كتاب (شيرين عبادي) من تأليف الباحثة والصحفية الانغلوساكسونية جانيت هوبار ـ براون، و تقدم في صفحاته سيرة حياة أشهر امرأة إيرانية في الوقت الراهن، شيرين عبادي. ومعلوم أنها أول امرأة مسلمة تحصل على جائزة نوبل للسلام.ومنذ البداية تقول المؤلفة بما معناه: ولدت شيرين عبادي في مدينة همدان شمال إيران عام 1947 وذلك في عائلة بورجوازية وموسرة نسبيا. ولكن عائلتها سرعان ما تركت همدان وذهبت للاستقرار في العاصمة طهران.
وهناك كبرت شيرين وترعرعت. وكان والدها أحد أتباع الزعيم الوطني الشهير، محمد مصدق. ومعلوم أنه كان يحظى بشعبية واسعة في البلاد. ولكن المخابرات المركزية الأميركية تآمرت عليه وأسقطته ووضعت عميلها الشاه محمد رضا بهلوي محله. وقد هزّ هذا الحدث الشعب الإيراني وعاشت عائلة شيرين عبادي لحظات عصيبة أثناء الانقلاب. ثم سرّحوا والدها من وظيفته العالية لأنه كان من أتباع رئيس الوزراء السابق. ثم تردف المؤلفة قائلة: وفي عام 1965 ابتدأت شيرين عبادي أول سنة لها في الجامعة وفي كلية الحقوق تحديدا. وكانت جامعة طهران آنذاك تغلي غليانا بالأفكار الثورية والماركسية والدينية والقومية، الخ. وكان هدفها من دراسة الحقوق أن تصبح قاضية لا محامية، ومعلوم أن النظام الإيراني آنذاك كان يسمح للمرأة بأن تمارس مهنة القضاء.
وكانت جامعة طهران آنذاك مليئة بالفتيات الحاسرات بل واللابسات الميني جيب على الموضة الأوروبية. وأما المحجبات فكن قليلات. ولكن هذا لا يعني أن الطلاب كانوا من أتباع الشاه. على العكس، لقد كانوا يتظاهرون كل يوم أو يومين ضد سياسته
ويرفعون شعارات من النوع التالي: كفّ عن تبذير أموال البترول وشراء الطائرات العسكرية الأميركية! أو عدْ من كازينوهات أوروبا إلى شعبك واهتم بالأحياء الفقيرة! وبالتالي فالشبيبة الإيرانية كانت مسيّسة جدا وتعرف ماذا تريد. ولكن التيارات اليسارية كانت تسيطر على الجامعة في الفترة الأولى قبل أن يطغى عليها التيار الديني لاحقا.
في الواقع أن رجال الدين المحافظين إن لم نقل الرجعيين كانوا ينظرون إلى الجامعة باعتبار أنها محل للدعارة والفسق والخروج عن شرع الله. كانوا يعتبرونها مكانا للاختلاط بين الرجال والنساء، وهو اختلاط مشبوه في نظرهم لأنه يؤدي إلى الانحراف الأخلاقي وممارسة الرذيلة.
ولكن على الرغم من ذلك فإن الطلاب تحولوا في قسم كبير منهم إلى التيار الديني الذي يقوده الخميني من أجل إسقاط الشاه. وكان الخميني يقيم آنذاك في المنفى، أي في النجف بالعراق. والواقع أن الطلاب كانوا يعتقدون بأن التيار الديني الثوري هو وحده القادر على إسقاط النظام العميل لشاه إيران. ومعلوم أن البوليس السياسي (أي السافاك) كان قد عاث فسادا في الأرض وأصبح يزعج الناس كثيرا.
وكان يلجأ إلى التعذيب الوحشي أثناء استجواب المعارضين السياسيين. ولذلك فإن الشعب الإيراني قلب في جهة المعارضة الدينية وأصبح ناقما جدا على الشاه. ثم تردف المؤلفة قائلة: وعلى الرغم من أصولها البورجوازية فإن شيرين عبادي انضمت إلى التيار الثوري الذي نجح عام 1979 في إسقاط شاه إيران بعد أن امتلأت شوارع طهران بالتظاهرات المليونية الحاشدة.
ولكن المفاجأة المرة جاءت فيما بعد، وكذلك خيبة الآمال. فالسيدة عبادي كانت قد أصبحت قاضية، بل وأول قاضية في إيران. وقد مارست عملها بشكل طبيعي في وزارة العدل لبضع سنوات حتى جاء الحكم الثوري الإسلامي. وعندئذ ابتدأوا يضيقون عليها الخناق ويطالبونها بتغيير وظيفتها والتنازل عن مهنة القضاء التي لا تليق إلا بالرجال.
وحاولوا أن يجعلوا منها مجرد ضاربة على الآلة الكاتبة أو سكرتيرة بعد أن كانت قاضية محترمة وذات وظيفة عالية في وزارة العدل. وحاولت أن تقاوم في البداية بقدر ما تستطيع. ولكن النظام ضغط عليها أكثر وأجبرها على مغادرة مكتبها ومنعها من ممارسة عملها كقاضية.
وعلى هذا النحو ابتدأت متاعب شيرين عبادي منع النظام الجديد. ثم تخلت شيرين عبادي عن مهنة القضاء وأصبحت محامية للدفاع عن حقوق السجناء السياسيين والمثقفين الملاحقين. ومعلوم أن الجناح المتطرف أو المحافظ في النظام الإيراني أخذ يلاحق المثقفين العلمانيين بحجة أنهم من أعداء الثورة. وقد قتل بعضهم في التسعينات ووضع البعض الآخر تحت المراقبة السرية الكاملة.
وفي إحدى المرات كان وفد اتحاد الكتاب ذاهبا في الباص إلى منطقة قزوين فحاول السائق أن يقتلهم عن طريق الخروج من الباص في آخر لحظة وتركه يسير لوحده نحو الهاوية. وكانوا آنذاك في منطقة جبلية وعرة وخطرة. ولحسن الحظ فإن أحد الركاب انتبه للأمر فقفز بسرعة على المقود واحتل مكان السائق وأوقف الحركة في آخر لحظة. ولولا عفو الله لسقطوا كلهم في هاوية لا قرار لها.
وعندما عادوا إلى طهران حكوا قصتهم لشيرين عبادي فراحت تدافع عنهم كمحامية في وزارة العدل، كما ودافعت هم آخرين كثيرين، وعندئذ حقدت عليها السلطات ووضعتها في السجن لبضعة أسابيع. وكانت تجربة مرة جدا بالنسبة لها لأنهم اضطروها لمغادرة زوجها وأطفالها ووضعوها في زنزانة ضيقة لا يوضع فيها إلا المجرمون عادة. وحاولوا تحطيم أعصابها بأي شكل.
ولولا إيمانها وصلواتها وابتهالاتها لربما فقدت عقلها. مهما يكن من أمر فإنها خرجت من السجن أخيرا بعد دفع كفالة مالية ضخمة للدولة. وأصبحت أكثر حذرا بعدئذ ولكنها لم تتخل عن واجبها في الدفاع عن حقوق المضطهدين من قبل النظام.
ثم ذاعت شهرتها في إيران وخارجها أكثر فأكثر بفضل نضالها من أجل حقوق المرأة الإيرانية وكذلك حقوق الأطفال والسجناء السياسيين. وراحت تشارك في المؤتمرات الدولية التي تعقد في أوروبا أو عدة بلدان أخرى.
وفي إحدى المرات كانت تشارك في مؤتمر في عقر اليونسكو بباريس فإذا بأكاديمية استوكهولم لجائزة نوبل تتصل بها فجأة، وقالت لها السكرتيرة: مدام عبادي منذ ساعتين ونحن نحاول الاتصال بك. فنتائج نوبل سوف تظهر بعد دقائق وأعتقد أنك فزت بالجائزة لهذا العام.
ولم تصدق أذناها ما سمعته لأنها لم تكن تتوقع ذلك أبدا. وبالفعل فبعد دقائق قصيرة اتصل بها رئيس الأكاديمية السويدية العريقة وأبلغها بالنبأ. وفكرت في تأجيل عودتها إلى طهران لمدة يومين أو ثلاثة. والواقع أن النبأ بلغها عندما كانت في طريقها إلى مطار باريس الدولي، شارل ديغول.
ولكنها قررت العودة فورا بعد أن اتصل بها السفير الإيراني مهنئا ومحذرا. فالواقع أنه كان يخشى أن تعقد مؤتمرا صحفيا في باريس للتنديد بالنظام الإيراني وانتهاكه لحقوق الإنسان. ولكنها قالت له: لا تخف، لن أهاجم بلادي وأنا في الخارج. هذه ليست من شيمي ولا أخلاقي. وبالفعل فقد ركبت الطائرة المتوجهة من باريس إلى طهران بعد تأخير ساعة أو ساعتين فقط. وقد جاء طاقم الطائرة وسلم عليها في مقعدها وهنأنها بنيل هذا الشرف الكبير.
وكذلك فعلت معظم الشخصيات الموجودة في الطائرة. وعندما وصلت إلى مطار طهران الدولي كانت مئات الآلاف من البشر قد احتشدت لاستقبالها داخل المطار وخارجه. وكانوا كلهم يهتفون بحياتها ويرفعون صورتها. وهكذا أصبحت شيرين عبادي أشهر امرأة إيرانية في هذا العصر بعد أن نالت جائزة نوبل للسلام.