نشأة المستكبرين في فكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس)

 

عدنان الجعفري / مؤسسة اليوم الموعود الثقافية / الكوفة المقدسة

al_moaood@yahoo.com

روي في الحديث القدسي عن الباري جل وعلا (( الكبرياء ردائي فمن نازعني ردائي ادخلته ناري ولا ابالي )) مما لهذه الصفة المذمومة من اثر في سلوك الفرد .

وبما ان المجتمع مجموعة افراد فيكون التأثر بهذه الصفة قد تؤدي بالمجتمع نحو الهاوية والعياذ بالله .

وعندما ارتأيت كتابة موضوع حول المستكبرين تبادر الى ذهني سؤال ما هوسبب نشوء الاستكبار في الانسان وما هي الدوافع ؟ فكان من التجاوز والتعدي ان اجيب عن هذا السؤال فأرتأينا ان يكون هذا الجواب هو من احد عباقرة القرن العشرين والمفكر الاسلامي الشهيد محمد باقر الصدر )قد (لاعطاء الجواب الشافي والفكري الذي يستفيد منه القاريء الكريم , فليس غايتنا هو مجرد نشر مقالة لحب الظهور قدر ما نريد ان يتنور القاريء العزيز ولما لهذه الصفة كما اسلفنا من مرض سرطاني يجب الاقلاع عنه .  فعندما نشخص الداء قد شخصنا الدواء فأن هذا الداء هو من اصول الكفر الذي ذكره الامام الصادق(ع) في الرواية  (( اصول الكفر ثلاث : الحرص والحسد والكبر (( فكان لزاماً علينا ان نفهم سبب نشوء التكبر والمستكبرين وقد ذكره لنا السيد الشهيد محمد باقر الصدر)قدس( في احدى محاضراته قائلا :-

ان الاستكبار في الارض منشأه أمران الاول نفسي والثاني اجتماعي :-

 السبب النفسي :-  قال تعالى ((فأذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ))

وقال تعالى (( وهديناه النجدين )) وقال تعالى ((انا هديناه السبيل اما شاكراً واما كفوراً )).. وآيات كريمة كثيرة ابرزت هذا المعنى في خلقة الإنسان النفسية بانها نتاج عنصرين الاول حفنة التراب وما تشكل به جسده يستتبع ذلك جميع حاجاته , والثاني نفخة الروح الربانية وما يستتبع ذلك جميع الفضائل والقيم التي ترشده وتهديه الى سعادته في الدنيا والاخرة فرداً ومجتمعاً . اذاً الانسان مجموع نقيضين اجتمعا والتحما فيه , حفنة التراب تجره الى الارض , تجره الى الشهوات والميول والاهواء تجره الى كل ما ترمز اليه الارض من مادة وطمع وجشع واستغلال , وروح الله تعالى التي نفخها فيه ترفعه الى اعلى تتسامى به الى حيث صفات الله الى حيث اخلاق الله الى حيث العلم والقدرة والرحمة والألفة والتسامح .

الانسان واقع في تيار هذا التناقض . هذا الجدل ،  بحسب محتواه النفسي ، بحسب تركيبه الداخلي . هذا التناقض وهذا الجدل هو الاصل والعين المنتجة لكل انواع التناقضات الاجتماعية بين الانسان والانسان , بحسب تغلّب احدى القوتين داخله , وهذه التناقضات تتخذ صيغاً متعددة والواناً مختلفة كالطبقية والعرفية والإقليمية وألوان الاستغلال والظلم والتسلط والنهب والسلب الظاهر منه والمبطن ....الخ عندما تتغلب حفنة التراب ولكنه يضل في حقيقته وجوهره شيئاً ثانيا وحقيقة واحدة وهي التناقض بين القوي والضعيف بين كائن في مركز القوة وكائن في مركز الضعف فالقوة والضعف وجودان اجتماعيان فطريان بحسب الاختلاف بين افراد الجنس البشري . وهذان الوجودان ليس فيهما خطراً اذا كانت العلاقة بينهما علاقة تعاون واتحاد لصالح الطرفين . ولكن الخطر الفضيع فيهما عندما يحتويهما الصراع الداخلي والجدل الأساسي في الإنسان فيحول ساحتهما الى صراع واستغلال من القوي للضعيف بسبب تغلب حفنة التراب المادية على نفخة الروح ومعطياتها السامية ومن حيث بدأ الاستغلال كمطلب نفسي في الانسان يبدأ الاستكبار كظاهرة اجتماعية .

السبب الاجتماعي :- قال تعالى (( كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه )) .

وقال تعالى (( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب  (( وقال رسول الله )ص))( حب الدنيا رأس كل خطيئة ((  . وكما قلنا ان المجتمع بجميع تركيباته اما ينشأ وفق احكام الله وشريعته وذلك هو المجتمع الصالح الذي ينتفع بوجوده كل فرد فيه , وأما ان تسيطر عليه جماعة من المستغلين المستكبرين الذين يعملون بما تهوى انفسهم وما تفرض عليهم طبيعة شهواتهم واطماعهم وذلك هو ((المجتمع الفرعوني)) الذي يتضرر غالبية الناس فيه  . والانسان الذي لم يحل تناقضه الداخلي وضل عن الهوى والعلم بهذه الحقيقة واتبع هواه وشهواته وكان في موقع القوة والسلطان او استطاع ان يصل الى ))السلطة(( في المجتمع لابد وان يستغل الاخرين ويسلبهم حقوقهم ليتمكن من اشباع شهواته المحرومة التي لا تشبع وكلما توغل في حب الدنيا اكثر كلما عمي عن الحق اكثر وظلم واستكبر اكثر حتى يمسي ))فرعوناً(( متجبرً طاغياً يستحل الحرمات ويقتل من يقف في طريقه وطريق اهوائه وشهواته .

فالمجتمع ووجود التفاوت بين الناس في القدرة والذكاء والشجاعة والمال كل ذلك بؤرة ومناخ لظهور المتجبرين والمستكبرين فيه .

والمستكبرون انما خصهم الله تعالى بهذا الاسم لان آخر خطوة في طريق ظلمهم وإشباع شهواتهم المحمومة هي التعالي والتكبر على الآخرين والنظر إليهم على أنهم يستحقون من المنافع والمكاسب التي تثمر عن اجتماع الناس كما هم يستحقون , والاستكبار عن ايات الله هو العزوف عنها والاعراض عن معطياتها بعنوان(بطلانها ) بسبب ما فيها من ( الخطر الذي يهدد طريقة الناس والطبيعة . وآيات الله ليست فقط تلك النصوص القرآنية بل ان كل حقيقة إنسانية واجتماعية وطبيعية تهدي الانسان الى سعادته في الدارين هي اية من ايات الله .

وهؤلاء المستكبرين يرفضون هذه الايات ويكذبونها لا لكونها حقاً او باطلا وإنما لأنها تهدد مصالحهم فقط . ولذا فالمجتمع الفرعوني يعمد المستكبرون فيه الى سد جميع المنافذ التي تهدي الناس وترشدهم الى الحقيقة ويقوم المجتمع على نحو من النظام والعرف والدين اصله وفرعه في خدمة صالح المستكبرين , فحتى طريقة حياة الافراد الشخصية يفرزها ذلك المجتمع على نحو لا يخرج عن خط المتكبرين . وقد يكون  المستكبر فرداً فرعونا . وقد يكون شعباً او امة , وبهذا يكون السبب الاجتماعي مكملا للسبب النفسي لوجود المستكبرين في مجتمعات الناس , وهذا السبب مكملا وليس شرطاً حيث ان الانسان يمكن ان يكون مستكبراً وهو ليس في السلطة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com