ما فرقته السياسة، وحده الفن والرياضة

محمد علي محيي الدين

abu.zahid@yahoo.com

 السياسة ،لغة من ساس يسوس فهو سائس،والسائس من يربي الجياد ،فيتعهدها بالرعاية والعناية والترويض والتدريب،وعندما أطلق هذا الاسم على من يديرون أمور البلدان،كانوا يحسبون الناس خيولا تحتاج إلى الترويض والتعويد دون العناية والرعاية،يوم كان الفكر السائد آنذاك،،أن الملوك أبناء الآلهة،أو أصحاب الحق الإلهي في الحكم،وأنهم من طينة غير طينة البشر،فقد خلقوا من الطين الحر،والآخرين من الأرض السبخة،لذلك كان الملوك والسلاطين ينظرون الى الناس من عليائهم فلا يجدونهم إلا صغارا لا يستحقون النظر،وبعد أن أنتشر الفكر التنويري ،وشاعت مبادئ الحرية والإخاء والمساواة،وأخذت الشعوب دورها في انتخاب زعمائها وفق المفاهيم الديمقراطية الحديثة،لم يستسغ هؤلاء التحولات الطارئة والأفكار الجديدة،والتغييرات الحادثة في طرائق التفكير،فحاولوا أعاقة عجلة التقدم،واستعانوا بحلفائهم التقليديين من أئمة السوء،وفقهاء الثريد، ليستغلوا هذه التحولات على طريقتهم الخاصة في التحايل والالتفاف على الفكر الذي ينهي سلطتهم،ويحد من جبروتهم،فقسموا الناس الى طوائف،فهذا ناصبي كافر،وذلك رافضي غادر،وهؤلاء من عباد الله الصالحين،وغيرهم من الكفار الخارجين،ونفذوا من خلال هذه الأباطيل والأفكار المضللة لزرع الفتنة،وإشاعة الانقسام،وسار خلفهم الجهلة والسذج،ممن وصفهم الأمام علي(ع)(همج رعاع ينعقون مع كل ناعق،ويلعقون مع كل لاعق)وأخذوا يغذون الضلالة العمياء،والجهالة الجهلاء،ويزرعون الجهل والتخلف لتستقيم لهم الأمور،ووضعوا تقسيمات وحدود للبشر،فالخاصة من أختصهم الله بالسيادة والقيادة والرفادة والتسلط على رقاب العباد،والعامة من خلقهم الله عبيدا وخولا لأسيادهم،للسادة الحياة ولهؤلاء الموت،وللعامة الفقر والعوز،ولهم الغنى والكفاية،لهم الأرض وما عليها،وللآخرين جنان السماء الرائعة،ولكن هؤلاء رغم نزعتهم التسلطية وأفكارهم الإجرامية،لا يأكلون من أناء واحد،فكل منهم يحاول الاستحواذ على كل شيء وترك الآخر لمصيره،لأنه لا يستحق الحياة الدنيا،وليس له التمتع بنعيم الآخرة،فكل ما قد خلق الله وما لم يخلق،لخدمة السادات أصحاب الدماء الزرق،وأصبح كل منهم ديان الدين،وخليفة رب العالمين،فعلماء السند والهند،والكرج والفرج،وأفغانستان وباكستان،يمنحون خليفة الله في أرضه (أبن لادن) القاتل الذي أباد الملايين،وفرق كلمة المسلمين،يمنحوه لقب (سيف الإسلام)وخليفة الملك العلام،وكأننا تنقصنا السيوف،فما أكثر ما وهب التاريخ سيوفا بان صدئها،ونياشين ظهر بطلانها،وأصبحوا بمنظار اليوم قتلة سفاكين،رغم  أنف تاريخنا الذي جعلهم أئمة مصلحين،فقد أبادوا الشعوب،وأدموا القلوب،ورملوا النساء وأيتموا الأولاد،فلعنهم الناس أجمعين،واليوم يجيء  شرذمة من علماء السوء،ممن أمتلات بطونهم بالمال الحرام،ليقسموا الإنعامات ويمنحوا الفرمانات،لأجلاف الصحراء،ليصبحوا سيوفا وخناجر تذبح الناس فتدمي القلوب،وترمل النساء،وتيتم الأطفال،وتدمر البلاد،وتسبي العباد،لا لشيء إلا ليبقى لهؤلاء سلطانهم في الهيمنة،والعيش برفاه ونعيم،على حساب الضعفاء والمساكين من الشعوب التي خدعتها الأباطيل،والكلمات المزوقة لهؤلاء الجهال الذين يعيشون في عصر الانترنيت والأقمار الصناعية والقنابل الهيدروجينية،بعقل البداوة والأفكار السلفية التي لم تزكيها الأيام،لذلك علينا نبذ السياسة ورجالها،والتعاسة وأبطالها،فهؤلاء يعيشون على الفرقة والتناحر،كالجراثيم التي تنموا في البرك الآسنة،والأجواء المنتنة، فتراهم يحاربون كل ما هو جميل في الحياة،فوضعوا دأبهم ودأب الفنون والآداب،والرياضة والألعاب،فأنها تلهي الإنسان عن ذكر الله،وكأن الله خلق الإنسان عبثا ليأتي الدنيا ويذهب فلا يتمتع بأطايبها ويكدح ويشقى،فيما هم ينعمون بالأطايب التي خلقها الله لأفواههم النتنة،لأن الدنيا خلقت لهم ولغيرهم الشقاء،ولو طالعنا تاريخنا لوجدنا أن هؤلاء المدعين كانوا يعاقرون الخمر ،ويلعبون الميسر،ويتمتعون بالجواري،ويعاشرون القيان،مع أسيادهم من ملوك الزمان،ويمنعون غيرهم عن الملاهي والطيبات لأنها رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه:

لـو أنهم فعلوا ما يأمرون به      لكان خير لهم لكنهم خابـوا

يدعون للبر والتقوى وقد غرفوا   من اللذائذ أن حلوا وأن غابوا

 وما هو حلال لهم حرام على غيرهم،فقد جاء عن السلف،أن أحد المتفقهين،زار قرويا في بيته وشاهد زوجته الجميلة،فهفت نفسه إليها،وسلبت عقل المؤمن الزاهد،فأحتال عليه عندما رآه  قد أقتعد الأرض لقضاء حاجته،فقال له ماذا فعلت أيها الرجل،فقد تقبلت القبلة فحرمت عليك زوجتك،وعليك طلاقها الآن،فصدقه ذلك المسكين وطلق زوجته،فما أسرع ما تزوجها الشيخ،وأتخذها حليلة له،فبات يمرح بين سحرها ونحرها،وذات يوم شاهد ذلك القروي  فقيهنا المؤمن يقضي الحاجة وقد توجه نحو القبلة،فأهتبلها فرصة للانتقام منه،وقال له لقد حرمت عليك زوجتك يا شيخ  فقد استقبلت القبلة،فقال له الشيخ :كلا يا بني لقد حرفت رأسه  عنها،فأذهب فلن ترى زوجتك بعد اليوم،وهذا حال فقهاؤنا هذه الأيام،فقد حرموا علينا كل شيء،وأباحوا لأنفسهم أي شيء،وقاموا من اجل التحكم والسيطرة يكفر أحدهم الآخر،حتى في أبناء الطائفة الواحدة،ولو أقتصر الخلاف بينهم وقتل بعضهم الآخر لهان الأمر وتخلصنا منهم دفعة واحدة،ولكنهم زرعوا فكرهم المريض  بين الناس،وأفسدوا عقولهم،فتفشت الفتنة والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد،والمدينة الواحدة،والحي الواحد،فحدث ما حدث من المآسي  والقتل والتدمير والتدمير،وشاع الفساد،وانتشرت الرشوة،وسرق المال العام بفتاوى أئمة السوء،الذين أباحوا سرقته لمجهولية مالكه، أذا دفع السارق نسبة منه الى الفقيه،في تحويل للشرع عن مواضعه،متناسين أنه ملك الجميع،وأذاعوا الفتنة والبغضاء بين المسلمين،بما أوردوا من روايات باطلة لم يزكيها التاريخ،... ولكن ما فرقه هؤلاء جمعه الفن الجميل،فقد صفق  العراقيون جميعا لفريقهم الأولمبي عندما حاز على المرتبة الثانية في أسياد الدوحة،متناسين تسننهم وتشيعهم،وإسلامهم وتنصرهم،وتعربهم وتكردهم،فالصابئي المندائي صدح بأنغامه الشجية مغنيا العراق،والأيزيدي غرد نايه مسبحا بحمد العراق،والكردي لوح بطاقيته(الجراوية) لبلده الفائز،وغنت الكنائس وقرعت النواقيس معلنة النصر لبلاد الرافدين،وصدحت المنائر،وغنت الحناجر،لهذا النصر الكبير،ولم يسأل سائل،من سجل الهدف أو صد الهجوم،فالعراق العظيم هو الفائز،وكفانا فخرا أن يتبوأ العراق هذه المكانة السامية بين أسياد أسيا،فنحن العراقيون كما يقول ماو الخالد:لا يهمنا لون الخيط الذي نصطاد به الجرذان،وأنا الذي لم أمارس الرياضة،أو أسعى لملاعبها،أو أتعمد مشاهدتها،أو أشجع فريقا على حساب آخر،فقد غنيت لنصر العراق،وسجلت مشاعري قصيدة رددتها لنفسي مرات ومرات،مسبحا بحمده،فراية العراق ستظل خفاقة رغم أنف الطائفية المقيتة ودعاتها،والقومية الشوفونية وأنصارها،والحزبية الضيقة ورجالها.

  ولكن  وما أدراك ما لكن،فقد كان لي فرح آخر،ويوم مشهود،فمنذ طفولتي وأنا أعشق الغناء والطرب العراقي الأصيل،وأسعى لمجالسه وأنا في أول العمر،وكانت حفلات الأعراس والختان المجال الرحب للتعبير عن مشاعري حياله،بما يصاحبها من مشاركة قد تزيد على مجرد الإعجاب والتصفيق،وبعد أن(خط شاربي) كان الانطلاق غير المحدود في عالمه الرحب،فما عادت تكفيني تلك الحفلات البدائية،فكان لليالي بغداد الحمراء والوردية أن تغدوا هاجسا لمتعبد في محاريب الفن والجمال،وكبر الحب بتقادم السنين والأعوام،ورغم الشعيرات السوداء المتبقية في شعري الأيل الى الفناء،فما هزني شيء مثلما هزني النغم الراقص والكلمة الموحية،والأصابع المتراقصة بسيمفونية رائعة أين لبتهوفن ومايكوفسكي ومن لف لفهم الوصول إليها في عالم المليء بالطقاطيق والبستات،ناهيك عن أغاني هذه الأيام التي تتحرك فيها الأرداف والنهود،وتتهامس الشفاه،وتتورد الخدود،برقصات لو شاهدها الرشيد لكانت بغداد أكثر مما سطر عنها التاريخ،رقة وجمالا وماض عابق بأطايب الألحان.

ولعلي ما حمدت الله على شيء إلا نعمة السمع والبصر،فمن خلالهما كانت سياحتي في عالم السحر والجمال،بما تبثه الفضائيات هذه الأيام من أغان الكليب بمشاهدها الرائعة الجميلة التي تعيد عنفوان الشباب،فما بالك إذا كان لها هدف أسمى،تمازج فيه الحب الأفلاطوني بالعشق الوطني بعيدا عن أخلاقيات هذه الأيام،التي تنظر الى الفن نظرها الى ديناصور مرعب ينسف القيم الأخلاقية والاجتماعية المتجذرة في فكرهم المريض،وترى الوطنية إلحادا وكفرا بالمبادئ الدينية،لذلك كنت لا أعير هذه الترهات،وأتصرف على طبيعتي التي جبلت عليها،وأهلا بالنار دارا إذا كان لجواري أرباب الفن وصيارفة الأدب،لذلك تابعت من خلال الفضائيات برنامج(ستار أكاديمي) لأستمتع بأغانيه،وأعيش في أمانيه،بين الأصوات العذبة والموسيقى المطربة،تتهادى أمام ناظري الكواعب الترب،كحواء تسترها ورقة التوت،وأدم يتلوى باحثا عما يشبع نهمه،فأستبدل جنته بحواء العابثة اللاهية.

 لقد وجدت في (ستار أكاديمي) بغيتي، فها هي البابلية العراقية الأصيلة الماجدة تتهادى كأنسام الربيع،تحلق بصوتها الدافئ،حمامة عراقية تطوف أجواء الغناء،لتنقل للعالم الإبداع والفني العراقي،وتحصد ملايين الأصوات،ليصفق العالم أجمع للعراق الخالد،بلد الفن الراقي والأدب الرفيع،وتأخذ مكانها في أعلا الهرم،وتحصد الجائزة الأولى في هذه المسابقة،لتقول للآخرين هاهو العراق بلد الفن والغناء والجمال،بلد ألف ليلة وليلة،وشهرزاد التي أدركها الصباح،ولم تسكت عن الكلام المباح،فرفعت صوتها لتغني الحب والوئام والسلام،في بلد المفخخات والذبح والقتل على الهوية،ولتقول أن العراق ليس كما يصوره،أئمة السوء والعذاب،وفقهاء الإرهاب،فلا زالت فيه نسمة بليلة تلطف قيضه الهاجر،ولا زالت أصابع الفن تداعب العود،بدلا من أصابع العهر التي تداعب زناد البنادق،وهاهم العراقيون كما هم،يصوتون ويصفقون للعراق الواحد الموحد،لا عراق الطائفية والمذهبية،عراق المودة لا عراق الحقد والضغينة،عراق الأوراد الملونة لا بلاد الأشواك والعوسج،عراق التسامح والتفاؤل لا عراق البغضاء والتشاؤم،ولو أجرينا استفتاء للأصوات الناعقة،أصوات الغربان لباءت بالخسران،وصوت شذى يحلق في الأعالي ليحصد ملايين الأصوات في عراق الديمقراطية لا بلاد الاستبداد،ولتذهب النزعات الطائفية الى الجحيم،فالعراق يصوت لشذى الصوت الناعم الرقيق الحالم بالغد الجميل الوضاء،لا ألأصوات الناعقة المبحوحة الزاعقة بكل ما هو كريه...!!

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com