|
هل انهارَ الإتحاد السوفيتي ؟! سامي العامري من آراء المفكِّر الراحل هادي العلوي رأيٌ أعجبني : إنَّ الحضارات لا تسقط وإنما تنتقل في المكان . ويضيف : وبينما كان ابن رشد شبه مجهول في العهد العثماني كان الأوربيون يدرسونه ويطوِّرونه . ثمّ لينتهي الى التوكيد قائلاً : حينما توقَّفَ مدُّ الحضارة الإسلامية كانت منجزاتها قد انتقلت الى اوروبا ولذا فإنَّ الحضارة الإسلامية لم تسقط وإنما انتقلتْ . واذا عدنا اليوم سريعاً الى منجزات الثورة الإشتراكية في القرن الماضي نجدها كثيرة جداً وعلى مستويات عديدة ولم يحصل لها أن تقاطعتْ مع القيم الدينية الأساسية , أية قيمٍ وأيِّ دينٍ بل على العكس عزّزتْ ما ظلَّ يدعو له الدين من إيقاظ حسِّ العدالة والمساواة وتعزيز التسامح ورفض الظلم والإستغلال وصيانة كرامة الإنسان وبهذا أعطتْ الدين زخماً آخرَ أبعدَ أثراً بتخليصهِ من الخرافة والإتكالية ومن جعل مصير الفرد وبالتالي المجتمع رهناً بيد الإقطاع وسلطة رجال الدين المتخمين بما عُرفَ عنهم من جشعٍ وتخلُّفٍ وتواطىء مع أنظمة الحكم المختلفة ولم يكن هذا حال روسيا آنذاك فقط بل إن العالم بأجمعهِ كان قائماً على أساس الإستغلال الإقطاعي المِلكي والفقر والنزاعات وإذا كانت هذه الأُسس الفاسدة قد تَمّتَْ بتوفُّر الغطاء ( الشرعي ) أي الديني وتسويقها على أنها قدَرٌ إلاهيٌّ وما على البَشَر إلاّ الطاعة والإذعان لها فلماذا لا يصبح الدين وفق هذه المعايير الكريهة أخطر من أفيونٍ على الناس ؟ وما الذي يعيد للإنسان دورَهُ المُشَرِّف في الحياة غير سعيهِ الى تأديب رجل الدين الإنتهازي والسياسي المتسلِّط وجَعْلِ الدين رسالةَ تسامحٍ وعدلٍ وتكافىءِ فرصٍ وجعل السياسةِ أداةً للتقدم والإزدهار ؟ هذا من حيث الجوهر أمّا الثغرات التي تؤخذ على هذا النمط من النظام الشمولي , ومنها الدكتاتورية – وهي أصل الكارثة - فقد أملَتْها , حسب رأيي , طبيعة التطوّر السياسي العالمي , فالعقلية الإستعمارية كانت هي السائدة وهذا ما وفِّر المناخ الملائم لصعود الدكتاتوريات التي صبغتْ القرن الماضي فلم يكنْ الإتحاد السوفيتي السابق استثناءاً فاذا أعطى الإتحاد السوفيتي ستالين مثلاً فالغرب أعطى هتلر وفرانكو وموسوليني وغيرهم أمّا العرب فكانوا رازحين تحت شتى الإحتلالات ويعيشون وقف مقاييس القرون الوسطى . نعم , ليس هناك أسوء من حكم الفرد , وهذه تجربتنا القريبة تشهد أيضاً بذلك ولكن الشعب الروسي ككلِّ الشعوب الحية الأخرى نظرَ يميناً وشمالاً فوجد أفقَهُ مسدوداً وأنهُ يدور في حلقة مفرغة بينما العالم من حوله يتغيّر ويتطوّر ووجد أنه لا جدوى من مناطحة صخور رأس المال وأنَّ العالم لا يبحث عن الأمن والغذاء والصحة والتعليم فقط ولا حتى عن السعادة المادية وإنما الترف المادي كذلك بل ويزحف نحو يوتوبيا كونية ! لذا فلم يجدْ بدّاً من التجاوب مع الغرب الحديث ولم يجد صعوباتٍ كثيرة في الإنضمام اليه كحلقة مهمة ضمن هذه السلسلة بحكم تشابه الثقافة والقدرة الإقتصادية والعلمية . واللافت للنظر أنّ روسيا ومعها بلدان الكتلة الإشتراكية السابقة ما أن فتحتْ أسواقها للبضائع الغربية وتَوَسَّعَ تبادلها التجاري وغيره مع البلدان الغربية واليابان وأمريكا حتى تحوَّلت شعوب هذه البلدان الإشتراكية في نظر إيران وبلدان الخليج والإسلامويين عامةً الى شعوبٍ مؤمنة ! هذا عن بعض فضائل النظام الإشتراكي السابق ومنظومتهِ وحتى لا نخلط النهارَ بالظُلمة ! فمنذ بدايات القرن الماضي وجدنا رجال الدين والحُكّام عندنا ما أن استشعروا بغرائزهم الخطرَ المُحْدِقَ بامتيازاتهم ونفوذهم حتى سعوا الى تأليب الناس البسطاء على عدوٍّ وهميٍّ ( كافر !) بينما هُم أصل الكفر ومرتع الرذيلة وأوَّل من أساء الى مُثُلِ الدين وإلاّ فكيف لا يكون لهم وجودٌ وتأثيرٌ او حتى اعترافٌ إلاّ في الأوساط غير المتعلِّمة وأنصاف الأميين ؟ وليكنْ في علمِ المُتفيقهين الإسلاميين أنَّ العديد من التيارات الغربية او العديد من المؤسسّات الإحتكارية الغربية والأمريكية ظلَّت تعادي الفكر الشيوعي باعتبارهِ مبدأً دينياً يناضل من أجل التوزيع العادل للثروات او منع الإستغلال وأيضاً أنَّ النُظُم الإقتصادية الغربية الحالية نجد لدى مؤسَّساتها الكثير من التطبيقات الإشتراكية بشكلٍ او بآخر وتتغلغل داخل نسيج مجتمعاتها , أقول هذا وانا الذي ليس لديَّ إنتماء لأيِّ حزب او جهة , ولكن العلّة التي بقيت مستعصية لحدِّ الآن على قِلةٍ من أصحاب العقيدة الماركسية هي عدم مرونتهم في القبول بالتعامل الديمقراطي وهذا ما يضعهم على صعيدٍ واحدٍ مع البعثيين والسلفيين والتكفيريين وإلاّ فالماركسية اذا كانت تعني حكم الشعب فلا نظنُّ أنَّ الشعوب - وقد ازداد وعيُها - تقبل بغير الديمقراطية منهجاً وطريقةَ حياةٍ وهذا ما عنيتهُ بقولي أنّ الإتحاد السوفيتي لم تسقط الكثير من طروحاتهِ من حيث المبدأ وإنما انهارَ كمؤسّسات وشكل حكمٍ , ومن جهةٍ ثانية فإنّ العراق مثلاً , وقد ناضَلَتْ وضَحّتْ كلُّ أحزابهِ وتنظيماته وطوائفه وقومياتهِ دون استثناءٍ حتى تمكّنتْ من إسقاط دكتاتورٍ دمويٍّ , لا يريد أبداً أن تَستبدلَهُ بطاغية آخر مهما ادَّعى أنَّ بإمكانهِ جلبَ الرخاء للناس او القيام بمعجزاتٍ كأنْ يجعل الفيل يطير مثلاً ! كما تقول نكتة المخابرات , والعراق بلدُ ثقافاتٍ متعددة وأديان متعددة وطوائف متعددة وأحزاب متعددة لا يمكن لمَن يحكمه أنْ يتناسى هذا الحقيقة ويبقى حاكماً وعليه فالشيعيُّ مثلاً اذا كان يحلو لهُ أن يجعل الحكم في العراق له ولشيعتهِ فَحَسْبُ , عليه أن يقتدي بسيرة صدّام ليعرف كيفية التحكّم برقاب الناس ولا نحسب أنه سيصل فذاك دكتاتورٌ لا يُقلَّد ولا يتكرَّر , والأمر نفسه يصدق على السُنيّ والعربي والكردي وأصحاب الأديان والإثنيات والأحزاب الاخرى . إنَّ الإنفراد بتضحيات الملايين من العراقيين من خلال جعلها إرثاً لطائفةٍ ما او قومية ما لَهوَ كفرٌ يصيب العقائد في الصميم , و يجرح المبادىء الإنسانية النبيلة فإنهم بذالك كمَن يرى أقاربَه وجيرانه وأصدقاءَه يجدُّن ويثابرون في بناء منزلٍ جميل فساهمَ معهم في وضع لبُنةٍ حتى اذا تمَّ البناء وأصابهم الإعياء سرقَ مفاتيح المنزل وأغلقَ عليه الأبواب ! هذا التشبيه قد يبدو طريفاً ولكنهُ واقعيٌّ وهو ما يحاولهُ بعضٌ من قادة الشيعة اليوم وغير الشيعة من خلال العمل على مصادرة كفاح الآخر ونَسْبِهِ الى أنفسهم بتجاهلٍ عجيبٍ لإنعكاساتهِ وما قد يولِّدهُ من انشقاقاتٍ وصراعاتٍ وحتى مذابح ! فماذا عن ضحايا النظام السابق من الشيوعيين وهم كثيرون جدّاً وتضحيات الوطنيين الآخرين وغيرهم من الأحرار وهي كثيرة جدّاً أيضاً ؟ وقد كنتُ أحسبُ أنَّ هذه العملية أَيْ القرصنة مقتصرةٌ على وسطنا الثقافي لأنها ( مألوفة ) فيه نوعاً ما ولكن يبدو أنَّ تأثيراتها امتدَّت الى عالم السياسة لدينا لتصبح أكثر من قرصنة فكرية , لقد أصبحتْ قرصنة ( نضالية ) ! وعلى ذكر القرصنة الفكرية يحضرني الآن مثالٌ حيٌّ وهو أنني كتبتُ قبل شهرين مقالةً هي رَدٌّ على دراسةٍ قام بها الناقد الأديب عدنان الظاهر لمجموعتي الشعرية ( السكسفون المُجَنَّح ) ونشرتُها في عدة مواقع , عنوانها ( الجواهر فيما ينطقهُ عدنان الظاهر ! ) وما هي إلاَ فترةٌ قصيرة حتى وجدتُ مقالتي منشورةً في موقع ( مقهى الثقافة العربي ) بعد حذف السطور الأولى منها , ومقالتي - الردّ هذه منشورةٌ باسم مدير الموقع جمال الخيّاط ! ففكّرتُ ربما أنه خطأٌ غير مقصود وانتظرتُ التصحيح دون فائدة فكتبتُ الى السيد مدير الموقع تعليقاً على عملهِ غير المُبَرَّر وغير المفهوم هذا ولكنْ العجيبُ أنهُ نشر تعليقي تحت مقالتي التي ادّعاها لنفسهِ ! إنهُ كمَن يقول لي : لقد نسبتُها لنفسي وانتهى , وتستطيع أن تعمل ما بدا لك أن تعمل ! ومثل هكذا جَرأة مفضوحة لا تنفع معها مقاضاةٌ او رفع دعوى , إنها انعدام النزاهة او الجَرَب الذي أُصِيب به أدعياءُ ثقافةٍ ومتصَنِّعو سياسية !
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |