14 تموز الباب الحقيقية للعراق 

عزيز العراقي

ziziiraqi@yahoo.se

تحل علينا هذه الأيام الذكرى التاسعة والأربعون لثورة 14 تموز المجيدة . وبغض النظر عن التقويمات الكثيرة, والمتناقضة , في تقييم مسيرة القيادات العسكرية للثورة , ورغم عدم النضوج السياسي الذي تحكم في اغلب المفاصل المهمة في توجيه المسيرة السياسية , والطريق الشائك الملئ بالدماء الذي سلكته هذه المسيرة طيلة النصف قرن الماضي . يبقى زعيمها المرحوم عبد الكريم قاسم رمزاًَ للوطنية , واماماً للنزاهة والأمانة .

نستذكره اليوم , ونحن نمر بأسوء مرحلة من الأنحطاط الأخلاقي الذي يرافق المسؤولين عن الدولة العراقية .

واذ كنا نجد بعض العذر للأنحطاط الأجتماعي الذي يرافق القطاعات الواسعة من الشعب العراقي , كون الشعب غير مسؤول عن هذا الأنحدار نتيجة العقود الطويلة من الظلم والقساوة تحت نظام صدام المقبور , واستمرار هذا الأنحدار نحو هاوية اوسع منذ سقوط النظام ولحد الآن . اذا كنا نجد العذر لهذا الشعب المنكوب , فما هو العذر [للمعارضة] السابقة والحاكمة الآن ؟ لقد كنا نعتقد ان المعارضة لمثل هكذا نظام دموي , سيجعلها اشد بأسا من كل معارضات العالم في اعادة البناء للعراق , والنهوض بحطام الانسان العراقي , وتعويضه عن حرماناته المزمنة . الا ان شدة البأس لهذه القيادات السياسية توجهت لأستنفاذ آخر ما تبقى من " الوشالة" الأنسانية لهذه الجماهير , وكأنهم متفقون لأكمال ما بدءه صدام .

وسط هذا الخراب المريع , نستذكر اليوم ثورة 14 تموز 1958 , وكيف كانت البوابة الحقيقية في كل تاريخ العراق للدخول الى التحضر , ومسابقة الزمن لنكون بين اممه المتقدمة  الباحثة عن السلام واشباع الجياع من الفقراء .  وكم كبر العراق عندما حطم حلف بغداد الاستعماري وخلص المنطقة من شروره , وخرج من منطقة الأسترليني , ووزع الأرض على فلاّحيها , وألغى قانون التخلف العشائري , وحرر المرأة وقارب حقوقها من حقوق الرجل , ولم تبقى مدينة عراقية لايوجد فيها حي سكني جديد وزعت اراضيه على صغار الموظفين والفقراء . كنا نفخر بشموخ جامعاتنا , وتفتح ثقافاتنا وفنوننا , وعرفنا طعم الحب , وتذوقنا مياه الينابيع , واعيدت سيطرة العراق على كامل حقوله النفطية بقانون رقم [80 ] الذي يعتبر درّة التاج لمنجزات تلك الثورة العملاقة , فطريق الوطنية واحد وليس مثل اليوم حسب المقاسات . وكم يطول التعداد لما انجز في اقل من اربع سنوات – كان عمر الثورة- التي رفعت اسم العراق عاليا في كل انحاء المعمورة .

اليوم يرتفع اسم العراق ايضاً في كل المعمورة , لكن , للجريمة , وتصفية الحساب , وفشل النخب السياسية المريع , وبدل رايات الحرية البيضاء , رفعت رايات التخلف الطائفي ومواكب العذاب والحرمان والرايات السوداء , كان الكل يحترمنا ويهابنا , واليوم نستجدي الأمريكان ان يستمروا في احتلالهم للعراق ويحافضون على وحدته , نوقع لهم على كل القوانين التي يريدونها على ان يحمونا من الجار[المسلم] ايران وعصاباته من الشيعة العراقيين , نخلع لهم ملابسنا ونقسم على ان لانخونهم مع اي محتل آخر , حتى نضمن حمايتهم لنا من [الأخوة] العرب وأدواتهم الدموية من"القاعدة" والسنة التكفيريين , أصبحنا نفرح لتهديد الأجلاف الأتراك لوطننا , طالما توقف هذه التهديدات العنجهيات المراهقة لبعض القادة الأكراد , وعسى ان يدرك هذا البعض ان سلامة الأكراد من سلامة وحدة العراق . اليوم يؤهل البعثيون مرة أخرى بسبب انانية وغباء القيادات السياسية العراقية , واذ ذبحت انتفاضة عام1991 الجبارة في ثلاثة اسابيع يذبح العراق اليوم في عدة سنوات بسبب ذات الغباء , ويعود الامريكان لعقد قرانهم مع ظهيرهم من البعثيين .

ان تغييب 14 تموز كيوم وطني يذكّر العراقيين بأكبر أشراقات حياتهم , واستبداله ب3 تشرين اول ذلك اليوم التعس الذي دخل فيه العراق الى عصبة الأمم المتحدة بعد ان وقع الأتفاقية المذلة مع الاستعمار البريطاني , والتي تمنح بريطانيا حق الأنتداب وتأهيل العراقيين  لحكم انفسهم  .

ما اشبه اليوم بذلك اليوم التعس , وهذا الأستبدال الذي جاء مع رغبة البعث العائد ,  ورغبة الحثالات الطائفية والقومية من السياسيين الفاشلين في قوائم البرلمان الرئيسية , حتى لايذكّر14 تموز اجيال العراقيين بحقيقة القاع الذي ركس فيه هؤلاء المنتخبون . ومن المؤلم ان لايؤخذ هذا التبديل لليوم الوطني العراقي على محمل الجد من الكتاب والأدباء العراقيين الحقيقيين , مثلما اخذ من اهتمام موضوع تبديل العلم .

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com