|
لازلنا نذكر كيف كانت الامور تجري مباشرة بعد نيسان من عام الفين وثلاثة فبالرغم من الفوضى الكونية التي كانت تلقي بظلالها على اصقاع الوطن فان اللافت للنظر ان الفساد الاداري في حينه كان يلفظ انفاسه الاخيرة الى حد ما ..في وقتها كانت تسود روحية جديدة مؤمنة بالتغيير ومنافعه بصورة تقترب من كونها مثالية احيانا .في تلك الايام التي كان فيها الجسد العراقي يحاول جاهدا اختصار فترة نقاهته ليصبح سليما معافى من جديد أذكر باني سألت شرطي مرور كان يدمن على ابتزاز سائقي السيارات بمبلغ بسيط هو ( ربع دينار كما يطلق عليه ) عن السر الذي جعله يتوقف عن ممارسة هذا العمل فكانت اجابته في منتهى الصراحة حيث قال انه مثل الاخرين يحب ان يكون وطنه مثاليا ومنظما في كل شيء وانه كان يفعل ذلك مكرها ولكن حيث ان التغيير يشمل كل شيء فقد قرر ان يكون لبنة صالحة فيه ...وهذا مالمسته حتى عند الكثير من اولئك الذين كانوا بعيدين عن قساوة النظام السابق ....فصول كثيرة مؤلمة تفصلني الان عن آخر لقاء لي مع ذلك الشرطي رغم اني لازلت اراه متسمرا في مكانه ولكني بصراحة افتقر الى الشجاعة الكافية التي تشجعني على الخوض معه في اي تفاصيل حول الوطن واحلامه مادمت اراه فريسة لسحابة هائلة من ( الضيم والقهر ) التي تعلو تفاصيل وجهه وهو يكافح قطيع السيارات الهائجة التي لا تجد لها منفذا في جدار الزحام ويحاول تنظيم حياة لا يمكن ان تكون الفوضى سوى تعبير بسيط وهزيل وغير كافي لوصفها ابدا ...الحقيقة التي ارفض البوح بها تقول بان صديقي مثل الملايين غيره ما عادت الامال التي زرعها في زوايا نفسه وتمنى ان يشم كل العالم عبيرها كافية لاقناعه بان الحياة الجديدة تستحق الكثر من التعديلات في السلوك!! عندما يصبح الفساد ثقافة وعنوان للمهنة في البلد نسقط في عار تاريخي لايمكن غفرانه ابدا وتصبح التهم التي نلقيها على اكتاف الاخرين سواءا أكانوا فاسدين اداريا ام لا من المباحات جدا ... بل وتنقلب المعادلة ليصبح الحديث عن الموظف النزيه ضربا من الاحلام ... هل وصلنا الى المرحلة التي صار فيها المجتمع ضحية لثقافة الفساد بحيث صار المرض أوسع واكبر من ان نطوقه باجراءات تكفل استأصاله والقضاء عليه .وفي الوقت الذي يطالب فيه اعضاء من البرلمان بمسائلة رئيس هيئة النزاهة نفسه نجد انفسنا في محنة وطنية كبرى ...محنة ان يصبح الفساد مؤسسة قائمة ذات جذور رصينة لايمكن معها ان نميز فيها بسهولة بين المتورطين فيها عن سواهم ...الصدام الذي يجري في العلن والذي يوحي بوجود فساد في هيئة يفترض بها ان تكون المتصدي الاول له رغم أنها مكبلة ومقيدة بالكثير من الشروط التي تعجز معها عن ممارسة دورا فاعلا في ظل شروط وقيود معلنة كثيرة .الفساد الذي استشرى وصار طوقا يخنق التقدم في العراق بحاجة الى اكبر من هيئة نزاهة مقيدة وبحاجة الى المزيد من الحماية للمدافعين عن الشفافية والنزاهة وبخلاف ذلك فان من غير المستبعد أن يصبح الفساد ثقافة يوصم من لا يتبعها بالخروج عن المألوف .الحقيقة التي يؤسف لها تقول ان هناك الكثير من الاهمال لمسألة الفساد بما يفتح الباب ليكون الجميع فاسدين او متهمين بالفساد من وجهة النظر الشعبية ...
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |