|
في الكثير من دول العالم يستعين قادة البلاد في السلطتين التشريعية والتنفيذية بالمستشارين،وهؤلاء المستشارون يمتلكون مؤهلات وكفا آت وقدرات خاصة في تقديم المشورة والنصح ،في الأمور والمعضلات التي تحتاج الخبرة والكفاءة،لتوفرهم على اختصاصات علمية، وتفوقهم في مجالات عملهم،مما يجعلهم من ذوي الإلمام الواسع بكل ما يحيط بهذه المسألة أو تلك،وهناك من يستعين بمكاتب استشارية ومعاهد بحثية متخصصة،تستند في تصوراتها إلى دراسات أكاديمية وإحصائية ومعلومات أمنية،تعتمد العلمية التامة،وبذلك يكون المستشار من أكثر الناس أهلية وكفاءة وإلمام في مجال اختصاصه،وفي العراق الجديد انتقلت ألينا هذه العدوى وصار من الطبيعي أن يكون للرئاسات الثلاث مستشاريهم الأكفاء في مختلف الاختصاصات والجوانب لتكون القرارات الصادرة مستوفية لشروطها من الجوانب المختلفة،لذلك نلاحظ إن المستشارين في الرئاسات الثلاث قد شكلوا جيشا كاملا من العاطلين الذين يكلفون ميزانية الدولة ملايين الدولارات دون تقديم عمل مثمر ومفيد للناس وأكثرهم من المقربين من هذا الزعيم أو ذاك ولا يمتلكون المؤهلات الكافية ليكونوا بهذه المناصب العليا،وإنما اختيروا لأسباب بعيدة عن المهنية والمصلحة العامة ،والأنكى من ذلك أن بعضهم أعضاء في البرلمان العراقي ويجمعون بين الموقعين في سابقة غير موجودة في البلدان الديمقراطية التي تفصل بين السلطات،ولكن لو القينا نظرة عابرة على هؤلاء المستشارين وتصفحنا أضابيرهم لبيان اختصاصاتهم العلمية وكفاءاتهم الاستشارية لتراجعنا إلى الوراء ذهولا فجل هؤلاء أن لم يكن كلهم ليسوا بمستوى الأهلية لتنسم مثل هذا المناصب،وأكثرهم من أصحاب الدرجات العلمية البسيطة التي لا تجعلهم بمصاف المؤهلين للاستشارة،لأن المستشار الحقيقي من يلم باختصاصه،ويحيط بجوانبه المختلفة،وهؤلاء ليس لهم من الألمعية والكفاءة ما يجعلهم صالحين لهذا الموضع،وكل امتيازهم أنهم يجيدون السفسطة والكلام الفارغ،والتصريحات الهوائية التي تضر أكثر مما تنفع،وتثير الكثير من المماحكة بين الإطراف السياسية،والغريب أن يكون جل هؤلاء من ذات الطيف أو الحزب، ولا يخرج هؤلاء عن إطارهم الحزبي الضيق في استشارتهم،وكثيرا ما ينطق عن مصلحة خاصة تصب في صالح حزبه وطائفته أو قوميته، أستثني من ذلك الأستاذ جلال الطالباني الذي نحى منحى آخر في اختيار مستشاريه، لذلك كانوا وبالا على من أتخذهم مستشارين،وطالما أساءوا لمشيرهم أكثر من أحسانهم إليهم،وآخر المستشارين الذي أشعل نارا بتصريحاته غير المسئولة،المستشارة ذائعة الصيت مريم الريس،الحاصلة على أرقى الشهادات العلمية من أكبر جامعات العالم،وتنافس على استشارتها الكثير من زعماء العالم الثالث،لما تتحلى به من فكر وقاد والمعية وقابليات علمية حتى قال فيها المتنبي الكبير: ولو كن النساء كمن رأينا لفضلت النساء على الرجال ونحمد الله إن امنيتة لم تتحقق،فلو تحققت لتغير وجه العالم وجاء إلى البرلمان العراقي نساء غير اللواتي فيه الآن،وغيرن مجرى التاريخ. لقد كان لتصريحاتها الأخيرة،آثارها المدمرة على العملية السياسية،وأدت إلى احتقانات ما أغنانا عنها ونحن نعيش وسط آتون ملتهب من الاختلافات والتناقضات والصراعات،وقد تؤدي هذه التصريحات إلى آثار مدمرة لأنها جاءت في وقت تهيأ فيه الجميع للمواجهة الكبرى وإسقاط خصومهم السياسيين،وفي ظل حراك أو عراك داخلي بلغ ذروته واستعملت فيه مختلف الأسلحة الهجومية والدفاعية،وبعلنية أزاحت البراقع عن الوجوه ليكشر كل عن نابه ويستعرض قوته،فكانت تصريحاتها الزيت الذي صب على النار المستعرة فزادها ضراما،وهي تصريحات أقل ما يقال فيها إنها تنم عن عقلية صبيانية متمردة لا تتبصر العواقب،وتتنافى مع أبسط أصول الأتكيت في التعامل السياسي في ظرف وبلد كالعراق،وجاءت في وقت كان فيه السيد رئيس الجمهورية ومجلس الرئاسة يطالبون بإشراكهم في سلطة القرار،وعدم تفرد رئاسة الوزراء باتخاذ القرارات والتحكم بمقدرات البلاد،وهو ما يعني سحب البساط من تحت أقدام المالكي الذي بدء يتأرجح كما يتأرجح المعلق في الهواء ،فقد تخلى عنه أشد مناصريه ممن أوصله لرئاسة الوزراء،ويتآمر عليه رفاقه في الحزب لاستبداله بآخر،في ظل تذبذب في الموقف الأمريكي،وحصار من التحالف الكردستاني وهجوم كاسح من التوافق والحوار وأطراف في العراقية،مما جعله مقيدا لا يدري أين يتوجه وكيف الخلاص. لقد صرحت السيدة مريم الريس مستشارة رئيس الوزراء نوري المالكي(أن صلاحيات رئيس الجمهورية تشريفية فكيف بنائبيه،وهم يعرفون عندما تسلموا مناصبهم أن هذه حدود صلاحياتهم)وذلك في معرض ردها على تصريحات الدكتور طارق الهاشمي عندما وجه اتهامات لحكومة المالكي بأنها ليست حكومة وحدة وطنية،وقد رد مكتب الهاشمي على تصريحاتها بنبرة لا تخلوا من حدة ،وجاء في البيان (أن الدستور أعطى لمجلس الرئاسة صلاحيات تعيين رئيس الوزراء،وسبق أن صدرت مثل هذه التصريحات من مستشارين آخرين). فيما أصدر السيد عادل عبد المهدي نائب الرئيس بيان أنتقد فيه تصريحات الريس واصفا إياها (بالمشوشة وغير المقبولة وأنها تمس واحدة من أهم مؤسسات الدولة خصوصا انه لم يصدر تكذيب أو تصحيح بشأنها،ولا ندري كيف يمكن ارتكاب مثل هذا التجاوز)وفند مزاعمها بأنه(لو صدر مثل هذا الأمر من مواطن أو مواطنة تجتهد وتخطيء فيصوبها رأي مضاد، فهذا أمر طبيعي،ولكن أن يصدر من شخص يتكلم بعنوان رسمي،فأنه يتطلب توضيحا من مصدر رسمي،وأن المادة 138 من الدستور بينت مهام وصلاحيات أعضاء مجلس الرئاسة،بل نصت على أن يحل تعبير مجلس الرئاسة محل تعبير رئيس الجمهورية أينما ورد في الدستور،ولعل سبب تصريحاتها ما ورد في المادة 73 تاسعا التي تشير إلى أن مجلس الرئاسة يقوم بمهام القيادة العليا للقوات المسلحة للأغراض التشريفية والاحتفالية) و(هذه المهمة لا تحمل التهكمية التي طبعت كلمات السيدة مريم،إذ نسيت أن مهمة مجلس الرئاسة لا تقف عند هذه الحدود بل أناطت به مع رئيس الوزراء إعلان حالة الحرب والطوارئ،واستحصال موافقة مجلس النواب). فيما أعرب رئيس الوزراء نوري المالكي عن استيائه إزاء تصريحات مستشارته،وقال أنها غير مسئولة ،لأنها تعبر عن وجهة نظرها،وأنها تعبر ببساطة عن جهل فاضح في قراءة وفهم الدستور،وهذه التصريحات غير المسئولة تسيء لأصحابها ولا تنتقص من مكانة الرئاسة بشيء)ولا أدري كيف يوفق السيد رئيس الوزراء بين جهل مستشارته في فهم الدستور،وهي التي كانت مقررة لجنة كتابة الدستور وطالما أصدعت رؤوسنا بتصريحاتها ومناقشاتها في وسائل الأعلام عن الدستور العراقي وأهميته وكيف استعانت بمختلف دساتير العالم،فيما ظهر أنها لا تعرف تفسير أهم مواد الدستور ،وهي المادة الأساسية في الصلاحيات،وكيف له أن يعين مستشارة للشؤون الدستورية والقانونية وهي لا تستطيع فهم المواد وتفسيرها بشكل سليم. وعلى ما يبدوا فأن تصريحات الريس قد أدت إلى حدوث أزمة قد لا تؤدي إلى الإطاحة بها فحسب،وإنما ستؤدي إلى تصعيد في الخطاب السياسي للأطراف المتنازعة،وقد تسرع بحدوث مفاجآت على الصعيد الرئاسي،وتحديد صلاحيات رئيس الوزراء بما يجعل لرئاسة الجمهورية رأيها المؤثر والفاعل في القرار السياسي،وربما أبعاد الكثير من المستشارين الذين لا تؤهلهم كفا آتهم لأشغال هذا المنصب،وحبذا لو جرى الاتفاق بين الرئاسات الثلاث على أيجاد بدائل صالحة تقوم مقام هؤلاء المستشارين بالاستفادة من الكفاآت العلمية الوطنية بعيدا عن المحاصصة الطائفية،والعلاقات الحزبية،والعراق زاخر بالكثير ممن يستحقون أكثر من الاستشارة ممن تركوا في زوايا الإهمال والنسيان لأنهم عناصر وطنية نزيهة لا يمكن لها التورط فيما يجري من صفقات مشبوهة وراء الكواليس،والأمل كبير برئيس الجمهورية أن يسعى بالتعاون مع الأطراف الوطنية لاختيار الشخص المناسب لأشغال المكان الذي يليق بالوطنيين المناضلين الشرفاء الذين يشهد تأريخهم السياسي بوطنيتهم ونزاهتهم وكفاءتهم وإخلاصهم المنقطع النظير لخدمة وطنهم وشعبهم،بعيدا عن الحزبية الضيقة والمصالح الفئوية ،حتى يسير المركب العراقي ليصل إلى شواطئ الآمان.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |