سادتي ...العراق الى أين ؟

 

قيصر باقر

kayserbakir@yahoo.com

وطننا العراقي في خطر نراه موضوعا على طاولة تقرير مصائره ومستقبله وأجياله يتجاوز الأمر الأن ( الجغرافيا والحدود ووحدة التراب والنسيج الأجتماعي ، الأستقلال والسيادة ، الكبرياء والكرامة .المشاعر والوحدة الوطنية ،الأهداف الطموحات والتطلعات. على الرغم من الأهمية الحاسمة لهذه العوامل في وجود العراق كوطن وأستمراره فالخطر يتجاوزها الى وجود الأنسان وامانة مباشرة
لقد وضع الوطن وأنسانه في سياق عملية صراع شرس بين قوى وأستراتيجيات ، مصالحها ، أهدافها والوسائل التي تستخدمها متناقضة في الجوهر مع أهداف ومصالح المجتمع والشعب ، أطراف الصراع الأساسية داخل الوطن وخارجه ، بوعي شديد منها ومعرفة تدفع بالصراع في عملية أستقطاب وتجاذب متسارع وحاد في كل الميادين ، تستثمر وتلعب على الشروط الحرجة القائمة التي وصل اليها العراق والعراقيين ، ومن أجل ذلك تستخدم وستستخدم كل الوسائل الممكنة بما فيها تلك اللأاخلاقية
ففي هذه الأيام التي يجتاز فيها بلدنا المنكوب العراق أدقّ مراحل وجوده التاريخي، لا بدّ أن يعود الإنسان العراقي ومختلف القوى والأطراف المتصارعه للعقل والحكمة ليجدوا سبيلاً موضوعياًً مقنعاً نحو الخروج من الأزمة وقطع الطريق على الهستيريا السياسية السائدة التي تقود البلاد إلى المجهول حتماً.
لقد شهدت الساحة العراقية على مدى السنوات الماضية عواصف سياسية عدّة ذات البعد الداخلي الناتج عن فشل النظام السياسي البعثي البائد وبعض القوى المتصارعه اليوم في إحتواء وأحترام الطابع التعدّدي للمجتمع العراقي ، والذي شحن بالتدخلات الخارجية المتكررة والمفصّلة على قياس مجموعة أو أخرى من المجموعات العراقية.
واليوم بعد طوي صفحة الإنقلابات والحروب والإبادات الجماعية والتصفيات العرقية ، وبعد أن عافوا تركةً ثقيلة .. بلداً يعجّ بالفساد ، يمتلأ بالمظالم، يترنح بالتخلف يتضور بالجوع والفقر والحرمان ..وعافوا فساداً قيم مجتمعنا العراقي الأصيل المنفتح والخلاق، نرى أن هذه التراكمات كلها تركت أثراً كارثياً في نفوس العراقيين الذين تشربوا منها ثقافة القمع النفسي والذلّ والتبعية ولغة التخوين التي ما لبثت أن خرجت حتى عن الآداب العامة لتكوَن من يوميات الشعب المقهور مسرحية هزلية حوّلت الواقع المرير إلى أضحوكة تتلاعب بغرائز الناس وتسيّرهم.
ههنا نقف وقفة تأمل ونراقب عن كثب إنهيار قيم المجتمع العراقي وبالتالي إنهيار الأسس والقواعد التي كرست الكيان العراقي وبنيت عليها الجمهورية الضامنة لوجود وازدهار المجموعات المكونة للنسيج العراقي. نقف أمام أزمة مصيرية تضرب عرض الحائط هويتنا التعدّدية التي لطالما شوهت، وتضع مستقبل البلد ومكوناته فيه على المحك
ففي ظلّ التطورات الإقليمية الدامية والعالمية الضاغطة والمتناقضة ، يبقى العراق الساحة الوحيدة المفتوحة على كلّ الإحتمالات. فالصراع العالمي، بين الشرق والغرب وحياكة المؤامرات والسياسات الظلامية يتترجم في العراق تناقضاُ في الثقافات وصراع مفاهيم لا تتم معالجته بالحوار الحضاري المستقيم بل بالمهاترات، أما الصراع الإقليمي والدولي والداخلي بين التيار السني والتيار الشيعي وبين السيطرة الفئوية والعشائرية الكردية والرفض التركماني والمكونات الأخرى من العرب والكلدوآشوريين ينعكس تماماً وبوضوح تام في بلدنا المنهك ليطبع الأزمة المتفاقمة بين السلطة والأحزاب والقوى المتصارعة والفئات التي تمتلك السلاح مع الشارع العراقي والشعب الذي أنهكه الدعابات والمهاترات السياسية القذرة . هذه الأزمة التي يصوّرها البعض وكأنها مجرد خلاف في وجهات النظر السياسية، نقول بكل صراحة أنها تتعدى الأطر الديمقراطية في الحكم والعدالة الأجتماعية لتكون وقوداً لنزاع مفتوح بين الطائفتين السنية والشيعية وبين الأكراد والتركمان والمكونات الأخرى في العراق الذين يتأثرون بلا شك بالإرباكات التي يعاني منها المحيط .
في هذه المعادلة الصعبة والحرجة التي لا نستشرف لها حلاً قريباً، نستفقد واجب الوطنيين والليبراليين والعلمانيين والقوى الدينية الحكيمة والمراجع الدينية الكرام في التعاطي الواقعي والفعّال تماماً وبسرعة كما قاموا به لإبقاء الدولة العراقية وحماية الصيغة العراقية من كل المحاولات التي هدفت إلى إسقاطها وتحويلها إلى وهم.
نعم، نستفقد دور هؤلاء الريادي والحازم للخروج من الأزمات وفرض الحلول لا للتعايش مع الأزمة ومشاريع الحلول كما هو حاصل اليوم. فالإنقسام الحاد الذي يشهده العراق بين الشارع السنّي والشارع الشيعي المضاد ..الشارع الكردي والشارع التركماني الرافض لمطالبهم في الأستحواذ على مدينة كركوك وتوابعها ، ولكلّ منهم مشروعه الخاص للمستقبل وللحكم والسيطرة وإدارة شؤون الدولة بما يعود بالنفع على مصالحه العليا وغالباً مصلحة جماعة أو حاشية أوطبقة عشائرية أقطاعية سافرة ..فرعونية قارونية فاسدة ومفسدة أرتكبت كل فواحش الظلم والبطش والقمع والنهب والقرصنة سرقتْ وتسرق قوتَ الشعوب، فازدادت الهوة والفوارق بين طبقات المجتمع وتحولت الفئات الفقيرة الى العدم ، وكاد الفقر أن يكون كفراً وسط الموغل في الفساد من قبل فئة جشعة ، كلّما ملأت جيوبها وأرصدتها بمليارات الدولارات كلما أزدادت نهباً وطمعاً وجشعاً فهي لا تشبع ولاترحم...ولاتدع رحمة الله تنزل على الآهلين
يجعلنا نتساءل حول هوية العراق الذي يريده هؤلاء ؟
نتساءل عن أسباب تنازل مكونات الشعب العراقي المخجل (وإن كانت رغماً عنهم ) عن حقوقهم الطبيعية عبر التهاون مع الذين يحاولون إغراق البلاد أكثر فأكثر في وحول الإنقسامات العبثية وعواصف التدخلات والقرارات الأجنبية التي تنذر بغد لا يطمئن؟ ألم يحن الوقت بعد للخروج من إطار الذمية وكل أشكال التبعية للمحاور المتناحرة التي تتجاذب فيما بينها وتقضي على كلّ أمل الوطنيين في إستعادة مكانتهم في العراق بعد سنوات طويلة من التهميش والإقصاء المتعمّد؟ ألا تكفي المعطيات الحقيقية والملموسة على الأرض لتبرهن أنّ الأزمة الحادة التي نعيشها هي تكرار مشابه للأزمات الكارثية التي طالت العراق من وراء حماقة الحكومة المستبدة
ألم يكفي شعباً، مآس كالتي شهدها تاريخهم منذ أربعون عاماً وأكثر حتى يمارسوا نقداً ذاتياً ويحددّوا أولويات وجودهم الحرّ الكريم في العراق ضماناً لجميع المكونات التواقة إلى الحرية؟
هذه الأسئلة مطروحة اليوم أكثر من أي وقت مضى خصوصاً وأنّ التصوّر الحقيقي للدولة العراقية الجديدة ، الضامنة لحقوق الجميع والعادلة ، غائب إلى حدّ ما في ظلّ الإصطفافات الطائفية والقومية والعرقية الضيقة ليس فقط في العراق بل في المنطقة.
لقد آن الأوان لوقفة عزّ وطنية بعيدة عن المصالح السياسية والمكاسب الفئوية الضيقة التي لم تبن يوماً وطناً نحلم بالعيش في ربوعه بكل حرية وأمان. آن الأوان للمصارحة الحقيقية بعيداً عن الرياء والتلطي خلف الشعارات الرنانة كالوحدة الوطنية والعروبية والقومجية التي لم تكن سوى وهم من أوهام
الجمهورية العراقية.
آن الأوان ليطرح العراقيين الغيارة من الساسة والتكنوقراط هواجسهم بكل دقة وموضوعية ليضعوا حداً للطريقة الني ينجرّ فيها قادتهم وبعض من مناصريهم اليوم وراء تحالفات غير متكافئة تحجّم دورهم وتنهش طاقاتهم الوطنية وتمارس أخطر عملية تحريف وإستغلال تطال تاريخ نضالهم.
إن طرح الهواجس لا يعني الإنكفاء على الذات أو التطرف، بل هو مدخل للمصارحة الوطنية الكفيلة بتصحيح الخلل في النظام العراقي الوحدوي ذات الطابع التصادمي، والتطلع إلى أسلوب دستوري جديد في إدارة العراق التعدّدي
الدعوة صادقة من أجل اليقظة والإبتعاد عن
الغوغائية والتشكيك ببعضنا البعض. إن بلدنا الجريح يستحق من كل المخلصين الوعي والحكمة من أجل إستدراك المخاطر المحدقة بمصير هذا البلد الذي يتعرض الآن لأقسى خطة هادفة لتغيير معالمه الحضارية ونسف رسالته في الحرية ومثاله في التعددية.العراق بحاجة إلى لفتة صادقة تجنّبه الفوضى التي ستنبع من حرب الشوارع الغير معلنة بعد في
.حال قرّر المتناحرون ذلك
العراق بحاجة إلى جمهورية حقيقية ، حضارية تحترم الحريات الجماعية وتحرص على التعدّدية
الفكرية والثقافية لمجتمعنا والتسامح وقبول الآخر، والإيمان بالإنسان كقيمة بغض النظر عن طائفته أو انتمائه أو قوميته ، جمهورية يريدها فعلاً الضمير العراقي الحيّ ويستحقها شعبها المنكوب والمغلوب على أمره


العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com