المصلحة الفردية ..والمواطنة

ضياء الهاشم

diaa_alhashim@hotmail.com

من الطبيعي أن حالة الحرب والاقتتال هي ليست صفة إنسانية ، وتعبر إلى حد بعيد عن حالة العجز لدى الإنسان حينما لا يجد حلا في الرجوع إلى عقله أو عندما  لا يستطيع التنازل عن جزء من رغباته أو ما يسميه حقوقه. وجميعنا يعلم أن حالة الحرب لا تولد إلا مزيدا من البؤس والفقر والشقاء وانعدام التوازن وضياع القيم الإنسانية النبيلة  بالإضافة إلى فقدان نعمة الأمان والتفريط بالحياة و إذا ما تفحصنا وجهات نظر العديد من المفكرين والباحثين المتخصصين في مجال دراسة علم الإنسان وطبيعة تكوينه النفسي  ، فأننا  سنجد أن هناك عوامل كثيرة تسيطر على  مجمل تحركات ونشاطات الطبيعة البشرية  والتي منها تنشأ حالة الصراع والنزاع بين الأفراد أو المجتمعات ولعل أهم  تلك العوامل هي المنافسة  وعدم الثقة وحب الذات والجاه  وعدم احترام حقوق الآخرين. وتدفع جميع تلك العوامل منفردة أو مجتمعه الإنسان  إلى طلب المزيد  من المنافع الشخصيةوالخيرات وللحصول على الأمان والشهرة والاعتبار والتحكم بالآخرين. فتتولد حالة الصراع أكثر وأكثر في البشر بسبب تلك العوامل وخاصة عندما لا يشعرون بوجود قوة عامة يحسبون حسابها لتحسم بين المتخاصمين حيث تجد كل واحد في صراع مع الآخر وقد تكون تلك القوة العامة المسيطرة على جملة تحركات الأفراد في المجتمع والمنظمة  لتفاعلاتهم في العصر الحديث أو القديم هي الدولة. وبما أن بناء الدولة التي تنهض بمستوى تلك القوة يتطلب بناء  المواطن  قبل بناء مؤسسات الدولة ، فأننا نجد أن المشوار لازال طويلا أمام  القائمين على بناء الدولة في العراق فيما  إذا توفرت النية لذلك واتسمت بكونها  لا تؤسس على أساس المصلحة الضيقة . ومن تلك المصلحة أن تبنى الدولة العراقية لا على أسس دينية بحتة لمذهب معين  دون الالتفات إلى باقي أديان المكونات الأخرى أو على أسس فئوية أو حزبية، وبأي حال من الأحوال لايمكن أن يكون الدين أو المذهب أو الفئة أو الحزب  أو القومية أو أي جماعة قائمة على أسس مشتركة بديلا عن المواطنة الحقه والتي تستند على القانون الذي ينظم العلاقة  بين مكونات المجتمع العراقي وحركة جميع مكوناته داخل إطار الوطن الواحد وحجم الحرية في هذه

الحركة فالمواطنة ليست قالبا يصب فيه حب الوطن ولا الانصهار في حدوده يشكل التكوين الشعوري  لهذا المعنى، وانما هو الشعور بالانتماء الناتج عن التفاعل الإيجابي مع كل مفرده من مفردات ما ينظم العلائق  الأساسية في التعامل بين جميع المكونات، وليس فقط تقوم المواطنة على التفاعل مع نهج الاندماج بين مختلف جميع مكونات الوطن الواحد  العرقية منها أو الدينية والشعور المشترك بالمصير الواحد وبأن دور أي مكون يساهم في إكمال دور المكون الآخر في البناء والتطور وليس فقط  في مجال الانتماء الضيق وعلى أساس الوجود والتمثيل وعليه لابد من خلق حالة القبول بالآخر والتي هي مهمة من مهمات الدولة ورغم كونها من المهمات غير السهلة فهي لهذا لا توكل  إلا إلى الدولة لأنها المؤسسة الوحيدة  التي  يجب أن يشعر المواطن بأنها الضامن الحقيقي لجميع المكونات والوجهة التي تمثل كل تيارات المجتمع المختلفة في تعدد وجهات نظرها. ولكي نحسم تلك المحصلة لابد من التذكير بأن الإرث القيم من مقولة الأمام علي (ع)) : 

البشر في هذه الدنيا صنفان فأما أخ لك في الدين  أو نضير لك في الإنسانية ))  تختزل المسافة بين أن يتهيأ الجميع لتفعيل دور الاخوة من أجل  اكتساب دور المواطنة الذي يساوي الجميع ويشترط التعامل مسبقا به للوصول إلى حالة (( حب لأخيك ما تحب لنفسك  )) لكي تنتفي الحاجة إلى  المزيد من الصراعات والانقسامات التي تعمق فجة الهوة وتجعل من المواطنة شيئا متعذرا داخل بناء المجتمع المتعدد الأعراق والديانات.

أن مهمة الدولة تلك تتطلب العمل على استبعاد فكرة الإقصاء والتهميش ودعوة جميع مكونات المجتمع لكي تساهم بفاعلية جنبا إلى جنب  ومن  منطلق عدم الشعور بالغبن وتجاوز أيثار النفس  للتطلع إلى بناء مجتمع تسوده الطمأنينة والسلام والمحبة وبناء شخصية العراقي من جديد على أنه جزء من هذا العراق ولا يمكن لاحد أن يستغني  عن الآخر.بالإضافة إلى ما تقدم فأن التزام الدولة بثوابت ومتغيرات لايمكن القفز منها على مبدأ احترام الإنسان وجعله غاية الأهداف الرئيسية في البناء وليس وسيلة لذلك يعد مسألة ذات أهمية كبيرة للوصول إلى الفكرة  الجدلية التي تؤسس لكل درجات الرقي وهي أن ذلك الإنسان أهله الله ليكون حاكما في الأرض من اجل أعمارها لا من أجل استعباد من عليها  ووفق معادلة نسبية أحد أهم متغيراتها الأهلية  فمبدأ  الاصلح هو الباقي وهو المؤهل قبل الصالح  وهكذا يكون الصالح مقدما على غيره شريطة أن يؤهل غير الصالح ولا يترك وتهيأ له الظروف  والعوامل التي تساعده ليكون أنسانا فاعلا ومؤثرا وتلك العوامل تحفز فيه خصائص ذاتية

على  شرط أن تصله إلى الصلاح   المنشود فيشعر انه جزء من الحل وليس وسيلة للحل ليشعر بدوره في أن صفة المواطنة ليست حكرا عليه وهي ليست ببعيدة المنال عن فكره وعمله وتذكرني فكرة البحث في هكذا أمر بالحادثة التي حصلت أثناء الحرب العراقية الإيرانية حينما أراد أحد كبار الضباط في الجيش العراقي المنحل  أن يستنهض  النخوة في نفوس الجنود العراقيين ويثير الحماس في داخلهم ويحفزهم للقتال من أجل استرجاع الفاو أثر احتلال الإيرانيين لها في الثمانينات فأراد استنهاض هممهم وذلك بتذكيرهم أن هذا المكان المحتل هو جزء من وطنهم  مسئوليتهم الوطنية تقتضي أن يحرروا كل شبر منه والدفاع عنه فما كان من أحد الضباط الصغار ذوي الجرأة العالية  إلا أن قام وبادر الآمر بقوله: (( نعم سيدي ولكن أليس من الواجب ايظا أن يشعر أحدنا أنه يملك شبرا من هذا الوطن الذي يجب أن ندافع عنه بأرواحنا ودمائنا ؟؟؟ أننا لا نشعر أننا مواطنين فيه  لنا مثل ما علينا ))  وما يحصل اليوم من تأثير المصلحة والمنفعة الشخصية على المصلحة العامة في عراق العهد الجديد ليس ببعيد عن عراق العهد القديم وألا فبماذا نفسر أن أخذت الأطراف المكونة للحكومة تتبع كل أثر من آثار السلطة الحاكمة في العهد

المقبور وخطوة  أثر خطوة وفي كافة الأصعدة  سواء المتعلق منها في تنفيذ برامجها التقليدية أو تلك التي يتعلق بمسيرة حياة المواطنين

العاديين في العراق فما قرره رئيس الوزراء المنتهية ولايته لايمكن أن يراجعه رئيس الوزراء الحالي لانه يحسب حساب رفيق حزبه ولا يحسب حساب الشعب المترقب لقراره والذي سيرجع في النهاية إليه لتوفير غطاء له من أجل بقاءه بأصواتهم .وحتى تلك البرامج  تعتبر ذي صبغة  فوقية  ضيقة الأفق في التفكير إذا ما استثنينا المصلحة الخاصة منها فهم قد قاموا بتقليد النظام البائد في الاعتماد على أقاربهم ومعارفهم فقط لاشغال المناصب العليا والصغرى وأسسوا لمبدأ المحاصصة الحزبية  المقيت في هذا الجانب  فوصل ذوي الخبرة  القليلة وعديمي النزاهة  من اتباع أحزابهم إلى أعلى  مراتب السلطة وهم لم يحصلوا على شهادة في مجال من مجالات العلوم المختلفة  من أي جامعة لا من العراق ولا من خارجه  وهذا إن يعكس  شيئا فهو يعكس أمرا مثيرا وهو انعدام حالة الثقة  بالشعب من قبل تلك الأحزاب التي بدت لا تنظر إلا بعين المصلحةالخاصة بها. وانعدام الثقة هذا سببا من أسباب الانغلاق ونتيجة له أيظا فهو انغلاق على فكرة ( أول من يضحي وأخر من يستفيد) لتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة  ولتكون  النافذة التي يطل من خلالها أي مسؤول في الحكومة العراقيه على ما  يتوفر أمامه من مصالح ضيقة  فيتحرك من خلالها تاركا وراء ظهره مصلحة الوطن والمواطن الذي أمسى ضحية في كلا العهدين حيث لم يجد من يأخذ بيده 

إلى بر الأمان على أقل تقدير فهو لا يعرفه أحد إلا في وقت الحاجة إلى صوته في الانتخابات والإدلاء به في صناديق الاقتراع لقائمة معينة تظم المئات ممن لا يعرف الناخب منهم  أحد. ولماذا المعرفة الحقيقية للمرشح من قبل الناخب وهو الذي سيحل مشاكله بالحال، أليس التمثيل بحد ذاته قائما على أساس المصلحة النفعية ؟! ولهذا يبقى دور المواطن العادي كدور البيدق الذي يحركه لاعب قوي يتحكم بمصيره حينما يريد تحريكه ويستخدمه حينما يريد استخدامه ليكون ورقة لعبه التي يضغط بها على خصومه  فيفرضها في الشارع  مستغلا هامش الحرية في ديمقراطية العهد الجديد وليشاركه تلك المصلحة دون طلب الحصول على أي مردود فتراه لا يراقبه بعد أن يحصل على ما يريده  لانه ليس له  الحق في تلك الوظيفة بعد أن يكون قد أدى ما عليه في إيصال مرشح الحزب إلى السلطة وتلك هي وظيفته الوحيدة والرئيسية. ولربما سيحتاجه إلى فرض أمر ما بقوة الخروج إلى الشارع في مظاهرات احتجاجية أو تأييّديه وتبقى مسألة المواطنة في منظور تلك الأحزاب أمرا ليس بذات الأهمية مادامت المواطنة  في فكرهم لا تمثل منظومة علائقية قانونية بحتة فهم ينطلقون من مبدأ  المصلحة أولا وقبل كل شيء

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com