|
قد يدخل ما أكتبه ضمن المحظورات،فالبلاد أيام الحرب، وإعلان الأحكام العرفية لا تبيح قوانينها انتقادها، أوكشف المستور من أخطائها،ولكني أطرح ما أطرحه من منطق الحرص والشعور بالمسؤولية،والإسهام في المعركة المصيرية بتشخيص الأخطاء لمعالجتها وإيجاد الحلول لها،وانتشال البلادة من الهاوية التي ستنحدر إليها،بسبب الأخطاء المتكررة الواجب أصلاحها والتنبيه إليها،لذلك أرجوا أن لا يؤخذ كلامي على غير محمله،وما سأبينه من حقائق توجب على المسئولين الانتباه إليها لإصلاحها وتلافي تكرارها إذا أريد لبلدنا الجريح النهوض من كبوته،والسير بطريق الإصلاح والتعمير المفضي إلى أعادة الأمن والاستقرار،فالإرهاب والقوى المسلحة التي ترفع السلاح في الساحة العراقية،تمثل أجندات مختلفة،موزعة بين كافة الدول الإقليمية بدون استثناء،وما يترتب على جانب يترتب على نظيره،ولكن الأجندات المختلفة التي تملك قوى مسلحة على الأرض،تمتلك في الوقت ذاته رموزها الممثلة في العملية السياسية،مما ينعكس سلبا على أي تحرك لإنهاء العنف،لوجود امتدادات طبيعية للمسلحين في مراكز صنع القرار،تجعل جميع الأطراف تحاول إفشال أي تحرك لإنهاء العنف في مناطق نفوذها،وإيقاف القتل والتهجير والعمليات الإرهابية المنظمة التي تطال الأبرياء من المواطنين،فلا يوجد إرهاب أسود وإرهاب أبيض،ومن يمارس القتل مهما كان طعمه أو لونه إرهابيا بكل ما للكلمة من معنى في قواميس الإرهاب،وقد أنعكس هذا الامتداد على القوى الأمنية ذاتها التي توزعت ولآتها لهذه الجهة أو تلك،إذ تمكنت الجماعات المسلحة من زج الكثير من عناصرها في هذه القوات مما جعل خطط الحكومة في القضاء على الإرهاب تمنى بالفشل الذريع وتسير في طرق متعثرة،تمنعها من تحقيق تقدم ملموس على الأرض،والقوى الأمنية التي صرفت ملايين الدولارات لتدريبها وتجهيزها بالعدد الحربية المتطورة،غير مؤهلة لمواجهة الإرهاب لأسباب كامنة في عملية تكوينها،التي بنيت على أسس بعيدة عن المهنية والوطنية المطلوبة للقوات المسلحة التي يجب أن تكون بمنأى عن الصراعات العاصفة في البلد،وفي ظل انعدام القوانين الرادعة للمسيئين والمتسيبين والجبناء والمتخاذلين،والدليل ما يحدث من خروق أمنية شاملة،لا يمكن أن تحدث لأي جيش نظامي على الإطلاق،وسأشير إلى بعض الحوادث التي أظهرت الضعف الكامن في هذه القوى،مما يجعلنا القول بدون توجس ،عدم وجود أمكانية لإعادة الاعتبار للجيش العراقي المعروف بالشجاعة والأقدام والتضحية والضبط الحديدي الصارم،والقدرة على المواجهة في أسوء الظروف والأحوال: قبل أيام قامت مجموعة مسلحة باختطاف مجموعة من الضباط والمراتب،أظهرت على وسائل الأعلام بحالة مؤلمة من الاستخذاء والتخاذل،مطالبين مقابل أطلاق سراحهم،الإفراج عن بعض النساء المحتجزات لدى القوات الأميركية والحكومة العراقية،والاقتصاص من بعض العسكريين المتهمين بالاعتداء على النساء،،ونتساءل ما هو هذا الجيش النظامي الذي يستطيع حفنة من المغامرين،اختراق حصونه المنيعة،واستحكاماته الأمنية واختطاف منتسبين،وكيف لهؤلاء الجنود والضباط الأشاوس أن يسلموا أنفسهم دون أطلاق طلقة واحدة،ولماذا لا يواجه حامل السلاح مهاجميه،وإذا كان العسكري بهذه الدرجة من التخاذل،فكيف له أن ينتصر في المعارك الخارجية،أن ما لا يقبله العقل ولم أسمع به قيام عصابات بالهجوم على ثكنة عسكرية،أو مؤسسة حكومية وأسر منتسبيها دون أطلاق رصاصة واحدة،ومثل هؤلاء العسكريين لا يستحقون شرف الجندية،ويسيئون لتاريخها الوضاء،وعلى الحكومة إن لا ترضخ للخاطفين أو تساومهم لإطلاق سراحهم،فمثل هؤلاء لا يستحقون الحياة لتخاذلهم وجبنهم واستسلامهم دون قتال،وهذا الحادث يدل بما لا يدع مجال للشك على ضعف التدريب وعدم الأهلية لمواجهة الأعداء المحتملين. ما يحدث في محافظة ديالى من خروق لا يمكن حدوثها في أي مكان آخر،والظاهر أن القوات العاملة على الأرض من الضعف ما يجعلها غير مؤهلة للدفاع عن نفسها ناهيك عن حماية الآخرين،فالقوى الإرهابية تدخل إلى أي مكان تشاء،وتهاجم الثكنات العسكرية ومراكز الشرطة،والمؤسسات الحكومية،والغريب أنها تحصل على الغنائم وتقتل وتؤسر وكأن الحمايات الموجودة في نزهة،لا قوات نظامية مطلوب منها حماية الأماكن المتواجدة فيها،فدولة العراق الإسلامية كما تطلق على نفسها،تتخذ من محافظة ديالى معقلا لها،وتحضي بدعم يجعلها من القوة بحيث تستطيع مواجهة الجيوش النظامية،فقد أوردت (بي.أن.بي)عن مصادر أمنية مطلعة في مديرية الأمن الوطني في المحافظة!!! أن تنظيمات ما يسمى بدولة العراق الإسلامية في مدن ديالى،أصبحت لديها همرات وآليات عسكرية لتنفيذ عملياتها الإرهابية،مما جعل من المتعذر على المواطنين الفرز بين الإرهابيين والقوى الأمنية،التي ترتدي نفس الملابس وتستعمل نفس الأسلحة والآليات التي تستخدمها القوات العراقية،فقد اتخذت الجماعات الإرهابية مواقعها في الشوارع،وشكلت سيطراتها في مدن المحافظة،وقد شارك الإرهابيين قادة عسكريين من ذات الوحدات المكلفة بمكافحة الإرهاب،حيث تواطأ المقدم مزاحم الطائي أمر الفوج الثاني للواء الأول،والرائد محسن الجبوري مساعد آمر الفوج الأول اللواء الثاني،والنقيب زيد ألبدري آمر السرية الثانية من الفوج الأول اللواء الثاني التابع للفرقة الخامسة البطلة،حيث تمكن هؤلاء القادة الأشاوس من السيطرة على هذه الآليات وتسليمها إلى الجماعات الإرهابية،وعناصر ما يسمى بدولة العراق الإسلامية،قيل أن عددها ستة همرات ناهيك عن الأسلحة والأعتدة والتجهيزات العسكرية الأخرى،أخذت من معسكرات الخالص وكنعان من مدن ديالى. ترى أي جيش نظامي يكون قادته بهذا المستوى من المهنية والروح الوطنية يستطيع المحافظة على الأمن ويتولى زمامه في منطقة ساخنة،فيها ملاذات آمنة للإرهاب الذي له أبعاد إستراتيجية ومديات حيوية يستمد منها القوة والعون بأتحاهات مختلفة،وكيف لقيادة الفرقة وعناصرها الأستخباراتية،عدم العلم بما يجري داخل وحداتها،وفي هذه المستويات القيادية العليا بالذات،ومن هي الجهات التي أوصلت هؤلاء إلى مناصبهم في وحدات عاملة في أماكن لها من الخصوصية ما يجعل الاختيار مهما لقيادات مهنية مخلصة،لا تشوب ماضيها شائبة،وتمتلك كل المقومات التي تؤهلها لأخذ مواقع متقدمة في مثل هذه الوحدات،وما هو موقف آمر اللواء وآمري الأفواج والضباط العاملين معهم في معرفة ما يجري في وحداتهم،وأين هي القدرة القيادية لقائد يعمل بضباط يتعاملون مع العدو،ويقدمون له التسهيلات لقتل مراتبهم،والاستيلاء على معداتهم وأجهزتهم القتالية،إن ما يحدث يدل بما لا يدع مجالا للشك ضعف هذه القيادات وقصورها وعدم أهليتها لقيادة الوحدات العسكرية،مما يوجب على القيادة العامة للقوات المسلحة أعادة النظر بقادتها ومنتسبيها،واعتماد الآليات السليمة لتعيين القادة والآمرين،وعدم ترك السياسيين يتحكمون بالمهنية العسكرية بما يوافق توجهاتهم وأجنداتهم. وظاهرة الجثث المجهولة التي يعثر عليها كل يوم في مناطق متفرقة من بغداد،تدفعنا للتساؤل،كيف تقوم الجماعات الإرهابية باختطاف المواطنين وقتلهم ورميهم في الأماكن العامة دون معرفة من القوى الأمنية المنتشرة في أنحاء بغداد،وفي أوقات تنحصر في فترات منع التجوال،إذا لم يكن لهذه القوى دور فيها،وأن تزايد أعدادها بصورة مطردة يدفعنا لسؤال آخر،كيف يتحرك الإرهابيون بهذه الكثافة في الشوارع والأحياء دون أن تشعر بتحركاتهم هذه القوات،،رغم كثافة وجودها بحكم الخطة الأمنية المطبقة في كافة مناطق بغداد،حيث كشفت مصادر من استعلامات المقابر العراقية،أن الجثث المجهولة التي تصلهم يوميا تزيد على (50) جثة،وأن غالبية الجثث عليها أثار تعذيب وأطلاقات نارية في الصدر والرأس،وجثث أخرى ممزقة نتيجة السيارات المفخخة والعبوات الناسفة،وأن غالبية الجثث من الشباب الذين لا تزيد أعمارهم عن(35)عاما،وأن المقابر العراقية آخذت بالتوسع بسبب تزايد أعداد القتلى. وبسبب ضعف القدرات العسكرية،وعدم توفر قيادات كفوءة تسبق الخصم في أعداد الخطط الأستباقية،والبديلة التي تعالج الحالات الطارئة،فقد عمد الإرهابيون مؤخرا إلى اعتماد أساليب جديدة في عمليات التفخيخ والتفجير،فقد قام مجموعة من الإرهابيين بتفخيخ سيارة وضعت عليها علامات الزينة،مما جعل مراتب السيطرة يسمحون لها باجتياز الحواجز دون تفتيش،وعند وصولها إلى نقطة تجمع منتسبي السيطرة،قام بتفجيرها مما أوقع إصابات بالغة بالمراتب والمواطنين،فيما قامت مجموعة أخرى بتفخيخ نعوش وهمية،وأخرى وضعت فيها جثث مجهولة،تقوم بتفجيرها في الحواجز الأمنية،فيما يعزوا قائد قوات حفظ الأمن والنظام في الداخلية اللواء مهدي صبيح ذلك،إلى التساهل من قبل السيطرة عند مرور مواكب الأعراس وسيارات نقل الموتى"كرت عينك"،مما دفع العناصر الإرهابيين الى استخدام السيارات المزينة،ووضع دمى بثياب العرسان/أستا دية بالتبرير/وهذا دليل على أن الإرهاب قادر على المناورة وأعداد الخطط الكفيلة بإنجاح عملياته الإجرامية،وتجديد طرقه وأساليبه في تنفيذ الهجمات،في ظل انكفاء للقوات الأمنية في تطوير وسائلها الدفاعية،ناهيك عن أعداد الخطط الهجومية التي تدك معاقل الإرهابيين. ومن الظواهر المدانة في الجيش الحالي،عدم تحلي أفراده بالانضباط العالي،والروح العسكرية المغامرة،فهم"عسكر جته" كما يقال،أو "جيش محمد العاكول"كما كان يطلق على المراتب غير المنضبطين،فالعسكري في الوقت الحاضر يعمل ما يحلو له،فيترك وحدته العسكرية في أوقات الشدة،ويعود لها أيام الرخاء،والضباط يخشون جنودهم ويتحاشون محاسبتهم خوفا من ألاعتداء عليهم، فالجندي يستطيع قتل ضابطه في المواجهات،أو الاعتداء عليه وترك الوحدة،فيما حدثت سوابق خطيرة لم تحدث في التاريخ،عندما قام بعض الجنود بالإضراب والاعتصام ورمي ملابسهم العسكرية أمام الفضائيات،بسبب نقلهم الى أماكن بعيدة عن محال سكناهم،وهو ما يذكرني بحادثة طريفة حدثت أواسط الستينيات،عندما قام عبد السلام عارف بتجنيد أهالي الحويجة لقتال الأخوة الكورد،فيما يسمى بحرب الشمال،فدعا المدنيين للانخراط في أفواج حماية النفط،وشكلوا وحدات غير نظامية يرتدي أفرادها الملابس المدنية،ولا يلتزمون بأي عرف أو تقليد عسكري،فلحاهم طويلة وملابسهم مهلهلة،عند ذلك فكرت القيادة العسكرية بتشكيل فوج منهم سمي في حينها فوج البادية ، ثم جرى أحالتهم الى القوات المسلحة وأصبحوا نواة للواء الخامس والعشرين الآلي،وعندها جيء لهم بضباط أكفاء لتدريبهم،فوزعوا عليهم الملابس العسكرية،وحلقوا لحاهم وشعورهم الطويلة،على السياق العسكري السائد آنذاك،فتذمر هؤلاء وقالوا بلهجتهم (يبه صار بيها زيان الحى)أي بدأو بحلاقة اللحى وغدا يفعلون ما يريدون،ومما أتذكر عن تسيبهم،إن هؤلاء كانوا يسلبون وينهبون أموال ومقتنيات العوائل الكردية،بحجة أنها غنائم ،فكان كل منهم يأخذ ما يستطيع حمله في عملية نهب يندى لها الجبين،وذات يوم هاجمت هذه القوات أحدى القرى المتحالفة مع السلطة،وهم يهزجون(للريس كلنا أفديويه،وندك صرح البرزانية)وقاموا بنهب المواشي والأمتعة وما يملكه الأهالي من مقتنيات،وعندما وصل الأمر الى أمر اللواء،أمر بجمعهم وطلب منهم أعادة المنهوبات الى أصحابها،وعندما رفضوا ذلك ،أمر مراتبه بتوجيه الأسلحة الى هؤلاء وإطلاق النار عليهم في حالة عدم أعادتها،فأخذوا بالهتاف(يعيش ملا مصطفى البرزاني)ثم تركوا المنهوبات وعاد الأكثرية الى بيوتهم. ولو أردنا بيان الإخفاقات الأمنية الكثيرة،لاحتجنا لحيز أوسع،ولكن ما يعنينا الإشارة إليه هو أيجاد الحلول الناجعة،بالسعي لبناء قوى أمنية كفوءة قادرة على أخذ زمام المبادرة في مواجهة الإرهاب،واعتماد أسس كفيلة بتشكيلها على أسس وطنية بعيدة عن المحاصصة والحزبية المقيتة،وإيجاد قيادات تتصف بالمهنية العالية يجري اختيارها باعتماد تاريخها العسكري بغض النظر عن الدين والمذهب والقومية والحزب،وهذا يتطلب قلب المعادلة السياسية المبنية على المحاصصة البغيضة التي أوصلت البلاد الى هذه الحالة المأساوية،وأن يجري اختيار هذه القوى من لجان عسكرية وأمنية متخصصة لا تخضع لهذا الطرف وذاك ،ولكن ...ولعن الله هذه (اللكن) البغيضة من هو الذي يختار القادة المهنيين الكفوئين، واللجان الوطنية النزيهة،هل تختارها القيادات الحالية الممسكة بزمام السلطة بيد من حديد،وتحاول بكل السبل فرض هيمنتها على المفاصل الحيوية ومقدرات البلاد،أم نحتاج لتدخل قوى دولية محايدة تتكفل أنجاز هذه المهمة،أم نأتي بملائكة من السماء،تأخذ على عاتقها الاختيار؟ لا أدري وربما لعقول البشر التي غزت الفضاء،وأوجدت ملاذات آمنة في السماء تستطيع أيجاد حل لهذه المعضلة التي تشكل الهاجس الوحيد في تردي الأوضاع الأمنية في العراق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |