|
أمامَ مرارة النتائج الحالية مقارنةً مع المرجوِّ من شعب عريق حيوي متجدد كالشعب العراقي لا أظنّ أنّ الحل يكمن في محاولة إجبار المحتل على ترك البلد الآن لأنّ هذا يعني الظلام الدامس وربيع الكهوف ! حيث العقلية المتحجرة والفهم الساذج للدين وقمع الحريات وأوّلها حرية المرأة ويعني الإستفراد بشعبنا المنهَك و الفوضى المعززة بالنهب واستباحة الحريات التي وإن كانت هامشية وبائسة اليوم إلاّ أنها أفضل بما لا يقاس مقارنة مع ( حريات ) أهل العمائم ودعاة فرض الحجاب. الديمقراطية المُتدِّرجة هذا هو الحل وجعل المحتل يخرج لاحقاً بشكلٍ مُشرِّف لأنَّ ما يؤلم هذه الشعوب نفسياً هو شعورها أنها لم تحقق من دخولها للعراق أية نتائج إيجابية . ما العمل ؟ التضحيات مطلوبة للأسف وأعتقد أن شعبنا لا بدَّ واجدٌ منفذاً في المستقبل القريب , آمل ذلك . السطور أعلاه كانت رَدّي على دعوةٍ وجَّهتْها ( جريدة العرب اليوم ) عِبْر موقعها الى الكُتّاب العرب يوم أمس للإدلاء برأيهم حول السؤال التالي : كيف تريد وطنك اليوم ؟ والآن أقول : ليس من الممكن أبدا ً التهاون بشأن المجرمين المسؤولين عن مأساة الأيتام , أولئك المسؤولين الأنذال الذين توفيَتْ ضمائرهم حدِّ شعور الإنسان السويِّ بالخجل من الإنتماء الى الإنسانية طالما هؤلاء المسوخ بعضٌ منها , وما يزيد الكارثة أسفاً على أسفٍ هو أنَّ مَن اكتشف هذه الزهور الذابلة المتلاشية بعيونها الإلهية البريئة هو الأجنبي لا ابن البلد ثمّ لتأتيكَ أصواتٌ ملْئُها اللُّئمُ والنفاجة لتعيبَ على الأمريكي كشفَهُ لهذه الفضيحة المخجلة . إنّ الأمريكي أيها الأحطُّ من القرود محتلٌّ وصاحبُ مصالح وأوُّلها مصالح وطنهِ ولكنه لن يصل به ضميرُهُ كإنسانٍ الى أن يرى طفلاً هو عبارة عن كيسٍ من العظام ولا يتوقَّف شَعرُ رأسه وهذا ليس من شِيَم الأمريكي فقط وإنما شيمة كلِّ إنسانٍ مهما كان وطنهُ وقوميته ودينه , وممّا يطفح من الأنباء أنّ الأوغاد آكلي لحوم الأطفال الأوراد كانوا يستولون على التبرّعات المخصصة لهؤلاء الأطفال , من أجهزة طبية وملابس وطعام وأدوية , نسبة كبيرة منها تأتي من خارج العراق , ليبيعوها في السوق السوداء التي صارت بيضاء من شدّة سطوعها وشيوعها , ماذا يريدون بأموال السحت هذه ؟ أن تتضخّمَ كروشهم أكثر ؟ الأ يعلمون أنّ في داخل معدةِ كلِّ واحدٍ منهم طفلاً حيّاً ؟ وفي كلِّ خطوةٍ يخطونها بثقةٍ يتداعى كُساحُ طفلٍ بلا أبوين ؟ وبين حيطان بيوتهم كلِّها تتردَّد صرخةُ ضحيةٍ بريئة تشقُّ السماء كـ " بابا او ماما ؟ آهٍ لو كانت لهم في تربيتهم هذه الصيحة الجميلة الوادعة التي حينما تسمعها الأم او الأب من طفلهما لا تكاد الدنيا أن تسع فرحمها وإمتنانهما لله . ماذا يريدون من الدنيا الغَرور ؟ هنا في المانيا التي اقتصادها ثالث أكبر إقتصاديات العالم , المانيا البلد المسيحي الذي ما أن يدخل الأجنبي اليه طالباً اللجوء لأيِّ سببٍ كان سياسياً ام إقتصادياً ام بسبب التمييز العنصري مثلاً فأنهم يسألونه عن نوع الطعام المُفضّل لدى شعبهِ لكي يوفِّروه لهُ لمّا يحين وقت الطعام , أقول : هنا حيث بإمكانِ إنسانٍ مثلي مضى عليه أكثر من عشرين عاماً في هذا البلد أن يكون له بيتٌ كبيرٌ ويتناول أفخر الأطعمة ويرتدي أحسن الملابس , لم أُرِدْ وانا الباحث عن الكرامة والأمان سوى ما تتطلَّبه حياةٌ بسيطةٌ من مستلزمات : طعام عادي وملبس عادي وشقة صغيرة عادية , هل يريد هؤلاء السفلة القتلة أن يقنعوني بأنهم لا يمتكون هذه الحاجات الأساسية لكي تمتد أيديهم الآثمة الى حليب الأطفال اليتامى ؟ لماذا لا ينظرون الى العالم الواسع أمامهم ليغتنوا بشرفٍ إذا كان مقصدهم الغنى وجمع المال ؟ ألَمْ يقلْ القرآن : اسعوا في مناكبها ؟ ام أنهم وجدوا هذه المناكب بين ضلوع الأطفال ؟ وتفيد المعلومات أنهم لم يكتفوا بهذا وإنما قاموا أيضاً باغتصاب بعض هؤلاء اليتامى . وما علموا أنهم لو اغتصبوا بعضهم البعض لكان أشرف لهم . الذي يمرُّ على تأريخ العراق منذ الف سنة سيعجب أيّما عجب إذْ لم يصل مستوى إنحطاط القيم فيه الى ما وصل اليه في هذا العصر فلا المتحزِّب التقدمي ! بريءٌ ولا المتديّنُ بريءٌ وانتقلتْ عدوى الأثم والجريمة حتى الى الأرصفة فما أن يخرج إنسان الى الشارع ليلاً حتى يبتلعهُ رصيفٌ ! فالفرد البسيط خائف , والرجل الديمقراطي العلماني حائرٌ وهذا ليس حال بغداد فحسب وإنما هو تنافسٌ وسباق بين المحافظات والأقضية والنواحي ! فتسمع أنْ في بغداد قُتلَ عشرةٌ بانفجار قنبلة موضوعة في ساحة عامة فتردُّ عليها البصرة كمَن يشعر بالحسد , فتفجِّرُ جامعاً الى جانب كنيسة ! ثم تعصف الغيرة بمحافظة الأنبار فتستقدم شاحناتٍ مُطعَّمةٍ بالكيمياوي يجلس وراء مقاودها حشدٌ من التكفيريين ! ثم الى محافظة ميسان فتقوم بتفجير سوقٍ شعبيٍّ الى جانب مقهى إنترنيت ! ثم الى كركوك فتسمعُ دويَّ قنبلة داخل معبد أيزيديٍّ يروح ضحاياه كفرةٌ يعبدون الشمس من دون الله ! فَتُودُّ من كلِّ قلبك لو تستطيع أن تُقبِّلَ هذه القنابل الإيمانية ! أن ترقصَ معها , ثم تنتقل الى النجف وكربلاء فتجد العزاءات الحسينية وقد تحوّلتْ الى مفاقس لتفريخ عُشاق حور العين ! فما أن يبلغ أحد الفتيان سنَّ الرشد ويحسَّ بدبيبٍ ( غامض ! ) في جسده حتى تتولاّه عنايةُ مخلوقاتٍ لا قدَّس الله سرَّها بما أتى اليها من العِلْم اللدُنِّي فلا مدارس ولا علوم ولا معارف ولا تقنيات ولا تَحضُّر يمكن أن يقف حائلاً بينه وبين الإنتقال بأسرع الطرق الى جنات الخلد بتفجيره أقرب مركزٍ للشرطة او قد يفضِّل السفر الى بغداد ووضْعَ عبوةٍ ناسفةٍ في صالون حلاقة ! وصكوك الغفران هذه قد سبقتهم اليها إيران وإلاّ فالتأريخ الشيعي في العراق لا يذكر لنا أن الشيعة قد قاتلوا السنّة او غير المسلمين من أبناء وطنهم بسبب أنهم مختلفون معهم في العقيدة او المذهب وإنما هي السياسة القاصرة التي تصوِّرُ لجماعاتهم بأنَّ الفوضى خير دليل الى النظام ! وبهذا سيُهزَم المُحتل وهم لا يدركون أنَّ كلَّ هذا يصبُّ في رصيد البعث ونظامهِ الجديد الموعود بقيادة مُنَظِّرهِ الألمعيّ عزت الدوري ! ومثل هذه الجماعات تبحث أوَّلاً عن زعيمٍ روحي يستثير هِمَمها فتخلق شبحاً يكون في الغالب رجلَ دينٍ نكرة وسياسياً مغموراً فتُؤلِّههُ فيصدِّق بدَورهِ أنه بات مُهمّاً فيما هذا السياسي الشيعي الـ ( لْحَمي ) الذي خرج من البيضة للتوِّ والذي لم تعركْهُ الأحداث الداخلية ولا العالمية حيث تمرُّ من أمامهِ مَرَّ السحاب فلا يستنبط منها درساً , شأن حثالات القاعدة , لا يَقْدر بطبعهِ أن يُنتج إلاّ ما نراه من بضاعة كاسدة , إنه كمَن يروِّج لتلفزيونٍ أبيض وأسود في عصرٍ سيصبح بمقدور الفرد فيه من خلال الشاشة الفضيّة شمَّ الروائح بعد تمكُّنهِ من السمع والنظر ! ومَن يظهر لك في الشاشة الفضيّة هو كذلك يشمُّ رائحة المكان الذي انت فيه , ولا عجبَ في أمرِ هكذا أناسٍ ظلاميين لأنًّ عقولهم عملياً هي أيضاً فضيَّة تشمُّ رائحة التآمر مِن على بعدٍ ! فمجرَّد أن تختلف معهم في تفسير حديثٍ او آيةٍ قرآنية وتحاول إيصال دلالاتها الممكنة الى مدىً مقبول للجميع حتى تجدهم في اليوم التالي وقد اختطفوك ! لا يهمُّني الخوض في سياسة العراق الحالية داخلياً وخارجياً فما أنا رجل سياسة وإنما أريد أن أؤكّد على بديهة مفادها أنهُ غايةٌ في الحصافة والنضج الذهني أن يصل رجل الدين عندنا الى مستوىً من الوعي بحيث يدرك حقيقةً أساسية هي أنَّ العراق من البلدان التي لا يمكن بأيِّ حالٍ أن يحكمها رجلُ دينٍ مهما أُوتيَ من إخلاص وحسٍّ وطني ولا أن يحكمها حزب واحد ولا قومية واحدة ولا طائفة واحدة ولا دين واحد وكذلك فإنه انتصار للدين الحق ولإرادة السلام والحرية والتسامح والعدل أن يبقى رجلُ الدين بمعزل عن السياسة وهذه تجاربُ كلِّ الشعوب الحديثة المتطوِّرة تؤكِّد رأْيَنا وتدعمهُ ولذلك كنت من أوائل الداعين لفكرة تغيير العَلَم العراقي وجعلهِ يعكس هوية العراق بمختلف أديانهِ وعقائده فالله أكبر , نعم ولكن ليس لتخليد جزّارٍ طالما زايد على الدين وفجَّرَ المراقد ودور العبادة وكذلك فإنَّ العراق لأسبابٍ تأريخية ثقافية وسياسية وإقليمية لا يمكن أن يتجزّأ وفي هذا قوة معنوية واقتصادية تضاف الى قِواهُ وإمكاناته المستقبلية الأخرى لا محالة .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |