ ونصبح اصحاب صاحب رؤية مشوشّة؟ هذا ليس من اصول الجدل ولا من اخلاقيات المهنة، وسواء اتفق معي هذا البعض ام اختلف فهو قد نسف كل كلامه واحرق كل اوراقه، فالامر لا يحتاج ان يندهش ويصعق ويتألم من نص مقال مختزل.. انه امر يثير السخرية حقا! نعم، أتمني علي البعض ان يوّسع من مداركه في قراءة رؤية نقدية محددة في مقال.. وليعلم ان لا مقالي ولا مقاله سيغّيران مجري تاريخ (الامة العربية المجيدة) وهو التعبير الذي لاكته الملايين عهدا طويلا من دون أي اعتراض! اكثر من خمسين سنة مضت وانتم تلوكون هذا التعبير من دون ان تكون لكم القدرة علي الرفض حتي همسا!! لنكن اكثر هدوءا وتقديرا في مخاطبتنا لانفسنا قبل مخاطبة الاخرين.. لنكن اكثر احتراما لامكاناتنا (المتواضعة) في تحديد خطابنا العراقي نحن مع بعضنا البعض قبل ان نتبرك بالاخرين!؟؟ لا يعقل ونحن نمر وخصوصا في العراق بمخاض صعب من التغيير التاريخي لكي نسمّي هذا الواقع السياّسي المشكّل بـ " امر واقع "؟؟ لا يمكننا ونحن سنة اولي (ديمقراطية مشّوهة) ان نفصل بيننا وبين النظم الاستبدادية ونحن نفتقد مئات العراقيين يوميا؟ هل انتم مقتنعون بأن العراق قد استقر نهائيا وقد اصبح كل العراقيين بديمقراطيين واحرار بين عشية وضحاها؟ لا ادري لماذا يقّلل العراقي من شأن العراقي المخالف له في الرأي ويلوك أغلب العراقيين تعابيرهم المشينة ضد بعضهم الاخر ان تباينوا سياسيا وفكريا وحتي اجتماعيا وثقافيا؟؟؟ انهم ما ان اختلفوا بأي رأي او فكرة حتي ينال احدهم من الاخر وبصفة شخصية؟ اتمني ان يبدأ كّل العراقيين زمنا جديدا وقد تخلصوا فيه من كل رواسب الماضي التعيس وبقاياه البائسة.. ان هذا الاسلوب لا يخدم مستقبلنا ولا يعلم اولادنا ولا يجعلنا اسوياء امام العالم.. ان استخدام تعابير مثل: التشويش والانحراف والخلط والتعسف والخطيئة والريبة والسقطات والتداعي.. الخ لا يمكن ان يستخدمها ناقد عاقل ضد مقال من صفحتين لا غير لمؤرخ يحترف الكتابة منذ اربعين سنة! ان الاسئلة لابد ان تثار ولا يتحسس منها الاخرون، فهم مستعجلون حتي في كتاباتهم وانشائياتهم الفضفاضة وهم فوضويون حتي في توزيع احكامهم غير اللائقة علي زملائهم المختصين والمحترفين. لقد جعلت ثورة الانترنيت في هذه السنوات كل الناس تكتب وتقول كلمتها.. وهذا امر رائع، ولكن غدت الوسيلة اداة للقذف والتشهير والترميز والقدح والذم.. واختلطت الامور وانقلبت المفاهيم واسيئ للمعرفة.. وغدت الذات تطغي علي الموضوع واستشرت الاساليب القميئة لجحافل من اناس لا يعرفون اصول التعامل، فكيف بهم يصبحون اصحاب قلم؟؟ للمقال صلة
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |