|
أمريكا والتجربة العراقية المرٌة: من الدولة العظمى إلى الدولة الأعظم
د. جواد بشارة / باريس الحلقة الأولى ثمن الإمبراطورية قال الصحافي الفرنسي المعروف تييري ميسان صاحب كتاب " الخدعة الرهيبة " الشهير عن أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 في محاضرة له مؤخراً عن كتابه الجديد " الخدعة الرهيبة2 " المكرس لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط وأسرار علاقتها بإسرائيل ومناوراتها حيال إيران وسورية وتجربتها في العراق والذي سنعرض له في مقال قادم،في معرض رده على أسلحة الحاضرين :" أن أمريكا عملاق بأرجل من طين وسوف يتهاوى من تلقاء نفسه في وقت قريب، وهي لا تمتلك الإمكانيات اللازمة لطموحاتها الإمبريالية". أما الدكتور سّيار الجميل فقد أبدع وأفاض بعلمية الباحث والمؤرخ الرصين في كلمته التي ارتجلها في منتدى الدوحة السابع للديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة الذي عقد في 23-25 أبريل ـ نيسان 2007 فقد تساءل بمرارة، وأشار بأصابع الاتهام إلى ما فعلته أمريكا في العراق الجديد وهو عنوان محاضرته، وقال :" هل كل ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية في العراق على مدى أربع سنوات هي مجموعة أخطاء أم حزمة خطط ؟ فالأمريكيون في صحافتهم يبررون أفعالهم في العراق كونها " مجرد أخطاء " ، في حين أن العراقيين يعتقدون اعتقادا راسخا أن ما حصل ما هو إلا نتيجة خطط مرسومة بدقة متناهية !! وهي الأطروحة التي يؤكدها الكاتب والصحافي الفرنسي تييري ميسان ، ليس من باب نظرية المؤامرة ، بل من باب التقصي والتحليل والمقارنة والتحقيق والتحري الدقيق عن الحقائق والوثائق التي يمتليء بها كتابه الجديد . مما دفعني للقول بدوري عمٌا فعله العراق بأمريكا وماذا يمثل هذا البلد العريق لتلك الدولة العملاقة بلا تاريخ. وتوصلت إلى أن ما يهم أمريكا في العراق ليس شعبه ولا تاريخه ومستقبله بل أرضه وما يوجد في باطنها من ذهب أسود لا أكثر، وليذهب الشعب العراقي إلى الجحيم فكم كانت أمريكا تتمنى أن يكون العراق أرضاً بلا شعب وهذا ما يفسر سماح الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ اللحظات الأولى لأعمال انهب والسلب والفوضى وسرقة تراث العراق وآثاره وممتلكات دولته والسماح لكل من هب ودب إلى الدخول للعراق والخروج منه بلا مساءلة كما قال الدكتور الجميل. نعم الدكتور سيار الجميل محق عندما قال أن أمريكا تعاملت مع العراق كونه رقعة تضم جماعات وإقطاعات ومكوٌنات ولم تتعامل معه كوطن ومواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو المذهبية أو الدينية أو القومية، وسحقت كل مؤسسات العراق لتبدأ بتشكيلها من الصفر كما كانت تأمل وتحلم ولكنها عندما فشلت ألقت مسؤولية الدمار على عاتق العراقيين وتخطط الآن للتخلي عن العراق وعن عملية إعماره متخلية عن كل عهودها والتزاماتها أو التي يفرضها عليها العرف والقانون الدولي كدولة محتلة. في ظل نظام القطبين كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتصرف وفق ضوابط المجتمع الدولي كدولة عظمى شأنها شأن باقي الدول العظمى الأخرى الموجودة تحت سقف الأمم المتحدة سواء كانت منضوية تحت مظلة هذا القطب أو ذاك، ولم تكن تتجرأ أو تقدم على خطوة دون أن تأخذ في الحسبان ردود أفعال الدول العظمى الأخرى أو تصادر حقها في القرار والموقف والرأي. من التعسف والخطأ إلقاء مسؤولية إنفلات السياسة الخارجية الأمريكية على عاتق منظري الحقبة الحالية والتي تمتد منذ تاريخ ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان ولا تنتهي بولاية جورج وولكر بوش مروراً بولاية جورج بوش الأب رغم أنهم يتحملون مسؤولية تهيئة الأجواء النفسية لمثل تلك السياسة وعلى رأسهم صاموئيل هنتنغتون صاحب أطروحة " صدام الحضارات" علماً بأن أحداث الحادي عشر من أيلول جاءت لتؤكد ظاهرياً صواب بعض ما جاء في طروحاته وتحليلاته الجيو ستراتيجية. فالصدمة النفسية التي أحدثتها تلك الأحداث المدوية على السكان قد أتاحت للسلطات الأمريكية المحافظة الجديدة لتسريع الخطى نحو " النزعة الإمبراطورية" لدى الولايات المتحدة الأمريكية والتي ظهرت بوادرها وبانت ملحوظة وملموسة منذ سقوط جدار برلين. المؤشرات الأولى: لم تتوقف القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية الأمريكية عن التنامي، وكانت هي بحد ذاتها مؤشراً قوياً على تعزيز النزعة الإمبراطورية المغرية والتي لا تقاوم بما يرافقها من زهو وعنجهية وغرور يقود حتماً إلى السلوك الإمبريالي لاسيما بعد فترة ليست بالقليلة من هيمنة الطابع الانعزالي الذي طبع السياسة الخارجية الأمريكية ووسمها ببصماته. إلى جانب ذلك كان الهم والانشغال المتمثل باحتواء القوة السوفيتية المتصاعدة بعد الحرب العالمية الثانية هو الذي قاد الولايات المتحدة الأمريكية إلى تبني صيغة " التعددية الدولية" لمدة نصف قرن تقريباً وتقبل فكرة الاعتماد على حلفائها التقليديين في تلك الحرب من الأوروبيين إلى جانب عدويها السابقين المندحرين في تلك الحرب وهما ألمانيا واليابان ، وكذلك الاستناد إلى المؤسسات والمنظمات الدولية وعلى رأسها ذلك الجهاز البيروقراطي الهائل والغامض ألا وهو منظمة الأمم المتحدة. وهكذا شاركت الولايات المتحدة الأمريكية بصياغة النصوص والمواثيق الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإعلان العالمي حول الحريات وعلى رأسها حرية الدين والمعتقد، وميثاق حقوق الأطفال وإتفاقية محاربة ومكافحة العنصرية، وغيرها العديد من المعاهدات المتعلقة بالأمن الدولي. ولكن، ومنذ بضعة أعوام، لم تتوان الولايات المتحدة الأمريكية عن التملص من التزاماتها الدولية والتنكر لتوقيعها عليها كلما تعارضت تلك النصوص والمواثيق الدولية مع متطلبات قوتها الجبارة المتنامية. لقد اتخذت تلك التنصلات أشكالاً متعددة كرفض التوقف التام والكامل عن إجراء التجارب النووية، ورفض قرار منع وتحريم صنع الأسلحة الكيماوية والجرثومية والألغام المضادة للبشر أو ضد الأفراد، والتنكر لمعاهدة 1972 التي تمنع انتشار الصواريخ البالستية البعيدة والمتوسطة المدى، وتلك المضادة للصواريخ، إلى جانب رفض واشنطن تطبيق بنود بروتوكول كيوتو لحماية البيئة بالرغم من توقيع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون الأولي عليه ، واعتقال عدد كبير وغير معروف من الأجانب والأمريكيين والمشتبه بهم ولم تثبت عليهم أية تهم وليسوا مذنبين بجرم ارتكبوه لكنهم مازالوا يقبعون في السجون والمعتقلات الأمريكية العلنية والسرية لاسيما معتقل غوانتانامو . وبصدد هذا المعتقل الشهير وصف قاضي محكمة الاستئناف اللورد جوهان شتين معتقل غوانتانامو بأنه بمثابة الثقب الأسود الفضائي وتساءل بهذا الصدد قائلاً:" هل أن نوعية العدالة المرصودة لهؤلاء السجناء تحترم، ولو الحد الأدنى، المعايير الدولية من أجل إجراء محاكمات عادلة ونزيهة لهؤلاء المعتقلين؟ الجواب هو قطعاً بالنفي المطلق وهذا عار على بلد يدعي أنه معقل للحريات والديمقراطية". وهناك مؤشرات أخرى على عدم احترام الولايات المتحدة الأمريكية لإرادة ورغبات المجتمع الدولي وأعرافه كإرغام العديد من الدول للتوقيع على معاهدة دولية تمنع محاكمة مواطنين أمريكيين أمام محكمة جنائية دولية تنادت لتأسيسها 135 دولة، ورفض أمريكا تطبيع النظام الدولي وفق المقاييس المتعارف عليها في العلاقات الدولية. ومن هنا يمكننا القول أن الولايات المتحدة الأمريكية لجأت إلى صيغة " التعددية الدولية" واستندت إليها في السابق عندما كان يتعين عليها تحييد واحتواء الخصم المنافس والعنيد والخطر آنذاك وهو الاتحاد السوفيتي. واليوم تحولت هذه الترسانة من النصوص القانونية والتشريعات والمواثيق والأعراف الدولية إلى عائق يكبح سياستها الطموحة للهيمنة على العالم وقيادته وبالتالي بات عليها أن تتخلص منها بأي شكل من الأشكال وهذا ما فعلته بالفعل فيما يتعلق بالعراق الذي كان بمثابة أول اختبار قوة عملي بينها وبين المجتمع الدولي فكان أن احتقرت الولايات المتحدة الأمريكية الإرادة الدولية وذهبت إلى أبعد ما أمكنها في منحاها الجديد. مخطط غير معلن: كان القادح أو المحرك لهذا السلوك العدواني الأمريكي هو تفجيرات الحادي عشر من أيلول 2001 التي استهدف برجي التجارة الدولية التوأمين في نيويورك والبنتاغون في واشنطن وهي رموز للرأسمالية المنتصرة وللقوة العسكرية المتجبرة وتم تدمير البرجين بالكامل خلال بضعة دقائق كما تم تدمير جزء كبير من مبنى البنتاغون الحصين الذي لا يقهر . ولقد تعرضت أمريكا للإهانة البالغة في عقر دارها وتحدتها منظمة " إرهابية" مجهولة المعالم تطلق على نفسها اسم " القاعدة" ولم تتمكن أمريكا بكل قوتها التكنولوجية والمخابراتية والتجسسية من العثور على أسامة بن لادن واعتقاله وتقديمه للمحاكمة حيث مازال مختفياً في كهوف وشعاب المنطقة الحدودية الفاصلة بين أفغانستان والباكستان وبالتالي لم يعد أمامها سوى البحث عنه ولكن هذه المرة ليس في أفغانستان بل في بغداد وتكون بذلك قد بلغت قمة السذاجة والغباء السياسي والاستراتيجي والعسكري والسياسي لأن ترك القاعدة وبن لادن يسرحون ويمرحون وينشطون ويتحدون والتوجه إلى العراق لا ينم عن ذكاء سياسي إلا إذا كانت تلك خطة مبيتة سلفاً وبقصد مسبق ولم تكن الحرب على الإرهاب ومطاردة القاعدة وبن لادن سوى ذريعة واهية. كانت التعبيرات والصيغ التي استخدمها جورج بوش أصولية ومتشددة لا تقل أصولية وتشدداً عن تعبيرات بن لادن والظواهري والزرقاوي وأبو اليزيد وغيرهم من قادة القاعدة. والمعروف أن الشعب الأمريكي لا يتبع حكومته وسياستها إلاٌ إذا تحلٌت بأسباب أخلاقية مقنعة. من هنا يمكن أن نفهم لجوء الرئيس جورج بوش إلى صيغة دينية في " حملته الصليبية " وهي صيغة الصراع بين الخير والشر. وكان صدام حسين قد رد عليه برغم عدائه المعروف للدين ورجال الدين، باستخدامه صيغة الجهاد بينما كان نظام البعث " علماني" يصفه رجال الدين المعادين له سنة وشيعة على السواء بـ " البعث الكافر" فلم يكن نظام صدام حسين يحترم الدين أو يطبق تعاليمه إلا بعد اقتراب أجل الضربة الأمريكية القاصمة حيث جعل صدام حسين الدين مطية لشعاراته. الهدف غير المعلن للحملة الأمريكية المستعرة هو بلا شك السيطرة الأمريكية على مصادر الطاقة العالمية وطرق إمداداتها وتسويقها. ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية تستهلك اليوم أكثر من 25 مليون برميل من البترول يومياً وتتضاعف الكمية أثناء الحروب بالطبع. في حين لا تنتج أمريكا سوى 5 مليون برميل يومياً، وإن احتياطاتها النفطية قابلة للنضوب قريباً. بينما هي غير مستعدة لخفض استهلاكها للطاقة كما أثبت ذلك رفضها التصديق على بروتوكول كيوتو لحماية البيئة. وسوف تعتمد أمريكا كلياً في السنوات العشر القادمة في تزودها بالنفط على الخارج بنسبة تتجاوز الـ 80% من احتياجاتها. والحال أن العراق يمتلك ثاني أكبر احتياط نفطي في العالم وإن احتلاله وتمركز القوات العسكرية فيه بأية صيغة كانت، لهو أمر حيوي واستراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية لاسيما وأنها باتت تشكك بجدية ارتباطاتها الاستراتيجية بالمملكة العربية السعودية التي موٌلت عدداً كبيراً من الإسلامويين والإرهابيين في كل مكان في العالم سواء أكان ذلك شعبياً وأهلياً أو رسمياً وحيث ما تزال المملكة العربية السعودية بعيدة عن إنجاز إصلاحات ديمقراطية جذرية وحقيقية في بنيتها التشريعية والتربوية والتعليمية والسياسية ولذلك ستظل المملكة أرضاً خصبة ومرتعاً ملائماً لمن يسمون أنفسهم بالجهاديين وعلى رأسهم أسامة بن لادن والذي شكل وسيشكل دائماً خطراً كبيراً حتى على من يدعون أنهم يطبقون الشريعة الإسلامية حرفياً كقانون ودستور لأنظمتهم السلفية. النفط هو عصب الاقتصاد والسياسة والاستراتيجيات وصراعات الدول العظمى والصناعية منها بصفة خاصة. وحتى اليوم لم تخفض منظمة الدول المصدرة للنفط " أوبك" أسعار النفط الخام بالرغم من أنه يتعين على الحكومة العراقية الحالية التي أعقبت انهيار نظام صدام حسين الدكتاتوري أن تزيد من معدل إنتاجها من النفط الخام على المديين القصير والمنظور لتخفيف أو تسديد ما تبقى من ديونها التي لم تسقط بعد، وكذلك مواجهة أعباء تكاليف إعادة البناء والإعمار وتوفير مستلزمات احتياجات شعب محروم من أبسط مقومات الحياة منذ أكثر من عقدين بسبب سياسات ومغامرات النظام الصدامي السابق العدوانية الطائشة، وتبعات أو تداعيات وعواقب الحصار الاقتصادي، والمقاطعة، والحظر الدولي المفروض على العراق في أعقاب حرب تحرير الكويت سنة 1991. توجد ثلاث مناطق على الأرض ذات أهمية عالمية تعتمد كلياً في تزودها بالطاقة على استيرادها للنفط والغاز من الخارج وهي البلدين العملاقين بعدد سكانيهما الملياري وهما الصين والهند، والاتحاد الأوروبي الموسع الذي وصل تعداده السكاني إلى 425 مليون نسمة وهو أول قوة اقتصادية وتجارية في العالم، موازية للولايات المتحدة الأمريكية إن لم تفوقها. وهذه المناطق الثلاث لا يمكن أن تتجاهل أو لا تأبه بتمركز إدارات ومقرات الشركات النفطية العالمية والمتعددة الجنسيات في الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من توزعها في أوروبا وآسيا حيث من حق هاتين القارتين أن تضمنان لشركاتهما موطيء قدم لها داخل المناطق المنتجة للنفط وعلى رأسها العراق. فلماذا لا يكون لشركة ألف ـ توتال الفرنسية وجود وحصة في السوق العراقية أسوة بشركة اكسون الأمريكية على سبيل المثال لا الحصر؟ بالرغم من معرفتنا اليقينية أن مصالح شركات النفطية متداخلة ومتشابكة في عقودها ورؤوس أموالها وحصصها وأسهمها التجارية ومعرفتنا اليقينية أيضاً بعلاقة تلك الشركات النفطية العالمية بالسلطات السياسية والحلقات المحيطة بالقوى السياسية الحاكمة كما هو شأن العلاقة التي تربط عائلة بوش بقطاع النفط والشركات النفطية العالمية. فمعركة الطاقة اندلعت وسوف تصبح هي المعركة المركزية في العقد القادم وما بعده حتى عام 2020 وما يليه ويتوقع الخبراء والمختصون بالشؤون النفطية أن يكون سعر النفط في المستقبل المنظور حوالي 100 دولار للبرميل الواحد وأن شحة الطاقة تكبح عملية التنمية الاقتصادية والصناعية في بلد عملاق مثل الصين وهذا ما دفع الحكومة الصينية إلى تعزيز وتسريع مشروعها العملاق لإنشاء سد الوديان الثلاثة كما أورد ذلك ريمي بيرلان في كتابه المهم الموسوم: " الطاقة كعب آخيل للتنمية الصينية" وبيير بوتور في كتابه الموسوم:" أوروبا في أزمة " الصادرين في أواخر عام 2004 . إلى جانب هذه الاستراتيجية طويلة الأمد هناك هم وانشغال استراتيجي أخرى على المديين المتوسط والقريب ويتعلق بجانبين مهمين هما العملة النقدية والأمن في العالم. الحلقة الثانية المال والأمن: يشكل الدولار الأمريكي نحو ثلثي الاحتياطي النقدي العالمي. فنصف الصادرات تجري بالدولار والبترول يدفع ثمنه بالدولار. وكلما ضخت الحكومة الأمريكية دولارات في سوق العملات والتعاملات النقدية العالمية كلما وفرت لنفسها خدمات وعائدات، فهي التي تطبع داخل أراضيها العملة المستخدمة دولياً وبلا رقيب، وهذا يعني أنها تستورد مجاناً ما تحتاج إليه ومن هنا لا توجد أية عواقب أو تبعات سلبية من العجز التجاري الأمريكي في الميزانية على الاقتصاد الأمريكي تحديداً فروسيا توفر 20% من البترول و 40% من الغاز مما يستهلكه الاتحاد الأوروبي وبالتالي تنبه البنك المركزي الروسي في بداية 2003 إلى مشكلة العملة وهيمنة الدولار الأمريكي وما تخسره روسيا من جراء ذلك، فتم تحويل جزء من مدخراته واحتياطاته النقدية إلى العملة الأوروبية اليورو. كما قامت كل من الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا بنفس المبادرة مما وجه صفعة قوية لواشنطن في هذا المجال. وقد كانت هناك سابقة مماثلة بهذا الصدد حين سمحت لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة في نهاية أكتوبر 2003 للعراق في عهد المقبور صدام حسين باستخدام عملة اليورو لتسديد مستحقاته وديونه ودفع فواتيره وقام العراقيون بتحويل ما يعادل 6 مليار دولار من احتياطاته النقدية إلى اليورو وكان ذلك يمثل أنموذج سيء التأثير على دول أخرى تأمل بتتبع خطى العراق والتخلص من هيمنة الدور في تعاملاته النقدية والتجارية كإيران التي نفذت هذه الخطوة مؤخراً في 2007 والباكستان والجزائر الخ .. وكان ذلك سبباً إضافياً دفع الولايات المتحدة الأمريكية لإرجاع العراق إلى حظيرة الدولار لكي لا يتجرأ غيره بالتفكير مرة أخرى بفك ارتباطه بالعملة الأمريكية ومع ذلك تجرأت الكويت قبل أيام وقامت بمثل هذه الخطوة أي التحول عن الدولار إلى اليورو وهي الحليفة المطيعة لأمريكا كما هو معروف. ذريعة الأمن ومحاربة الإرهاب: يأتي الآن العامل الأهم وهو ما يعرف بالهم أو الشاغل الأمني. فبعد أن أوصلت أمريكا الآخرين إلى ما يشبه عالم " الفوضى الخلاقة" كما تسميها بعض دوائرها للدراسات الاستراتيجية، وتجزئة الصراعات وتغذيتها في كل مكان، وتكثيف وإشاعة وطغيان الفوضى والحروب الأهلية والانتفاضات المسلحة والتمردات العسكرية في العالم، رسمت ماكينتها الإعلامية خطابها الأمني متذرعة بأن لها الحق في حماية نفسها من أية مفاجأءات سيئة أو خطيرة قد تأتيها من دول عدوة وصفتها بأنها دول محور الشر وهي إيران وكوريا الشمالية وأفغانستان والعراق قبل سقوط نظامه السابق وسورية، أو دول حليفة كالباكستان والمملكة العربية السعودية إذا ما وقعت بيد الإسلامويين المتطرفين والتكفيريين. وأن هناك دول قادرة على تفجير صراعات مسلحة خطيرة لا يمكن السيطرة عليها أو احتوائها أو حتى الحد من تأثيراتها الموجوية خاصة عندما تستخدم فيها أسلحة تدمير شامل التي تثير الرعب في نفوس الأمريكيين وبضمنها السلاح النووي والقنابل النووية التكتيكية والاستراتيجية مما يفسر أو يبرر لجوء واشنطن إلى سياسة التخمة في التسلح التقليدي وغير التقليدي. فالمجموعة العسكرية ـ الصناعية في أمريكا حصلت على امتيازات كثيرو وكبيرة ووفٌرت لها إمكانيات مالية هائلة تعادل مجموع ما تخصصه دول العالم برمتها لهذا الميدان. وهكذا دقت العولمة ساعة النهاية وحان أجل النزعة الانعزالية الأمريكية فنصٌبت أمريكا نفسها حكماً، لا مجال للاعتراض عليها أو معارضة حكمها في الأرض، انطلاقاً من أسباب بررت بأنها تقع في نطاق " المصلحة المقدسة" للشعب الأمريكي ودخلت أمريكا في العراق عبر الطريق العسكري متوسلة منهج القوة المسلحة لتعده بمثالة الخيار الأول والوحيد على حساب الخيار الدبلوماسي والسياسي التفاوضي ، وبتجاهل متعمد ومقصود للقانون الدولي سعياً وراء فرض مصالح " الإمبراطورية الناشئة " التي وضعت فوق القانون والأعراف الدولية. وقد جاء ذلك مجسداً في اعترافات عرٌاب الحرب العراقية وأحد زعماء اليمين المحافظ الأمريكي، نائب وزير الدفاع السابق ورئيس البنك الدولي المستقيل رغماً عنه بسبب فضيحته الشخصية بترقية عشيقته داخل البنك، ألا وهو بول وولفوفيتز الذي كتب في كتابه:" مشروع من أجل قرن أمريكي " الصادر سنة 2002:" يتعين على أمريكا أن تثبط عزيمة، أو حتى أن تمنع، كل الأمم والدول المتقدمة والمتطورة، التي تعترض على زعامتنا وقيادتنا للعالم، بل وعليها أن تحبط أية مساعي للتطلع إلى لعب دور إقليمي مهم لتلك الدول". وكان هذا الأستاذ الجامعي والسياسي المحافظ والمتشدد في مواقفه هو الذي أقنع ودفع الإدارة الأمريكية بقيادة جورج بوش لغزو العراق حتى قبل وقوع أحداث الحادي عشر من أيلول الدامية. وقد فضح هذه الحقيقة عدد من كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية والبنتاغون والمسؤولين الأمنيين في وكالة المخابرات المركزية والأف بي آي لذلك باتت ردود الأفعال على الحرب ضد العراق معروفة بعد مرور أريع سنوات على شنها وأغلبها كان عنيفاً لأن الغزو تقرر بدون مبرر مقبول أو مقنع وبدون تكليف أو تفويض دولي من قبل منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. ففرنسا وبلجيكا وألمانيا وروسيا ورئيس بعثة التفتيش ومراقبة الأسلحة العراقية السويدي هانس بليكس، اعتبروا أن الضغوط التي مورست على العراق آنذاك كانت كافية ومن القوة والجدية بمكان أنها كان يمكن أن تسمح بمواصلة عمليات التفتيش العميقة والتي كانت ستقود حتماً إما إلى اكتشاف أسلحة تدمير شامل محرمة ومحظورة دولياً أو إلى نتيجة تثبت غياب أو عدم وجود مثل تلك الأسلحة ورفض هؤلاء كلهم منح الولايات المتحدة صكاً مفتوحاً أو شيكاً موقعاً على بياض من خلال قرار يصدر من مجلس الأمن يخول الولايات المتحدة القيام بعدوانها المسلح على بلد لم يعتد عليها ولا يشكل خطراً حقيقياً عليها ولا على مصالحها الحيوية وهو عضو في منظمة الأمم المتحدة ، والكل يعرف أن الأمريكيين كانوا عازمين قولاً وفعلاً على تنفيذ ضربة عسكرية كان قد أعد لها بإحكام وتخطيط مسبق خاصة بعد كل تلك الحشود والتعزيزات العسكرية في الخليج والتي لم تكن فقط بغية ممارسة ضغوط وتهديدات وابتزازات على نظام صدام حسين . لم يكن الرأي العام العالمي خارج الولايات المتحدة الأمريكية مع الحرب ولم يكن هناك كثيرون يحبذون استخدام القوة العسكرية لإجبار صدام حسين على الانصياع للقرارات الدولية وبالطبع لم يكن هناك من يؤيد الطريقة التي استخدمت فيها القوة العسكرية خاصة بين بلدان العالمين العربي والإسلامي أو تقديم المعونة أو التسهيلات للأمريكيين إلا إذا كان مرغماً على ذلك كما في حالة الكويت وقطر والبحرين في حين رفضت تركيا الإذعان للضغط الأمريكي لأنها تمتلك القدرة على ذلك. إذ أن الوقوف علنا إلى جانب الأمريكيين ضد بلد عربي مسلم من شأنه أن يضع الأنظمة والحكام العرب والمسلمين في مواجهة مكشوفة ومحفوفة بالمخاطر مع الشعوب المجروحة في مشاعرها والمستفزة في صميمها. ففي تركيا على سبيل المثال كان هناك 93% ممن استطلعت آراءهم كانوا ضد الحرب على العراق واستناداً إلى هذا الرفض الشعبي الهائل تجرأ البرلمان التركي ليقرر رفض الطلب الأمريكي بالسماح للقوات الأمريكية التجمع داخل الأراضي التركية والانطلاق منها إلى العراق لفتح جبهة في كردستان العراق في الشمال أو استخدام قاعدة انجرليك الجوية داخل الأراضي التركية لنفس المهمة وشن هجمات جوية ضد مواقع عراقية . وكان أحد الكتاب الهنود وهو آراندوهات روا قد كتب في صحيفة لوموند الفرنسية في 9 نيسان 2003 واصفاً بوش بالرئيس المهووس بالعظمة الإمبراطورية وأنتقد بشدة الادعاءات الأمريكية الكاذبة وندد بالسياسة العسكرية الأمريكية ونوه إلى خطرها على البشرية جمعاء. أيدت الحكومتان البولونية والأسبانية جورج بوش في مشروعه العسكري إلا أن شعبيهما كانا معارضين لسياسة حكومتيهما وكان أن دفعت إسبانيا فيما بعد ثمن هذا الوقوف إلى جانب الطرف المعتدي ومشاركتها رمزياً في الحرب فتعرضت مدريد لهجمات إرهابية إسلاموية عنيفة ومميتة أوقعت الكثير من الضحايا بين صفوف المدنيين مما أجبر الحكومة الإسبانية الاشتراكية التي فازت لتوها في الانتخابات بعد هزيمة اليميني أزنار على سحب القوات الإسبانية من العراق. أما بولونيا فلقد تلقت توبيخاً شديد اللهجة من جانب الرئيس الفرنسي السباق جاك شيراك زعيم جبهة معارضة الحرب الأمريكية على العراق وقررت فيما بعد سحب قواتها تدريجياً من العراق. وفي بريطانيا كانت هناك أغلبية طفيفة أيدت توني بلير بيد أن ذلك التأييد تبخر مع تفاقم الصعوبات وتراكم الأخطاء والإخفاقات في عملية احتلال العراق إلى درجة أتاحت للمعسكر المناويء للحرب تنظيم مظاهرات ضخمة نددت بالعدوان الأمريكي ـ البريطاني في لندن وباقي المدن البريطانية الكبرى خاصة بمناسبة زيارة جورج بوش لبريطانيا في نهاية نوفمبر 2003 أي بعد شن الحرب ببضعة اشهر. أما في فرنسا فقد أيد الرأي العام الفرنسي والقوى السياسية بمختلف اتجاهاتها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في سياسته المعارضة بحزم للحرب على العراق من طرف واحد بدون إذن أو ترخيص من مجلس الأمن أو موافقة المجموعة الدولية الممثلة داخل الأمم المتحدة لأن ذلك يعتبر خرقاً صارخاً لميثاق المنظمة الدولية وإهانة للمجتمع الدولي بنظر الرئيس الفرنسي ولم يكن في فرنسا سوى قلة قليلة ممن أيدت الحرب على مضض باعتبارها شر لابد منه باعتبارها الطريقة الوحيدة للتخلص من نظام الطاغية المستبد صدام حسين وإسقاطه لإنقاذ الشعب من جبروته وتعسفه وبطشه اللاإنساني وجرائمه البشعة التي يندى لها جبين الإنسانية ومن بين هؤلاء الفيلسوف أندريه غلوكسمان والنائب في البرلمان الليبرالي آلان مادلان والسينمائي رومان غوبي والطبيب والسياسي الشهير بيرنارد كوشنير وزير خارجية فرنسا الحالي والمحلل السياسي والاستراتيجي والنائب في البرلمان ومستشار نيكولا ساركوزي للشؤون السياسية والعسكرية والاستراتيجية بيير لولوش حيث دعموا وأيدوا المشروع الأمريكي وفق مبدأ حق التدخل الإنساني وتوفير الأمن والخلاص للبشرية المعذبة على أيدي الطغاة وإنقاذ الشعوب المستضعفة من بطش جلاديها لأنهم يعتبرون الحرب ضد الإرهاب والحرب من أجل الإنسانية هي حروب عادلة وهي شيء واحد إذ أن حرية الشعوب وحقوق الإنسان والأمن للبشرية في نظرهم هي مباديء إنسانية وأخلاقية رفيعة تستحق التأييد والتضحية حتى لو كان ذلك يتم بقوة السلاح . الخبير وعالم السياسة وأستاذ العلوم السياسية بيير هاسنر ذكر أن الأمريكيين أدركوا أفضل من الأوروبيين مستجدات المرحلة ومتطلباتها والمتسمة بثلاث تهديدات ومخاطر آنية وهي: الإرهاب، وأسلحة التدمير الشامل، والدكتاتوريات التي ترعب وترهب شعوبها وشعوب جيرانها. ثم يتساءل ببرود:" ما هي الدولة التي لم تتحجج بمبدأ الدفاع عن النفس لدرء الخطر عنها أو التذرع بتحقيق مهمة حضارية تمدينية، واضعة في الظل أو في الخفاء الأهداف الحقيقية للحرب والتي تبدو للناظر أنها ليست ذات أهمية بينما هي في الواقع الأكثر أهمية " وكان جمع من القادة والزعماء الأوروبيين السابقين، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي السبق فاليري جيسكار ديستان وبرفقته عدد من رؤوساء الوزارات السابقين والمستشارين والوزراء والسفراء والنواب الأوروبيين والفرنسيين والأجانب من دول أخرى قد دعوا في بيان نشر في حزيران 2003 إلى:" حل مشاكل الكوكب عن طريق الحوار والتشاور إذ لا يمكن معالجة المشاكل مهما كانت إلا في إطار متعدد الأطراف كالأمم المتحدة ويستدعي ذلك التعاون والتنسيق التام بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ضمن التزام دائم بهذا المبدأ كشرط أساسي لحل الأزمات. وهذا يعني الإبقاء على تركيبة ووظيفة حلف شمال الأطلسي وتوسيعه، ودعوا للانضباط موجهة لكافة الدول حيث جاء في نص البيان إننا بكوننا متحدون تعتبرنا بقية شعوب الأرض كمفسرين للرؤية الشمولية وللحكمة المتعالية والمتألقة والسامية التي تضمن السلام والأمن والطمأنينة للبشرية وإذا انقسمنا على أنفسنا واختلفنا فسنكون أول الخاسرين". ويدل ذلك المسعى على أن الأوروبيين يبحثون عن نمط أو أنموذج مثالي للحكم عبر معايير جماعية يتفق عليها إلا أن الأمريكيين يتعالون على ذلك ويشعرون أنهم من القوة بمكان تؤهلهم لرفض تلك المعايير والأعراف والمقاييس إذا قدُروا أنها ضد مصالحهم الحيوية والقومية والوطنية أو أنها تقف حجر عثرة أما طموحاتهم في قيادة العالم بمفردهم أي أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أمركة العالم ولا تريد عولمة أمريكا". أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية في نيسان 2003 أن 76% من الأمريكيين كانوا يؤيدون مشروع جورج بوش الحربي في العراق ويعتبرون صدام حسين مسؤولاً عن هجمات الحادي عشر من أيلول أو له علاقة بمرتكبيها باعتبار أن تلك الحرب هي خطوة ضرورية في سياق الحرب الشاملة على الإرهاب العالمي بيد أن هذه النسبة انخفضت في شهر نوفمبر من نفس العام إلى 45% في حين ارتفع عدد المناهضين للحرب في نفس الفترة الزمنية أعلاه من 21 % إلى 54% أما اليوم فلا يحظى الرئيس الأمريكي سوى بتأييد نسبة تقل عن 26% من المؤدين مقابل 74% من المعارضين . والتفسير المنطقي لهذا الصعود والهبوط وهذا التفاوت في المواقف يعزى إلى أن الأمريكيين كانوا قبل أربع سنوات تواقين للانتقام من أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 التي كانت ما تزال ماثلة وحية في ذاكرتهم الجماعية، وإلى نوعية الخطاب الذي استخدمه الرئيس الأمريكي في رده على تلك الضربات الإرهابية ولجوئه إلى المفردات الدينية لوصف الصراع الدائر بين أمريكا والإرهاب وقدمه باعتباره صراعاً بين الخير والشر وهي الحيلة التي انطلت على أغلب الأمريكيين. وقد ورد في خطاباته ما يشبه الوعظ الديني المباشر والصريح حين قال:" كثيرون اكتشفوا أنه، حتى في حالة التراجيديا أو المأساة فإن الله قريب منٌا. لقد اختارنا الله لهذا الدور الفريد في أحداث البشرية لنتصدى للشر وأناط بنا تلك المهمة المقدسة". وهو هنا يستنجد بتراث قديم يعود إلى ثلاثة قرون خلت ويعيد استخدامه بحذق ومهارة وهو تراث الآباء المؤسسين لماي فلور سنة 1610 الذين جعلوا من الولايات المتحدة ما يشبه أرض الميعاد ، أرض قاد الله شعبه إليها لإقامة نظام اجتماعي جديد سيبعث فيما بعد وينشر بين كافة الأمم، كما اعتقد توماس جيفرسون المؤلف الحقيقي لوثيقة إعلان الاستقلال في 4 تموز 1776 وأحد أوائل رؤوساء الولايات المتحدة الذين يحضون بما يشبه هالة من الاحترام والتقديس. نجم عن ذلك ثقافة دينية ذات خصوصية متميزة وهي مزيج من الإيمان العقائدي الغيبي بالعناية الربانية والانتخاب الإلهي والشعور المتميز بالخصوصية والتفرد كما جاء في متن كتاب إيليز ماري ونراس " الأساطير المؤسسة للأمة الأمريكية" الصادر في بروكسل سنة 1992. وتبلور ذلك المنهج عبر الزمن إلى ما يمكن تسميته بالدين المدني أو القومي للأمة الأمريكية وهو عبارة عن مجموعة من المعتقدات والرموز والشعائر والطقوس والخرافات المستندة إلى تاريخهم القصير الذي يبدأ منذ لحظة اكتشاف كريستوف كولومبس للعالم الجديد قبل أربعمائة عام ونيف, التيار البروتستانتي المحافظ يعتبر نفسه الوريث الشرعي لهذا التراث أو الإرث الذي يضم كذلك الميثوديين أو المنهاجيين وأتباع اليقظة البانتكوتية والإنجيليين أو الإنجليكايين وأتباع الإنبعاث المتجدد أو الولادة المجددة للمسيح وموته آخر الزمان والبروتستانتيين الأصوليين التقليديين أو السلفيين الذين لا يعيشون في زمن الانتظار لعودة المسيح بل في زمن المهمة المقدسة، أي المهمة التبشيرية التي تهيء الأرضية لعودة المسيح إلى الأرض. كل هذه التيارات والمذاهب المسيحية المحافظة أيدت بوش ومازال بعضها يقدم له تأييده. أما في الجانب الآخر، في جبهة المعارضة للسياسة الخارجية الأمريكية الجديدة فنجد شخصيات وأسماء لامعة بدءاً بعدد من البروتستانت المخالفين والواعين حتى ضمن الكنيسة الباتستية أو المعمدانية " نسبة لجون باتيست أو يوحنا المعمدان" ـ وهي الكنيسة التي ينتمي إليها الرئيس جورج بوش نفسه ـ ومجمع الكنائس المستقلة وتجمع الأساقفة الذين انتقدوا الطريقة التي شنت فيها الحرب على العراق وما آلت إليه من نتائج كارثية على الشعبين الأمريكي والعراقي معاً وقد وجه الكاردينال وأسقف بوسطن للرئيس بوش رسالة شديدة اللهجة ، تعنيفية وتوبيخية صارمة جاء فيها:" قلت لنا ياسيادة الرئيس أننا كنا هدفاً للإرهاب لأننا ندافع عن الحرية والديمقراطية والحقوق الإنسانية في العالم وهذا كذب وعبث وهراء ... ياسيادة الرئيس إننا على العكس أصبحنا هدفاً للإرهابيين لأننا في كثير من بقاع العالم دافعنا أو بالأحرى دافعت حكوماتنا عن الدكتاتوريين والقتلة وأيدت العبودية وتجارة الرقيق واستغلال البشر نحن هدف للإرهاب لأننا مكروهين وممقوتين من جانب شعوب العالم التي صارت تحقد على أمريكا وشعبها . وهكذا أصبحنا عرضة للحقد والكره لأننا قمنا بأعمال شنيعة وفظيعة. كم من البلدان قام فيها عملاؤنا ومخابراتنا بطرد وتصفية القادة الشعبيين المنتخبين من قبل شعوبهم واستبدالهم بالقوة والدسائس والتآمر والانقلابات بدكيتاتوريين دمويين وعسكريين ساديين متعطشين للدم والعنف والتعذيب أو دمى ضعفاء مسلوبي الإرادة وعملاء مستعدين لبيع أوطانهم وشعوبهم وثرواتهم الوطنية للشركات الأمريكية والمتعددة الجنسيات ؟ فعلنا ذلك في إيران عندما أطاحت وكالة المخابرات المركزية سي آي أ بمحمد مصدق لأنه أراد تأميم نفط بلاده واستبدلناه بالشاه محمد رضا بهلوي الذي خلعه شعبه من العرش. سلحنا ودربنا حرسه الخاص ومخابراته سيئة الصيت والسمعة السافاك الذي أذاق الشعب الإيراني كأس العذاب ومر العيش وسلبه الكرامة من أجل حماية المصالح المالية لشركاتنا النفطية فهل يمكن بعد كل ذلك أن نتصور أنه يوجد في إيران شخص لا يكرهنا بعد؟ لقد كررنا نفس الشيء في العراق عدة مرات في عهد قاسم وعارف ع وفي شيلي في عهد الليندي ونيكاراغوا وفيتنام وبوليفيا وعدد آخر من دول أمريكا الوسطى واللاتينية وحاولنا مراراً وتكراراً مع كوبا ولم ننجح ونحاول اليوم مع شافيز ولولا وغيرهم من الزعماء في أمريكا اللاتينية لا لشيء إلا لأن هؤلاء الزعماء وطنيون ويريدون إعادة ثروات بلدانهم لشعوبهم وتوزيعها بالعدل بينهم ". كانت معارضة الحرب على العراق من جانب المثقفين والفنانين والمبدعين أشد على الرئيس جورج بوش الساذج وغير المثقف فهناك الكاتب المسرحي الشهير نورمان ميللر والكاتب والعالم اللغوي والأستاذ الجامعي الشهير نعوم تشومسكي والمحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية ستانلي هوفمان الذي كتب ساخراً من بوش :" أن أمريكا تسير بخطوات إلى الخلف" والكاتب الصحفي توماس فريدمان والكاتب المشاكس هيرش والممثل النجم داستن هوفمان والممثل المنتج جورج كلوني والمخرج والممثل الكوميدي المحبوب وودي آلن والمخرج الساخر مايكل مور ، أما الكاتب ورئيس تحرير مجلة هاربرز لويس هـ لافام فقد أشار بعد عودته من رحلة تقصي الحقائق إلى تصاعد مشاعر معاداة أمريكا ، وندد بطريقة إشهار راية الدين وإقحامها في السياسة الخارجية وأطلق تسمية " الجهاد الأمريكي مقابل الجهاد الإسلاموي" مستشهداً بأقوال جورج بوش ذاته وأقوال وزير العدل في حكومته الأولى جون آشكروفت الذي صرح:" لدينا المسيح كملك علينا" وأقوال توم دلاي رئيس الأغلبية الجمهورية سابقاً في مجلس النواب قبل خسارة الجمهوريين لتلك الأغلبية في الانتخابات التشريعية الأخيرة لمجلس النواب والشيوخ في الكونغرس الذي صرخ:" كلفني الله بمهمة أن أضفي رؤية العالم الإنجيلي على السياسة الأمريكية " ويختتم مقالته التي نشرتها صحيفة لوموند دبلوماتيك الفرنسية في تموز 2003 :" إن هذا النكوص الجماعي في ضباب ماض ساذج يكشف عن عدم ملائمة واضمحلال الذهنية التي طغت على الدستور وحملت التجربة الأمريكية في الحرية خلال قرنين . يفتخر خبراؤنا الجيوبوليتيكيين ـ ومحللينا السياسيين، في واشنطن بتصورهم الحرب على الإرهاب وكأنها " صدام حضارات " والحقيقة أن مايجري ما هو إلا صدام شعوذات. ويعلق جوزيف سبرنيسيون مدير مؤسسة كارينجي للسلام الدولي قائلاً:" بمعاقبتنا العراق عسكرياً، اعتقدنا أننا سندفع الآخرين للتفكير والتأمل وأخذ العبر لكن توازي الأزمتين الكورية الشمالي والعراقية بالأمس والكورية ـ الإيرانية اليوم أظهر إلى أي مدى يفتقد سلوكنا هذا إلى المنطق السليم وهو سلوك ليس له أي معنى. لقد دمرنا جهود عقود عديدة في مكافحة وانتشار أسلحة التدمير الشامل التي ذهبت أدراج الرياح بسبب حماقاتنا". زبجنيف بريجينسكي مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر والمدافع الشرس سابقاً عن الليبرالية الاقتصادية، وصف الغزو الأمريكي للعراق بالحماقة والمغامرة التي ستجر على أمريكا الويلات وستزحلق رجل أمريكا من العراق إلى إيران أو سورية أو كلاهما مما سيساهم في تعميق هوة الخلاف المتنامي بين الولايات المتحدة وباقي دول العالم" . وإذا تواصلت سياسة المحافظين الجدد وبلغت غايتها القصوى والمنطقية المرسومة لها فإنها ستفضي إلى عالم ستكون في أمريكا كإسرائيل معزولة تماماً وسط محيط معادي كلياً وموضع صراع دائم أي ستتحول إلى مايمكن أن نسميه الدولة ـ الثكنة" ومن قلقه على مشروعية أمريكا نشر كتاباً تحت عنوان:" الخيار الحقيقي: أمريكا وبقية العالم " ظهر سنة 2004 عبر فيه عن رؤية سوداوية لمصير أمريكا ومستقبلها إذا استمرت في سياسة حافة الهاوية. أما الملياردير جورج سوروس فقد نشر هو الآخر كتاباً تحت عنوان " ضد بوش ومن أجل أمريكا" وقد تحدى الرئيس الأمريكي بتمويله للحملات الانتخابية لمنافسيه وخصومه بعشرات الملايين من الدولارات وقال معلقاً ومتهكماً:" إن النزعة المحافظة الجديدة تكشف عن داروينية اجتماعية بدائية وساذجة لأنها تجهل التعاون في بقاء الأنواع على قيد الحياة"... الحلقة الثالثة تبعات النزعة الإمبريالية:
كان العنصر المعتدل الوحيد في فريق جورج بوش إبان ولايته الأولى هو العسكري المخضرم، ورئيس الأركان الأسبق في عهد جورج بوش الأب وقائد أركان حرب الخليج الأولى لتحرير الكويت من الغزو الصدامي، وزير الخارجية السابق كولن باول الذي لم يتمكن من وقف ماكينة الحرب الثقيلة ولا الحصول على تفويض دولي من الأمم المتحدة وقد نجح صقور الإدارة في خداع هذا العسكري المحترف وجره إلى فخ الأكاذيب والمعلومات المزيفة التي حاكها اليمين المحافظ الذي لم يكن ينظر بعين الارتياح لهذا الشخص المحسوب على الحمائم وسرعان ما تم استبعاده واستبداله بمستشارة الأمن القومي السابقة والمقربة من الرئيس الدكتورة كونداليزا رايس كوزيرة للخارجية في ولاية بوش الثانية وسرعان ما استعادت الدبلوماسية الأمريكية المحافظة اتجاهها المعهود والمعروف عنها لتسلك سياسة سيئة لأمريكا وسيئة ومؤذية للعالم كله لأنها تشجع على إشاعة الفوضى والتوتر والتصعيد والتهديد الدائم باستخدام القوة العسكرية أو الانصياع والإذعان للإملاءات الأمريكية بلا قيد أو شرط كما حصل مع صدام حسين الذي راوغ وماطل لفترة طويلة من الزمن وكان مستعدا لقبول أي شيء وأي أمر وإطاعة أمريكا لكن فات الأوان ولم يعد بوسع الإدارة الأمريكية التراجع عن قرار الحرب فدفع ثمناً غالياً تجسد بسقوط نظامه وتقديمه هو وأركان حكمه للمحاكمة وإعدامه كأي مجرم وضيع. ، وكما يحدث اليوم مع كل من سورية وإيران وكوريا الشمالية بالرغم من الثقل الموازي لهذه السلطة الجائرة والمتمثل بالتقاليد الديمقراطية الراسخة في البلاد. لقد دب الوهن، وللأسف، في هذا الإرث والتقليد الديمقراطي الموازي خاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول ـ سبتمر 2001 وإنشاء وزارة للأمن الداخلي تتمتع بصلاحيات واسعة جاءت على حساب الحريات العامة والفردية شبه المقدسة في الدستور الأمريكي، وكذلك بفعل قانون " باتريوت يو أس أ" الذي خلخل التوازن القائم بين الحرية والأمن لصالح هذا الأخير الذي حظي بالأولوية. فلم يعد البوليس بحاجة إذن خاص أو مسبق لاعتقال أي كان أو للتنصت على المكالمات الهاتفية الشخصية. وصار بإمكان المحققين الحصول على أية معلومات يريدونها من أي مصدر كان وفي أي وقت كان حتى لو كانت معلومات خاصة وحميمية عن الأفراد والأشخاص سواء كانوا مواطنين أو مقيمين أجانب، وأيضاً عن المؤسسات والجمعيات وتنظيمات المجتمع المدني وبلا تفويض أو إعلام مسبق من جانب المدعي العام. والأسوء من ذلك هو أن الأمر وصل إلى ابعد من ذلك عندما طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي الأف بي آي من أمناء المكتبات العامة تزويدهم بقوائم روادهم ونوع الكتب التي يقرأونها ومواقع الانترنيت التي يزورونها ويتصفحونها بغية رسم صورة لكل قاريء يتردد على المكتبات. وبذلك يكون الهاجس الأمني، الذي بلغ حد الهوس والهلوسة، قد تمكن من العقل الأمريكي الجماعي العادي في الشارع الأمريكي الذي تنازل وسمح بالتضحية بالحريات الفردية الجوهرية التي تشكل تراثاَ وطنياً أمريكياً والتنازل عن أجمل تقليد تميزت به الولايات المتحدة الأمريكية بين دول العالم المتقدمة. كل ذلك من أجل أطروحة الأمن المهدد حيث لم يعد بوسع المواطن الأمريكي محاسبة زعمائه على خوضهم مغامرة حرب بلا مبرر قانوني على العراق والمساواة بين صدام حسين وأسامة بن لادن واعتقال مئات الأمريكيين والأجانب المشتبه بهم بلا محاكمة وسجنهم في معتقلات رهيبة تنتهك أبسط حقوق الإنسان مثل غوانتانامو، وتنامي نفوذ المجموعات العسكرية ـ الصناعية واللوبيات وجماعات الضغط والشركات الكبرى والعملاقة ذات المصالح الدولية المتشعبة وبجانب ذلك تنامي النزعة الخلاصية والإنقاذية التي يتبعها ويتبناها جورج بوش من خلال استخدامه لمفردات دينية أصولية تدعم معتقد ديني ـ قومي شوفيني لاعلاقة له بالتراث القيمي العالمي وهذا يشكل كابح إضافي أمام حرية التعبير ونقد السلطة ومحاسبتها على زلاتها وأخطائها وهي أمور ضرورية للديموقراطية الحقة. الحرب والأمن القومي الأمريكي: هل أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر منعة وحصانة ؟ وهل أصبحت محمية أكثر مما كانت عليه قبل خوضها حربها العالمية ضد الإرهاب الدولي في أفغانستان والعراق؟ المراقبون الدوليون يشككون في ذلك. صحيح أن تطبيق قانون يو أس أ باتريوت ، وتقنين وتنظيم وتشديد خدمات وقوانين الهجرة ، تجعل تسلل الإرهابيين إلى أمريكا أكثر صعوبة إلا أن سياسة جورج بوش الاستعلائية المتعجرفة وفرضه عقيدة " الحرب الوقائية" و" الضربة الاستباقية" ، وإهانته للعالمين العربي والإسلامي واستفزازهما باستمرار بتصريحات ومواقف تثير حفيظتهما المتأزمة أساساً من جراء صدمة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي والصراع العربي ـ الإسرائيلي منذ أكثر من نصف قرن ، تجعل الأرضية أكثر خصوبة وملائمة لنمو وانتعاش وانتشار الأيديولوجية السلفية والأصولية المتشددة والنزعة التكفيرية ـ القتالية المولدة للإرهاب والعنف العقائدي وتجنيد المزيد من الشباب المغرر بهم بأطروحات التضحية بالنفس والجهاد من أجل الدين والوطن ومقارعة المحتل الصهيوني والأمريكي وإخراجهما من أرض الإسلام والعرب وأن الموت الناجم عن ذلك ليس سوى شهادة نقود صاحبها مباشرة إلى الجنة ليتناول طعامه مع الرسول ويقضي لياليه مع الحور العين. فهناك دول مسالمة كالدول الاسكندنافية غير مهددة باستمرار بأعمال إرهابية بسبب توازن وحيادية مواقفها وسياساتها الخارجية فمواطنو تلك الدول وسفاراتها وشركاتها غير معرضين للتهديد الإرهابي إلا نادراً وبسبب حادث عرضي غير مقصود كقضية الرسوم الكاريكاتورية الدانيماركية المسيئة للرسول الأمر كان يمكن أن يدفع الدبلوماسية الأمريكية للتأمل العميق والتفكير ملياً بشأن الأسباب الحقيقية للحالة العدائية التي تواجهها دولة عظمى مثل أمريكا، كما يتعين على أمريكا أن تتعلم وتستلهم الدروس من تجارب الإمبراطوريات السابقة عبر التاريخ كالإغريقية والرومانية والفارسية والإسلامية والآسيوية والعثمانية وغيرها وتدرس أسباب تالقها وانحدارها، تفوقها وانحطاطها، وعليها أن تفهم أنه لن يكون بوسع أمريكا في القرن الواحد والعشرين أن تتحول إلى إمبراطورية لايجاريها أحد بعد انهيار وغياب الاتحاد السوفيتي. فالاتحاد الأوروبي موجود ويتصاعد نفوذه الاقتصادي والسكاني والتكنولوجي والصناعي وحتى السياسي والعسكري قريباً، وسيكون بوسعه الوقوف في وجه الطموحات الإمبريالية والإمبراطورية الأمريكية والوقوف على الطرف النقيض لها في الكثير من الملفات الساخنة كفلسطين وتجارة الحبوب والطاقة والحديد والصلب والفولاذ والاحتباس الحراري ومصير سجناء غوانتانامو وغيره من المعتقلات اللاإنسانية السرية والعلنية وفي أمريكا اللاتينية وأفريقيا الجنوبية وآسيا . هذا علاوة على ظهور تكتلات إقليمية بإمكانها أن تلعب دور الكابح الإضافي أيضاً لوقف آلة الدحل الأمريكية التي تدمر وتسحق كل شيء في طريقها كالفيل في مستودع الخزف. ارتكبت أمريكا خطيئة لاتغتفر شكلت سابقة خطيرة انتهكت صرحاً قضائياً وقانونياً شيدته الأمم المتحدة منذ أكثر من ستون عاماً، منذ أن قررت استخدام القوة العسكرية خارقة بذلك قانون التوافق والتشاور والتنسيق داخل المنظمة الدولية قبل اللجوء إلى القوة كآخر حل متوفر في الملفات البالغة التعقيد والخطورة لكن الولايات المتحدة داست بأقدامها مبدأ التشاور والتفويض الدولي وتجاوزت مجلس الأمن الدولي حتى لاتتعرض للفيتو أو حق النقض المحفوظ للقوى الأربعة الأخرى الممثلة فيه وهي بريطاانيا وفرنسا وروسيا والصين بعد أن هددت فرنسا باستخدام هذا الحق لمعارضة شن الحرب على العراق. تبجحت إدارة بوش بقدرتها على التصرف بمفردها وتوارت خلف ذريعة الدفاع عن النفس وتحصنت بحقها في شن هجمات وقائية استباقية ضد أعداء وهميين أو مفترضين جعلتهم حقيقيين وأضفت عليهم صفات شيطانية ونوايا تدميرية وضخمت من درجة خطورتهم لتبرير سحقهم قبل تحركهم المفترض. وبهذا السابقة الخطيرة سيكون بوسع كل بلد الإدعاء على غرار الولايات المتحدة الأمريكية بأنه مهدد من هذه الدولة أو تلك، أو هذه المنظمة الإرهابية أو تلك الموجودة في هذا البلد أو ذاك وبأنه معرض للخطر إذا لم يتحرك أولاً ويوجه الضربة الأولى التي ستكون والحالة هذه مشروعة وشرعية حتى لو كانت ضربة وقائية استباقية وليست ردة فعل دفاعية. وهذا تفسير خاطيء أو مبالغ به ولوي لفحوى وجوهر ما تضمنته المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تسمح بالدفاع عن النفس بالقوة العسكرية في حالة تعرض أي دولة لاعتداء عسكري وشيك لكنه مثبت أو واقع من طرف آخر. وكانت سابقة أخرى قد حدثت عام 1967 عندما شنت إسرائيل حربها العدوانية التي كانت استباقية ووقائية على حد إدعاء تل أبيب لصد هجمات عسكرية عربية وشيكة ومخطط لها بينما كانت الدولة العبرية تنوي تدمير الآلة الهجومية العربية خاصة القوات الجوية والطيران . والحال أن أي عمل عسكري وقائي أو استباقي ضد هدف محدد يجب أن يتقرر على أساس جماعي متعدد الأطراف في أعقاب مشاورات ونقاشات تداولية ومفاوضات متعددة الأطراف تضم أعضاء مجلس الأمن إلى جانب الأعضاء دائمي العضوية والذين يجب أن يتفقوا بالإجماع أو لايستخدم أحدهم حق النقض كشرط لصلاحية القرار ووجود لجنة من الحكماء تعدادها 16 عضواً تبدي ملاحظاتها وآراؤها بشأن التهديدات الجدية التي تمس الأمن والاستقرار الدولي وهي الوحيدة المخولة للرد على سؤال من يحق له أن يقرر مشروعية اللجوء إلى القوة العسكرية لتوجيه ضربة وقائية ،وفي أي وقت أو متى يعد الدفاع عن النفس مشروعا . هذه هي أمريكا، بنسيجها وتركيبتها السياسية وتناقضاتها الداخلية وارتباطاتها الخارجية، التي دخلت الحرب في العراق وغزته متصورة أنها ستكون في نزهة عسكرية دون أن تمتلك خطة دقيقة ومدروسة لتداعيات الحرب وانعكاساتها على مرحلة مابعد الحرب فصارت تتخبط وتجرب وتخطيء وتصيب وتلعب بالتناقضات والخلافات الداخلية والطائفية والقومية والعرقية العراقية . الأمر الإيجابي الوحيد الذي نجم عن تلك الحرب العدوانية هو إطاحة دكتاتور مصاب بجنون العظمة مهووس بأمنه الشخصي، ومريع في قسوته وبطشه، يشكل خطراً على شعبه وعلى شعوب وأنظمة الدول المحيطة بدولته . وجدت أمريكا في العراق خارطة بشرية وسكانية بالغة التعقيد والتنوع وتركيبات سياسية غير مألوفة لديها وليست لها خبرة بها فكان أن حولت العراق إلى حقل تجارب وحولت الشعب العراقي إلى فئران مختبرات لايهمها ما يعانون منه وما يواجهونه من آلام وصعوبات. وجدت أمريكا شعباً تساوت عنده قيم الحياة والموت بل يمكننا أن نقول أنه زهد في الحياة بعد أن انتفت عن كونها حياة طبيعية ولها طعم ومتعة. وتعايشت مع فئات سكانية لا يعلوا وجوهها سوى الخوف من الموت العنيف والتعرض للتعذيب والمصير الأسود المتربص بالجميع في كل زاوية وفي كل لحظة تاركين ورائهم عائلات بأكملها من الأرامل واليتامى والمعوقين ليس لهم أحد يعيلهم. وفي كل مرة يخرج فيها العراقي من بيته يتلو الشهادة لأنه لايعرف إذا كان سيعود سالماً معافى. وبانتظار المجهول، تجد ملامح مرهقة ويائسة وغاضبة ومكبوتة تخشى من طوفان موجات الإبادة الطائقية والتطهير العنصري والعرقي والمذهبي والديني والطائفي وهي الحالة التي تقف حجر عثرة أمام أية مصالحة وطنية حقيقية بين مكونات هذا الشعب المظلوم. كل طرف في العراق يلقي مسؤولية ماحدث بالأمس القريب ويحدث اليوم، على عاتق الطرف الآخر ويطالبه بتقديم التنازل أولاً عن مطالبه التي يعتبرها تعجيزية حتى قبل الإطلاع عليها وتمحيصها . وكل طرف يعلن أنه لايريد بقاء القوات الأجنبية وكل طرف يسميها حسب هواه بين قوات احتلال ألى قوات التحالف الدولي مروراً بقوات متعددة الجنسيات، وفي نفس الوقت تراه في الكواليس أو خلف الأبواب المغلقة أكثر تمسكاً بها خوفاً من تعرضه للإبادة والاستئصال على يد خصومه حسب اعتقاده وقناعته. القوات الأمريكية المحتلة باتت عاجزة عن تحقيق تقدم حقيقي ملموس ولم تنجح حتى في تحقيق انتصارات جزئية ولو محدودة ضد تنظيمات القاعدة الإرهابية أو فلول البعث الصدامي الإجرامية المتربية على العنف والقتل والتعذيب وقطع الرؤوس والألسن وترهيب الشعب أو القوى التكفيرية والأصولية الإسلاموية الأخرى بشقيها المعتدل والمتطرف التي تريد تحويل العراق إلى إمارة إسلاموية على غرار إمارة الطالبان السابقة كما يدعو لها ويتمناها أقطاب الفكر الإرهابي التكفيري من أمثال أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبو اليزيد والمقبور أبو مصعب الزرقاوي وأبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر وأمثالهم ممن يعلنون أنفسهم أمراء على الناس بقوة الحديد والنار ، بل لم تتمكن القوات الغازية من تطهير المناطق الشيعية من الميليشيات المنفلتة من عقالها والتي لاتحترم سلطة أو مرجعية أو مراتبية قيادية وتأخذ أوامرها من ولي أمرها وممولها بالمال والسلاح وأغلب الأحيان يشار إلى إيران بالبنان وهي تسرح وتمرح وتعيث بالأرض فساداً وبطشاً بكل من يخالفها الرأي أو يعترض على سلطتها وتقوم بقتل الأبرياء على الهوية ومتغلغلة بين الأحياء المزدحمة بالسكان يصعب فرزها عنهم أو مطاردتها أو استئصالها و هي لاتختلف عن الميليشيات السنية الإرهابية بشيء بل وتشترك معها بهدف هو تدمير الهوية الوطنية والانتماء الوطني لصالح الانتماء المذهبي والطائفي . وهي أيضاً مدججة بالسلاح ومتخمة بالمال الإيرانيين كمثيلتها ومنافستها القوى الظلامية المتخمة بالسلاح والمال الخليجي والإيراني معاً ، وهذه ليست اتهامات باطلة أو إشاعات أو تخمينات إعلامية بل حقائق مثبتة بأدلة وقرائن ستخرج قريباً للعلن بالأسماء والأرقام والتواريخ . القوات الأمريكية تحتاج لمزيد من الوقت والمال والعتاد والأسلحة والمعدات المتطور والوحدات الإضافية المدربة لإحكام سيطرتها وإتمام المهمة الملقاة على عاتقها ألا وهي سحق التنظيمات الإرهابية وتطهير مدن العراق كافة من فرق الموت السنية والشيعية وقطع دابر عصابات الجريمة المنظمة وحصر القتلة والمتوحشين في زاوية لن يكون أمامهم سوى الموت أو الاستسلام والحال أن أمريكا بعقليتها وسلوكها الحاليين لن تكون قادرة على إنجاز هذه المهمة طالما لم تجد حلاً دبلوماسياً للعامل الإقليمي والتفاهم مع دول الجوار التي مازالت تتدخل في شؤون العراق الداخلية وتعمل على هدم استقراره رغم إنكارها العلني لذلك وتأييدها الظاهري للعملية السياسية الجارية في العراق. فطالما استمرت دول الجوار العراقي كافة وبدون استثناءات ، تتدخل في الشأن الداخلي وترعى عملاءها وعناصرها وتمدهم بكل سبل القوة والاستمرار والبقاء نشطين وتوفر لهم الأموال والأسلحة والمقاتلين المتطوعين والمرتزقة لإشاعة الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار سعياً منها لإفشال المشروع الأمريكي برمته وإبعاد خطره عن حدودها وحصره بالساحة العراقية وليذهب الشعب العراقي إلى الجحيم فهذا آخر ما تفكر فيه تلك الأنظمة التي تريد معاقبة العراق شعباً وأرضاً وحكومات على ذنب لم يقترفوه بل قام به مجرم وبضعة أفراد من عصابة القتلة المحيطين به ممن ذهبوا إلى مزبلة التاريخ ولكن لايزال هناك العديد من الطائفيين الحاقدين والفاسدين واللصوص والمرتشين ممن يفتقدون الذمة والضميروالإنسانية يتبوأون أرفع المناصب وأخطرها في جهاز الدولة لذلك يتعين تطهير أجهزة الدولة ومؤسساتها لاسيما الخدمية من هؤلاء الملوثين لطوي صفحة الماضي والبدء بصفحة جديدة وتوفير الحماية للسكان المدنيين وعلى مدار الساعة وفي كل مكان وإلا لن يكون هناك أمل في أن يقف العراق يوماً على قدميه سليماً معافى. لقد فتحت أمريكا أبواب الجحيم على مصراعيها في العراق بعد غزوه ونتمنى أن تكون مغامرة العراق هي القشة التي ستقصف ظهر الجمل ـ أي أمريكا ـ كما يقول المثل العربي. ونتمنى أن يتاح للعراق يوماً ما أن ينتقم لكرامته المهدورة وسيادته المسلوبة وضحاياه الذين سقطوا بالآلاف ومازالوا يسقطون بالمئات يومياً وليس بالضرورة أن يكون ذلك باستخدام القوة والعنف والإرهاب والأخذ بالثأر على الطريقة العشائرية بل بالطرق الحضارية التي تليق بإنسان القرن الحادي والعشرين أي بالتفوق العلمي والتقني والأخلاقي وفضح المحتل وكشف الحقائق أمام مواطنيه وفي المحافل والمحاكم الدولية لمقاضاته على عدوانه القذر. ماذا حققت أمريكا من مشروعها الاحتلالي المغامر للعراق خلال السنوات الأربع المنصرمة فيما عدا رغبتها في وضع اليد والسيطرة على نفط العراق للخمسين سنة القادمة وهو الأمر الذي لم يتحقق بعد ؟ وصلت تكاليف الحملة الأمريكية إلى مايزيد عن 400 مليار دولار هذا ما هو معلن وماخفي فهو أعظم. بينما قدرت كلفة إعادة إعمار العراق بـ 36 مليار دولار لم تقدم أمريكا منها سوى 7 مليار دولار ضاعت بين السرقات والاختلاسات والاحتيالات والعقود الوهمية والفواتير المنفوخة لتصل إلى جيوب المقربين من جورج بوش وأعوانه كديك تشيني وشركته العملاقة هاليبيرتون وبول بريمير ورامسفيلد . وفي كل شهر يتوجب على أمريكا إنفاق أكثر من 80 مليار دولار وهذا يعني أن على كل عائلة أمريكية أن تدفع من جيبها مايقارب 5000 دولار لتغطية نفقات الحرب إلى جانب آلاف القتلى والجرحى والمعوقين هذا غير الأرقام التي لاتعلن والتي تعود لقتلى غير أمريكيين أو غير مواطنين ممن ينتظرون التجنس والحصول على الجنسية أو من قوات الأمن الخاصة أو من المرتزقة المحترفين وهذه القوات غير النظامية الموازية تستنزف الميزانية الأمريكية والعراقية والبريطانية على السواء. فقد قدم العراق ما لا يقل عن 655 ألف ضحية لهذه الحرب العبثية وهو رقم تعترض عليه صحيفة الانديبندنت البريطانية التي تقدر عدد الضحايا العراقيين بـ 300 ألف قتيل عراقي. والأحياء من العراقيين أكثر تعاسة ومعاناة من قتلاهم بسبب سوء المعيشة وظروف المعيشة القاسية وانعدام الخدمات وتفشي الفقر وغياب العناية الصحية وانعدام الأمن، فـ 80% من أطفال العراق يعانون من سوء التغذية وتدني مستوى الطبابة والعلاج الطبي وفقدان الأدوية الضرورية وعدم توفر الكهرباء مع ما يترتب على ذلك من إشكالات ومآسي ومعاناة لاتحتمل في الصيف والشتاء، والبطالة تحنق نصف الأيدي العاملة المنتجة من فئة الشباب الأمر الذي يدفع بالبعض منهم إلى أحضان الإرهاب والجريمة المنظمة للقيام بعمليات السرقة والاحتيالات والتزوير وخطف الرهائن ومعظمهم من النساء والأطفال ، وتراكم القمامة في أغلب أحياء العراق السكنية وفقدان خدمات الصرف الصحي مع ما ينجم عن ذلك من روائح كريهة وأمراض معدية وأوبئة ومستنقعات ومياه راكدة مليئة بالجراثيم والحشرات يلعب في وسطها الأطفال ويشرب منا الكبار لعدم توفر المياه الصالحة للشرب وهناك مدن وأحياء بأكملها مدمرة يسودها الخراب والغبار ومئات الآلاف من الأرامل والأيتام والأطفال المشردين في الشوارع والمعوقين والمرضى بلا علاج وآلاف السجناء والمعتقلين بلا أسباب مقنعة ولا تهم ثابتة أو تحقيق قضائي عادل يجرى معهم، قابعين في سجون تفتقد إلى ابسط وسائل العيش البشري فحظائر الحيوانات أرحم وأنظف منها. إلى كل ذلك تضاف مأساة المهاجرين والمهجرين طوعاً أو قسراً عن بيوتهم حيث يتوزع مايربو على الأربعة ملايين لاجيء بين دول الجوار يعيشون في ظروف بالغة القسوة مشتتين بين الأردن وسورية ومصر ولبنان واليمن والسعودية ودول الخليج وبعض الدول الأوروبية لمن أسعفهم الحظ وحصلوا على لجوء إنساني في إحدى دول الغرب أغلب هؤلاء اللاجئين باعوا ممتلكاتهم وتركوا أعمالهم وجاءوا بحثاً عن الأمان لكنهم فوجئوا بأن جحيم الغربة والهجرة لايقل عن جحيم الوطن الذي هربوا منه خوفاً من موت محتم. هذه الحصيلة الكارثية التي أصابت العراق وشعبه منذ ربع قرن تتحمل مسؤوليتها المجموعة الدولية التي ساهمت وغذت حرب صدام حسين على إيران وحربه على الكويت وحرب قوى التحالف على العراق لتحرير الكويت وفرض حصار جائر وقاتل على الشعب العراقي وليس على النظام البائد وأخيراً الحرب الأخيرة التي تكللت باحتلال العراق بعد غزوه عسكرياً والطرف الوحيد الذي دفع ثمن كافة تلك المآسي والكوارث هو الشعب العراقي وحده لا غير. واليوم مازالت قوات الاحتلال تتحمل مسؤولية ما آل إليه وضع الشعب العراقي في داخل وخارج العراق ومن ثم تلقى المسؤولية على عاتق الطبقة السياسية العراقية الجديدة التي حلت محل البعث المنهار والتي لم تلتفت لهذا الشعب المسكين لتداوي جراحه بل ظلت تفكر بمنطق المصالح الذاتية الضيقة والصيغة الفئوية والحزبية المحدودة متناسية المصلحة الوطنية العليا وعذرها الوحيد أنها تخوض صراعاً مريراً مع قوى الإرهاب الإجرامية والفئات التكفيرية الضالة وبقايا حزب البعث الصدامي المحظور كما تخوض وصراعاً سياسياً متأزماً فيما بينها لاسيما بين الأطراف المشاركة في العملية السياسية التي اعتقد البعض بأنها باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة إذا أخفقت الخطة الأمنية في استئصال شأفة الإرهاب والعنف التي أدمت المجتمع العراقي واستنزفته حتى النخاع فالعملية السياسية القائمة حالياً بحاجة إلى عملية جراحية قيصيرية لإنقاذها من الغرق في غيبوبة بين الحياة والموت . الأمل كله معلق على جدارة وحيوية وصدق وإخلاص رئيس الوزراء العراقي الحالي الأستاذ نوري المالكي وتعاونه مع المخلصين والشرفاء من أبناء هذا البلد وبالاستناد إلى ثوابت وطنية بعيدة عن المحاصصة والطائفية والفئوية والعرقية والقومية والعمل بمبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات ومبدأ الكفاءة والنزاهة في توزيع المسؤوليات وأن يبقى الجميع تحت خيمة الشرعية الدستورية والاستحقاقات الانتخابية لاسيما القادمة منها لتفرز أغلبية برلمانية ـ دستورية شرعية منتخبة شعبياً تكون مقبولة عربياً وإقليمياً ودولياً فضلاً عن قبولها من قبل العراقيين جميعاً بمختلف إنتماءاتهم وهذه مهمة صعبة جداً لكنها ليست مستحيلة إذ يتعين أولاً تهيئة الأرضية الصلبة والملائمة بعيداً عن أجندات ومصالح القوى الأجنبية والإقليمية التي تسعى لفرض مصالحها أولا عبر هذا الفريق أو ذاك لذلك إذا كانت الحكومة مخلصة للشعب ومهتمة بمصيره وتشعر بآلامه واحتياجاته فلتقم ببادرة ملموسة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والخدمية بالتوازي مع الجهود المضنية التي تبذلها لاستعاد الأمن والاستقرار في البلاد عند ذلك سيكون كل شيء ممكن بالصبر والمثابرة وليكن الله في عون الجميع. وأختتم مقالتي هذه بما قاله المؤرخ والكاتب والمحلل الكبير الدكتور سيار الجميل وهو يتساءل بحرقة " كم كنّا نحلم بعراق حضاري جميل ؟ كم كنا نحلم بعراق حر وديمقراطي متفاهم وآمن مستقر ؟ كم كنا نحلم ؟ ولم نزل نحلم ، فالعراقيون لا يمكنهم أبدا أن يرضوا على أي تجربة إلا بصعوبة بالغة" فهل سيكتفي العراقيون بالحلم أم سوف يزعزعوا واقعهم الأليم ويفجروه في وجه أعدائهم ؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |