مواقف الكتل السياسية في المشهد العراقي

غفار العراقي

gaffar_1370@yahoo.com

ان مجتمعا خليطا كالمجتمع العراقي الذي يضم عدة طوائف ومذاهب وقوميات وكذلك مجموعة كبيرة من الاحزاب والحركات والتيارات السياسية الاسلامية منها والعلمانية ، لهو مجتمع معقد حقا وليس من السهل على الحكومات المتعاقبة ايجاد وسيلة او مخرج او منفذ للمشاكل المتشابكة والعقبات الكثيرة والكبيرة وتسوية عادلة للاوضاع واحقاق الحقوق وتحقيق الامال والطموحات للشعب الذي ذاق الالام والاهوال على ايدي العصابات التي حكمته بالحديد والنار .

فهل يمكن ان يحكم شعب مثل شعب العراق وهل يمكن ان ينجح نظام حكم معين لشعب معقد ومتعدد الاراء والافكار والرؤى والطروحات ، وهل يمكن ان ينجح النظام الديمقراطي بعد ان تعود الشعب على نظام استبدادي شمولي دكتاتوري ، وهل تستطيع الكتل السياسية والأحزاب التي دخلت العملية السياسية سواء التي دخلت بعد سقوط البعث او كانت موجودة في العراق ان تحقق التوازن السياسي والمجتمعي والقومي وتقود البلد الى الاستقرار والامان .

الكتل كثيرة والطروحات اكثر ولكن لنرى من الذي استطاع تجاوز العقبات الكبيرة ونجح في السير نحو النجاح المطلوب والهدف المنشود .

 

حراكات الكتل السياسية

كل المتتبعين للمشهد السياسي العراقي ، يجمعون بان هناك حراكا واضحا سواء من قبل المقاطعين للعملية السياسية أو من قبل أعضاء الكتل النيابية ، وقد تختلف الوسائل وتتباين الرؤى والأيدلوجيات فيما بينها ، فبعضهم يرى ان العمل المسلح والمقاومة واستمرار القتل والدمار في العراق هو الذي يحقق لها ما تصبو إليه من أهداف ونتائج بغض النظر عن الوسائل ، وبعضها الآخر يمارس أسلوب التحريض والتآمر واستجداء الدعم الغربي والعربي للوصول إلى مبتغاه في تشكيل الحكومة التي ترضي تلك الأطراف المساندة له ، وبين أولئك وهؤلاء يلعب الجانب السياسي العقلاني دورا بارزا في تحرّك الماسكين بزمام الأمور في البلد .

وبدراسة تحليلية واقعية ومحايدة ، يمكننا أن نعلم من هي التحركات المؤثرة في الساحة السياسية وفي الشارع العراقي ، ومن هي الجهات التي تستطيع - بأداء ادوار معينة - أن تكون لاعبا أساسيا مؤثرا في صناعة القرار وتغيير اتجاه المسار .

فلو استعرضنا بعضا من التحركات والمواقف التي اتخذتها مجموعة من تلك الكتل والأحزاب والتيارات لاستطعنا أن نجيب على التساؤلات العديدة التي تطرح من قبل المواطن العراقي ومن قبل المتابعين للشأن الداخلي في البلد.

 ومن تلك التساؤلات المطروحة ، ما هي أسباب التجاذبات السياسية في العراق ، ومن هي الكتلة أو الحزب الذي يتحرك بأسلوب مؤثر وقوي ويمتلك الشارع ، وماذا نسمي الانشقاقات التي تحدث في بعض الكتل وما تأثيرها ، وهل لازالت الكتل محتفظة بنفس الشعبية التي استطاعت بواسطتها أن تحصل على مجموعة الأصوات التي أوصلتها إلى مكانها الحالي ( مع علمنا ان هناك ظروفا أخرى لعبت دورا في ذلك ).

وهنا لابد لنا من اخذ عينات من مواقف وأفعال وتحركات كل حزب أو تيار أو كتلة  ونقوم بتحليل تلك الأفعال وندرس سياساتها وبرنامجها المستقبلي ولنجعل كلامنا يكون على شكل نقاط وسنقسّم المجموعات حسب طريقتها في التعامل مع الوضع الجديد في العراق إلى اربعة أقسام أو فئات :

الفئة الأولى : وهي المؤمنة بالعمل المسلح والمقاومة وتمثلها بطبيعة الحال هيئة علماء السنة وبقايا البعث المنحل الممثلين في البرلمان بجبهة التوافق التي تضم مجموعة من الأحزاب والتيارات والحركات التي استحدثت بعد سقوط النظام البعثي ليكون لها مكانا في الانتخابات .

هذه الفئة ابتدأت مشوارها السياسي بخداع البسطاء من أبناء الطائفة السنية التي كانت مرتهنة بيد مجموعة من الإرهابيين من بقايا النظام المخلوع وبعض الإرهابيين العرب يقتلونهم ويعذبونهم ويستحيون نسائهم ، فأستغلت تلك الفئة الظروف الصعبة التي مرت وتمر بها المناطق الغربية خصوصا فأعلنوا أنفسهم ممثلين عن تلك المنطقة ومدافعين عن حقوقها وقام أعضائها بإقناع الناس  بضرورة الدخول إلى العملية السياسية ومن ثم الدخول في الحكومة ليتسنى لهم القضاء على الزمر الإرهابية وتحرير المنطقة من شرهم ، وهكذا دخلت المجاميع المحسوبة على الطائفة السنية إلى الانتخابات بكتلة واحدة سميت جبهة التوافق .

 إلا ان ما حصل كان مأساويا فقد انخرطت تلك الجبهة – بشكل او بآخر - مع الجماعات المسلحة وكانت هي صوتها في البرلمان العراقي وهي المدافعة والساندة لجميع تحركاتها داخل مناطق بغداد وبعض المحافظات الساخنة ، فما تريده المجاميع الإرهابية ينفذ من قبل الأعضاء المرتهنون من قبلهم في مجلس النواب ، وبذلك تناقصت حظوظ أعضاء تلك الجبهة وفقدوا شعبيتهم وحضورهم في الشارع السني بسبب عدم قدرتهم على الايفاء بوعودهم التي قطعوها لناخبيهم والتصدي لهؤلاء الإرهابيين والتكفيريين بل أنهم أصبحوا أدوات طيعة بأياديهم يأمروهم فينفذوا .

وبعد أن انكشفت الأوراق وانكشف خداعهم وانتماءاتهم المشبوهة ولعبهم على ( الحبلين ) ففي النهار مع النواب وفي الليل مع الأجناب، طالبت السلطات القضائية بضرورة رفع الحصانة عن بعض نواب (الجبهة) المتورطون في أعمال إرهابية أو المساعدة والتحريض عليها وبدأت مطاردتهم والبحث عنهم من قبل أجهزة الأمن العراقية ، فهرب منهم خارج البلد من هرب وقام بتصعيد خطابه التحريضي على الحكومة والعملية السياسية برمتها مستغلا بعض وسائل الإعلام المأجورة والمثيرة للفتن الطائفية ، وبقي آخرون يلوذون بسفير الطائفية الأمريكي السلفي البشتوني الذي وفر لهم حصانة أقوى من حصانة برلمان الشعب وهي ثمن الكف عن مطالبهم السابقة بضرورة خروج قوات الاحتلال من العراق - الشعار الذي خدعوا به ناخبييهم المساكين - فابتدأت حرب معلنة وبشتى الأساليب على الحكومة العراقية وتعالت أصواتهم بضرورة تشكيل حكومة إنقاذ وطني بالتناغم مع أصوات أخرى فشلت في أن تكون شيئا مؤثرا في الساحة السياسية بسبب عجزها عن جمع الأصوات الكافية لذلك وهؤلاء هم الفئة الثانية ...

الفئة الثانية : وهي الفئة التي لم تتقبل الهزيمة في الانتخابات بروح رياضية ، فبعد الاعتراض على نتائج الانتخابات ومحاولة كسب بعض النقاط وتحالفها مع الفئة الأولى لتشكيل الحكومة بالأكثرية الأمر الذي رفضته الأولى واعتبرته يقلل من أهميتها ويحجّم دورها في العملية السياسية خصوصا وان أعضائها قد جرّبوا رئيس تلك الفئة (الثانية) وعرفوا مقاصده وغاياته الشخصية الضيقة ، فكان أن فشل في ذلك التحالف أيضا .

ثم قام ذلك (الرئيس) بترك منصبه في البرلمان ( مزاجيا ) وعيّن نفسه سفيرا دائما ومتنقلا بين الدول الإقليمية العربية والأوربية و حاول جاهدا أن يحشّد الدعم لمشروعه التآمري و يكسب موافقتها على تشكيل حكومة إنقاذ وطني ( ليترأّسها ) وفعلا اخذ مجموعة من الوعود والعهود بإسناده ودعمه في مسعاه خصوصا من قبل الدول التي تصدر الإرهاب للعراق !! إلا ان هذا الرجل - الذي يمثل قائمة تضم مجموعة من التكنوقراط والإسلاميين والشيوعيين – كان منفردا في اتخاذ تلك القرارات ولم يشرك أعضاء قائمته خصوصا ان منهم الكثير من الليبراليين والمعتدلين الذين لا يؤمنون بالانقلابات ولا يؤمنون بالمؤامرات بل أنهم يبغون إصلاحا في العملية السياسية بدون تدخل من الخارج ، فلم يكن (الرجل) موفقا في كسب تأييد حلفاءه المقربين من أعضاء قائمته الأمر الذي أدى إلى انسحاب مجموعة من أعضائها وظلت مجموعة أخرى تختط لها طريقا مستقلا بدون إعلان تحركاتها لوسائل الإعلام ، وبذلك فقد تصدعت القائمة التي يرأسها وتفككت تحالفاتها الجديدة التي حاول أن يغري بعض الكتل البرلمانية التي كانت مؤتلفة مع قوائم أخرى ويمنّي أعضائها بمناصب وزارية (معينة) بعد نجاح انقلابه !!  إلا ان القدر شاء عكس ذلك فقد تخلت عنه حتى الدول التي أعطته مواثيقا وعهودا وأبرمت معه صفقات وعقودا وكان لتحركات الفئة الثالثة دورا كبيرا في إفشال مخططاته .

الفئة الثالثة : وهي التي فضلت اللعب النظيف وإعطاء الانطباع السياسي الديمقراطي المتمدن في جميع تحركاتها

سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي ، وقد ساعدها في ذلك حصولها على أغلبية كبرى في مجلس النواب وبالتالي أغلبية في الوزارة والحكومة مما صعّب من مهمة أعدائها وأندادها الذين يتربصون بها وينتظرون سقوطها ، ولكن حنكة رؤساء الكتل المؤتلفة فيها واستفادتهم من الدعم الديني الكبير و الشعبية الجارفة التي تتمتع بها بواسطة المرجعية الدينية في النجف الأشرف والتي كان دورها كبيرا ومهما في التصدي لجميع المؤامرات التي حيكت على تلك القائمة وعلى الحكومة التي الفتها فبقيت تلك القائمة محافظة على قوتها وتأثيرها في العملية السياسية رغم بعض الخلل الذي أصابها عن طريق انسحاب اصغر كتلة فيها والتي كانت منسحبة أصلا منذ بداية الانتخابات إلا ان ذلك لم يؤثر كثيرا عليها لان الغالبية المتراصة والمتماسكة لازالت لديها الكثير من الأوراق التي تستطيع بواسطتها أن تغير ( اللعب ) متى شاءت وكيفما شاءت فهي الماسكة بزمام الأمور كليا رغم كل ما يقال وما يعلن في وسائل الإعلام .

الفئة الرابعة : هذه الفئة لا تختلف كثيرا عن سابقتها فقد آثرت اللعب النظيف وتحريك العقل والمنطق بدون خلق توترات معينة أو اثارات غير مجدية ، فقد اختطت تلك الفئة لنفسها خطوطا عريضة تسير عليها وفق الدستور الذي (قاتلت) من اجله لعقود لأنه ضمن لها حقا يعتبر هو الأغلى والأسمى من بين طموحاتها وطموحات شعبها ألا وهو الاستقلال وتطبيق نظام الحكم الفيدرالي ، ولا زالت هذه القائمة محتفظة بشعبيتها  رغم ان هناك بعض الأخطاء وبعض الإرباكات التي تحدث هنا وهناك بسبب إصرار تلك الفئة على غمط حقوق أقليات معينة من خلال محاولة تطبيق المادة 140 التي لازالت عليها تحفظات كثيرة من قبل الكثير من نواب البرلمان في مختلف القوائم والكتل .

 

الخاتمة

 ويمكن القول ان أي من هذه التحركات والفعاليات السياسية –إن صح التعبير- تنم عن شغف ومودة وعشق كبير للبقاء والتسلط والحكم وكسب النقاط للمراحل القادمة والمعارك الانتخابية المقبلة سواء على صعيد البرلمان أو مجالس المحافظات والأقاليم ، ولا ندري هل من تفكير في مصلحة المواطن المسكين الذي يعتبر هو الفيصل في صعود مجموعة و خسارة أخرى ؟!

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com