عقوبة الإعدام أهدار لحق الإنسان في الحياة

 

المحامية سحر الياسري

saharmahdi63@yahoo.com

تشكل عقوبة الإعدام ذروة العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة وتنتهك الحق في الحياة.وهي عقوبة لا يمكن الرجوع عنها حال تنفيذها ويمكن أن تُنزل بالأبرياء. ولم يتبين قط أنها تشكل رادعاً ضد الجرائم أكثر فعالية من العقوبات الأخرى. تعتقد عدة حكومات أن الإعدام ضروري في المجتمعات الموبوءة بالجريمة، حيث إن هذه العقوبة الصارمة تردع الآخرين عن ارتكاب جرائم مماثلة. ولكن جميع الأدلة أظهرت أن فاعلية الإعدام كرادع لارتكاب الجريمة لا تفوق فاعلية العقوبات الأخرى. فالذين يقترفون الجرائم الأكثر خطورة لا يفكرون في نتائج عملهم، وإنما يكونون غالباً خاضعين لضغوط كبيرة أو لألم شديد، أو واقعين تحت تأثير الكحول أو المخدرات أو لحظات الرعب الكبير، أي في الحالات التي لا يوجد فيها أثرٌ للردع. من غير الممكن أن تصبح عقوبة الإعدام مقبولة في يوم من الأيام، وكل عملية إعدام تنطوي على أقصى انتهاك للحق في الحياة. وتفاقم من غلواء هذا الانتهاك أن تكون الأحكام قد صدرت إثر إجراءات قضائية جائرة.

إن التمييز والمحاكمات الجائرة والأخطاء القضائية وإعدام المدانين الأطفال ومن يعانون من إعاقات عقلية ترقى جميعاً إلى مرتبة خذلان العدالة؛ كما توفر الأسباب الموجبة لإلغاء عقوبة الإعدام.لقد أثبتت الدراسات خطأ فرضية الردع؛ إذ أظهرت أن معدلات الجريمة في الدول التي ألغت عقوبة الإعدام ليست أعلى منها في الدول التي ما زالت تطبق هذه العقوبة، وأنه لا توجد أية علاقة ذات بال بين تطبيق الإعدام وعدد الجرائم في بلد ما، وإنما تتعلق معدلات الجريمة بمستويات التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي وصل إليه البلد. وجميع الدول التي ألغت الإعدام لم تعانِ من نتائج خطيرة نتيجة هذا الإلغاء. إن عقوبة الإعدام طريقة غير عادلة لتحقيق العدالة؛ إذ ينطوي تطبيق هذه العقوبة على الظلم. فهناك اعتبارات مختلفة تلعب دوراً هاماً عند تحديد ما إذا كان القاتل يستحق الموت أولا يستحقه، كالغنى، والجاه، والعرق، ولون الجلد، والجنس، والسياسة، والدين. فزنزانات المحكوم عليهم بالإعدام تكتظ بالسجناء المحرومين والفقراء والأقليات الإثنية والسود وكل الذين يكونون أقل قدرة على الدفاع عن أنفسهم أمام المحاكم. وقد تطبَّق عقوبة الإعدام بصورة تعسفية نتيجة عوامل اعتباطية، ككفاءة المحامين، أو المساومات المتعلقة بالاعتراف بارتكاب جريمة أقل خطورة، أو منح العفو العام احتفالاً بأعياد ميلاد الحكام! وبذلك يتم التلاعب بالحياة والموت كعملية مقامرة. كما تقترن عقوبة الإعدام باحتمال قتل أبرياء، وذلك إما بسبب استخدام هذه العقوبة كأداة سياسية لإسكات معارضي الحكومات، وإما بسبب أخطاء قضائية. ونستطيع أن نجد أمثلة على التمييز في كل دول العالم التي ما زالت تشرِّع الإعدام:

- ففي الولايات المتحدة يشكل السود الذين يمثلون 12% من الشعب الأمريكي 42% من المحكوم عليهم بالإعدام. ورغم أن عدد ضحايا القتل من السود والبيض يكاد يكون متساوياً فإن نسبة 82% ممَّن جرى إعدامهم منذ 1977 كانوا قد أدينوا بتهمة قتل شخص أبيض.

-  وفي الدول العربية تتعلق العقوبة بجنس المجرم. فعلى عكس ما يجري للمرأة، لا يستحق عقوبةَ الموت الرجلُ الذي يقتل أمَّه أو أخته أو ابنته أو زوجه بسبب العِرْض، بل تُخفَّف عقوبته.

-  ورغم أن الحكومة الإسرائيلية تفتخر بأن إسرائيل هو الدولة الوحيدة في الشرق الأدنى التي لم تشرِّع الإعدام، فإن ذلك يسري فقط على اليهود؛ حيث إنها تطبق الإعدام على الفلسطينيين مع سبق الإصرار والترصد. فقد اغتال الجنود الإسرائيليون خلال 16 شهر من الانتفاضة حوالي مئة كادر من كوادرها، كما أعدموا ميدانياً عشرات المواطنين الفلسطينيين مع التمثيل بجثثهم وسرقة أعضائهم. وهناك خلل جوهري في عقوبة الإعدام، وهو عدم إمكانية العودة عنها إذا نُفِّذَت – وهناك دائماً إمكانية حدوث أخطاء واستحالة في العودة عن هذا الخطأ. وفي كل عام تُكتشَف حالات لسوء تطبيق أحكام العدالة، ولكن بعد فوات أوان إنقاذ حياة المحكوم عليه بالإعدام.

عقوبة الإعدام من المنظور الإسلامي:- الإسلام دائماً يسعى لدرء جميع أنواع العقوبات التي هي أدنى بكثير من عقوبة القتل (الإعدام)، من خلال الشروط المشددة التي منع إنزال أي عقوبة مهما دنت، تحقيقاً للعدالة الإلهية، النسبية في الدنيا والمطلقة في الآخرة.
و حديث النبي صلى الله عليه وسلم واضح الدلالة  "ادرءوا الحدود بالشبهات"، والشبهة هنا تعني أن أية جناية ينزل مستوى التأكد منها عن اليقين القاطع، يجب أن يسعى لدرء العقوبة وعدم تطبيقها. وهنا دخول عامل الشك أو الشبهة يوقف إنزال العقوبة المحددة تجاه الموضوع أو الجناية، والنزول إلى عقوبات أخرى أدنا منها تحقيقاً للعدالة، وهذا ما يقدره القضاء العادل.
أن الله سبحانه وتعالى بين لنا مقاصد شريعته  وهي خمسة أولها حفظ الدين الذي أنزله سبحانه وتعالى وبعد ذلك مباشرة حفظ النفس والحيلولة دائماً دون إزهاق روح الإنسان الذي خلقة الله وكرمه. ما تتميز به الأديان، بما في ذلك الإسلام ونصوصها المرجعية من حيوية وما توفره من إمكانية لقراءات أكثر إنسانية تختلف عن القراءات التقليدية الضيقة وتسمح بنظرة مغايرة للعديد من الجوانب التشريعية، وهو ما يشكل أداة مهمة في إعادة الاعتبار للذات البشرية وتثبيت حق الإنسان في الحياة.

عقوبة الإعدام في العراق:- وفي ظل الاحتلال اصدر المدير الإداري لسلطة الائتلاف المؤقتة الأمر المرقم 7 في 9/ 6/ 2003 علق بموجبه عقوبة الإعدام في كل حالة تكون فيها تلك العقوبة هي العقوبة الوحيدة المنصوص عليها لمعاقبة مرتكب الجناية وأجاز للمحكمة إن تستعيض عنها بمعاقبة المتهم بالسجن مدى الحياة أو بفرض عقوبة أخرى عليه اقل منها وفقاً لما ينص عليه قانون العقوبات. فعلق الأمر عقوبة الإعدام واستحدث عقوبة جديدة لم تكن معروفة في التشريع العراقي هي السجن مدى الحياة التي تعني بقاء المحكوم عليه في السجن لحين وفاته أو هي تختلف في ذلك عن عقوبة السجن المؤبد التي تعني بقاء المحكوم عليه في السجن لمدة عشرين سنة فقط. وقد قيل بان السبب الذي دعا سلطة الائتلاف إلى تعليق عقوبة الإعدام بمعاهدات دولية تلزمهم بعدم الدخول في إي عمل من شأنه فرض عقوبة الإعدام، باعتبار إن الأوربيين يتمسكون بان فرض عقوبة الإعدام في القوانين مما يخالف حقوق الإنسان لسلبه حق الإنسان في الحياة.ولكن الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة السيد إبراهيم الجعفري التي نقلت سلطة الائتلاف المؤقتة السلطة إليها في يونيو/حزيران 2004،  أعادت العمل بعقوبة الإعدام مرة أخرى.

 أفاد تقرير جديد لمنظمة العفو الدولية( رقم الوثيقة2007/020/14MDE  20 أبريل 2007   بأن السلطات العراقية تفرض عقوبة الإعدام على نحو متزايد، بما في ذلك بعد " اعترافات" متلفزة قبل المحاكمة ومزاعم تعذيب لم يتم التحقيق فيها وإثر محاكمات جائرة. مع إعدام ما لا يقل عن 65 شخصاً في العام الماضي، أصبح العراق الآن يحتل المرتبة الرابعة في العالم من حيث عدد حالات الإعدام بعد الصين وإيران وباكستان. ومنذ إعادة العمل بعقوبة الإعدام في أواسط العام 2004، حُكم بالإعدام على أكثر من 270 شخصاً، وأُعدم ما لا يقل عن مئة شخص. وقد تناقص عدد حالات بث "الاعترافات" المتلفزة في أواخر العام 2005، ولكن العديد من الأشخاص الذين ظهروا على شاشات التلفزة حُكم عليهم بالإعدام أو أُعدموا فيما بعد.وقال مالكوم سمارت، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، "إن الزيادة المثيرة في استخدام هذه العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة تمثل منـزلقاً خطيراً في أخطاء الماضي الوحشية، ولا سيما عندما تُنفذ عمليات الإعدام بعد محاكمات جائرة و "اعترافات" متلفزة ومزاعم تعذيب لم يتم التحقيق فيها. وعلى الرغم من التبريرات الرسمية لاستخدام عقوبة الإعدام كرادع للجريمة، فإن تصاعد العنف في شوارع العراق يشير إلى أن إعادة العمل بهذه العقوبة ربما تكون قد أسهمت في إثارة النـزعة الوحشية في المجتمع العراقي." إن تقرير منظمة العفو الدولية بعنوان: لا عدل فيها ولا إنصاف: عقوبة الإعدام في العراق، يستند إلى فحص المنظمة لمئات الأحكام التي صدرت عن المحكمة الجنائية المركزية في العراق، فضلاً عن شهادات أُسر المدانين ومحامييهم. كما يتضمن التقرير تحليلاً مفصلاً للقوانين العراقية التي تقوض الحق في المحكمة العادلة.
ومن النتائج الرئيسية التي يخلص إليها التقرير:

 -  عدم كفاية التحقيقات في مزاعم التعذيب، أو عدم إجرائها أصلاً، على الرغم من كثرة الاعتماد على "الاعترافات" التي يدلي بها المتهمون أثناء احتجازهم، للوصول إلى إدانتهم بارتكاب جرائم يعاقَب عليها بالإعدام؛

 - بث "اعترافات" متلفزة قبل إجراء المحاكمات، وقبول الأدلة التي تستند إلى التعرف على المتهمين من قبل شهود كانوا قد شاهدوا الاعترافات في السابق، لاستخدامها في المحكمة؛

 -  عدم كفاية إمكانية الوصول إلى محاميي الدفاع، وترهيب المحامين، بما في ذلك التهديدات بالقتل والاعتداءات.

-  التعريف الغامض والفضفاض للجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام بموجب القانون العراقي، بما فيها عمليات الاختطاف التي لا يصاحبها قتل وإلحاق الضرر بالممتلكات العامة بهدف تقويض الأمن والاستقرار.

الاتجاه نحو إلغاء عقوبة الإعدام:- لقد بررت عقوبة الإعدام بشكل عام وعلى مر الزمن بالحد من تكرار ممارسة الفعل الذي استحق هذه العقوبة، وتحقيق الرادع لعدم تكراره. إلا أنه من الواضح من الدراسات الميدانية والأكاديمية أن عقوبة الإعدام وبشكلها العام في تطبيقاتها المختلفة في الدول التي تقرها قوانينها لم تفلح في تحقق هذه الغاية. كذلك فإن التوسع في تطبيق عقوبة الإعدام لم يخفف من موجات الإجرام التي بدأت تنحو باتجاه أكثر خطورة نظرا للتقنيات الحديثة التي أيضا أتاحت الفرص لارتكاب جرائم منظمة عابرة للحدود كالاتجار في البشر والمخدرات واتساع رقعة الإرهاب. إنه لا يمكن تحديد حجم الظلم الذي يمكن إن ينجم عن إزهاق روح قد يتبين فيما بعد أن هذا الشخص الذي أعدم كان بريئاً أو أنه لا يستحق هذا المستوى من العقوبة.

يتزايد عدد الدول التي تلغي الإعدام كل عام. ففي عام 1899 كانت هناك 3 دول فقط في العالم لا تطبق عقوبة الإعدام هي: كوستاريكا، سان مارينو، وفنزويلا؛ وقد أصبح العدد عام 1948 ثمانية دول. وفي نهاية عام 1978 وصل العدد إلى 19 دولة؛ وخلال العشرين سنة الماضية قفز الرقم إلى أكثر من 3 أمثاله. وفي مطلع هذا القرن كانت هناك 108 دول ألغت الإعدام بالقانون أو بالتطبيق:

-   75 دولة ألغت الإعدام نهائياً، كفرنسا التي ألغته عام 1981، وتركمانستان عام 1999.

-   13 دولة استبْقته للجرائم الاستثنائية فقط، كجرائم الحرب، مثل ألبانيا والبرازيل.

-  20 دولة ألغته واقعياً، أي أنها لم تنفِّذ أي حكم بالإعدام خلال العشر سنوات الماضية، مثل تركيا* (جرت آخر عملية إعدام فيها 1984) ألغت تركيا رسمياً عقوبة الإعدام في أوائل آب 2002. أما بقية دول العالم – حوالي 86 دولة – فما زالت تنفذ عمليات إعدام، كالولايات المتحدة الأمريكية، الصين، إيران، والدول العربية كافة، ما عدا البحرين.

مبررات المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام :-

بدأت الدعوة لإلغاء عقوبة الإعدام في أواسط القرن التاسع عشر بالولايات المتحدة الأمريكية وبلغت ذروتها في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين لتشمل بعد ذلك دول الاتحاد الاوروبى حالياً وعددا من بلدان العالم. وقد اكتسبت الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام دفعة قوية بسبب زيادة تأثير ونفوذ الحركات الداعية إلى الدفاع عن حقوق الإنسان والسلام العالمي. حيث ساهمت منظمات حقوق الإنسان محليا ودوليا في تنمية الوعي وزيادة الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان مما مكن من انتشار المنظمات التي تعمل على مناهضة وإلغاء عقوبة الإعدام بوصفها شكلا من أشكال العقوبات البربرية والتي باتت لا تتناسب مع مستوى التطور الحضاري والانسانى الذي من المفترض إن تكون بلغته حضارة الإنسان. وتعد منظمة العفو الدولية واحدة من أهم المنظمات الرائدة في مجال مناهضة عقوبة الإعدام على المستوى العالمي. ومع الزيادة المطردة في عدد الدول التي تنحو باتجاه وقف تطبيق عقوبة الإعدام سعياً لإنهائها ومع تنامي الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان في المنطقة العربية بصرف النظر - مؤقتاً - عن الأسباب والدوافع السياسية والدولية وبناء على المستجدات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط نرى لزاما علينا المشاركة في هذا السجال الدائر حول تطبيق تلك العقوبة في بلادنا. خاصة مع تمتع تلك العقوبة بالتبريرات الفقهية سواء على المستوى القانوني أو الفلسفي أو الديني بالرغم من انتهاكها لواحد من أهم حقوق الإنسان "الحق في الحياة". وبدون ذكر الحالات التي يتم فيها توقيع تلك العقوبة نتيجة لغياب المعايير الدولية للمحاكمة العادلة أو تلك التي تستخدم فيها تلك العقوبة لأسباب سياسية أو عرقية أو عنصرية ومع التنويه إلى إمكانية تطبيق تلك العقوبة على أشخاص أبرياء الأمر الذي يشكل خطئا لا يمكن تداركه، فإن قتل أي شخص ولو باسم القانون يمكنه أن يذكرنا بالبداية البربرية للجنس البشرى لاحظ أسطورة قتل الأخ التي تفيد أننا جميعاً أحفاد القاتل .كما سيذكرنا استخدام عقوبة الإعدام و الحكم بها بممارسات باتت من الماضي مثل الرق والاستعباد والتعذيب المبرر اجتماعياً أو المسوغ قانونياً. لقد بينت المسيرة التاريخية للجنس البشرى زيف الدعاوى القائلة بأن عقوبة الإعدام "أو القتل القانوني " بإمكانها خلق مجتمع خال من جرائم القتل أو الجرائم المروعة. ويبدو أن استمرار ثقافة الثأر والانتقام والتي تفتقد لأي معيار موضوعي تلعب دورا جوهريا في طريقة التعامل مع المجرمين الذين يقترفون جرائم القتل أو يتسببون في ترويع الآمنين أو يهددون أمن المجتمع، كما أن مستوى التعليم وتطور الوعي الثقافي في المجتمع وسيادة مناخ التسامح والانفتاح على الآخر من العوامل التي تساهم بشكل إيجابي في تعزيز الرؤى المنادية بالنظر إلى هؤلاء المجرمين بوصفهم في المحصلة النهائية بشر كما تساهم في تعزيز الدعاوى المنادية بإلغاء عقوبة الإعدام. لقد تم اعتبار يوم 10 أكتوبر من كل عام يوما عالميا لمناهضة عقوبة الإعدام وهو اليوم الذي ألغيت فيه عقوبة الإعدام بالولايات المتحدة لأول مرة عام 1786. وهناك من يعتبر أن عقوبة الإعدام أبشع من جريمة القتل، فالمحكوم عليه بالإعدام يكون عاجزا كل العجز عن القيام بأي شيء لمحاولة انقاد حياته في لحظة تنفيذ العقوبة.من جهة أخرى يقال أن إعدام القاتل مثلا أمر ضروري لكي يكون عبرة للآخرين، لكن أليس ثمة سبيل آخر أكثر إنسانية و أفضل من الإعدام لتعليم البشرية فداحة عمل القتل و هل عقوبة الإعدام قادرة على وقف تلك النوعية من الجرائم التي تهدد أمن المجتمع.لقد بينت الإحصائيات أن نسبة الجريمة بالنسبة لعدد السكان هي أعلى في البلدان التي تطبق عقوبة الإعدام من تلك التي ألغتها و لا تعتمدها في قوانينها. ونحن نرى أن الوسيلة الوحيدة للحفاظ على حياة الناس لا تتأتى إلا بنشر وتكريس المفاهيم الداعية لنشر ثقافة حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق المظلومين.كما أن تجفيف منابع الجريمة من فقر وجهل وبطالة سيساهم بدون شك في تقليل معدل الجريمة وفى هذا السياق فان مناهضة كافة أشكال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وما يترتب عن ذلك من انتشار للأمراض الاجتماعية والنفسية التي تشكل الأرضية المادية الخصبة لارتكاب الجريمة - وإطلاق العنان للملكات الإبداعية لكافة البشر دون تمييز سيساهم في خلق مجتمعا حراً ومسئولا في ذات الوقت. فجرائم النفس ليس لها صلة بوجود أو عدم وجود عقوبة الإعدام، لكن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع له بالغ الأثر في انتشار مثل تلك الجرائم، وبالتالي فان إزالة أسباب الجوع و التهميش و الإقصاء و الحرمان والاغتراب و الشعور بالقهر والغبن الاجتماعي والمهانة اليومية التي يلقاها المواطنون في عالمنا العربي من شأنه العمل على تقليل الجريمة بشكل كبير. ولا ينبغي التعويل على تخلف البني الديمقراطية للمجتمعات العربية كمبرر لاستمرار العمل بعقوبة الإعدام كما لا ينبغي الركون إلى سيادة الرؤى المحافظة أو المتخلفة طالما أن استخدام تلك العقوبة في مختلف الحضارات الإنسانية بدوافع وأشكال مختلفة وعلى مدار التاريخ البشرى لم يؤدى إلى منع جرائم النفس أو الجرائم المروعة .كما لا ينبغي سوق الحجج الدينية لتطبيق عقوبة الإعدام في المنطقة العربية، فالإسلام - على سبيل المثال لا الحصر - لم ينادى بتطبيق عقوبة الإعدام وإنما تنادى بالقصاص في حالة القتل العمد والذي يمكن الاستغناء عنه بعقوبة الدية "أي دفع التعويض" وهى أخف من عقوبة السجن مدى الحياة !!! في حالة تسامح أهل الضحية مع الجاني .أما في الجرائم الغير مقصودة يكون الجزاء هو دفع الدية فقط، ولا يفوتنا الإشارة إلى أن هناك بعض الفقهاء المسلمين طالبوا بإلغاء تلك العقوبة الوحشية. و من مبررات المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام أنه من أولى مقومات دولة القانون أن تكون العقوبة للإصلاح و التقويم لا للثأر والانتقام ولم تثبت الدراسات العلمية حتى الآن صحة المقولة التي تفترض أن عقوبة الإعدام تقلل من جرائم القتل أو تخفف من انتشار الجريمة في المجتمع أو أنها تشكل رادعاً للمجرمين وبالرجوع إلى الأرقام والإحصائيات يمكننا أن نكتشف بسهولة أن معدلات الجريمة في بلد كالولايات المتحدة تقوم بتطبيق عقوبة الإعدام بطرق تتسم بالقسوة والوحشية أكثر بكثير من معدلات الجريمة في بلد كفرنسا التي لا تطبق عقوبة الإعدام.
بالطبع لا يمكننا اعتبار الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام دفاعا طيباً وساذجاً عن مرتكبي الجرائم الخطرة في المجتمع أو دعوة للتسامح معهم بقدر ما نعتبرها دعوة لتعزيز الدفاع عن الحق في الحياة لكل إنسان وهو الحق الذي يقع في القلب من منظومة حقوق الإنسان فحياة الإنسان هي أعلى قيمة يجب الحفاظ عليها والدفاع عنها ، ولا يفوتنا في هذا السياق التنويه إلى أن لوسائل الإعلام المختلفة بالغ الأثر في تغيير النظرة ضيقة الأفق في التعامل مع الظواهر الإجرامية في المجتمع.كما نرى أن الالتزام باحترام حقوق الإنسان على ضوء المعايير الدولية دون تحفظ من قبل الحكومات من شأنه أن يقلل حتما لجوء الأفراد إلى الجريمة كشكل من أشكال الاحتجاج الاجتماعي. كما أن مواجهة الدولة لمختلف مظاهر الفساد ومنع انتشاره في المؤسسات الحكومية بالذات ورفع الظلم عن فقراء الناس وتأمين حياة كريمة لكافة المواطنين وسيادة روح القانون من شأنه تعزيز الثقة في إمكانية الاحتكام إلى صوت العقل و إحياء صوت الضمير الإنساني الذي بات مهددا بمختلف مظاهر العنف .

 

الاتفاقيات الدولية لإلغاء عقوبة الإعدام:-نعيش اليوم مرحلة تاريخية تشهد كل يوم تطوّرا للتيار العالمي الداعي إلى إلغاء عقوبة الإعدام، من أهم التطورات في السنوات الأخيرة اعتماد معاهدات دولية تلتزم الدول بموجبها بعدم تطبيق الإعدام. وتوجد الآن أربع معاهدات من هذا النوع:

- البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صدَّقت عليه 54 دولة. ووقعت ثماني دول أخرى على البروتوكول معبرة عن نيتها بأن تصبح أطراف فيها في تاريخ لاحق.

- البروتوكول الملحق بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام والذي صدَّقت عليه ثماني دول ووقعت عليه دولة واحدة أخرى في الأمريكتين

-· البروتوكول رقم 6 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان)، الذي صدَّقت عليه 44 دولة أوروبية ووقعت عليه اثنتان أخريتان.

- البروتوكول رقم 13 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان)، الذي صدَّقت عليه 30 دولة أوروبية ووقعت عليه 13 دولة أخرى

- ويشكل البروتوكول رقم 6 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام في زمن السلم

- والبروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية   

- البروتوكول الملحق بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان ينصان على الإلغاء التام لعقوبة الإعدام، لكنهما يسمحان للدول التي ترغب في الاحتفاظ بعقوبة الإعدام في زمن الحرب كاستثناء بأن تفعل ذلك

- وينص البروتوكول 13 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان على الإلغاء الكامل لعقوبة الإعدام في جميع الظروف.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com