هل تكون عودة البعثيين . . يوماً "للقصاص العظيم"؟!

 علي آل شفاف

Talib70@hotmail.com

ليس من الغريب أو العجيب أن يخطط البعض للخلاص من البعثيين وعملاء الأمن والمخابرات الصدامية بطريقة هي ـ أصلا ـ طريقتهم, فالبادي أبغى وأظلم. وعليه فلتدور الدوائر, وليلاقي حظه العاثر.

 لكن العجيب أن يدفع البعثيون وقتلة أجهزة صدام الأمنية بالآخرين دفعا للاقتصاص منهم, وكأنهم يغررون بالناس على أنفسهم. لقد أعمى حب السلطة أبصارهم وأفئدتهم. ففيما هم يمارسون جرائمهم اليومية في قتل العراقيين وإبادتهم وحرق الثروات وسرقة الأموال والتخريب والتدمير؛ تراهم يتسكعون في أصقاع المعمورة يتوسلون بهذا, ويطمّعون ذاك, ويتآمرون مع آخر, طالبين من الجميع الضغط على الحكومة العراقية لإعادتهم, ولو بصورة محدودة للسلطة, آملين بذلك أن تُفَتّح لهم الأبواب لينقضوا مرة أخرى ويستعيدوا عرش سيدهم, الذي فر بلا مواجهة, ودون أن يطلق إطلاقة واحدة, تاركا الجمل بما حمل. متوهمين أن الشعب العراقي سينسى أفعالهم القذرة وجرائمهم البشعة.

 الأعجب من ذلك هو أن حكومتنا المنتخبة, تستجيب  لضغوطات "العم سام" و(العم) سعود والعم رمسيس والعمة سميراميس, والعمة (حيص بيص) . . الخ, وتدعو البعثيين للعودة إلى بعض مراكز الدولة المهمة التي استخدموها من قبل لقتل وتعذيب العراقيين ولسرقة ثروات العراق وتبديدها. وبالرغم من أن مجرد التفكير بإعادة بعض البعثيين إلى مواقع مهمة في الدولة هو ضعف وانبطاح غير مبرر أمام تلك الضغوطات. وهو خطأ ستراتيجي غبي, وطيبة ساذجة حد السفه, وقع فيها من قبل من وقع, إلا أن هناك من سيكون سعيدا جدا بعودتهم وظهورهم إلى العلن, وهو بانتظارهم على أحر من الجمر!

 تنتشر هذه الأيام تسريبات من مصادر متعددة داخل العراق, تتحدث عن جهات ـ غير رسمية ـ تجهز أفرادها وتستحضر إمكانياتها الاستخبارية والعسكرية استعدادا لتصفية البعثيين  العائدين, والانقضاض على كوادرهم حالما يخرجون من جحور الجرذان, وحفر الأفاعي, وثقوب الديدان. وتستعد هذه المجاميع ـ أيضا ـ لتصفية القتلة واللصوص من أجهزة أمن صدام ومخابراته الذين زرعوا ويزرعون أرض العراق بالمقابر الجماعية وبالبؤس والشقاء, وسرقوا ـ ولا يزالون ـ خيرات العراق ليبذروها في المراقص والحانات ونوادي البغاء في دمشق وعمان والقاهرة ودبي وغيرها. سيكون تطبيق خطة إعادة هؤلاء المجرمين إلى بعض المواقع  في الدولة فرصة ثمينة وفريدة ـ حسبما يؤكد ناقلوا هذه التسريبات ـ لاستدراجهم وإخراجهم من مخابئهم, وبالتالي الاقتصاص منهم, والقضاء عليهم, والتخلص من شرهم نهائيا. وينقل عن البعض أن قسما من هذه المجموعات التي تتركز في الجنوب بدأ فعلا بالتوافد على بغداد استعدادا لـ "يوم القصاص العظيم" وهي تسمية يراد منها نبز البعثيين والسخرية من طريقتهم في تسمية الأحداث.

 هناك ـ وكما يبدو ـ إشارات شبه مؤكدة تدل على أن استعدادات من هذا النوع تجري ـ فعلا ـ على قدم وساق. خصوصا من قبل التشكيلات الصغيرة نسبيا, والمعروفة بقوة تأثيرها, وبقدرتها على تنفيذ (المهمات الخاصة) من هذا النوع. كما أن لهذه التشكيلات امتدادات وعلاقات واضحة مع بعض الأحزاب والتجمعات الكبيرة المعروفة على الساحة العراقية, والتي فضلت الابتعاد ـ على المستوى الرسمي ـ عن مثل هذه الاستعدادات, وإن كانت تدعم تلك التشكيلات دعما معنويا وغير معنوي . . ربما!

 على الرغم من أن ناقلي هذه التسريبات يؤكدون أن البعثيين إذا ما وافقوا على خطة من هذا النوع, فسيقعون في الشرك المنصوب لهم, وسيكونون قد سعوا إلى حتفهم بأنفسهم, إلا أن على الجميع ـ صحت هذه الأخبار أم لم تصح ـ الوقوف بكل حزم وشدة أمام أي قرار لإعادة البعثيين إلى مواقع الدولة المهمة وغير المهمة والإصرار على اجتثاث البعث فكرا ـ نعم فكرا! وتنظيما وهيكلية. ودعك من الببغاوات التي تردد دون علم أن الفكر لا يجتث. فهناك فرق بين فكر ورأي لفرد قد يقتنع به وحده أو مع آخرين, دون أن يضر المجتمع, والفكر الذي يتحول إلى مرض وبائي منتظم يصيب مجموعة من الناس ويحولهم إلى وحوش تستلذ بالدماء والمجازر البشعة وعمليات الإبادة ودفن الأحياء في مقابر جماعية. أفلا يجتث مثل هذا الوباء؟! أم يترك لكي يحول الكثيرين إلى وحوش تفتك بالأبرياء كما يجري الآن في العراق؟!

كانت هذه من الشروط الأساسية التي لو توفرت بعد سقوط صدام مباشرة لما وصلنا إلى ما نحن فيه, ولما احتاجت بعض التشكيلات ـ التي نسمع عنها حاليا ـ لأن تخطط للقضاء عليهم في هذا الوقت المتأخر جدا.

 إن على الحكومة ـ رغب بوش أم كرهت بيلوسي ـ منع كل من انتمى إلى حزب البعث وحصل على درجة العضوية من ممارسة أي عمل سياسي. ومحاكمة كل من ثبت تورطه بجريمة ضد الشعب العراقي. أما بخصوص منتسبي أجهزة صدام الإجرامية (الأمن والمخابرات وغيرها) فهم جميعا مجرمون وقتلة ـ إلا من ثبتت براءته بدليل قاطع ـ فمنهم من ساهم بالقتل المباشر ومنهم من ساهم بالتعذيب ومنهم من ساهم بجلب الضحايا إلى الجلادين, إلى غير ذلك من الجرائم الكثيرة التي تعرض لها الشعب العراقي إبان الطغيان الصدامي. وهم يتحملون المسؤولية كاملة عما جرى كونهم دخلوا في هذه الأجهزة طوعا وعن سابق تصميم وإرادة ودون إجبار, بل برغبة وتفاخر على البسطاء.

 إن إخراج كوادر البعثيين إلى العلن بهذه الطريقة, يذكرنا بما حصل في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي عندما لجأ البعثيون ـ أنفسهم ـ إلى طريقة خبيثة للتخلص من خصومهم التقليديين آنذاك ـ قبل بروز الأحزاب الإسلامية ـ وهم الشيوعيون. فقد كان قسم كبير من قواعد الشيوعيين وقياداتهم غير معروفة لسلطة البعث حتى تلك اللحظة. فأقام البعثيون ما أسموه بـ  "الجبهة الوطنية والقومية التقدمية", ودعوا الشيوعيين إليها, وسرعان ما انخدع الشيوعيون ودخلوا تلك (الجبهة). وانتقلوا إلى مرحلة العمل العلني, بالرغم من معارضة بعض قياداتهم وقواعدهم لذلك. وهكذا تمكن البعثيون من الحصول على كل ما يحتاجونه من معلومات مفصلة عن الشيوعيين. ثم قادوا حملتهم المعروفة ليصطادوا أغلب قياداتهم وقواعدهم, إلا من استطاع الفرار. وبذلك استطاعوا تحييد الشيوعيين في الساحة السياسية العراقية الداخلية تماما. وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية الحالية لا تلجأ إلى أساليب خداع من النوع البعثي, إلا أن من  سيتلقف بشغف مثل هذه الفرصة السانحة للقضاء على البعث ـ على ما تذكر التسريبات ـ هم أناس آخرون ليس للحكومة أية علاقة بهم. وهذا هو الفرق بين الحالتين أو بين حكومة البعث والحكومة العراقية الحالية المنتخبة التي تأنف أن تلجأ لمثل هذه الأساليب.

 لا يبدو لي أن هناك أية خدعة في الأمر, لكن مجريات الأحداث وسيرورتها هي التي ستقود إلى هذه النتيجة, فهناك من أعماه حب السلطة, فأوقعه في الشرك الذي نصبه هو للآخرين, الذين أفلتوا منه وينتظرون سقوطه فيه ليعيدوا الكَرّة عليه. ويردوا له الصاع بصاعين أو ثلاث أو عشر.

فالبادي أبغى وأظلم. وعليه فلتدور الدوائر, وليلاقي حظه العاثر.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com