|
لكي يبني نوح سفينته, فترسو على الجودي, دون ولد يعق, أو غراب ينعق؛ وينشر إبراهيم نور التوحيد, دون جبار باغ, أو نمرود طاغ, ويوحد "سرجون" بلاد سومر وأكد, دون أن يعبث بها "غوطي"؛ ويبني "حمورابي" مسلته, دون أن يسرقها جنود "كورش", ولكي ينشر أهل العراق ـ ثانية ـ الإسلام السمح الكريم, على ملة أبيهم إبراهيم, دون مارقين أو متطرفين أو إرهابيين؛ ولكي ينهض العراق ليعود من جديد, قطب رحى التأريخ والإنسانية؛ ولكي لا يدفن العراق في مقابر البعث الجماعية, كما دفن أبنائه؛ علينا تخليص العراق, من قتلة أبنائه . . بل قتلته, الذين قرروا دفنه حيا أو ميتا . . لا فرق, فالقضاء عليه بغيتهم, ودفنه مرادهم. بعد أن فقد البعثيون السلطة, وبعد أن اطمأنوا أن لا عقاب؛ بسبب الفوضى, وضعف الحكومات التي جاءت بعدهم, وضعف أكثر السياسيين, الذين شغلوا الساحة بعدهم؛ عادت أطماعهم من جديد. لكنهم أيقنوا بأن لا فرصة لهم بحكم العراق, بعد انفلات الشعب ـ الذي أذاقوه الويلات ـ من عقاله. فهو قادر على سحقهم, فيما لو ترك له الخيار. لكن الديمقراطية الشوهاء, والحرية المنفلته, هما ما أعاد الأمل لهم. فقرروا اختراق الوضع السياسي الجديد, تحت غطاء الحرية والديمقراطية نفسه, وقد أفلحوا في اختراق البرلمان والحكومة. وصرح بعضهم ـ بكل وقاحة ـ بأنه دخل البرلمان والحكومة لاختراقهما وإضعافهما وإسقاطهما, بل لإفشال (العملية السياسية) برمتها. وبين عشية وضحاها, عاد البعثيون, بلباس جديد لكنه شفاف جدا, فلم يواري سوءاتهم. ولم يفلح في ستر مخازيهم. ففاحت عفونة جرائمهم حتى صكت الأنوف قبل الأسماع. مما ألجأهم إلى اللعب بأوراق محترقة, لكنها ـ ومع كل الأسف ـ أفلحت في خداع وإرباك وإرهاب الكثير من السياسيين وأعضاء الحكومة. فشجع تردد وتخوف الحكومة والكثير من السياسيين,هؤلاء البعثيين على التمادي. فبدلا من أن تعامل الحكومة المجرمين وحاضني الجريمة والإرهاب, بحزم السلطة الشرعية, وقوة القانون؛ سرعان ما تنكفئ تحت وطأة التصريحات الإعلامية النارية, فتنسى الجريمة الأصلية, وتنشغل بالتبرير والدفاع ضد التهم البعثية التي أنف عن تقبلها العقلاء, واستسخفها أثقل البلهاء؛ كالاتهام بعدم الحفاظ على الوحدة الوطنية, أو بالطائفية, أو بتسييس القضاء, أو بتهديد الهوية العروبية . . . الخ. فثمن الوحدة الوطنية الذي يريده بعثيوا البرلمان, هو: أن يقتل البعثي أبناء الوطن, دون أن يناله عقاب؛ وأن يحرق البعثي أرض الوطن, وعلى الحكومة أن تجزل له الثواب؛ وأن يخرب البعثي مقدرات الوطن, بلا سؤال ولا جواب. فالتعرض للبعثي, جريمة كبرى يهون أمامها الوطن بأبنائه وأرضه وخيراته. لأن بعثيي برلماننا هم الوطن, بل أغلى من الوطن . . ومن ها هنا يكون حسابهم تفريط بوحدة الوطن! . . كما أن ثمن الحفاظ على الهوية العروبية لدى بعثيي برلماننا, هو: أن يتمتع البعثي بالحصانة, وإن هدم جدران الكعبة بالمنجنيق, ومزق أستارها بالمخاريق. ولم لا . . وقد أنزل البعثي من السماء قبل البيت العتيق, بألف سنة ضوئية, وعشر دقائق أرضية. فمس البعثي ـ إذا ـ مس بعروبة العراق. حتى لو كان هذا البعثي تركيا أو فارسيا أو شركسيا أو ديـلميا أو هنديا أو أيا كان. فالعرب ليسوا من بني قحطان كما يتوهم الغافلون, ولا من بني عدنان كما يستغفل الواهمون. إنما هم من أحفاد بعثيي ذلك الزمان . . أي زمان كان! وإن لم يكن ـ بعد ـ ذلك الزمان! أما ثمن اللاطائفية عندهم, فهو: عصمة بعثيي البرلمان, وبعثيي كل مكان, من الخطأ والخطل والخلل والخبل, فلا تمسهم سلطة قانون ولا قضاء ولا عقل. دع عنك ـ إذا ـ مشعان الجبوري, وسرقته الملايين, ودعمه للقتلة والمخربين, حفاظا على الوحدة الوطنية؛ وأياك أن تتحرش بعدنان الديـلمي, ومتفجراته, والمفخخات التي يذهب ضحيتها المئات, لكي لا تتهم بالطائفية؛ ولنفس السبب, إنس صالح المطلك, فالسيارات المفخخة التي وجدت عنده, ليست إلا لعبا للأطفال؛ أما خلف العليان فهو برئ جدا, وما وجود الأسلحة والمتفجرات في بيته, سوى كذبة لمسخ الهوية العروبية! عجبا لوطن لا تحفظ وحدته, ولا هويته , ولا لا طائفية مجتمعه؛ إلا بالتغاضي عن القتلة, وتركهم يذبحون أبناءه, ويعبثون بأرضة, ويخربون بنيته, ويحرقون ثرواته! فإذا ما تركنا هؤلاء يفعلون هذا كله, فما الذي سيبقى من الوطن, الذي نجهد أنفسنا من أجل الحفاظ على وحدته؟! لكن بعثيي برلماننا حاروا بسعد الهاشمي (الوزير القاتل), أيهم يلصق بالحكومة تهمة تنجيه, أو تخليه مما هو فيه؟ فهنا قد لا تفلح آلاف التهم البعثية, فعائلة الآلوسي ليست شيعية, لكن الحل بسيط . . وبسيط جدا: فتوى من ابن جبرين, أو البراك أو ابن عثيمين؛ أو حتى من أي فقير . . أو مسكين؛ في الصومال أو القوقاز؛ من باراك, أو من موفاز . . فتصبح الضحية, (مرتدة) شيعية, وتنتهي القضية. بلا تطرف, ولا دوغمائية؛ ولا تعجل, ولا غوغائية. هذا هو الواقع, شاء من شاء, وأبى من أبى. فقد أصبح من المسلم به, والمفروغ منه, أن البعثيين الذين لبسوا الوهابية رداء, وجعلوا آل سعود وطاءا, هم أخطر أعداء العراق, وهم داؤه, الذي على العراقيين التخلص منه. فواقع ما يجري في العراق لا يمكن الاشتباه به, ولا الانخداع عنه. لا شك أن العامل الخارجي لا يقل أثرا في قتل العراقيين لكنه لمن يدقق في الأمر ليس إلا أداة للبعثيين. فالإرهاب السعودي الوهابي في العراق, الذي ـ بلا شك ـ يتحمل المسؤولية عن أغلب الجرائم بحق أطفال العراق ونسائهم وشيوخهم فضلا عن الرجال. وكذا الدعم والمؤامرات العروبية من الأردن ومصر ودول الخليج. علاوة على الدور السوري البعثي الخطير جدا, الذي مثل بوابة الإرهاب إلى العراق,وإن كانت أسبابه تختلف عن مخططات آل سعود والوهابيين. وكذا الدور الأمريكي الذي يمثل الدور الرئيسي والمحرك الأساسي لكل الأوراق في العراق, بما فيها ورقة الإرهاب, ودوره يحتاج إلى عشرات الصفحات أن لم نقل الكتب. فكل هؤلاء خطرين واشتركوا فيما يحصل في العراق, لكن عملهم مهما اختلفت أهدافه سيصب في مصلحة البعثيين, ويملأ جعبتهم. وهنا مكمن الخطورة . . لأن البعثيين يعيشون على أرض العراق, وكانوا يحكمون العراق, وقد خبروا ناسه, وعرفوا مواطن القوة والضعف فيه, أكثر من غيرهم. كما أنهم برهنوا على أنهم باحثون عن السلطة فحسب, دونها ينعدم عندهم كل ضمير وشرف وإنسانية. والعراق عندهم أهون من حكمه, لذلك قالوا مرارا: أما نحكم العراق أو نسلمه ترابا, وها هم يفعلون.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |