ملجأ الأيتام الكبير 

رشاد الشلاه

rashadalshalah@yahoo.se

كان لابد للكشف المعزز بالصور عن الحالة المزرية لأطفال " دار الحنان" في بغداد ان يولد ردود الفعل المتعاطفة مع هؤلاء الضحايا الأبرياء، مع معرفة ان هناك العديد من المياتم ودور "الرعاية الصحية" الأخرى التي لا تتفاضل عن ملجأ "الحنان"، لكنها بقت وستبقى بعيدة عن تسليط الأضواء عليها تحت ظل هيمنة سلطات الفساد وحكم الميلشيات والجيوش المسلحة وغير المسلحة. وما نشر عن ملجأ الفجر هو غيض من فيض ما يرد في التقارير الإحصائية عن حالة المواطن العراقي الكارثية عامة والأطفال خصوصا، من مختلف الهيئات والمؤسسات العراقية والأجنبية، وهي حالة متوارثة من النظام الديكتاتوري السابق ولكنها ازدادت بؤسا وخرابا بعد احتلال البلد وتحوله الى مرتع لمن هب ودب من الفئات الإرهابية و الظلامية والطائفية الوافدة والعراقية، وساحة للسراق والمجرمين المحليين والدوليين.

 وقد لا يبدو بعيدا عن المنطق احتجاج وزير العمل و الشؤون الاجتماعية العراقي على "زيارة" القوات الأمريكية  "العطوفة" للملجأ بعد منتصف الليل وتصوير الأطفال الضحايا وهم نائمون  أو يحتضرون فوق الأرض الإسمنتية، ولكن السيد الوزير يتصرف ككثير من المسؤولين العراقيين بأنهم يمنون بمسؤولياتهم على المواطنين، وهؤلاء المواطنون دائما على خطأ وهم على صواب.

إن محنة الطفولة التي هي جزء من محنة الوطن ككل ظلت مهملة، ولم تجد تقارير المنظمات الإنسانية التفاعل المطلوب رغم تحذيراتها المتتالية. تقرير جمعية الهلال الأحمر العراقية حول معاناة الطفل والمرأة الذي نشر يوم 21 حزيران يقول:" النساء الحوامل والرضع والأطفال عاجزون عن الحصول على الرعاية الصحية المطلوبة وأصبح الإجهاض الإجرامي عادة متبعة"."  ويسهب التقرير في القول :" ان عدد المهجرين الذين نزحوا الى مدن آمنة في داخل العراق قد تضاعف أربع مرات منذ شهر كانون الثاني، وفي شهر مايس فان العدد وصل الى أكثر من مليون شخص اخرجوا من مناطقهم للعيش مع المعاناة في أماكن اخرى بسبب الصراع المستمر ، فيما غادر العراق أكثر من مليون وثمانمائة ألف استنادا الى إحصاءات الأمم المتحدة ." ويعزو التقرير بعض أسباب تردي حالة النساء والأطفال العراقيين الى" ان معظم النساء والأطفال العراقيين الذين شملهم الاستبيان، فروا من بيوتهم بسبب حالة إراقة الدماء المتفشية بسبب العنف الطائفي والهجمات المضادة للأمريكيين.

 أما تقرير منظمة الصليب الأحمر الدولية فقد أكد" ان " إطلاق النار وتفجير القنابل والاختطاف والاغتيال والعمليات العسكرية والمظاهر الأخرى للعنف قد أجبرت الآلاف الناس على الهرب من دورهم والسعي الى الأمان في أماكن اخرى في العراق وفي خارجه وان الغذاء ينقص في بعض المناطق وعجز السلطة يزداد، والحصيلة مقفرة ومن المحتمل ان تسوء أكثر ".

حالة المواطن العراقي اليوم  التي لا يحسد عليها مرشحة ان تسوء أكثر وفق تقدير الصليب الأحمر الدولي . وتلك نتيجة متوقعة بعد ان قَسّم الوطن على مقاسات الطوائف والقوميات أرضا وأموالا ومناصبا. والحزن والرثاء والمسيرات والتنديدات لا توظف للضحايا من  "أحباب الله" اليتامى الذين قارب عددهم خمسة ملايين طفل عراقي، فهم منسيون في  البلد الذي غدا ملجأ أيتام كبير. و لا يبدو ان هناك من أمل قريب ما دام الوطن مرتهنا بيد أمراء الطوائف الذين وضعوا مصالح طوائفهم في المقام الأول، ولا رقيب عليهم بعد ان تحول مجلس نواب الشعب الى سوق هرج ومرج. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com