|
في كتابه "ما اجملك ايها الذئب ، جائع وتتعفف عن الجثث" تحدث الشاعر قاسم حداد عن اسطورة صينية وقام بتأويلها تأويلا يتناسب مع الانفتاح على الحرية ابداعيا، والاسطورة باختصار هي ان فارسا قد سقط سيفه في النهر، فحدد جهة السقوط على حاشية القارب الذي يقلّه ، على امل ان يعود له فيما بعد ، بينما راح يواصل سيره في النهر . وجمالية التأويل قد تلامحت في رؤية ٍ حددها الاستاذ في نطاق الكتابة الجديدة ، فوظف الأمر بصورة يستلهم معها طاقة الاسطورة لما يفيد الحاضر والغد فرسم لها معادلا رمزيا اذ تصور ان النهر هو الشعر والقارب القصيدة والسيف اللغة والفارس الشاعر . وهنا في تضاعيف مقالته ، يشير الى ان اللغة عندما تعجز عن التطور فانها تسقط والسقوط هنا مرموز له بالسيف . واذ يقوم الفارس بتحديد موقع السقوط فاننا نفهم ان هناك عودة له بقصد اعتباره تراثا ً او ربما مادة متحفية . واذ رأينا ان الفارس قد سار بقاربه في النهر رغم سقوط " اللغة – السيف " فانه ينشد عوالم السفر في الجديد ولابد من لغة لهذا السفر الدائم غير المتوقف عند أي موقع وبالتالي فايجاد لغة جديدة هو وجوبٌ لابد منه . يستطيع قارئ التوصيف الذي طرحه الاستاذ قاسم حداد ، ان يجنح بخياله الى افتراضات عديدة لا تعنى فقط بالنهر شعرا واللغة سيفا ، ان يذهب الى ماهو أخطر واكثر اتساعا . ان يتناول تاريخ العلوم ، على سبيل المثال ، وكيف ان كوبر نيكوس وغاليلو وديكارت وعشرات آخرين قد حددوا موقع السيف وساروا في نهر الحياة العلمية الجديدة . ان ذلك لايخلو من مكابدات وصراع دام ٍ وتشريد واضطهاد وقتل . الشاعر الكبير بدر شاكر السياب او نازك الملائكة او علي احمد باكثير وسواهم ، قد حددوا موقع سقوط السيف ، وقد كابدوا الاتهامات من قبل الرجعية الفكرية . كذلك الأمر في الاقتصاد والثورة الهائلة في الفكر الاقتصادي والفلسفي على يد كارل ماركس وسواه لم تكن بلا موقف قوي وسير حثيث في نهر الاسطورة الصينية التي تحدث عنها الاستاذ قاسم حداد أو شبيهاتها من أساطير حيوية في شحن طاقة المخيلة. وانك لتشعر ان المقالة تدفعك من طرف خفي الى ان لاتبقى في قراءتها بدون تأويل منك انت بالذات ! فاذا بدت الاسطورة العبقرية محدودة في اطار الصراع مع اللغة الكلاسيكية والقصيدة (الفراهيدية) الى لغة الجدة والبحث عن ثمار الغد اليانعة في الشعر الحر والنثر المركز ، فاننا ايضا نجعل للاسطورة تطبيقات اخرى . ماذا لوعدنا الى تاريخ كثير من الدول الاوروبية وكيف جرى تحديد سقوط لحظة السيف العتيق لدولة الكنيسة ، وتقدم القارب في مياه جديدة وحياة معاصرة دفعت بالدين بعيدا عن السياسة وخاصة عندما اصبح معوقا للحياة . لابد من (سيف – لغة ) في النهوض الثوري للحياة باتجاه نوافذ انتماء لامتناهية عدديا، لحياة ٍ ليست سكونية ومراوحة في تلقينيتها وتكرارها ، بل انها تعج بتطبيقات حياتية علمية وفنية لاتتوقف فهي في كل يوم ازاء روح وطاقة ولون مباين ومصطلح مختلف الخ . لا لن تصلح الاسطورة فقط للتطبيقات الشعرية بقدر مايمكن ان تتناول الدين والعرف الاجتماعي ، وكذلك الاسلوب الفكري والفني الذي سار متجددا ومكابدا اعتبارا من الواقعي والواقعي الاشتراكي والواقعية السحرية ، واسفر عن حق التعبير الانطباعي والسوريالي والتجريدي والتكعيبي وهلمجرا الى مالانهاية من الأساليب . وفي السياسة يسفر المنطق عن الحق بتعدد الحياة الحزبية ، وعلى الأرض التي تتمتع بفسيفساء ديني ومذهبي ( كالعراق) عن الحق بضرورة التعايش وفق منحى الحياة الديموقراطية ، وليس تحت ضغط الحزب الواحد الوحيد الذي يريد تحويل الناس جميعا الى دمى مستنسخة تفكر باسلوب ديني او سياسي واحد وتتحدث بلسان واحد . وكذلك بالنسبة للاديان وحق التعايش بينها بما تمليه ضرورة الدين في نفوس الناس كحق طبيعي اضافة الى حق الليبراليين بالتديّن من عدمه بعيدا عن السطوة الجهنمية للقرون المظلمة ، بعيدا عن القسرية ولغة الخنجر والدم والفتاوى المقززة ، بعيدا عن الاوتوقراطية السقيمة التي تحول الناس الى كائنات مذعورة خائفة ومنافقة تمارس كل الممنوعات الرسمية بالسر وبتحرر شاذ لايوصف . ان تحديد لحظة سقوط السيف والتوجه في النهر بحثا عن الاسلوب المعاصر هو ماجادت به روح الماضي الحي الذي اعطانا نظرة طليعية لما هو قادم ومن ياترى يقوى على ان يتحرر نظريا وعمليا من دون ان يدفع من دمه واعصابه ضريبة التقدم بقاربه في مياه جديدة ؟.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |