|
كلاشنيكوف والحكومة العراقية
جودت هوشيار كلاشنيكوف الأنسان والبندقية لعل البندقية الآلية المعروفة بأسم ( كلاشنيكوف ) هى أشهر بندقية من نوعها فى العالم أجمع ولها تأريخ مجيد لا يمحى بمضى الزمن، فقد كانت سلاحا ماضيا فى أيدى الثوار المناضلين من أجل التحرر الوطنى والدفاع عن حرية الشعوب وكرامة الأنسان فى كل مكان: من ثوار أميركا اللا تينية وفى مقدمتهم المناضل الثورى جيفارا الى بيشمركة كردستان وفى أيدى ثوار المدن الكردية خلال أنتفاضة آذار 1991 المجيدة والثوار المناضلين قى بلدان أخرى كثيرة. وهى البندقية الآلية المفضلة لدى معظم جيوش العالم. وقد لا يعرف الكثيرون ان كلاشنيكوف هو لقب مصمم وصانع هذه البندقية الممتازة واسمه الكامل ( ميخائيل تيموفيفيج كلاشنيكوف ). قبل عامين تقريبا حضر كلاشنيكوف ( معرض ومؤتمر الدفاع الدولى ( ايدكس 2005 ) فى أبو ظبى.وكان معرضا هائلا شاركت فيه كبريات الشركات المنتجة للأسلحة ودعى اليه عدد كبير من أشهر وأفضل مخترعى ومصممى الأسلحة فى العالم وعرض فيه أحدث أنواع الأسلحة من شتى الصنوف: من أنظمة الدفاع الصاروخى والجوى والدبابات والمدرعات الى الغواصات الصغيرة. ولكن كلاشنيكوف كان أكثر المشاركين اثارة لأهتمام ممثلى وسائل الأعلام العالمية وخطف الأضواء من مصممى الصوارخ والطائرات والغواصات لسبب بسيط هو أن هؤلاء لم يكونوا معروفين، ولكن الكل كان يعرف كلاشنيكوف، لأنه فى أذهان الكثيرين هو بندقية وليس انسانا. ولحسن الحظ فأن بين أيدينا سبرة هذا المخترع الفذ، كتبه بنفسه فى تواضع العباقرة الحقيقيين. أقول لحسن الحظ لأن المخترعين والعلماء الذين اسهموا فى نوفير حياة أفضل للبشر، قلما كتبوا ونشروا مذكراتهم وسيرهم الذاتية، على خلاف الأدباء والشعراء الذين لا يكلون ولا يملون من كتابة ونشر مذكراتهم من اجل أبراز انجازاتهم الحقيقية والموهومة. كتب كلاشنيكوف فى سيرته الذاتية يقول: ( كثيرا ما يسألوننى ان كنت راضيا عن مصيرى ؟ أجل اننى راض، لأننى كرست حياتى من أجل عمل ضرورى لشعبى. وبطبيعة الحال ليس السلاح جرارا ومحراثا وحاصدة ولكن لا يمكن الدفاع، لا عن هذه الأرض ولا عن الناس الذين يزرعونها من دون سلاح ). كان كلاشنيكوف يهوى الميكانيك منذ نعومة أظفاره، وهذا العشق هو الذى قاده الى ور شة صيانة ميكانيكية فى محطة ( ماتاى ) للسكك الحديدية فى آسيا الوسطى، حيث بدأت حياته العملية و فى أثناء خدمته العسكرية فى الجبش السوفييتى قبل الحرب العالمية الثانية تعامل مع الميكانيك، فقد كان قائد دبابة، ومنحه المارشال زوكوف ساعة ذهبية نقش عليها اسم كلاشنيكوف لقاء اختراعه لجهاز مراقية عمل محرك الدبابة. صنع كلاشنيكوف أول بندقية آلية فى حياته بالأشتراك مع أحد أصدقائه فى تلك الورشة الميكانيكية.و حين ذهب الى مدينة (الماتا ) وعرض اختراعه على القيادة العسكرية فيها، اعتقل على الفور لحيازته وحمله سلاحا من دون ترخيص. ولكن هذا الألتباس لم يدم طويلا حيث انتهى الأمر بالأعتراف به صانعا ماهرا للسلاح وميكانيكيا موهوبا.ثم صنع كلاشنيكوف بندقية من طراز (أى1) حظى بأستحسان وموافقة مصمم الأسلحة الشهير الأكاديمى ( أناتولى بلاغونرافوف ) ولكن كان على كلاشنيكوف ان يقطع طريقا طويلا مليئا بالعمل المضنى والتجارب المريرة قبل ان يصل الى هدفه وهو صنع بندقية آلية ذات كفاءة عالية وسهلة الأستخدام فى آن معا. فى البداية رافقته الأخفاقات، حيث دلت التجارب العملية أن بندقيته كانت أسوأ من الرشاشة ( سوداييف ) ولم يحظى بالموافقة عدة تصميمات ونماذج لبنادق ومسدسات من صنعه قدمها الى الجهات المختصة. النجاح الأول كان متواضعا ولم يكن له وحده.فبعد وفاة ( بلاغونرافوف ) قام كلاشنيكوف بنحسبن البندقبة التى صنعها الأخير. ثم جاءت البندقية التى تحمل اسم (اى كى 47) وهو اختصار لعبارة ( افتومات كلاشنيكوفا ) أى البندقية كلاشنيكوف الهجومية التى استخدمها الجيش السوفييتى للمرة الأولى العام ( 1947، ويمكن ان تكون قاتلة عن مسافة ( 1500 ) متر. وهى من حيث كفاءتها وتكاملها يمكن مقارنتها بأفضل أنواع الدبابات والطائرات وهذه حقيقة لا يمكن انكارها، حيث توجد فى العالم مئات الأنواع من البنادق الاوتوماتيكية بينها عشرات من البنادق الجيدة وعدة بنادق ممتازة ولكن (اى كى 47) كانت الوحيدة من نوعها حيث أثبتت دقة تكنيكية عالية وفعالية قتالية كبيرة، اضافة الى متانتها وقوتها وسهولة استخدامها وبفضل هذه الخصائص مجتمعة اصبحت اكثر الأسلحة شهرة واستخداما فى فئتها وراجت فى العالم بأسره. كانوا يشترونها فى كل مكان، سواء من روسيا مباشرة وعن طريق دول أخرى. . أما الذين لم بكن بوسعهم شراؤها – الأميركان مثلا – فقد كانوا يتباهون بها حين ينجحون فى الحصول عليها. ففى أحراش فيتنام كان الجنود الأميركيون يلقون بسلاحهم جانبا ويستولون على بنادق ( أى كى 47 ) من الفيتناميين الذين قتلوهم. ويقول تقرير أعده ائتلاف " سيطروا على الأسلحة " الذى يضم منظمة العفو الدولية واوكسفام انترناشونا ل وشبكة التحرك الدولى حول الأسلحة الخفيفة ونحو( 600) منظمة غير حكومية " ان حوالى (100) مليون بندقية كلاشنيكوف متوافرة الآن فى العالم، لا سيما فى ترسانة 82 دولة فى الأقل. وهى البندقية التى كتب عنها مؤرخ الأسلحة الأميركى الشهير ( كلينون ايزيلب ) كنابا كاملا. ويقول كلاشنيكوف " ذات يوم التقيت وزير الدفاع الموزمبيقى وقال لى... حين نلنا حريتنا بمساعدة بندقيتك عاد الجنود لديارهم واطلق من رزقوا باطفال على أبنائهم اسم كلاش." ذات مرة تحدث أحد الصحفيين الى كلاشنيكوف عن شهرته العالمية وأنه كان من الأفضل أن لا يكون ثمة هذا المجد !! هز كلاشنيكوف رأسه بالنفى ثم قال: - كان من الأفضل أن لايكون هناك سلاح على وجه الأرض اطلاقا ولكن ما دام السلاح موجودا، فمن الأفضل أن يكون ثمة هذا المجد.
ملكيون أكثر من الملك: ربما يتساءل القارىء ما الذى دعانا الى كتابة هذا المقال ؟ ولكن دعونا نقرأ معا هذا البيان العجيب للحكومة العراقية التى صدر عدة أيام. " تسلم الجيش العراقي الدفعة الأولى من بنادق خفيفة أميركية الصنع ضمن برنامج تسليح يؤمّن قدراته وإمكاناته القتالية وجاء في البيان، أن الجيش العراقي تسلم الدفعة الأولى من بنادق M16 وM4 الأميركية الصنع ضمن برنامج تسليحي لتطوير قدراته القتالية. وأضاف البيان أنه تم إعداد برنامج تدريبي للمقاتلين على هذا السلاح المتطور في معسكر تدريب البسماية جنوب شرقي بغداد لغرض إعدادهم لاستخدامه بمهارة عالية. وأشار البيان إلى أن السلاح الجديد ذو مواصفات فنية عالية تمكن المقاتلين من تنفيذ واجباتهم بكفاءة في عمليات الحماية والاشتباك والرمي، وهو سهل الحمل والاستخدام من قبل الوحدات الراجلة والمحمولة." وجاء فى تصريح للناطق بأسم وزارة الدفاع العراقية أن هذه الوزارة قررت الأستغناء عن البندقية الآلية ( كلاشنيكوف AK 47 ) المتخلفة واستبدالها بالبندقية الأميركية الصنع المتطورة ( 16M ) !!!. ولكن خبراء الأسلحة الحقيقيين يقولون ان بندقية ( كلاشنيكوف أفضل أداءا وأكثر تطورا من( M16) الأميركية لأن الأخيرة مثقلة بعدد كبير من الأجهزة غير اللازمة التى تشل عمليا فعالية عمله وان (أى كى 47 ) أكثر فعالية فى الظروف المناخية الصعبة من بندقية ( م 16 ) الأميركية. ويكفى التأكيد فى هذا المجال - كما جاء فى جريدة " الشرق الأوسط اللندنية " – أن الجيش الأسرائيلى قرر التخلى عن (16M ) لصالح البندقية العبرية " تابور " وهى نسخة معدلة من الكلاشنيكوف، وذلك بعد المواجهات التى وقعت مع الفلسطينيين وخاصة فى مخيم جنين، حيث كان واضحا ضعف أداء ( M16 ) فى عمليات الألتحام المباشر، ناهيك من أن رصاص كلاشنيكوف يستطيع أن يخترق من الدروع ما لا يستطيعه ( M16). ان قرار وزارة الدفاع العراقية يصب فى صالح الجماعات الأرهابية المسلحة التى تستخدم بندقية كلاشنيكوف الهجومية بكفاءة عالية ويضعف قدرات القوات المسلحة العراقية. و لا ندرى ما هى المصلحة فى شل قدرات الجيش العراقى واستخدام سلاح ضعيف الأداء وغير فعال فى عمليات الألتحام المباشر بشهادة خبراء الأسلحة فى العالم، الا اذا كان المسؤولون العراقيون الجدد ملكيين أكثر من الملك. وعازمون على الأستفادة من تجربة حازم الشعلان قبل فوات الأوان.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |