|
الصحافة الحرة في العراق .. طموح كبير مزقه واقع مبكي عدنان بهية حرية الصحافة .. إرث توزع بين الأمراء الجدد شكل سقوط النظام السلطوي عام 2003 بداية لمرحلة تغيير جوهري في النظام الإعلامي في العراق أسوة بالمتغيرات الجذرية في النظام السياسي والاقتصادي والبناء الاجتماعي , فقد انتهت مرحلة العمليات الإعلامية الدعائية والتوجيه و الإبلاغ المسيطر عليه بحزم ، لتحل محله مراكز إعلامية و معلوماتية تعبر عن مواضيع ووجهات نظر عامة وخاصة واسعة الطيف وأصبح الإعلام تحت سيطرة تعددية واسعة من المالكين الجدد بدلا من مالك واحد .وعلى هذا الأساس لم تعد وسائل ومراكز الإعلام ممنوعة من توجيه ونشر الأسئلة والآراء المتباينة . وبعد أن كانت عقوبة السجن مصير من يمتلك خط للانترنيت أو طبقا لاقطا لقمر صناعي , أصبحت وسائط الانترنيت والأقمار الصناعية والمطابع والاتصالات المتنقلة وجميع وسائل الإعلام و الاتصال العالمي ذات صفة قانونية ومتوفرة للجميع . هذه النظرة الأولية لحجم التغيير في منظومة الإعلام العراقي هيأت فكر المواطن العراقي في باديء الأمر نحو مستقبل مشرق وطموح للإعلام الحر ومن قبله ممارسة حق حرية التعبير من قبل الجميع ، ومن بعده جعل العراق مدرسةً للإعلام الجديد . التقييم المهني على ارض الواقع للإعلام في العراق بعد مضيّ أربعة سنوات على بدء مرحلة التغيير يحدد ملامح مختلفة تماماً ، حيث نجد إن البلاد لا تزال مبتدأة في مجالات حماية حرية الرأي والمهنية الصحفية و ضعف عام في المهارات الإدارية والإعلامية , قلة أو عدم وجود المؤسسات الداعمة لإقامة قطاع إعلامي متين وقادر على إعطاء المواطن ما يحتاجه من المعلومات ويساهم في ترسيخ الثقة في مصداقية وشفافية الحكومة . وبعد أن أصبحت المصادر الإخبارية الجمعية و المؤسساتية والخاصة في متناول كل وسائل الإعلام وتعددت طرق الحصول على المعلومات نجد إن الذي حصل هو إن معظم مخارج الإعلام الجديدة هي حزبية أو تعود لمرجعيات دينية وسياسية ذات رقابة معلنة ومفروضة شخصياً , وهي مؤد لجة أساسا بفكر أفضله لا يقبل بالرأي الآخر أياً كان مصدره , كما إن هذه الوسائل دأبت على تشغيل الو لاءات قبل الكفاءات ، مما ميزها بقلة الخبرة في إعطاء التقارير المتوازنة والدقيقة . إن قلة الخبرة تؤدي بالطبع إلى تثبيت اتجاهات و سلوك معايير و مهنية صحفية ركيكة بالرغم من وجود الأسس القانونية لحرية الصحافة في الدستور الجديد والذي لا يزال نفسه بحاجة إلى التطوير . كما إن الفوضى والنقص في القوانين والتشريعات التي تختص بالعمل الإعلامي تجعل الصحفيين غير واثقين من حماية استقلالهم واستقلال وسائلهم الإعلامية في ظل إجتهادات من لا يرغبون بوجود صحافة حرة في العراق و هم كثر الآن . يضاف إلى ذلك إن الحكومة والقادة السياسيين غير ملتزمين بإقامة أسس جديدة للحرية الصحفية وجعلها نافذة وفعالة ، ولا يوجد ما يدفعهم أو يلزمهم بذلك ,أما المجتمع بصورة عامة فهو لا يحمي الحرية الصحفية ولا توجد لديه الوسائل للقيام بذلك . إن اضعف عنصر في قطاع الإعلام هو عدم وجود القدرات الإدارية الضرورية في جميع مجالات الدولة الضرورية لبناء وسائل الإعلام القوية (الجمعيات المهنية , القضاء , القطاع الصناعي , الزراعي , السياحي), مما جعل المخارج الإعلامية لوسائل الإعلام الحالية أقرب أن تكون أدوات دعائية بالدرجة الأساس وتخدم مجموعات منتفعة أكثر من كونها تخدم الكلمة الحرة وهي بطبيعة الحال لا تراعي خدمات التوزيع و الترويج وبحوث التسويق والتخطيط الإعلامي كأدوات و أساليب حديثة للعمل والتطوير , و إن طبيعة التمويل المستمر لهذه الوسائل لا يدفعها نحو البحث عن مهارات جديدة أو طموح للتطوير والإبداع . قد يشير البعض إلى إن هذه الركاكة في البناء الإعلامي و المؤسسي هي نتيجة طبيعية لسياسة إعلامية لدولة تمر بمراحل انتقالية مثل العراق , مثلما هي نتاج لحالة انعدام الأمن فوق الاعتيادية التي يتحمل أعبائها الصحفيون بشكل عام والصحفيون العراقيون بشكل خاص . وان حصيلة ضحايا الإعلام ترتفع باستمرار مما يجعل هذه المهنة تحمل مخاطر جمة على ممتهنيها. بعد أربعة سنوات في رحلة رسم معالم السياسة الإعلامية في العراق نجد إن واقع الإعلام العراقي يعاني من المؤشرات الآتية : 1. ندرة وجود الصحافة الحرة بالمعنى المهني والحرفي و الأخلاقي للكلمة ، والموجود منها حاليا لا يحقق شروط الحد الأدنى في ممارسة حق حرية التعبير لأسباب عديدة أهمها : أ- تعرض الصحافة الحرة ومؤسساتها في اغلب المدن العراقية إلى انتهاكات كبيرة وخطيرة تمثلت بالقتل والاختطاف والتهديد باستخدام القوة من قبل أفراد أو جماعات حزبية ومسلحة ، في ظل شبه غياب لحماية المؤسسات الأمنية الحكومية لها. ب- ضعف التدريب وعدم وجود المؤسسات التدريبية القادرة على خلق جيل إعلامي يتمتع بالكفاءة المهنية وأساليب الكتابة الخبرية والتعبير و بما يضمن السلامة المهنية للصحفي ومؤسسته . ت- ضعف أو عدم وجود التمويل المستقل أو الحكومي للمؤسسات الصحفية الحرة , وبذلك فهي باستمرار عرضة للتوقف عن العمل في أية لحظة . 2. إن اغلب المؤسسات الإعلامية المحلية المؤهلة للعمل والاستمرار و إمكانية التطور التقني والفني هي مؤسسات إعلامية مملوكة لأحزاب وتيارات سياسية ودينية مشاركة في العملية السياسية , وهي بالتأكيد مؤد لجة ولا تقترب بأساليب عملها من الصحافة الحرة . 3. تكاد المدن التي لا توجد فيها مقرات لمرجعيات دينية وسياسية كبيرة أن تخلو من المؤسسات الصحفية والإعلامية المهمة , وان ما يوجد فيها صحافة محدودة الحجم والحركة والتأثير . 4. لا توجد محاولات جادة لشبكة الإعلام العراقي نحو بناء إعلام عراقي حر ومستقل في اغلب المحافظات العراقية . وقد أهملت الشبكة مؤسساتها ومنتسبيها خارج العاصمة من ناحية السكن والمقرات والقدرات الفنية والتدريب , مما جعلها بعيدة كل البعد عن تحقيق الهوية الصحفية للدولة العراقية الجديدة . وقد اتسمت بضبابية وازدواجية الرأي و السلوك بين صحافة الدولة وصحافة الحكومة رغم الإمكانيات المادية و الفنية و المعنوية الهائلة للشبكة. 5. يتعرض الصحفيون المحليون في المدن المستقرة وغير المستقرة امنيا إلى ضغوط علنية وسرية من قبل الأحزاب والتيارات السياسية والدينية تمنعهم من التعامل المهني والأخلاقي مع ما يحصلون عليه من معلومات . إن صفة من يحمل السلاح هو الحوار بقوة السلاح أما قوة العقل والحجة فتترك دائما . 6. أهملت الحكومات المتعاقبة منذ أربعة سنوات عملية التدريب الصحفي والإعلامي وقد أصبحت هذه المهمة تبتعد كثيرا عن السياقات العلمية والدولية وبذلك انخفض مستوى الإبداع والإنجاز في مهنة الصحافة وأخلاقياتها , واقتربت في أحيان أخرى من الوظائف الحكومية الخدمية مما جعلها سهلة الانقياد للحكومة أو للقوى المتنفذة داخل المجتمع . 7. لا يزال العمل الإعلامي تنقصه الكثير من التشريعات والقوانين الحامية له ولحقوقه وحرياته المكفولة دستوريا . 8. تفتقد رسالة الإعلام الموجود حاليا الرموز و الدلائل التي تربط بين التطورات السياسية و الاجتماعية الجارية وبين تنمية الإنسان في العراق بما في ذلك التنمية البشرية وتنمية المجتمع والتنمية الاقتصادية على أساس إن الإنسان هو الغاية والوسيلة في المجتمع الديمقراطي . إن تأكيد أهمية هذه الملاحظات تدعو كل من له علاقة بالإعلام والمؤسسات الإعلامية أن يتجه نحو أهداف واضحة ترفع من قيمة الإعلامي وقيمه الأخلاقية والمهنية من خلال ما يأتي : 1- إيجاد صيغ التكامل في المعايير القانونية والتشريعية التي تحمي الإعلاميين ومؤسساتهم وترفع من شان الكلمة الحرة وتوفير المعلومات العامة . 2- بناء مؤسسات تدريبية ترتقي بالعمل الصحفي إلى معايير نوعية عالمية . 3- خلق مؤسسات داعمة تعمل لمنفعة الإعلام الحر المستقل وتطويره و ضمان استمراريته من قبل الدولة العراقية غير خاضعة للحكومة مثل الصناديق والدول المانحة أو من خلال الدولة العراقية و مؤسساتها التشريعية أيضا . 4- توفير المصادر الإخبارية والمعلوماتية للمؤسسات الإعلامية والمواطنين ضمن تشريعات واضحة وإجراءات و تعليمات حكومية واضحة غير قابلة للاجتهاد من قبل رؤساء ومدراء المؤسسات الحكومية المختلفة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |