|
ذكرت أل(بي أن أي) أن عضوين بارزين في الحزب الجمهوري أعلنا نيتهما على المشاركة في التوقيع على مشروع قانون سيقدمه أعضاء ديمقراطيون الى مجلس الشيوخ الأمريكي،يقضي بتقسيم العراق الى ثلاثة مناطق شبه مستقلة،زامن ذلك الإعلان المفاجئ تصريحات لأعضاء جمهوريين عن عزمهم تقديم مشروع قانون لتبني توصيات لجنة بيكر_هاملتون،وانتهاج سياسة جديدة في العراق،وذكر أن عضوي المجلس(سام براونياك وجوردن سميث)سيشاركان في أعداد المشروع وعرضه،بالتعاون مع السيناتور الديمقراطي(جوزيف بيدن) الذي عرف بانتقاداته اللاذعة للرئيس بوش وأدارته،وهذه المرة الأولى التي يلتقي فيها براويناك وسميث وهما من أكثر المتشددين في الحزب الجمهوري الحاكم. وقد عرض هذه الخطة رئيس مجلس العلاقات الخارجية بتقسيم العراق على أسس طائفية وعرقية للمرة الأولى في مايو من العام الماضي، وتقضي الخطة بسحب القوات الأمريكية بصورة تدريجية مطلع العام 2008،أي بعد الانتهاء من خطة تقسيم العراق،وهذه هي المرة الأولى التي يتبنى أعضاء جمهوريين، الدعوات الخاصة بسحب القوات وهو ما يعني وجود تحركات داخل الحزب الحاكم تتعارض مع سياسة الآدارة الأمريكية،وقد تؤدي هذه التحركات بعد أجراء تقييمات للسياسة الأمريكية في العراق في أيلول القادم الى سحب القوات بصورة تدريجية،أو إعلان جدول زمني للانسحاب. أن هذه التسريبات الإعلامية،وما سبقها خلال السنوات الأربع الماضية من طرح لمشاريع هادفة لتقسيم العراق الى دويلات، وصلت في بعضها الى سبعة وفي أخرى الى سبعة عشر أمارة، يدفعنا للكثير من التساؤلات حول جدية هذه الأطروحات ومدى مصداقيتها،وما يمكن أن تؤدي إليه في المستقبل،وقد يدفعنا ذلك الى الدخول في متاهة من التحليلات والتأويلات،وهو ما يحتاج لحيز دونه مقالة،ولكن سنحاول الاختصار ما وسع الأمر لبيان المخاطر المترتبة على مثل هذه المشاريع،وما يمكن أن تفرز من نتائج مستقبلية،قد تؤدي الى كارثة لا يعلم مداها إلا ألله. 1-ان تقسيم العراق الى ثلاث مناطق أو أقاليم أو أمارات أو دويلات بغض النظر عن أسمائها ومسمياتها،سيفرز دويلات متقاطعة متحاربة لا يمكن لها العيش بسلام،حتى لو تهيأت لها حكومة نازلة من المريخ،فالشحن الطائفي،والاحتقان الذي أخذ مديات شعبية في الوقت الحاضر،بسبب الترويج والدعاية له،قد وصل الى درجة عدم قبول الآخر أو أمكانية التعايش معه،رغم المؤتمرات المشتركة،والمواثيق الموقعة بين أطراف النزاع،فهذه العهود لا تساوي الورق الذي كتبت عليه،فالتوقيع لا يعني شيئا في أعراف هؤلاء،وما هذه التجمعات والمؤتمرات إلا مآدب باذخة يلتقي فيها علية القوم،ليأكلوا ويتحدثوا بخلاف ما تضمر قلوبهم،لذلك لا يمكن التعويل على هذه العهود والمواثيق،فقد لمست بنفسي ذلك عند انتهاء مؤتمر مكة،فما أن جاءت الجمعة التالية،حتى أعتلى الخطباء المنابر ليشنفوا الأسماع بالمفرقعات الكلامية،لتعطر الأجواء بروائح البارود،ويقتل المئات دفاعا عن الدين والمذهب،وكلماتهم تدعوا في طياتها كلما يثير الاحتقان،مما يعني عدم جدية هذه الأمور،لأن كل طرف له أجندته ورؤاه وتصوراته الخاصة التي لا يمكن التنازل عنها حتى لو سالت الدماء أنهارا.أضف لذلك التداخل المجتمعي بين الأطياف المختلفة رغم إن الإخوة المتقاتلين طهروا الأرض من المخالفين و هجروهم الى مناطق أخرى إلا إن البقية الباقية منهم عليها ان ترحل لما يشاكلها من مذهب او دين او طائفة فما تريده الطائفة الأولى لا يمكن له ان يلتقي مع الطائفة الثانية لما في ذلك من جحود وإنكار لثوابت التي تتعارف عليها هذه الطائفة او تلك فالروافض في أعراف هؤلاء لا يمكن لهم العيش وسط المسلمين الذين يدينون بدين عبد الوهاب او مذهب القرضاوي او تعاليم ابن لادن او سفاسف الزرقاوي ومن لف لفهم من أصحاب اللحى المدببة والمقولبة او المرسلة الى الرجلين،أو الكسكوسة الشبابية للشداة من المتدينين الجدد،وما الى ذلك من موديلات أوجدها سادة المذاهب،فسايرهم عليها الأتباع والمؤيدون. أما أصحاب الأديان الأخرى،فعليهم أيجاد ملاذات آمنة في الدول الأخرى،وأن يفتشوا عمن يشاكلهم في الدين ويوأمهم في العقيدة،فالدولة السلامية الجديدة ترفض أهل الذمة!!ولا تقر لهم العيش بجوارها،فإذا كان السابقون الأولون قد ارتضوا الجزية ثمنا لإبقائهم على قيد الحياة،فهؤلاء أكثر أيمانا ممن سبقهم،فعلى هؤلاء ترك أديانهم ،أو الدخول بالدين الجديد،وإلا سيكون القتل والسبي مصيرهم ومصير من يشايعهم أو يدافع عنهم،ويطالب بأنصافهم أسوة بدول العالم المتمدن التي فتحت ذراعيها لملايين المسلمين ووفرت لهم الملاذ الآمن والعيش الكريم. 2-أن هذا التقسيم سيؤدي أول ما يؤدي الى إشاعة الاحتراب بين هذه الأقاليم،لوجود أسباب كثيرة للاختلاف وفي مقدمتها الحدود التي يجري التنازع عليها ونحن في عراق موحد،فكيف الحال أذا قسم لدويلات متعادية،والخلاف على مصادر الثروة الطبيعية التي تتباين في إقليم عنه في آخر،فالنفط الموجود في الشمال والوسط والجنوب،سيكون حكرا على شعوب هذه الدويلات،ولكن المياه المارة في المناطق الغربية والشمالية،هل تباع على دولة الوسط والجنوب،أم يجري مقايضتها بالنفط مقابل الماء!! على غرار النفط مقابل الغذاء.أضف لذلك مصير العتبات الشيعية الموجودة في المنطقة الغربية،هل يجري نقلها،أو السفر إليها بواسطة جوازات السفر. 3-التداخل بين الطوائف والقوميات،هل يجري ترحيل الأقليات الدينية والقومية عن مناطق سكناها الحالية،وإسكانها في دويلاتها المذهبية والقومية،وما هو مصير الأخوة من المسيحيين والصابئة المندائيين والأيزيديين،هل تمنح لهم ملاذات آمنة،ورقع جغرافية وأقطاعات مستقلة ليعيشوا فيها،أم تأكل الحيتان الكبيرة الأسماك الصغيرة،وتتلاشى هذه الأقليات،او تضطر لترك العراق والتوجه لبلاد الله الواسعة حيث الحرية المكفولة لمختلف الأجناس والديانات.وهل يجري تعويضهم عن ممتلكاتهم أم تصادر بقرار تاريخي جديد. 4-ما هو مصير بغداد عاصمة البلاد،وذات التاريخ العريق،والى أي من هذه الدويلات تكون،هل تكون غربية،أم شرقية جنوبية أو شمالية ،وأين يذهب الغربيون أو أكثر من مليون كردي يعيش فيها من سكانها الأصليين،أم تقسم أحيائها حسب القوميات والمذاهب والأديان،ويكون لكل قومية ودين ومذهب مملكته الصغيرة المستقلة،وتتبادل الأسر ممتلكاتها،كل حسب جنسه وطائفته،وهل تقطع بالأسلاك الشائكة،أو الجدران الكونكريتية العازلة،وكيف ترسم هذه الحدود،وتحدد المساحات.وكذلك الموصل التي تسكنها قوميات وأديان ومذاهب،فإلى من تكون في هذه التقسيمات الثلاثة،أم يجري تقسيمها وتوزيعها بين الأديان والطوائف والقوميات،والى أين يذهب التركمان الذين تقسمت ولاءتهم بين القومية والمذهب،فهل يكونون مع باء أم جيم أم دال، ومن هو القادر على القيام بهذه التقسيمات التي تحتاج الى عشرات السنين حتى يمكن الانتهاء منها. 5-ولعل المطلع على مجريات الأحداث في العراق،يستطيع أن يتلمس من خلال ما يجري في العراق،النزوع نحو هذه التقسيمات،فقد كانت بغداد المركز الرئيسي لإدارة الدولة العراقية،والمركز التجاري الأول في التجارة الداخلية والخارجية،ولكن المتتبع يلاحظ أن هناك دعوات من جهات متعددة لسلب هذه الخاصية عن بغداد،وتشكيل مراكز تجارية جديدة،ورغم أن هذا الأمر له ايجابياته الكثيرة،إلا أن السلبية الكبر هي أن بغداد التي لا تتوفر لها أي ثروة طبيعية كيف لها بناء اقتصادها دون وجود موارد،وهل تتحول الى مدينة صناعية أو زراعية لتؤمن ما يكفل لها العيش وإدارة أمورها كدويلة مستقلة أو دويلات متعددة إذا جرى تقسيمها على ما بينا سابقا. 6-أن بناء العراق وفق هذه التقسيمات سيؤدي الى نشوء دكتاتوريات مختلفة، وحكومات متسلطة،لها لون وطعم ووجه واحد، ولا وجود للألوان والطعوم الأخرى فيها،وستكون الطائفة هي الحاكم الوحيد في ظل هيمنة مقرفة للدعاة الجدد الذين لا يؤمنون بالمشاركة في السلطة أو ظهور ألوان تتباين وألوانهم،فالعلمانيون مثلا في هذه الأمارات سيكونون ضحايا الإرهاب والقتل والإفناء،وليس أمامهم إلا الدخول تحت المظلة الدينية،والخضوع لأوامر ونواهي رجال الدين،أو الهجرة والرحيل عن مدنهم،او القتل والإبادة،أو التنكيل والحبس،لأن الدويلات المزمع تشكيلها لا تؤمن بحقوق الإنسان،أو المفاهيم الحديثة للتعامل بين الأفراد،وهذه الدويلات لا تخضع لقانون دولي،فلها قانونها الخاص المستمد من مبادئها التي تؤمن بها وتدعوا إليها،وسيكون لكل أمير من الأمراء،قوانينه الخاصة التي لا يمكن التنازل أو الخروج عنها ،وعلى الجميع الإذعان له وإقراره،أو سيكون مصيره مصير من سبقه ممن خالفوا الحكام أو خرجوا على قوانينهم. 7- أن هذا التقسيم سيجرنا الى تقسيمات جديدة،فالأقسام الثلاث المزمع أنشاؤها تحمل في طياتها بوادر تقسيمات جديدة،فأصحاب السلطة رغم أنهم من مذهب واحد،أو قومية واحدة،إلا أن هذه المذاهب أو تلك القوميات تحمل في داخلها الكثير من الإرهاصات والاختلافات التي تجعلها منقسمة على نفسها،يدين كل قسم منها برؤيا تختلف عن الآخر،ويرى كل منهم أنه الأصلح والأولى لإدارة الأمور،وإذعان الآخرين له،مما سيؤدي مستقبلا الى حدوث احتراب داخلي ربما يكون أكثر دموية مما يجري الآن،وستتحول هذه الدويلات الى بؤر للقتل والدمار وتصفية الحسابات بين المتنازعين،لأن جميع العاملين داخلها لا يؤمنون بالعناوين الكارتونية التي جلبها الأمريكان،كالديمقراطية والتعددية والشفافية وحقوق الإنسان،فهم يؤمنون بالسلاح الذي هو الفيصل في حل المنازعات،وسنن الكون أن يكون البقاء للأقوى،وعلى الأضعف أن يلتجئ إلى القوي ليستمد منه الحماية،والذوبان في داخله،فالمبادئ التي يؤمن بها كل من هؤلاء لا ترى في بقاء الآخر نفعا لها،لذلك يجب أبادته أو أذابته في بوتقتها وهذا أضعف الأيمان. وقد تتفكك هذه الدويلات الى أمارات مصغرة تحكم من القادرين على استعمال السلاح،ولديهم القدرة على الهيمنة على مقاليد السلطة،وأحكام الأمور لصالحهم،ويكون لكل أمير من الأمراء أمارته الخاضعة له يحكمها بالطريقة التي يراها في ظل قانونه الخاص،ودستوره المستفتى عليه بالإجماع!! ولنا أن نتساءل بمن سترتبط هذه الدويلات الجديدة؟ وهل ستكون بعيدة عن هيمنة دول الجوار التي بذلت الجهد والمال لإنشائها؟أن المراقب يستطيع القول بدون خشية أن كل طائفة سترتبط بمن يشاكلها ويماثلها في تصوراتها،وستكون هذه الدويلات ساحة رحبة لتلك الدول تتحكم بشؤونها كما تريد،فبإمكان الدول المجاورة قطع الماء والغذاء والارتباط بالعالم الخارجي على تلك الأدرات،ولابد لها من استمداد القوة من جيرانها الأقوياء. ومن نافلة القول أن المستفيد الأول من هذا التقسيم هو إيران،فسيكون لها هيمنتها المطلقة على الجنوب والوسط،وسيطرتها على الجانب العربي الغربي لامتداده الطبيعي مع حليفتها الإستراتيجية سوريا،وعلى الأكراد التعايش مع جوارهم الإيراني _ التركي،بإعطاء التنازلات في مشروعهم القومي الكبير،ولا أعتقد أن المصلحة الأمريكية تكون ضمن هذا المسلسل،رغم أن الكورد على استعداد لإعطاء ألأمريكان القواعد الثابتة التي تشكل الأمان الدائم للشعب الكردي. أن هذه التساؤلات تجرنا الى التساؤل الأكبر،ما هي المصلحة الأمريكية في صناعة دويلات ترتبط بجيرانها بالكثير من الروابط،ولها معها علاقات تجاوزت حدود الصداقة،وما هو مصير النفط العراقي الذي يسيل له لعاب العالم الحر،هل يرتضي عالمهم الحر أن يكون النفط سلاح بيد أعداء أمريكا؟وإذا كانت أمريكا حشدت جيوشها وحركت أساطيلها وملأت البحار والمحيطات بها،وخاضت أشرس المعارك لأحكام سيطرتها على هذه الرقعة المهمة من العالم،فهل من الممكن تقسيم هذه الرقعة بين أعدائها؟وتعود تجر أذيال الخيبة والفشل لتقر بعجزها عن تحقيق مشاريعها بسبب مناكفات دول بإمكان الأمريكان إنهائها بدقائق.أن هذه التسريبات العقيمة تخفي ورائها الكثير من الخفايا،ولعل الأتي من الأيام يفصح لنا عن حقيقة المخططات التي تحاك حاليا،والتي لا تقتصر على الهيمنة على العراق،بل لامتداد أبعد من ذلك تذهب ضحيته الكثير من الأهرامات المجوفة من الداخل،والبادية الى العيان في منتهى المتانة،والأجندات الأمريكية المختلفة تصب في مجرى واحد،هو الهيمنة والتسلط على العالم في ظل مشاريعها المستقبلية لتكون المتحكم الوحيد،فالجهات التي ستراهن على الخلافات الداخلية الأمريكية،كمن يقرأ في كتاب بلغة يجهلها فلا يخرج منها بطائل
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |