|
ذكرت صحيفة الحياة اللندنية عن مصادر لم تشر إليها من داخل الحكومة العراقية،عن وجود اتصالات شبه رسمية بين حكومة المالكي وجناحين من حزب البعث المحظور ،يرأسهما يونس الأحمد ومزهر مطني عواد،وقد أبديا استعدادهما لتغيير أشم الحزب وإدانة ممارسات النظام السابق وأعماله الإجرامية،مقابل الاشتراك بالعملية السياسية والعودة للعراق،وكانت اللقاآت ايجابية حيث تركزت مطالب المفاوضين البعثيين على إيقاف الملاحقات القضائية،وتعديل قانون اجتثاث البعث،بما يضمن عودة البعثيين لممارسة حياتهم السابقة،على قاعدة الإسلام يجب ما قبله،وأذهبوا فأنتم الطلقاء،فيما التقى ممثل عزة الدوري بوفد الحكومة العراقية وقدم له شروطه مقابل المشاركة بالعملية السياسية،وهي انسحاب القوات الأجنبية أو وضع جدول زمني لانسحابها،وإعلان العفو العام عن السجناء والمعتقلين السياسيين وتعويضهم عن الممارسات التي ارتكبت بحقهم،وتعديل الدستور بما يضمن إلغاء الفيدرالية وقانون الأقاليم،وإلغاء اجتثاث البعث بما يضمن عودة وسلامة البعثيين لممارسة حياتهم الاعتيادية والعودة لوظائفهم التي أقيلوا عنها. وهكذا وبقدرة قادر انقلبت ألأمور رأسا على عقب، وتحول قادة البعث من هاربين مطلوبين للعدالة، الى قوى مؤثرة تفرض شروطها على حكومة انتخبتها الملايين، تدعي تمثيل الشعب العراقي، ولنا أن نتساءل لماذا أغمض قادة الأحزاب الإسلامية أعينهم عن رؤية الحقائق، وأغلقوا أذانهم عن سماع النصائح، وأصروا على أرائهم التي تحفظت عليها الكثير من القوى السياسية المشاركة في مجلس الحكم،وكان الدكتور المالكي من أشد المناوئين لحزب البعث والداعين الى تصفيته وإنهاء وجوده كقوة سياسية عندما كان خارج السلطة، وكان لتصريحاته النارية أثرها في أذكاء حماس المعادين للبعث،وأتخذ من شعار اجتثاث البعث سيفا مسلطا على الرقاب،بشن حرب إعلامية على القوى الداعية لجعل القرار مستندا على القوانين المرعية في البلاد،ونزع الرداء السياسي الذي تسربل به،ليكون القانون هو الفيصل في فض النزاعات القائمة بين أعضاء البعث ممن تلطخت أيديهم بدماء العراقيين وفسح المجال للعناصر التي لم ترتكب الجرائم بممارسة حقوقها التي يكفلها الدستور بالمساواة بين المواطنين بغض النظر عن الجنس والدين والمذهب والقومية والتوجه السياسي،واليوم بعد أن تربع على مقعد الرئاسة الوثير،رأى عقم رأيه وخطأ تصرفاته،وعدم جدية شعاراته السابقة،لأنها تمثل مرحلة كان خلالها يحاول تصفية خصومه من القوى السياسية التي تقرأ الواقع السياسي بعيدا عن الرؤى المرتجلة والآراء المسبقة،وتتعامل مع الواقع بعقلانية السياسي الذي يتعامل مع الأمور بروح بعيدة عن الانتقام والانغلاق والتحجر،فيما اتخذت الأحزاب الإسلامية قرارات متطرفة ليس الغرض منها اجتثاث البعثيين أو إنهاء وجودهم، وإنما شعارات لإسقاط الخصوم السياسيين الذين يختلفون معهم بالنظرة العقلانية والواقعية المطلوبة في العمل السياسي، وكسب رضا المتضررين من الحكم البائد، لذلك أستخدم القرار كسيف ذو حدين،لإنهاء القوى الوطنية،واحتواء البعثيين،وحمايتهم إن ساروا بركابهم. أن التقارب الجديد بين البعث العراقي وقوى الإسلام السياسي يعيد الى الأذهان العلاقات السابقة لهذين الطرفين،والترابط بين الجانبين،والأهداف المشتركة لكليهما،حيث سبق لهذه الأطراف أن تحالفت في جبهة موحدة لمواجهة المد اليساري المهيمن على الشارع العراقي،وانفصمت عرى التحالف بعد انفراد البعث بالسلطة،ومعرفته حقيقة حلفائه ونواياهم في الوصول الى السلطة،أو الهيمنة على صناعة القرار،وكان للإسلاميين مواقفهم المعادية للقيادات القومية التي أرتقت سدة السلطة أبان حكم العارفيين،لذلك عندما جاء البعث للسلطة ثانية في انقلاب تموز،حاولت القوى الإسلامية التحرك ضمن بعدها الاجتماعي لإثبات وجودها في الساحة العراقية،إلا أن البعث المدرك لطبيعة اللعبة السياسية،وصاحب التجربة في العلاقة معهم،وحقيقة طموحاتهم،سعى لتجميد القوى الدينية بالحد من نفوذها في الأوساط الاجتماعية، فامتدادها سيحد من سلطته ويعطيها القدرة على تحريك الشارع لمناوئته، ويقوي نفوذها الأخطبوطي في المجتمع العراقي،مما يقوي من قدرتها على تغيير الاتجاهات،وفرض أجندتها على الساحة السياسية،مما عقد الأمور بين الطرفين،ودفع سلطة البعث لتصفية أبناء الرموز الدينية والاجتماعية المؤثرة بتهم الارتباط بالجهات الأجنبية،مما جعله يتحالف مع القوى اليسارية،بإظهار العداء لأمريكا،ومحاولته التقرب من المعسكر الاشتراكي الذي كان يشكل قوة عظمى بمواجهة المعسكر الغربي الذي تتزعمه أمريكا،وبذلك تمكن من مواجهة الجهات الدينية،وما تلاه من أحداث دامية في زيارة كربلاء،وإعدام متحمسين إسلاميين،بحجة الارتباط بالتيار السلفي المدعوم من السعودية،،ثم قام البعث بتصفية حلفائه من الكورد والشيوعيين والقوى القومية ،للانفراد بالسلطة بعد أن تهيأ له إنهاء النفوذ الإسلامي،وما تلاه من استحواذ على مقاليد السلطة،وتصفية القيادات البعثية المناوئة للتوجهات الصدامية ونزوعه الدكتاتوري،لاختلافها معه في التوجهات والأساليب. وكان لاندلاع الحرب العراقية الإيرانية،وما سبقه من تململ في الأوساط الدينية،وتنشيط لحركاتها،أن قام النظام بتصفية التشكيلات الدينية وهي في بدايات تحركها،وما تلاه من إعدامات طالت العناصر الوطنية والديمقراطية ،بعد أصدارة لقوانين تحرم الانتماء للأحزاب،وكانت فرصة للنظام في تصفية كافة الخصوم السياسيين والمعارضين،أو الذين لا يحملون نوايا طيبة اتجاه السلطة البعثية،،فكانت الإعدامات بالجملة ،والتفسيرات للعناصر التي لا تؤمن بالبعث وسياسته،وما تلاها من تصفيات طالت الكثير من المؤسسات الوطنية والدينية،وزج العناصر المخابراتية لتولي المسئوليات في الاتحادات والنقابات المهنية،والمؤسسات الدينية التي ترتبط بالحكومة العراقية. وبعد احتلال الكويت، وحرب الخليج الثانية وما رافقها من تدمير للبنى التحتية ،والتركيبة الاجتماعية،كان للاندفاعات العاطفية تأثيرها في النزوع نحو التوجه الديني،وكانت الشعائر الحسينية،وصلاة الجمعة،والمدارس الدينية،قد راج سوقها وكثر طلابها في تلك الأيام،فأندفع الكثير من الشباب ممن لم يجدوا في الساحة العراقية أي توجهات سياسية،لتشدد السلطات بهذا الاتجاه،ومحاولات النظام أعطاء الصفة الدينية لسلطته بحملته الإيمانية الرعناء، وإغلاقه لكل المجالات الترفيهية والمتنفسات الشبابية،وتحويله المدارس الى مؤسسات تدعوا للدين على الطريقة الصدامية،وقيام نائبه عزت الدوري بالأشراف على التكايا وممارسة حفلات الأذكار والمواليد،والتضييق على الجانب الآخر في ممارسة طقوسه وشعائره،كل ذلك دفع الشباب الى التوجه نحو المؤسسات الدينية،فكانت الممارسات الدينية هي الطريق الوحيد لمعارضة النظام وتحديه،وكان لقيام السلطة بمنع المواكب الحسينية،وقراءة التعزية،وغيرها من الطقوس،أثره في الأندفاعة العاطفية للشباب على قاعدة (كل ممنوع مرغوب)مما عزز من مركز رجال الدين ،وجعل لهم ثقلا اجتماعيا متميزا لم يكن موجودا في العراق سابقا، فصار التوجه الديني الميسم الوحيد لمعارضة النظام،فاستفادت المؤسسة الدينية من هذه الاندفاعات ،وسخرتها لمصالحها،مما مهد الطريق لها في الهيمنة على الشارع بعد سقوط النظام،لفرض أرائها في توجيه السياسة العراقية في الوجهة التي تريد بما يخدم مصالحها ويحقق طموحاتها في السلطة والجاه. ولعل سائل يسأل هل انقطعت خيوط الاتصال بين البعث كتيار يميني له منطلقاته وتصوراته التي تلتقي بالكثير من الأوجه مع توجه المؤسسات الدينية،وهل الخلاف بين أولئك وهؤلاء خلاف في التوجهات بعيدة المدى أم نتيجة صراع لأطراف كل يحاول الجذب بما يخدم مصالحه،والإجابة عن هذا السؤال تدفعنا لتساؤل آخر،هل تخلوا المؤسسة الدينية من عناصر تدين بالولاء للبعث،وترتبط معه بروابط متينة من المصالح،لو دققنا الأمور لوجدنا: 1_ أن التقاطعات الحاصلة بين المؤسسة الدينية والبعث لا تتجاوز محاولة كل منهم فرض سلطته وهيمنته على الشارع،وبذلك فالسجال الدائر ليس خلاف في المبادئ بقدر ما هو خلاف مصلحي،فالبعث لا يريد شركاء في سلطته ومكاسبه،ويحاول إنهاء الأطراف الأخرى التي يمكن أن تؤثر على توجهاته العامة في السيطرة والاستحواذ،في الوقت الذي تحاول المؤسسة الدينية أحكام قبضتها على السلطة بعد أن استمرأت اللعبة وما حصلت عليه من جاه ونفوذ ومكاسب مادية لم تكن تحلم بها،وهيمنة على مؤسسات الدولة بحيث أصبح لرجال الدين ذات السيطرة التي تمتع بها قادة البعث وأزلامهم،في أدارة شؤون السلطة والمحافظات،وأحكام السيطرة على كل مفاصل الدولة الحيوية،ومفاصل البلاد الاقتصادية والمالية. 2_ أن نقص الخبرة،وعدم القدرة على الإدارة جعل هذه المؤسسة تسعى لاستقطاب الكوادر الوسطية في حزب البعث،ممن يسعون وراء مصالحهم الخاصة،بغض النظر عن المبادئ والقيم التي يدعون النضال من أجلها،لأن التربية الصدامية للبعثيين بنيت على المنافع والمصالح الخاصة،في ظل غياب الالتزام العقائدي،والأيمان بالنظرية البعثية،مما جعل المؤسسة الدينية تضغط بشدة على صغار البعثيين لكسبهم الى صفوفها،والاستفادة من خبراتهم في الإدارة والتنظيم.وقد عمدت هذه المؤسسات لأتلاف وإخفاء الكثير من الوثائق التي تدين البعثيين،مما جعلها ورقة رابحة بأيديهم في الضغط عليهم ومحاسبة من يحاولون التمرد على أرادتها. 3_دخول الكثير من عملاء النظام البائد ومخابراته في سلك المؤسسة الدينية بعد انتفاضة آذار/1991 لكسب المعلومات،وتزويد السلطة بما يدور داخل هذه المؤسسات،ولكن المؤسسة الدينية ليست بهذه السذاجة التي تجعلها تكشف عن مخططاتها وتوجهاتها أمام الطارئين على العلوم الدينية من أبناء المحافظات والقرويين منهم بالذات،فالمؤسسة الدينية منذ تأسيسها كانت حكرا على أبناء الأسر الدينية المعروفة،والوافدين للدراسة من الدول الإسلامية ،ومن النادر أن يدخلها طارئ من محافظات الوسط والجنوب،لذلك كان أكثر الوافدين الجدد محل شك وريبة،ولكثرة الأعداد الداخلة في غمار طلاب العلوم الدينية،كان من المستحيل الفرز بين الأصيل والدخيل،أو بين المخلص والعميل،فأختلط الحابل بالنابل،مما أدى الى صعوبة الفرز بعد سقوط النظام،فأصبح لأزلام السلطة مكانهم في الأوساط الدينية،وكلمتهم المسموعة،ولأن هؤلاء معروفون من قبل المخابرات والأمن الصدامي،وخوفا من كشفهم كان عليهم مسايرة سادتهم السابقين وتقديم العون والمساعدة لهم،مما جعل المؤسسة الدينية كتاب مفتوح لأزلام النظام السابق،وساحة لإدارة الصراع وإذكاء الفتنة الطائفية،بما يخدم توجهات البعث في أعاقة البناء،وإفشال التجربة الديمقراطية،بما يملكه من أدوات فاعلة في إطراف الصراع في العراق،والعاملين في مؤسسات الدولة المختلفة. 4_ وممالا يختلف عليه اثنان أن المعارضة العراقية في المنفى بجميع توجهاتها،كانت مجالا رحبا لعملاء النظام السابق ومخابراته،يصولون ويجولون بها، وقد تمكن هؤلاء من التسلل للقيادات العليا والمكاتب الخاصة لبعض الأحزاب والحركات التي تعارض النظام،وهؤلاء لا زالوا يعملون بموجب التوجيهات الصادرة من قياداتهم البعثية العاملة داخل وخارج العراق في الوقت الحاضر،وقد لعبت هذه العناصر دورا كبيرا في حماية رفاقهم القدماء وتقديم العون لهم في المجالات العسكرية والسياسية،لذلك نلاحظ الفشل الذريع يواكب التحركات الحكومية في المجالات كافة،بسبب تنامي هذه القوى،وضعف الآخرين في الإدارة وتسيير أمور البلاد. من هنا أصبح للبعث تأثيره المباشر في الساحة العراقية،مما دفع القوى الإسلامية لمحاولة أعادة الروابط القديمة،وإنشاء تحالفات جديدة يتقاسمون فيها السلطة والهيمنة وتصفية التيارات الوطنية الحقيقية وإنهاء دورها في عملية البناء الجديد للعراق،ولا ننسى ما للمحيط العربي من رغبة في أعادة التوازن في الإدارة العراقية، مما يحد من هيمنة التيارات الشيعية التي لا تلتقي مع محيطها العربي،بسبب المواقف المعروفة للدول العربية من المعارضة العراقية قبل سقوط النظام، ورغبة هذا المحيط بوجود حكومة تتوازن فيها القوى العراقية، بعيدا عن الهيمنة الإيرانية التي تحاول توسيع امتداداتها ،لتكون اللاعب الأكبر في المنطقة،وهذا التوجه الجديد يحضا بمباركة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية جمعاء،من هنا أصبحت الحكومة الحالية في خانق ضيق وأمام خيارين لا ثالث لهما،أما الاتفاق مع البعث وإشراكه في السلطة وإيقاف التدهور الحاصل في العراق،أو خسارة السلطة والعودة إلى المنفى، لعدم قدرة هذه الأطراف على تسيير البلد بالاتجاه الصحيح، وإنجاح العملية السياسية في العراق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |