|
الجزء الأول في صباح ذلك اليوم كنت بدأت بمغادرة بيتي الى الطبيعة قاصداً ضفاف النهر الذي لطالما ترددت أليه للأستجمام والراحة والتأمل .. فجأة سمعت ضجة خافتة كوقع الأقدام الحافية تأتي من درجات البيت المجاور لبيتي الكبير فأرهفت أذني.. صوَبت بصري إلى أعلى السلم ورأيت فتاةً في الحادية والعشرون... أبتسمت لي .. وكانت أبتسامة بالغة الفتنة مترقرقة كالروض الضاحك في أوصالها كلها ماأجملها ؟ أني لم أرى في حياتي ، ولايمكن أن أتصور أمرأة في الدنيا حازت من محاسن الجمال ماحازته هذه الفتاة ..تحفة .آية من آيات الجمال المقدس المعبود . وثمرة من ثمرات الأنوثة الناضجة ، لدنة الجسم ، خمرية اللون عسلية العينين والشعر ناهدة الثديين .عيناها ضاحكتان وثغرها يفتر عن الأبتسام ، أرمقتني بمقلتيها السوداويين ولمحت انبهاري بها ففاضت السرور من عينيها أبتهاجاً بما تراها من سطوة جمالها وان لم يفتها أن تزوي مابين حاجبيها اللذين أبدع الخالق رسمهما وقد إلتقى بصري ببصرها وهي تعاينه بعين يعلوها الأرتباك ولما حاذتني تخيلت أنني سمعتها تحييني بصوت خافت قائلة (( صباح الخير )) فقلت لها بلهجتي صباح الخير فأنتظرتُ حيث موسعا لها الطريق جمالها أرغمني بتتبعها على مهل حتى خلصنا إلى الطريق لم تلتفت الفتاة إلى الوراء ووضعت حقيبتها على خاصرتها وأحاطتها بذراعها ، ولم تكف عيناي عن تتبعها وكنت حريصاً حرص الشحيح ألا تفوتني لفتة من لفتاتها ، سواء تبخترت في الظل الرطيب الذي يسقطني هيكل المنازل على الطريق على الفناء ، أم برزت الى الضوء المتراقص الوضاح ، حيث تتألق كزهرة الزنبق بقامتها الفينانة ، وقد أكتست ذلك الثوب الزاهي . وكان يشوقني على وجه الخصوص أن أرى تثني غصنها الناعم الاملود ، وهي تنحني على الأرض في رشاقة ونشاط . فأذا بصدرها الناهد يهتز كالثمر الناضج تحت قميصها الوردي الذي يلفت نحرها ، فيكاد النحر يضيء من تحت الغلالة ويشق بأنواره ماضرب عليه من حجاب . ثم تنتصب واقفة فتهتز الثمرتان الناضجتان ، وتحتجان مرة أخرى على ضيق الأسر. أمام هذا الأظطراب والتردد غادرتها وفي نيتي أن أتجول على غير هدى الى أن يستقر بي القرار. ولكن قدمي قادتني بغير تفكير الى ضفاف النهر .. وأطردت الأيام وأنا سعيد بتلك الحادثة متخيلاً وجهها الناعم..كانت حياتي الظاهرة أنني أعيش كسابق عهدي ولكنني في قرارة نفسي ودخيلتها وجدت أن كل شيء قد تغير فيَ . ورحت أقضي سحابة أيامي في الغابة . فأذا حانت التاسعة أو نحوها وبدأ الغسق ينشر ظلاله ، سرتُ للبيت الذي يجاور بيتهم.. وأعتقد أصبحت محبوباً من عائلتها لما أتصف به من هدوء وأتزان ورزانة حتى كانت تأخذهم الدهشة إذا غبت عنهم...أنا لاأعرف من هم ومن هي تلك الحسناء ، ويخيل ألي إنها فتاة من طراز لم يتفق لي الأتصال بها في يوم من الأيام ، فلاأعرف كيف أعاملها وأعامل جمالها وحسنها فأنا أحترم فيها الفطرة النقية .. ولكنني صرت أشعر أحياناً أن أحدهم يقول لي ..أحترمها ماشاء لك الأحترام ! ومن ذا الذي يمنعك أن تشبع منها أحتراماً وتكتوي منها حرماناً ؟ وكنت لاألقِ بالاً الى ذلك الشعور لأن وجداني كان قد أستثير في أتجاه هذه المسألة لاأجهل أنني مختلف عن الناس . اعلم أني شاب ولكن على أساس تلك المبادئ المباينة للناس تبلورت حياتي وليست في نيتي لأن أنبذ هذه المبادئ الأن هذه كانت أول أزمة أعجاب تصيبني ، يكفي أن أترك نفسي على سجينتها ، فأصبحت غارقاً في حب هذه الحورية الشرقية التي تسلب كل ذي عقل عقله نعم طالما آلمني الحب والفراق الهين وأجهدني الشوق إلى لقائها ، حيث عذبني دلالها وجمالها ...شعور غريب يجذبني نحوها وفضول قاتل يجتاحني لمعرفة من هي وما بها دارت الأيام .. وفي هذه الفترة من السنة وبالتحديد شهر يونيو حزيران والسماء خالية من الغيوم وأشعة الشمس ترهق الأنفاس والرياح الساخنة تثير عاصفة من الرمال التي تكاد تصهرها حرارة الشمس ، تنعبث من الكثبان وتحملها في الهواء فوق الأشجار والقرى وقد كسا الغبار العشب وأوراق الشجر ، كان القرويون يجتمعون في حقول البطيخ والعنب ، التي غطاها عشب كثيف أخضر فصارت في ظل رهيب وكانت عناقيد العنب تطل عليك من بين الأوراق مثقلة بحملها .. لمحت الفتاة بقميصها ومنديلها .. تقدمت نحوها بخطوات بطيئة ومتأنية ، مرتبكة وحذرة ونظرت أليها لثواني فالتفتت إليه وابتسامة بريئة تزين شفتيها. قطعت المسافة التي تفصلني عنها بخطوة واحدة والسكون مخيم على أرجاء الحقل ... وأخذ قلبي يدق دقات متتابعة وينبض نبضاً سريعاً أرتسمت على شفتيها ابتسامة حانية .. وهي تقول : "هل من خطب؟" ردت بنفس النبرة الحانية: "لم ماذا ؟ عيناي كانتا معلقتان بعينيها العسليتين وبشفتيها الجميلتين الممتلئتين إلا أنها لم ترفع رأسها .. .. انتظرتُ أن ترفع رأسها فتصبح شفتاها أقرب إليّ .. لكنها لم تفعل .. _قلت لها ..أيتها الحسناء ، إن جمالكِ لايمكن الصمود أمامه ، فأنا أرى هدير البحر بعينيكِ ولهيب الجمر بخديكِ وصفاء التبر في شفتيكِ ونسيم الفجر برقتكِ..عذبة أنتِ كالطفولة كالأحلام ، كالسماء الضحوك والليل القمراء ، كاللحن ، وأرى فيكِ الحياة في قدسها السامي وفي سحرها الشجى الفريد وفي عينيكِ آيات سحرها الممدود أحمَر وجهها خجلاً وفقدت أتزانها ومسكت بيديها بين راحتي - أتركني وشأني ودعني أجوب الدنيا..أزور بساتينها..أتخطى أشجارها..أداعب نسماتها..أراقص ربيعها..أناغي عصافيرها قالت ذلك بلسانها فقط... أما وجهها الصبوح وعينيها المتألقتين وصدرها الناهد كانت جميعها تنم عن عكس ماتقول وكانت تعلم في عرارة نفسها أنني جاد في حديثي لاساخر ، وجال بخاطري إنها تعلم تماماً بعاطفتي نحوها وأن كنت عاجزاً عن الأفصاح عنها كل هذه الفترة ولكنها شأن كل فتاة يملؤها زهواً أن أغمرها بحديث الهوى والهيام وكانت لهفتي تسابقني لشفتاها ..جذبت يديها..لأول مرة فجأة أطلقت يديها .. ياألهي فأنا لا زلت أستنشق عطر تلك الحسناء مع أمواج البحار ! ولا زال القمر بشفافية ضوئه يرسم لي وجهها الجميل تلك الأمسية القمرية لم تكن مثله أمسية ، ساحرة رائعة مثل أميرة أسطورية آه .. أتراها عاصفة تلك الحسناء؟ وهل ستهبُّ من جديد ؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |