-1-
الدراما التراجيدية الكوميدية السياسية العظيمة، التي حصلت على مسرح غزة، وقام بتمثيلها عناصر " حماس" من تأليف وإخراج خالد مشعل وإسماعيل هنية، هي أبلغ وأرقى وأنفع مستويات الدراما السياسية العربية التي عُرضت على المسرح السياسي العربي حتى الآن.
فلو استمر الكتاب والمثقفون والمفكرون العرب العلمانيون يكتبون ليلاً ونهاراً، ولو استمرت المواقع الانترنتية الليبرالية تعلّق في كل ساعة، ولو استمرت الفضائيات العربية الليبرالية – على ندرة وجودها – أن تبث وتذيع على مدار الساعة برامج وأحاديث ومقابلات وندوات تشرح خطورة، وخطأ، ومصيبة، وكارثة الحكومة الدينية، لما استطاعت أن تقنع الشارع العربي كما فعلت "حماس" بالناس خلال الأيام الماضية.
-2-
لقد أدت "حماس" بعرضها لهذا الدراما التراجيدية الكوميدية البارعة أكبر خدمة، وقدمت أكبر هدية للفكر العلماني الليبرالي السياسي في العالم العربي. وأعلمت ما كان جاهلاً، وفتحت عيني من كان أعمى عن الحقيقة، وأفهمت من كان مغفلاً، وأقنعت من لم يكن مقتنعاً، وكشفت بكل وضوح وصراحة عن حقيقة الدولة الدينية، وعن حقيقة "حماس" التي تبين – حسب بيان الإخوان المسلمين الأخير – أنها جزء من تنظيم الإخوان المسلمين العالمي، ولهذا كان موقف المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر، موقف الرافض لحكومة الطوارئ التي شكّلها سلام فياض من مجموعة من المستقلين الفلسطينيين، ونالت تأييد وثقة العرب والغرب، خلال أقل من 24 ساعة من إعلان تشكليها.
-3-
قلنا منذ البداية، يا ناس، يا عالم، دعوا دعاة الدولة الدينية يحكمون، ولو لسنة واحدة، كما فعلت "حماس"، حتى نرى كيف سيطعمون الجائعين، ويجدون عملاً للعاطلين، وينشرون الأمن والأمان، ويبنون الدول، ويطبقون شعارهم الرنان الطنان "الإسلام هو الحل". دعوهم يحكمون، لكي يقتنع العرب، بأن لا عدالة، ولا حداثة، ولا دعم دولي وشرعي، إلا بحكومة علمانية. فالعالم كله أصبح علمانياً من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه. وكما كان العالم كله دولاً دينية في القرون الوسطى من إسلامية ومسيحية، فقد أصبح الآن دولاً علمانية من مسيحية وإسلامية أيضا.
اذكروا لي دولة دينية واحدة في العالم الآن بما فيها إيران وإسرائيل.
اقول لكم لا دولة دينية في العالم الآن بما فيها إيران وإسرائيل.
إيران يحكمها رجال دين سارقون وناهبون كرفسنجاني، أكبر تاجر للفستق الحلبي والسجاد الإيراني، ويعد من كبار أثرياء العالم. هذا صحيح. ولكن إيران مجتمع علماني يحتقر رجال الدين الملالي الذين يحكمون من خلال "الحرس الثوري"، كما كان الشاه يحكم من خلال جهاز الاستخبارات (السافاك). والشعب الإيراني يسعى لطردهم من الحكم في أقرب فرصة ممكنة. وإيران الآن بتلخيص شديد ومُعبّر، عبارة عن "جينز فوقه شادور"، كما هو الحال في الخليج حيث "العباءة فوق الجينز". ولهذا فإيران الآن دولة منبوذة من المجتمع الدولي وتعد دولة مارقة. ويترقب البوليس الدولي المناسبة لكي يلقي القبض عليها متلبسة بالإرهاب، وليطيح بالنظام الملالي القائم الذي تحدى الشرعية الدولية بملفه النووي العدواني، وقام بتسليح وتمويل وتدريب المنظمات الإرهابية في العالم العربي، وهدم العراق ولبنان، كما هدم فلسطين بالأمس من خلال الأحزاب الشيعية في العراق وحزب الله وحركة أمل في لبنان، وحركة "حماس" في فلسطين.
أما إسرائيل فدولة علمانية. وأحزابها الدينية المتشددة كحزب "شاس"، و "يهود التوراة"، و "المفدال" وغيرهم ، يتخذون من الدين اليهودي مطية كما يفعل الإخوان المسامون وغيرهم من الأحزاب الدينية في العالم العربي للوصول إلى الحكم. ورغم هذا فهم لا يرفعون كتاب التوراة، ويقولون "اليهودية هي الحل". والدولة الإسرائيلية فيها من لم يصلِ مرة واحد في معبد يهودي، ولا يتواني عن معاكسة نساء مكتبه وممارسة الجنس معهن، كما فعل الرئيس المستقيل كستاف.
-4-
صحيح أن الغرب قد ظلم "حماس" كثيراً، وضايق على "حماس"، وحرمها من المال والدعم السياسي. ولكن "حماس" في البداية، ومنذ البداية هي التي ظلمت نفسها بأن أرادت أن تفرض إراداتها وخطابها السياسي والديني على المجتمع الدولي. فوقفت هي في صف ووقف العالم كله بما فيهم معظم العرب في وجهها. وكان وضع "حماس" كوضع من قاد سيارته في الاتجاه المعاكس للطريق. فما كان إلا أن ضبطه شرطي المرور الدولي، وسحب منه رخصة القيادة، وكتب له غرامة، وربما حرمه من القيادة لعدة أشهر. وهذا ما حصل مع "حماس" بالضبط، حيث كانت تسير في الاتجاه المعاكس للطريق العام. وظنت أنها تعيش في كوكب منفصل، خاص بها، ولا علاقة له بهذا العالم ونظامه الصارم. ولم تلقَ من يوافقها على هذا التصرف غير دولتين تسيران أيضاً في الاتجاه المعاكس، هما إيران وسوريا.
ولكن حماس ليست إيران.
كذلك فحماس ليست سوريا.
وكان أن أكلها الذئب، وهم عليها يتفرجون.
السلام عليكم.
العودة الى الصفحة الرئيسية