|
حكومة المالكي والقوى المتنفذة وعمال النفط بين صراع المصالح المافيوية الحزبية الضيقة وخطل البرامج الحكومية أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي تناقلت الأنباء خبر إضراب عمال النفط، في وقت رفضت الحكومة تلبية مطالبهم التي تقدموا بها.. والأخطر في الأمر هو التهديد باعتقال قادة نقابة العمال والدفع بقوات الجيش لمحاصرة قوى الشغيلة! وتتحدث الحكومة عن توجيه تهم تخريب الاقتصاد الوطني! فإذا نحينا جانبا ومؤقتا مسائل من نمط صراعات مراكز النفوذ الحزبية والمافيوية بشأن حركة الصادرات وإيرادات النفط ! وإذا نحينا جانبا مشكلات تعترض عمليات إنتاج النفط وتسويقه برمتها؛ فإننا نركز هنا على الفعالية الأخيرة من جهة قرار الإضراب وموقف الحكومة بالخصوص؟ أما نقابات العمال فإنها ينبغي أن تتحدث بلسان مطالب أناس سحقتهم تفاصيل اليوم العادي للعراق الجديد. وبعيدا عن الإرهاب وقواه وعن قوى المافيات التي تحاول اختراق القطاع وإخضاعه أو بعض مفاصله لسطوةتها ومستهدفاتها، نقول بعيدا عن كل ذلك بكل ما فيه من مخاطر.. نجد العامل وعائلته يعانيان من تفاصيل الأجور المتدنية التي لا تكاد تطارد الأوضاع ولا طبعا مخاطرها المخصوصة الراهنة... طيب، السؤال هو من يدفع فاتورة الفروق بين القدرة الشرائية لأجر العامل وبين المتطلبات الحقيقية له ولأفراد عائلته والواقع الذي ينتظرهم بأفواه فاغرة تلتهم تلك الأجور وتجعلهم في بدء أيام الشهر في عوز وحاجة.. بدءا من الحاجة للغذاء ولسد خدمات الحياة اليومية وليس انتهاء بسد الحاجة لمشتريات العلاج والعناية بالصحة.. ولا تأمين صحي ولا أية تأمينات مجدية ووافية... إنَّ من أولى أمور الدولة في عراق جديد في وقت لم تبدأ حركة إعادة الإعمار بعد خمس سنوات من التغيير والتطلع لزمن مختلف نوعيا وفي وقت لا تصرف الحكومة لا على جيش ولا على شرطة ولا على أية فعالية اقتصادية حقيقية ومهمة.. أي في ظروف تجميد الواردات والأموال أو الثروة الوطنية؛ إن من أولى واجباتها بخاصة في زمن الغلاء في كل شيء في العراق إلا لقيمة الإنسان، أن يجري التأمين الصحي وغيره ويجري تعديل سلّم الرواتب والأجور بطريقة موضوعية إن لم يكن عبر دراسة منطقية لأجهزة الدولة فعبر قراءة مطالب الاتحادات والنقابات... أما موضوع الأنشطة السلمية للاتحادات والنقابات والأعمال المطلبية فهي جزء حيوي مهم من مسيرة تطبيق دولة القانون والعمل المؤسساتي وآليات الديموقراطية وسيكون لطريقة تعامل الحكومة ومؤسساتها مع تلك المطالب والأنشطة نتائجها الخطيرة سواء باتجاه تطمين المسيرة الديموقراطية أم باتجاه تعميق الشرخ بين مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة.. إن افتعال أو خلق مثل هذا الشرخ سيعني لا رفض الديموقراطية وآلياتها ولا عرقلة مسيرة عراق جديد وديموقراطي بل سيعني فيما يعنيه الحجر على مسيرة العملية السياسية وتشويهها ومن ثمَّ الدفع باتجاه تهيئة الأجواء لمزيد من الاحباطات ولمزيد من دوامة العنف وفي وقت يتم مصادرة السلم الأهلي وأنشطته سيكون الميدان مفتوحا واسعا أمام جرائم العنف الدموي التخريبية.. إن الرسالة الأهم اليوم لفعالية اتحادات عمال النفط تكمن في عمق الوعي وارتقائخ النوعي باستخدامه الفعاليات السلمية وآليات العمل الديموقراطي الناضجة في تفاعل مؤسسات الدولة العراقية ومن تمثله من فئات ومرجعيات شعبية ورسمية. وفي الوقت الذي نجد حقيقة الوعي الطبقي السياسي والنقابي المهني للشغيلة فإن هذا يمثل مؤشرا واضحا لتاريخ عمال النفط ووعيهم ونضجه منذ وقت مبكر عندما شكلوا نقاباتهم وبدأـ نضالاتهم تعلن عن مواقفهم الطبقية والوطنية المعروفة... وما يجب أن تقفه الحكومة اليوم هو في استفادة من التجاريب السابقة في العلاقة بين الطرفين ويكفي التذكير ببطولات كاورباغي التي ما زالت نجما ساطعا في تاريخ الحركة العمالية.. كما أن الحديث عن حكومة وطنية منتخبة ديموقراطيا يرتب عليها مواقف تنسجم مع هذه الحقيقة وتستجيب لها وتدعم مسيرة تفعيل العمل المؤسساتي الديموقراطي... وبخلاف مثل هذا الأمر فإن أية مضاعفات ونتائج لن تمضي في هذه التجربة أو تمر مرور الكرام. بل سيترتب عليها جرح يستعصي على العلاج وسيشكل حالة من الانفصام والاصطراع السلبي الخطير.. فضلا عما يرتبه من نتائج بخصوص عدم معالجة أوضاع العمال وعوائلهم ومصائرهم ومطالبهم! باختزال القضية وحجمها النوعي الخطير تمثل إشكالية تتحدى المؤسسة الحزبية والحركات السياسية التي تدخل في الحكومة أو خارجها في العملية السياسية أم خارجها .. فكل من يحرص على مسيرة وطنية ديموقراطية سليمة يجب أن يعلن موقفه من القضية بوضوح وأن يتخذ موقفا عمليا اليوم قبل الغد أو قبل أية أعمال طائشة أو مستعجلة تهتك أو تهدم جدارا في مسيرة [للديموقراطية الحقة] لم تبدأ فعليا بعد... ماذا تنتظر الأحزاب العمالية الطابع؟ ماذا تنتظر أحزاب اليسار والناس المسحوقين؟ ماذا تنتظر القوى الديموقراطية أو الليبرالية المؤسساتية الديموقراطية؟ هل ستترك الحركة النقابية وقادتها في زاوية المحاصرة بين مطرقة الأوضاع المتردية ومتطلباتها وسندان الحكومة وجيشها الذي ما زال بعيدا عن ضبط مهامه ولكنه كما يبدو يجري التهويش به ليكون سيفا مسلطا على رقاب الأخوة من أبناء الوطن.. أما حكاية تهديد أمن الوطن واقتصاد الوطن فإن من يهدده لا إضراب الشغيلة ومطالب الأفواه الجائعة العطشى بل استخدام الجيش الوطني في غير مهامه والعودة بدوامة سلطة القوة والعنف ولغة العصا بحق أبناء الشعب لا بحق جلاديه الذين يعيثون اليوم في الوطن تخريبا وتهشيما وتفجيرا... وليكن الجيش الوطني في حماية الشعب والدولة لا في مهاجمته والانتقام من أنشطته القانونية السلمية الصحيحة... بوركت سواعد الشغيلة سواعد البناء وبورك وعيهم وبورك في برامجهم النقابية الصريحة الصحيحة وإن جموع الشعب العراقي وشغيلة العالم مهم اليوم وغدا... فإذا كان لحكومة السيد المالكي تفسير بعينه فلتعلنه لكي يتبين الخيط الأبيض من الأسود ولتكون الأمور واضحة ولن تكفي حالة توجيه تهمة كما يجري في زمن الطغيان لنطلق لها التأييد والتهليل. ونحن مع مسيرة سلمية للبناء والتقدم وهو ما يتمثل اليوم في خطوات نقابات العمال...
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |