|
الأقباط بين مطرقة الكنيسة وسندان المسجد! د. شاكر النابلسي -1- لا أحد ينكر بأن في مصر أزمة كبيرة ومشكلة تتضخم يوماً بعد يوم، وهي مشكلة الأقباط، أو الحالة القبطية في مصر. ولكن باديء ذي بدء علينا أن ننحي الدين المسيحي عن هذه المشكلة. بمعنى أن لا نعالج هذه المشكلة من وجهة نظر أن هناك اضطهاداً للأقباط في مصر لكونهم مسيحيين فقط. فذلك - في رأيي المتواضع - يضرُّ جداً بالقضية القبطية، حيث يصبح الخصام في مصر مجرد خصام بين مسلمين ومسيحيين، وإن كان واقع الأمر في أحيان كثيرة هو على هذا الوجه نتيجة للتعصب الديني، وخاصة من جانب المصريين المسلمين. ومعظمهم بطبيعة الحال من الإخوان المسلمين ومن الجماعات الإسلاموية المتشددة الأخرى، التي لا تهاجم الأقباط فقط وتعتدي عليهم، ولكنها تهاجم وتعتدي على المسلمين كذلك من العلمانيين والليبراليين في مصر وبضرواة أكثر وأكبر. ودليلنا القريب الساطع اغتيال فرج فودة وهو المسلم العلماني، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ، وطرد نصر حامد أبو زيد وزوجته من مصر، ومحاولة تقديم حسن حنفي للمحاكمة، والتعتيم وملاحقة الفكر العلماني الليبرالي في مصر. أما دليلنا البعيد، فهو ما تمَّ من عزل، وطرد، وتنديد، وتهديد، وتشويه سمعة، ورمي بالكفر والزندقة والخروج من الملة، لكل من علي عبد الرازق، واسماعيل أدهم، واسماعيل مظهر، وطه حسين، وعبد العزيز فهمي، وخالد محمد خالد، ومحمد خلف الله، وأمين الخولي، وسعيد النجار، وغيرهم من المسلمين العلمانيين الليبراليين الموحدين. كذلك ما لقيه المفكرون المسلمون والمسيحيون الشوام، الذين لجأوا الى مصر في القرن التاسع عشر هروباً من اضطهاد الاحتلال العثماني لبلاد الشام كالأخوين تقلا مؤسسي جريدة الأهرام، وفؤاد صروف، وعبد الرحمن الكواكبي، وشبلي شميّل، وانطون اسحق، وجورجي زيدان، وغيرهم، والذين طولبوا من قبل المتشددين الاسلامويين ومن شيوخ الأزهر على وجه الخصوص بالرحيل عن مصر. -2- إذن، ما يشكو منها الأقباط من ظلم ذوي القربى، ليس واقعاً عليهم فقط لا في الماضي ولا في الحاضر، لكونهم مسيحيين فقط، ولكنه في جزء كبير منه وقع لكون معظمهم من الموحدين العلمانيين الليبراليين. وما زال في ذاكرة المصريين المسلمين المتشددين أفكار سلامة موسى، ومكرم عبيد، ولويس عوض، وغالي شكري، وسمير مرقص، وسامح فوزي، وحنا جريس، وجورج إسحق، وغيرهم من من المثقفين والمفكرين المصريين الأقباط العلمانيين والليبراليين. إذن، فمعركة الاقباط، ليست مع الدولة المصرية بالدرجة الأولى، سواء كان حاكمها مبارك، أو من يأتي بعده. ولكنها معركة مع التخلف العقلي المصري المسلم، وربما المسيحي أيضاً. فالأقباط واقعون بين مطرقة الكنيسة وسندان المسجد. فهناك الكثير من المحافظين المصريين الأقباط من هو سعيد بحاله ومآله، وساكت إما رضىً بما أصاب، وإما خوفاً من العقاب، وإما قناعة بما هو فيه من مآب. والذين يحملون الآن راية الكفاح والنضال المدني من الأقباط المصريين، ليسوا من المتدينين المسيحيين المتشددين من أصحاب الكنيسة، ولكنهم من المسيحيين العلمانيين الليبراليين من أصحاب النقابة، ومراكز الأبحاث السياسية العلمانية، ورؤساء المنظمات المدنية العلمانية. -3- الحركة القبطية الآن في مصر وخارجها، عليها أن تتوقف عن البكاء والزعيق، ناشرة كل يوم وقائع ما يجري من اعتداءات خسيسة ولاانسانية على الاقباط في مصر. فهذا البكاء والوعيل والزعيق لن ولم يأتِ بأية فائدة لصالح نيل حقوق المواطنة الكاملة للاقباط في مصر. فمنذ العهد الملكي في مصر، والعهد الناصري والساداتي، وعهد مبارك الحالي، وشعور الشارع الديني الإسلاموي المصري المتشدد نحو الأقباط يزداد وحشية وهمجية، والاعتداءات تكثر والكوارث تزداد. والسبب في ذلك هو خطأ المعالجة وخطأ التناول للحالة القبطية في مصر. فماذا إذن على الأقباط أن يفعلوا أيها الفصيح؟ 1- عليهم أن يتحركوا تحركاً انسانياً شاملاً لا دينياً مسيحياً ، تجاه منظمات حقوق الانسان والأمم المتحدة، وكل المنظمات التي تدافع عن حقوق المضطهدين، لا لكونهم مسيحيين، ولكن لكونهم فئة من المواطنين المصريين المظلومين والمضطهدين. وأن يكون بين تنظيماتهم مسلمون بارزون من العلمانيين الليبراليين ذوي التأثير البارز في الأوساط العالمية. فالاكتفاء بنشر المقالات في الصحافة العربية التي تعدد كمية الاعتداءات وزمانها وضحاياها، واجراء المقابلات الصحافية النارية، وشتم أنظمة الحكم المصرية وغير المصرية لن يفيد هذه القضية، بقدر ما يُعقّدها ويزيد من ضحاياها. ودليلنا الماضي والحاضر. 2- على المناضلين المدنيين المصريين وغير المصريين من المسيحيين والمسلمين أن يبتعدوا عن الكنيسة والمسجد (المطرقة والسندان) في خطابهم السياسي. وأن يطرحوا المطالبة بحقوق الأقباط في المواطنة الكاملة من وجهة نظر انسانية حداثية معاصرة محضة. فبصراحة ووضوح تام، ودون مواربة أو كلام تورية، فالكنيسة الحالية، والمسجد الحالي، ليسا متحمسين كثيراً لنيل الأقباط حقوقهم المدنية الكاملة في المواطنة، كحماس العلمانيين الليبراليين من مسلمين ومسيحيين. والتاريخ الماضي اثبت لنا بأن المساواة بين المسلمين والمسيحيين التي كان ينادي بها المسجد ليس في مصر فقط ولكن في الشرق كله، كانت كذباً وتدليساً، وكانت جرعات من المورفين المخدر، ولم تكن ايماناً واحتساباً. وأن الكنيسة في ماضيها وحاضرها، ولكونها تريد أن يكون لها دور سياسي، وهي التي تكره العلمانيين والليبراليين، لم تكن متحمسة كثيراً لأفكار العلمانيين والليبراليين من مسلمين ومسيحيين. وأن بابا الكنيسة القبطية، كان أقرب الى شيخ الأزهر من قربه من لويس عوض أو سلامة موسى أو غالي شكري أو غيرهم. وأن شيخ الأزهر، كان أقرب الى البابا القبطي من قربه من طه حسين، أو خالد محمد خالد، أو أمين الخولي، أو أحمد خلف الله، أو نجيب محفوظ، أو فرج فودة، أو غيرهم من العلمانيين الليبراليين المسلمين. 3- إن العويل والبكاء واللطم، الذي نقرأه من بعض الأخوة الأقباط، كلما جُنَّ جنون الفئات الإسلاموية الارهابية المتشددة على الأقباط، وقتلوا، أو اختطفوا، أو جرحوا، أو نهبوا، أو هدموا، لن يأتي بجديد. ما سيأتي بالجديد ويغير الموازين، ويثبّت الحقوق، ويضع الاصبع في عين الشمس، هو أن يتخلّى الاقباط في مصر عن سلبيتهم القاتلة لهم ولنا نحـن المسلميـن الليبراليين أيضاً. اعتزال وتعفف الاقباط عن خوض المعارك السياسية، وهم أكثر من 12 مليون داخل مصر، ويملكون قوة ثقافة واقتصادية وعلمية، جريمة في حقهم وحقنا نحن المسلمين الليبراليين ايضاً. عدم استعمال الأقباط لقوة المال الذي يملكونه بكثرة داخل مصر وفي المهجر في نشر وفضح تجاوزات غربان الظلام من الإسلامويين الطغاة الجهلة على مستوى المؤسسات الشرعية العالمية، جريمة كبرى في حقهم وحقنا نحن المسلمين العلمانيين الليبراليين، الذين نسعى الى قيام الدولة العربية العلمانية الليبرالية التوحيدية التي تضم كافة الملل والنحل من المواطنين. عدم وجود قيادة سياسية موحدة، من خلال حزب سياسي قبطي اسلامي علماني ليبرالي كبير، شتت القضية القبطية، وأحالها الى جزر وفرق وشلل، وبذا نجح غربان الظلام من الغوغاء البلهاء، في اطفاء جذوة النضال المدني للأقباط وللأقماط (المُكبّلين) من المسلمين. وكما قلنا، فما يجري مصر الآن ليس هجمة شرسة على الأقباط فقط، ولكنها أيضاً هجمة شرسة على المسلمين من العلمانيين الليبراليين. وموقف الدولة والشارع الديني المتشدد المصري من هذين الفريقين موقف عدائي واحد ورافض. -4- وأخيراً، إن الأقليات جميعاً في هذا الشرق الظالم الظلوم، مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى، الى الاستقواء بنفسها. بمعنى أن تركز جميعها نشاطها في منظمة واحدة للدفاع عن حقوقها أمام الضمير العالمي، والعقل العالمي، والرأي العام العالمي، وليس فقط أمام ضمير الشرق وعقله، حيث لا ضمير ولا عقل في هذا الشرق. ومن هنا انطلقت شعلة (منظمة الدفاع عن الاقليات والمرأة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا) (MEMWA) من زيورخ، لتبدأ تاريخاً جديداً للنضال المدني من أجل حقوق أكثر من 120 مليوناً من الأقليات في هذا الشرق، يضاف اليهم عشرات الملايين من النساء. فمثل هذه المنظمات العالمية، هي التي ستجعل الضمير والعقل الشرقي يستقيظ، وينفتح، لاستعياب توأمه الآخر المعزول والمظلوم. السلام عليكم
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |