سيناريوهات المرحلة المقبلة

 

ساهر عريبي

sailhms@yahoo.com

تمور الساحة السياسية العراقية بجملة من التطورات والأحداث التي إشتدت حرارتها مع قدوم شهر تموز وما أدراك ماتموز ,شهر الثورات والأنقلابات ولربما شهر الجبهات . وتسود الشارع السياسي العراقي اليوم حالة من الضبابية في ظل هذا الحراك السياسي وفي ظل تصاعد وتيرة الأعمال الأرهابية وفي ظل الضغوطات الكبيرة التي تتعرض لها الأدارة الأمريكية لأجبارها على الأنسحاب من العراق . إلا إنه يمكن وسط هذا الضباب السياسي الكثيف تلمس ملامح المرحلة القادمة خاصة إذا ما وضعت كافة السيناريوهات المحتملة قيد البحث والتمحيص.

 وأولها هو سيناريو إنسحاب القوات الأمريكية وحلفائها من العراق وهو السيناريو الذي تعول عليه القوى الأرهابية كثيرا والتي زادت من وتيرة هجماتها على القوات الأجنبية محاولة إحراج الأدارة الأمريكية أمام الشعب الأمريكي وبالتزامن مع الضغوط التي تواجهها هذه الأدارة من قبل غرمائها الديمقراطيين في مسعى واضح لأسقاط هذه الأدارة في الأنتخابات القادمة. وقد بدأ اليوم حديث جدي في أروقة ودهاليز مؤسسات القرار الأمريكي حول إنسحاب وشيك من العراق حتى وصلت حمى هذه الدعوات إلى داخل الحزب الجمهوري الأمريكي. 

إلا أن هذا السيناريو يبدو ضعيفا في المرحلة الراهنة وخاصة  سيناريو الأنسحاب الفوري لمايعنيه وببساطة من هزيمة وفشل ذريع للأدارة الأمريكية ونصر لقوى الأرهاب العالمي التي ستعيث في الأرض فسادا ودمارا ستصل أثاره الى واشنطن وإلى مختلف عواصم العالم , وهذا مالاترضاه هذه الأدارة ولا الشعب الأمريكي ولاحتى الديمقراطيين الذين يضغطون على الأدارة الحالية في محاولة لأسقاطها ولحسم معركة الرئاسة القادمة ومن الأن. ومن ناحية أخرى فإن أي إنسحاب لهذه القوات اليوم سيعني ترك العراق لقمة سائغة لقوى الأرهاب ولدول الجوار التي سيقتطع كل منها جزءا من العراق الذي سيتلاشى من الخارطة السياسية الدولية ويتحول إلى أوصال محتلة من هذه الدولة المجاورة أو تلك. فهل ضحت الولايات المتحدة بالمال والأرواح لكي تقدم كنز النفط العراقي على طبق من ذهب لدول الجوار العراقي؟

وما ذا لو سيطرت قوى الأرهاب على منابع النفط وأقامت دولة على غرار إمارة طالبان وعلى مرمى عصى من عصب الأقتصاد العالمي وأعني أبار النفط في منطقة الخليج؟ وهل سيصبح الأقتصاد العالمي ومصادر الطاقة أسيرة للقوى المتطرفة التي ستتحكم بمستقبل البشرية؟ ولرب قائل يقول بأن الولايات المتحدة في نيتها إجراء إنسحاب تكتيكي  تترك فيه العراقيين يواجهون مصيرهم بأنفسهم حيث لن يواجهوا سوى حربا أهلية وصراعا مريرا سيصبغ فيه نهري دجلة والفرات هذه المرة  باللون الأحمر القاني, وحينها سينادي العراقيون وسيستغيثون منادين بعودة قوات التحالف لتضبط الأوضاع وحينها ستعود القوات الأمريكية لتمسك بزمام الأمور بيد من حديد وستحكم العراق كيفما تريد حتى تستتب الأوضاع. 

 إلا أن هذا السيناريو هو الأخر لايبدو  مقبولا رغم  تمني بعض  المنظرين الغربيين المؤمنين بصراع الحضارات بتحققه, لأن في تحققه مخاطرة ومجازفة لاتحمد عقباها ولن يقبل بها أشد الأجنحة تشددا في الأدارة الأمريكية لأنه سيعني فقدان السيطرة على الأوضاع خاصة إذا ماحصل تدخل عسكري من قبل دول الجوار وستعجز الولايات المتحدة عن معالجتها ولربما سيتحول الصراع في العراق إلى نوع أخر, ربما صراع ديني إسلامي مسيحي  سيفضي إلى ولادة حرب عالمية جديدة .

وأما السيناريو الأخر المحتمل فهو سيناريو إبقاء الوضع السياسي على ماهو عليه ومحاولة ترقيعه عبر جملة من الأجراءات ومنها السعي لعودة جبهة التوافق للبرلمان وإستمرار الحكومة في ممارسة مهامها بالتشكيلة الحالية. ولايبدو هذا السيناريو مقبولا وواقعيا في المرحلة الراهنة ولأسباب مختلفة وأولها أن حكومة الوحدة الوطنية تترنح اليوم مع إنسحاب وزراء التيار الصدري ورفعهم الغطاء عن رئيس الوزراء ومع إستقالة أحد وزراء الكتلة العراقية ومع عدم تصويت البرلمان على الوزراء الجدد المقترحين من قبل السيد رئيس الوزراء.

 ومن ناحية أخرى فأن رياح التغيير قد هبت على معظم الكتل السياسية العراقية إذا ما إستثنينا كتلة التحالف الكردستاني التي حافظت على تماسكها. فكتلة الأئتلاف تعاني من الأنقسامات مع إنسحاب حزب الفضيلة ومع حالة الصدام التي وصلت إليها الأمور بين التيار الصدري والسيد رئيس الوزراء على خلفية تصريحاته الأخيرة وإنتقاده للتيار الصدري.

وأما كتلة العراقية فهي الأخرى ليست بالبعيدة عن مثل هذه الأنقسامات وهي التي إستقال منها واحد من ابرز أعضائها وهي التي شهدت تباينا في الأراء بين أعضائها حول جملة من القضايا المصيرية كموضوع الفدرالية وهي التي إختلفت نظرة أعضائها حول عزم رئيسها تشكيل جبهة سياسية جديدة ولدت ميتة في القاهرة بل وصل الأمر بعدد من وزرائها بإعلان رفضهم الأنسحاب من الحكومة في حالت قررت كتلتهم ذلك.

 واما كتلة التوافق فهي الأخرى ليست بالأوفر حظا من بقية الكتل وتشهد إنقسامات وصراعات حادة بين مكوناتها  ظهرت علائمها مع إنتخاب رئيس جديد لها داخل البرلمان في محاولة لتقليص دور رئيسها السابق المتهم بالتشدد والطائفية. ولايبدو الصراع قد حسم لهذه اللحظة داخل هذه الكتلة بين الصقور والحمائم إلا أن هناك مؤشرات تشير إلى إحتمال حسمه خلال الأيام القليلة القادمة.

ومن ناحية أخرى فإن الجهود المبذولة اليوم بين عدد من الكتل السياسية والرامية لتشكيل تكتل سياسي جديد وصف بتكتل المعتدلين او الدستوريين أو المناضلين او المخلّصين أو المنقذين أو المؤمنين بالعملية السياسية سيؤدي إلى تغيير الخارطة السياسية العراقية  وإعادة صياغة التحالفات السياسية وهو مايحتم إجراء تغيير حكومي كبير .

ولذا فيبدو سيناريو بقاء الوضع السياسي ومراوحته في مكانه مستبعدا.

وأما السيناريو الأخر وهو سيناريو حجب الثقة عن الحكومة الحالية وهو ما أكدت وجوده أحد المحطات التلفازية الأمريكية فهو ينطوي على مخاطر جمة ويفتح الباب أمام إحتمالات مختلفة أولها نشوء حالة من الفوضى السياسية ربما ستؤدي الى حرب أهلية أو تقسيم للعراق وهو ماوصف بالإعصار السياسي  لأن حجب الثقة عن هذا الحكومة سيجعل مهمة إتفاق القوى السياسية على حكومة جديدة أمرا عسيرا بل شبه مستحيل في ظل هذه الإنقسامات التي تعصف بالكتل السياسية. ورغم طرح بعض مراكز القوى في أمريكا لهذا الأحتمال ووضعها لجدول زمني للحكومة الحالية فلايبدو  هذا الأحتمال جديا بل هو ورقة ضغط على الحكومة الحالية لدفعها بإتجاه حلحلة الأوضاع وتحسينها وكذلك للضغط على القوى السياسية ودفعها في إتجاه إيجاد الحلول والخروج من هذا الوضع المتأزم الذي يعيشه العراق. ولذا فلايبدو هذا الأحتمال واردا رغم تحبيذ بعض القوى العراقية له كما عبر عن ذلك رئيس كتلة العراقية الذي يميل لخيار حل الحكومة الحالية وإعلان حالة طوارىء وتشكيل حكومة إنقاذ وطني إلا أن ذلك يعني إطلاق رصاصة الرحمة على المشروع الأمريكي في المنطقة وهو مالاتسمح به الأدارة الأمريكية.

وبعد هذه المرور السريع على هذه  السيناريوهات المحتملة فلم يتبقى سوى سيناريو واحد إلا وهو تشكيل تكتل برلماني جديد يتمتع بالغالبية النيابية التي تؤهله لتشكيل حكومة جديدة قوية تضم القوى المعتدلة ولقد قطعت هذه القوى شوطا كبيرا في هذا الأتجاه وتبدو مسألة الأعلان عن هذا التكتل الجديد مسألة وقت لا أكثر .  وفي هذا السياق تبدو الأدارة الأمريكية ميالة لهذا السيناريو لأنه يحافظ على روح العملية السياسية ويطيح بالقوى المتطرفة ويمنعها من التحكم بالحكومة كما تفعل اليوم وسيؤدي الى تشكيل حكومة قوية  مؤهلة لأدارة البلاد. ولقد بدات التكهنات تطلق من هنا وهناك حول من سيرأس  الحكومة القادمة فهل سيحتفظ السيد المالكي برئاستها ام سيتولى رئاستها سلفه الجعفري؟ ام سيرأسها عادل عبدالمهدي؟

إلا أنه يمكن القول وللوهلة الأولى بأن حظوظ الأخير لرئاستها تبدو ضعيفة لأنها ستعني المس يالتركيبة السياسية كلها وستعني تراجعا للمربع الأول ولذا فستبدو الصورة شبه مكتملة مع بقاء التركيبة الرئاسية بصورتها الحالية فيما ستكتمل الخريطة السياسية بتولي قيادي من حزب الدعوة رئاسة الحكومة. وتبدو مسألة إعادة ترشيح المالكي لرئاسة الحكومة المقبلة محسومة خاصة بعد أن حسمت داخليا في مؤتمر حزب الدعوة الأخير والذي أعطى ثقته للمالكي كأمينا عاما للحزب وسمح له بالجمع بين الأمانة والرئاسة . وكذلك لاتبدو القوى السياسية ميالة لترشيح الجعفري على خلفية التوترات والجفاء الذي إعترى علاقات هذه القوى بالجعفري أبان رئاسته للحكومة السابقة ولذا فتبدو  هذه القوى السياسية  ميالة لأعادة ترشيح المالكي كرئيس للحكومة لما أظهره من نزاهة وشجاعة وإنفتاح على مختلف القوى السياسية فضلا عن الدعم الذي يحظى به من لدن البيت الأبيض الذي يرى فيه رئيسا قويا يحارب الأرهاب بصدق و يدافع عن مصالح شعبه ويضعها فوق أية مصلحة أخرى.

  العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبعوالنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com