الزاحف على عرش آل سعود ببلدوزر الـ CIA) )   2

علي آل شفاف

Talib70@hotmail.com

القسم الثاني

عودة بندر من واشنطن والتمهيد للانقضاض على العرش

بعد أن أكل الدهر على أبناء عبد العزيز بن سعود وشرب, صار بندر بن سلطان خيار أمريكا الذي بذلت مخابراتها أكثر من عشرين عاما لإعداده وتدريبه وتهيئته, حتى إذا صار "قاب قوسين أو أدنى" من العرش, أعادته من حيث أتى, ليكون قرب فريسته, ولينقض عليها في الوقت الذي يحدده له آخر رئيس

للـ (CIA).

هناك مشكلة على درجة عالية من الجدية والخطورة تهدد عرش آل سعود في أيامنا هذه, هي التي ستكون مدخلا رئيسيا لبندر للانقضاض على عرش جده عبد العزيز بن سعود فيما بعد. هذه المشكلة هي أن أبناء عبد العزيز الذين ينحصر الحكم بهم وبأولادهم, حسب النظام الأساسي لآل سعود (الدستور), كلهم قد بلغوا أرذل العمر, فعبد الله ملكهم الحالي بلغ أكثر من 83 سنة, وولي عهده سلطان بلغ من العمر حوالي 80, وعبد الرحمن 76, وتركي 75, ونايف 74, وسلمان 71 وهكذا بقية أبناء عبد العزيز. أي لا يحصل أي منهم على فرصة الحكم إلا بعد الثمانين, هذا إن بقي حيا!

يمكن القول بأن عرش آل سعود بات مقعدا للعجزة, ولن يصل إليه إلا من دنى أجله, وقربت منيته. لذلك كان هناك حديث منذ فترة طويلة عن ضرورة إيجاد جيل جديد من الذين تلقوا تعليمهم في الجامعات الغربية والأمريكية خصوصا لإدارة دفة الحكم. لأن جيل العجزة هذا لا يمكنه مواكبة التغيرات السريعة التي تجري على الساحة السياسية والاقتصادية والحياتية بصورة عامة, في المنطقة والعالم ككل. ولكون مملكة آل سعود تملك نسبة كبيرة من شريان الحياة في هذا العالم, بتربعها على عرش النفط؛ وجب أن يحكمها جيل جديد, هو ابن عصره ـ عصر التقدم السريع, بل فائق السرعة ـ وليس ابن العصور الخالية, عصور "العارض" و"الدرعية"؛ وغزو الإخوان على أقتاب (البعران).

لهذا روجت المخابرات الأمريكية ووسائل إعلامها ـ ومنذ سنوات عديدة ـ على أن بندر هذا هو الملك القادم على عرش آل سعود, ووصفته بأنه "المنفتح على السياسات والأفكار الغربية", والمناسب للمصالح الأمريكية. حتى وصفته صحيفة "هيرالد تريبيون" الأمريكية في مقال لها قبل سنوات عديدة بأنه " (وإن كان) مجرد أمير في (السعودية), لكنه ملك في واشنطن". كما دأبت وسائل إعلام أمريكية وغربية على وصفه بأنه من الشخصيات القوية في مملكة آل سعود. وبين عشية وضحاها تحول بندر إلى نجم في السياسة والاقتصاد وتجارة السلاح والرشوة والفساد والمغامرات المثيرة والحفلات الباذخة والمؤامرات السياسية. وقد تميز عن أقرانه من آل سعود بأنه لا يتحرج من كشف علاقاته بالمخابرات الأمريكية, بل على العكس يعتبرها عنصر قوة ودعامة رئيسية في مسيرته الدؤوبة نحو اعتلاء عرش عبد العزيز بن سعود, ومواجهة المنافسين له على هذا العرش.

اختارت المخابرات الأمريكية بدقة عالية, وبذكاء فائق, الوقت الأنسب لبندر لكي يترك فيه سفارة جده في واشنطن, ويعود إلى الرياض؛ لترتيب أوراقه, استعدادا للانقضاض على العرش. فعبد الله (الملك الحالي) الذي تجاوز الثالثة والثمانين على الأقل, سيتوسد ـ عما قريب ـ لحده, تاركا العرش لولي عهده, هذا إن جعل الله في عمر ولي عهده ـ سلطان ـ متنفسا, وزاد له في أنفاسه نفسا. فهو لا يقل عن عبد الله شيخوخة ـ  كما مر.

سلطان هذا سيمثل مفصلا مهما ونقطة تحول في مسيرة ملك آل سعود, فعندما يتربع على العرش, سيحيد به من آل عبد العزيز بن سعود إلى آله هو, أي آل سلطان بن عبد العزيز. وقد خطط للأمر مبكرا. فقد جهد نفسه ـ من جهة ـ من أجل الاحتفاظ بمنصب وزير الدفاع ـ الذي يحتكره منذ عام 1962 حتى الآن ـ على الرغم من توليه ولاية العهد ـ وهذه سابقة عند آل سعود ــ لكي يحفظه لابنه خالد من بعده. ومن المعلوم أن خالدا الذي منح رتبة فريق أول ركن قبل تقاعده, يشغل حاليا منصب مساعد وزير الدفاع والطيران المفتش العام للشؤون العسكرية, أي مساعد أبيه, أي أنه المرشح الأقرب لخلافة أبيه في منصب وزير الدفاع. على الرغم من أن عمة ـ الآخر ـ "عبد الرحمن" لا يزال (مركونا جانبا) في منصب نائب وزير الدفاع والطيران والمفتش العام, دون باقي أخوته, الذين احتكروا المناصب الكبرى, وسيخرج ـ كما حدث مرارا ـ خالي الوفاض من ملك أبيه, فلا يمثل تهديدا لموقع خالد بن سلطان المأمول. 

عندما يتولى سلطان الحكم ستكون جميع القوى المسلحة بيد ابنه خالد, وهذا أمر ضروري جدا للانقلاب الكبير الذي يمهد له, بتنصيب بندر ابنه الثاني وليا لعهده. وسيكون ذلك بتخطيط وإملاء ودعم مباشر من الـ (CIA). لأن تحول جذري من هذا النوع لا يمكن أن يكون إلا بدعم ومساندة قوة خارجية عظمى. بل لا يجرؤ سلطان نفسه على القدوم عليه إلا بعد ضمان المساندة والدعم الذي جاءه به بندر من الـ (CIA). فأبناء عبد العزيز الآخرين, لن يتركوا عرش أبيهم بسهولة, تحت ذريعة شيخوختهم, وعدم قدرتهم على إدارة الدولة. وكذلك أبناؤهم الطامحون ـ هم أيضا ـ إلى اعتلاء سدة الحكم, سوف لن يتنازلوا عن (حقهم), و(حق) آبائهم في العرش.

بعد أن أدركت المخابرات الأمريكية ضرورة القيام بعملية الانقلاب هذه, للأسباب الآنفة, بدأت بالتمهيد لها تدريجيا.  فأمرت بندر (رجلها وأملها) بأن يستقيل من سفارة جده في واشنطن, وأن يعود إلى الرياض بالقرب من الهدف (العرش). وليبدأ بجرف وتصفية منافسيه المتوقعين من أبناء جيله من آل سعود سياسيا. 

الخطوة الأولى كانت توليه منصب مستشار الأمن القومي, بعد عودته مباشرة من واشنطن. وعادة ما يكون هذا المنصب مقدمة لتسلم وزارة الخارجية (إذ أنه عين المنصب الذي انتقلت منه "رايس" إلى وزارة الخارجية الأمريكية). وهكذا بدأ بندر سعيه الدؤوب لدفع منافسه الأول "سعود الفيصل" عن مقعده, والجلوس مكانه على عرش خارجية آل سعود, مباشرة بعد توليه منصب مستشار الأمن القومي. تذكر بعض المصادر أن بندر قد يحتاج إلى جسر بين المنصبين, حيث أنه من المتوقع استحداث وزارة على مقاسه, تسمى وزارة الشؤون الخارجية, تمثل له معبرا أو جسرا للعبور إلى مبنى وزارة الخارجية.

بدأ بندر تحركه هذا بمحاربة "تركي الفيصل" السفير الذي تلاه في واشنطن. في محاولة منه لإضعاف وكسر جناح أخيه وزير الخارجية الحالي "سعود الفيصل" من جهة, واحتكار توجيه دفة علاقة مملكته بأمريكا من, جهة أخرى. وقد أفلح بندر ـ فعلا ـ بإبعاد تركي عن سفارة جده في واشنطن.

ولكي يحافظ بندر على دوره المحوري كمحرك للعلاقات مع الأمريكيين, كما كان عليه الأمر حين كان سفيرا, ولكي تستمر زيارته السرية الشهرية لواشنطن. عين مساعده السابق وخادمه المطيع "عادل الجبير" بديلا لابن عمه تركي الفيصل. وقد ذكرت صحيفة الـ "واشنطن بوست" أن عملية التعيين تمت بسرية تامة، حيث خلت رسالة التعيين ـ التي سلمت لوزارة الخارجية الأمريكية ـ من اسم السفير المعين. وقد كتب المبعوث الذي سلم الرسالة, اسم المرشح قبل تسلميها بقليل, خوفا من إجهاض هذه الخطوة من قبل منافسي بندر من آل سعود. وقد عكس هذا التعيين مدى نفوذ بندر. وهكذا عاد بندر ـ بإزاحته تركي الفيصل, وتعيينه مساعده الجبير ـ إلى واشنطن من الشباك, بعد أن خرج من الباب.  

أما الأمر الآخر الذي سيسهل لبندر مهمة الوصول إلى وزارة الخارجية, هو مرض "سعود" وزير الخارجية الحالي وتدهور صحته, وعدم إيفائه بمتطلبات المهمة الجديدة, التي رسمتها أمريكا لآل سعود في المنطقة.

أوشك بندر ـ وبسرعة ملفتة ـ على القضاء على خصمه اللدود, ليستقل بوزارة الخارجية من دون منافس. وبعد أن يتسلق بندر جدار وزارة الخارجية, سيكون الطريق ممهدا أمامه لولاية العهد بعد أبيه الذي سيكون ملكا, بعد عبد الله الذي أوشك على الهلاك, أو كاد. وبإسناد أخيه الذي سيسيطر على القوات المسلحة, ومن بين أيديهم ومن خلفهم الـ (CIA) صاحبة المصلحة المباشرة من صعود بندر.

وعلى الرغم من عدم جدوى أية محاولة من منافسي بندر لعرقلة مثل هذا المشروع, إلا أنهم يحاولون ـ مع ذلك, ومن باب رفع العتب ـ إعاقته. لكن ليس لأحد منهم أي ثقل حقيقي يهدد, أو يقف في طريق هذا البلدوزر الزاحف ببندر نحو العرش (بكل ثقة).

فأبناء عبد الله بن عبد العزيز (ملكهم الحالي), على الرغم من كثرتهم, إلا أنهم شخصيات هامشية سياسيا, وليس لأحد منهم فرصة في التنافس, فمنهم من يشغل مناصب من الدرجة الرابعة أو الخامسة, ومنهم الرياضي أو المهتم بالرياضة, ومنهم الذي لا يزال صغيرا على المنافسة. وأبناء فهد بن عبد العزيز ملكهم السابق كلهم على الهامش ـ أيضا. فبعضهم مركون لقضايا الشباب والرياضة, وبعضهم في مناصب الدرجة الرابعة أو الخامسة, وبعضهم ليس لديه أي منصب, ومتفرغ لقضايا الفن والغناء؛ وليس لهم وزن يذكر في ساحة المنافسة, ولا يشكلون تهديدا لأحد. وكذا الأمر مع أبناء خالد بن عبد العزيز السابق لفهد, فكلهم ـ أيضا ـ على الهامش, وبعضهم يشغل مناصب من الدرجة الرابعة أو الخامسة. أما أبناء فيصل بن عبد العزيز السابق لخالد: فباستثناء سعود, ليس من منافس حقيقي لبندر. فتركي صار على الهامش, بعد استقالته من سفارة جده في واشنطن. أما أخوتهم الآخرون فلا يعدون شيئا في الصراع على العرش. كما أنه ليس في أبناء سعود بن عبد العزيز السابق لفيصل ـ على كثرتهم ـ أي تهديد ـ فعلي ـ لتربع بندر على العرش. وهؤلاء هم أبناء (المتملكين) سابقا. فكيف بأبناء غير المتملكين.

فلا أموال طلال بن عبد العزيز ـ الممنوع من ممارسة العمل السياسي ـ ولا مليارات ابنه الوليد, بقادرة على إيقاف هذا الزحف الجارف.  وما محاولة طلال ـ هذا ـ لحشر ابنه الملياردير في قائمة المنافسين, إلا هدرا للوقت والمال, على الرغم من أنه سعى لعقد جلسة بين من يفترضهم المتنافسين على عرش آل سعود ـ قبل فترة ـ من أجل تقسيم الكعكة النفطية, إلا أنه نسي أن يستعين باليد الأمريكية من أجل القسمة (العادلة), مكتفيا ـ بالطبع ـ باستخدام السكين الأمريكية. فلم تفلح محاولته لدفع ولده الملياردير إلى واجهة الصراع والتنافس.

وهكذا الأمر بالنسبة لأخوة طلال ـ أي أخوة ملكهم ـ أبناء عبد العزيز بن سعود الآخرين, الذين خرجوا من المنافسة, قبل أن يدخلوا فيها. بعد أن لبسوا (العمائم الثلاث), ولا ينتظرون إلا التعمم بالرابعة عند الكفن. فأكثرهم يعاني من أمراض مزمنة, وكثيرا ما يصاب بجلطات دماغية, أو حالات إغماء, أو غيرها. فإذا كان هذا حال الآباء, فأبنائهم أصغر وأهون من أن يدخلوا حلبة السباق.

أما ما يسمى بـ "هيئة البيعة" التي من المفترض أن تحسم أمر العرش في حالة الصراع, فليس لها أية قيمة. فكما شكلها عبد الله بجرة قلم, فسيلغيها سلطان بجرة قلم أخرى. كما أن كونها مشكلة بالتشاور مع أولياء أمر آل سعود في واشنطن, فنتيجتها إذا محسومة مسبقة لصالح بندر. خصوصا إذا ما استخدمت, الفقرة الخاصة بأهلية المرشح صحيا, حيث مكمن الطعن في أهلية أي مرشح بحجة كبر سنه ومرضه, مما يقضي على آماله, وبالتالي يفرش السجادة الحمراء لبندر.
إن سيطرة بندر بن سلطان بمغامراته ومؤامراته وألاعيبه, وتربعه على عرش آل سعود, سيمثل تحولا كبيرا ونوعيا في أسواق النفط العالمية, وسيمثل فتحا, تحقق عبره أمريكا, ما تريده للقرن الحادي والعشرين, ليكون قرن أمريكا.

فليبيض بندر وليصفر, فقد خلا له الجو, أو كاد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com