العراق: حقوق الطفل والمسؤولية المفقودة..!!؟

 

باقر الفضلي

 

تسمرت في مكاني، وإنعقد لسانيّ من فرط الدهشة، وتجمدت عينايّ في محجريهما من فرط ما رأيت، وليتني ما رأيت..وبئس ما رأيت..

الصورة توحي ولأول وهلة، بأنها قطعة من لوحة بيكاسو الشهيرة (كورنيكا) ؛ \"كتلاّ لحمية\" متناثرة ، بعضها مربوط الى أسرة زرقاء بلون الموت.. في صالة فارغة كفراغ القلوب المنخورة..صمت كصمت المقابر.. كل شيء يوحي وكأنك داخل مشرحة بشرية في أحد أقسام الطب العدلي في بغداد في زمن \"الدفء الأمريكي\"..

المشهد يزداد قتامة وضبابية.. والحقيقة التي سربت نفسها الى كل أرجاء الدنيا.. جوبهت بمن حاول أن يتستر عليها، ويلقي ظلالاّ من الشك والنكران حول وجودها..!!؟

 الوزير المسؤول؛ حاول، وبطريقة الهجوم أحسن وسيلة للدفاع، أن يحرف سهام الإتهام والمسؤولية عن شخصه ووزارته، فإبتدع قصة المؤامرة، والتضليل الإعلامي..!!

 ولزرع الشك في نفوس المتسائلين ، قفد وضع نفسه بين عداد المتسائلين والمتشككين، وهو يطرح السؤال بعد السؤال، دون أن يجيب على الأسئلة، متهماّ الجهة التي أكتشفت الفضيحة، بأنها كانت تدبر لذلك ، والدليل حسب قوله؛  مداهمتها لمكان تواجد الأطفال في ساعة متأخرة من الليل (الثانية صباحا)، وهي جهة معروف عنها كرهها للشعب العراقي، على حد قول الوزير..!!؟؟

إنه مجرد كلام مثير للسخرية والألم، وشر البلية ما يضحك.. فالسيد وزير العمل والشؤون الإجتماعية هو جزء من كل إسمه الحكومة، والحكومة نفسها جزء من كل إسمه السلطات الرئاسية، والإثنان جزء من كل إسمه مجلس النواب، والجميع جزء من كل إسمه السلطة/ والسلطة برمتها جزء من كل إسمه الكتل السياسية الحاكمة بالمحاصصة... فلا سائل ولا مسؤول..!!؟

الدليل أيها السيد الوزير؛ هو نفسه الفضيحة؛  \"الكتل اللحمية\" للأطفال، المتناثرة أجسادهم في رحاب القاعة الخاوية إلا من ثمة بضع أسرة يبعث منظرها على الشؤم والقرف.. إنها صورة معبرة عن هول الكارثة التي تحيق بالعراق والعراقيين، والتي كشفت جزءّ منها المؤسسة الخبرية CBS ..!!؟

 فإن كان الفنان ( بيكاسو) قد خلد بشاعة الحرب اللاإنسانية بالألوان، في لوحته الشهيرة (كورنيكا)،  فإن الطبيعة على أرض الواقع، قد رسمت هذه البشاعة بكل تجلياتها في فضيحة دار (شديدي العوق) الحكومية في بغداد، والتي إعتقدها البعض أو من سماها مجازاّ (مقبرة جماعية)..!!؟

لقد إستنكرنا وشجبنا وأدنّا الكثير والكثير من إنتهاكات حقوق الإنسان في العراق، شجبنا وأدنّا ممارسات الإرهاب الإجرامية، إستنكرنا وأدنّا إضطهاد ألأقليات الدينية والعرقية، شجبنا وإستنكرنا ممارسات إنتهاك حقوق الإنسان في السجون والمعتقلات ، وفي مقدمتها سجن أبي غريب.. حتى بات الإستنكار والشجب والإدانة، مجرد وظيفة خاصة بالكتاب  والمثقفين، يرددونها بإستمرار وكأنهم لا يحسنون غيرها، وتبدو وكأنها أعقاب سكائر في طريقها الى المنفظة..!!؟؟

أما المسؤولون؛ فتشكل حالة إنتهاكات حقوق الإنسان ،التي تجري في نطاق مسؤولياتهم ، ضروبا من ردود الفعل الشديدة لديهم؛  ليس من الحدث نفسه، ولكن من حالة المجابهة الإعلامية التي تواجههم بحقيقة الحدث..!؟  وليس طريقة التعامل مع حدث  دار << شديدي العوق>> طبقاّ لتسمية السيد الوزير، إلا مثالاّ صارخاّ على ذلك..!!؟

أما تبرير الأمر؛  بأن دار الأطفال لم يكن داراّ للأيتام بل داراّ لشديدي العوق، فذلك أدهى وأمر..!!؟؟

 كما وبدلا من التأكيد على أهمية القيام بالإجراءات المناسبة للتحقيق بالأمر وتحسين ظروف الأطفال الصحية والسكنية ومحاسبة المسؤولين، جرى الرد وبإنفعال ظاهر، خارج إطار الحدث نفسه، وكأن شريط الفديو الذي نشرته الوكالة الإخبارية لم يكن حقيقة قد وصل صداها كل أرجاء المعمورة وأصبحت في متناول الجميع ..!!

إن تحميل وسائل الإعلام مسؤولية نشر الأحداث التي تتعلق بإنتهاكات حقوق الإنسان، لا يلغي من حيث  المبدأ وجود هذه الأحداث على أرض الواقع، ومعرفتها من قبل الآخرين، حتى ولو كانت في بروج مشيدة..!!؟

 أما توظيف كل شيء بما فيه إنتهاكات حقوق الإنسان لأغراض المصالح الخاصة، من خلال التستر عليها ، وعلى المسؤولين المباشرين عن إرتكابها ، فلا يخدم مسيرة العدالة، بقدر ما يزيد الشكوك حول جدية القائمين على متن السلطة، ويضعهم في وارد تحمل المسؤولية القانونية والمحاسبة..!!؟

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com