|
القومية والفكر الغربي
عدنان الجعفري / مؤسسة اليوم الموعود الثقافية / الكوفة المقدسة عند الحديث عن القومية لابد أن لا تخلط الأوراق وبذلك يحصل سوء فهم فالقومية (شيء) وحب الوطن أو ما يسمى بالوطنية شيئا أخر وموضوعنا ألان هو الحديث عن (القومية ) من حيث أسباب النشوء والانتشار في العالم الغربي الأوربي والعالم العربي فالقومية هي (مذهب فكري) نشأت وترعرعت في الغرب منذ اندلاع الثورة الفرنسية التي تبلورت خلالها معظم أسس الفكر القومي ومبادئه وطبق هذا المذهب - أي المذهب القومي – عمليا للمرة الأولى ومع انتشار وتوسع نفوذ الثورة الفرنسية في بلاد الغرب انتشرت فكرة القومية انتشارا أسرع بكثير من مفهوم التحرر والديمقراطية التي تبناها الاتجاه الغربي وقد أدى تولي نابليون الحكم إلى تسريع انتشار القومية في الغرب ومن الأسباب التي دعت إلى انتشار القومية في أوربا وخاصة بعد ما يسمى بعصر النهضة هي فطرة الإنسان على الدين فالإنسان لا يستطيع أن يعيش بلا دين وعقيدة ومبدأ حيث أن الضربات التي لحقت ( بالكنيسة) بعد النهضة والتطورات التي تلتها ، فلم يعد للمسيحية حضور في أوربا كعقيدة حية وبرز في الغرب شعور بفراغ روحي شديد حيث شعر الغربيين بأنهم لا يملكون شيئا يتمسكون به كما إنهم يفتقدون إلى قوة محركة تدفع الناس للنهوض فخلقوا مضطرين (( القومية)) كأيدلوجية ودين و شبه مذهب و هكذا كان ضعف المسيحية وفشلها والفراغ الناجم عن انعدام رؤية كونية متطورة في الغرب عاملاً في نشوء القومية في الغرب وكذلك الظروف السياسية التي سادت الغرب حينذاك من سباق رهيب نحو استعمار البلدان ونهب ثرواتها فقد كان سببا في نشوء القومية وذلك لتحفيز الشعوب الغربية وإثارة مشاعرها وعواطفها القومية نحو التضحية من أجل( الوطن ) واستعمار البلدان حتى جعلوا شعوبهم في القمة والشعوب الأخرى أطلقوا عليها ( دول العالم الثالث ) أما العالم الثالث في نشوء القومية كفكر هو تجذر النظام الرأسمالي في الغرب حيث كانت القومية من جهة وسيلة يستخدمها أصحاب المصانع والرأسماليون الكبار في الحفاظ على السوق المحلية لاستهلاك منتجاتهم الصناعية وذلك من خلال إثارة مشاعر الناس القومية لدفعهم نحو استهلاك المنتجات المحلية فقط وإثارة مشاعر تفوق القومية في الحكومة والشعب على استعمار بعض البلدان الأضعف ....... ومن خلال هذه العوامل التي ذكرناها كانت لها دور مهم في نشوء ( القومية ) في بلاد الغرب أما إن فكرة نشوء القومية في البلدان العربية الإسلامية فهذا من نتائج الغزو الفكري والثقافي الغربي للمجتمع العربي والإسلامي حيث إن العوامل التي وجدت في بلاد الغرب لنمو ( القومية ) هي غير موجودة في البلدان العربية والإسلامية ، فلا وجود للمسيحية المنحطة لكي تؤدي الى التخلي عن الدين كما أنه لا وجود للشعور بالفراغ من العقيدة والمبادئ كما أنه لا وجود لظروف سياسية كالظروف التي نشأت في بلاد الغرب والرأسمالية .... فكل تلك الظروف لم تتواجد في بلاد الاسلام وخاصة وجود الإسلام كعقيدة وفكر حي وشامل يرفض أساساً اقتباس المذهب القومي .... إذن كيف نشأت القومية في البلدان العربية والإسلامية ؟! ( فالإسلام فوق كل قومية ) كما يقول السيد مقتدى الصدر ( نصره الله) ولكن مع شديد الأسف قد دخل الفكر القومي بلاد الإسلام وفي القرون الأخيرة أثر أملاءات الاستعمار وأثاره السلبية في الشعوب التي تم احتلالها من جهة وغباء المثقفين والقوميين المرتبطين بالخارج فكان القوميون والمثقفون اللذين تأثروا بالفكر الغربي قد تجاهلوا الحقائق الخاصة بثقافتهم وبلدانهم فكانوا يضنون أن كل تجربة نجحت في الغرب قابلة للتكرار في الشرق أيضا ،فلم يكن تقليدهم الأعمى قد أبقى لديهم القدرة على التشخيص ليدركوا أن هناك فرقا شاسعاً بين الغرب والبلدان الإسلامية من حيث الظروف السائدة ، فالغرب كان يواجه المسيحية والكنيسة المحطة بينما هنا الإسلام المتحرك والثوري كنظام ودستور يقود الحياة وعلى كل الأصعدة رغم كل الهجمات الشرسة على الإسلام وتصويره للناس على أنه نظام رجعي ولا يواكب التطورات والتقدمية التي يشهدها العالم وكان من أهداف الفكر الغربي هو رمي الشبهات والتهم لأبعاد الناس عن الإسلام وجعله دين طقوس وموروثات كي تخلو الساحة للنظام العلماني ليقود الناس بعيداً عن المخطط الذي رسمته السماء لهم ، فقد ظهرت في القرن التاسع عشر في مصر وتركيا كأول بلدان تغلغل إليها الفكر القومي وساعد الفرنسيون وخاصة ( نابليون) في إنضاج الشعور القومي المصري وكان رفاعي الطهطاوي من أوائل المتغربين المصرين الذين طرحوا الفكر القومي وتم دعمه في المحافل الفرنسية حتى عاد إلى مصر ونشر نظرية ( منتسكيو ) حول القومية والوطن وكان الرائد للقومية المصرية هو ( يعقوب ضوع) الذي كان من أب يهودي وأم إيطالية كما يذكر مصادر الباحثين في الشأن السياسي والتاريخي وهكذا نشأ رواد القومية كأمثال ( طه ياسين ولطفي السيد وغيرهم ) الذين كانوا من المتغربين المنهزمين والمتأثرين بالفكر الغربي وقد ساعدهم حصول القوى القومية على نفوذ في الميدان السياسي المصري ..... وهكذا وجدت نماذج كثيرة قد وضعها الاستعمار ر في باقي البلدان العربية والإسلامية لزرع الحضارة الغربية في البلدان العربية والإسلامية حيث لم يكن أثراُ للقومية والعلمانية التي هي ( فصل الدين عن السياسة ) والديمقراطية التي تعتبر – هذه الثلاثة –المفاهيم الرئيسية للسياسة الغربية التي دخلت العالم الإسلامي خلال القرن الأخير حتى ترعرعت بعد مصر في سوريا ولبنان الرائدتين في إضهار القومية العربية حيث كانت أرضية خصبة لزرع هكذا بذور وكان العامل الرئيسي لانتشار هذه الافكار وجود الأقليات المسيحية واليهودية والمثقفون المرتبطون بالغرب من حيث الانتماء الفكري أو كعملاء زرعهم الاستعمار الفرنسي والبريطاني والأجنبي في البلدان العربية والإسلامية وكان حصة العراق مؤخراً هم القوميين البعثيين الذين تناموا في العراق وحكموا وجعلوا من أفكار ( حزب البعث ) شريعة سماوية ودستوراً إلهيا ، فمن لم يكن معهم فهو عدوهم وبذلك زرعوا الحكام العرب المنفذين لمخططات ومصالح الغرب وما زالت شعوب الشرق الأوسط الكبير تعاني إلى يومنا هذا من التيارات القومية والعلمانية وكما نرى اليوم مشروع الشرق الأوسط الكبير لنشر فكرة ( الديمقراطية) بديلاً عن الإسلام كحكم وكدستور وقد دفعوا الخسائر الباهظة من أجل تثبيت الفكر الليبرالي ( الديمقراطي ) في الدستور وجعله نداً وحجر عثرة بوجه النظام الإسلامي وبذلك كان كل رواد القومية وباقي النظريات الغربية قد إقتبسوا أفكارهم ونظرياتهم من الغربيين ، فكان شيوع القومية بين العرب والأتراك والأكراد والإيرانيين نتيجة لدخول المفاهيم الغربية إلى بلدان هذه الشعوب فكانت القومية تقليدا لنماذج الغرب وإملاءات الاستعمار أدى في النهاية الى تبعية البلدان التي تتبنى هذا الفكر للشرق أو الغرب فانتبهوا أخوتي في الله إلى هذه الأفكار والابتعاد عنها فأنها تشتيت للشعوب التي استقلت تحت خيمة ( لا أله إلا الله محمد رسول الله) ..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |