هل سيبتلع الحوت الأمريكي الهلال الشيعي؟

 

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com

 قبل أشهر حذر الملك الأردني من نشوء هلال شيعي يتألف من إيران والعراق وحزب الله في لبنان، وحتى لا ييدوا هلاله مثلوماً أضاف ملك الأردن له سوريا، على الرغم من أن غالبية السوريين من السنة وحكامها من الطائفة العلوية التي تنأى بنفسها عقائدياً عن المذهب الجعفري الشيعي ولكنها متحالفة سياسياً مع إيران وحزب الله، وقد لقي تحذيره تجاوباً واسعاً من الحكومات العربية في مصر ودول الخليج لأسباب طائفية وسياسية أيضاً، كما أن الأطراف المستهدفة افتراضاً بهذا التحذير وهي أمريكا وحلفاؤها الاقليميون والعالميون متفقون معه في الجوهر، بل إن السبب الرئيس، ولعله الوحيد، لاقدام أمريكا على الإطاحة بنظام صدام هو منع تكون هذا الهلال نتيجة انهيار محتمل لنظامه واستيلاء الشيعة على الحكم، ومن قبل امتنعوا عن إزاحة نظام البعث بعد هزيمته في الكويت، ورفضوا فرض حظر على دخول القوات الصدامية للجنوب العراقي الشيعي كما فعلوا في منطقة كردستان، لذا نستنتج بأن الأمريكان وحلفائهم يضعون في أول سلم أهدافهم وأولوياتهم منع اكتمال الهلال الشيعي، حتى أصبح معه الحرب على الإرهاب السلفي السني النابع من السعودية هدفاً ثانوياً أو دون ذلك في مخططات الأمريكان السياسية والعسكرية، ولعل أشد الأطراف تأييداً وحماساً لكسر قوة الشيعة الحالية والكامنة هو الكيان الصهيوني، الذي يرى في ذلك الخطر الأكبر على وجوده، وهكذا التقت مصالح أمريكا وحلفائها الغربيين والعرب والصهاينة على منع تكوين الهلال الشيعي.

 هنالك حقيقة لا تقبل الجدل وهي حرمان معظم الشيعة من حقوق أساسية، كلياً أو جزئياً، وينطبق هذا الوصف على أحوال الشيعة في بلاد يشكلون فيها أغلبية واضحة مثل العراق والبحرين ولبنان وكذلك البلدان التي يعدون فيها أقلية محسوسة مثل السعودية والكويت وأفغانستان، ففي العراق أدى سقوط نظام البعث التسلطي والتغيرات السياسية إلى حصول كافة فئات شعبه على حقوق سياسية أساسية، ولكننا نلاحظ بأن الشيعة وحدهم يتعرضون لضغوط كبيرة من الأمريكان وجيرانهم العرب لتقديم تنازلات كبيرة للسنة والأكراد بحجة تشجيعهم على الانضمام للعملية السياسية والمحافظة على الكيان العراقي من التفتت، ويوجد في البحرين نظام حكم سني تقليدي يحرم الشيعة الذين يشكلون الغالبية العظمى من السكان من الحقوق السياسية والاقتصادية والمذهبية، وتحتكر الأقلية السنية ملكية الأراضي والمصالح الخاصة والوظائف الحكومية الإدارية العليا والوسطى، ويتعرض شيعة لبنان في الوقت الحاضر لهجمة شرسة من حلف اصطنعته أمريكا والسعودية والكيان الصهيوني من السنة والمسيحين والدروز، وقد اجتمعت مصالح أمريكا وتوابعها في المنطقة على معاقبة الشيعة اللبنانيين لصمودهم وانتصارهم على العدو الصهيوني، مما فضح عجز وتخاذل الأنظمة العربية السائرة في الفلك الأمريكي وتأمرها على حاضر ومستقبل الإنسان العربي من خلال إضعاف معنوياته وثقته بنفسه وقدراته، ولو حولنا أبصارنا إلى الأقليات الشيعية في السعودية والكويت والباكستان وأفغانستان وغيرها لتأكد لنا بأنهم هم أيضاً يعانون من الاضطهاد الحكومي والحرمان الاقتصادي والعزلة الاجتماعية.

 توجد طريقتان لتحقيق التحول الجذري المنشود في أحوال الأكثريات والأقليات الشيعية وهما:

· استعمال الأساليب السلمية بما في ذلك الحوار ووسائل الضغط المختلفة والاستعانة بالدول والمنظمات العالمية لاقناع الأنظمة التي يتعرض فيها الشيعة للقهر والحرمان بالعدول عن مواقفها ومعاملة الشيعة بالمساواة مع غيرهم.

· تمكين الشيعة بمختلف وسائل القوة السياسية والمعنوية، وحتى العسكرية إن تطلب الأمر لاستنقاذ أنفسهم من الاضطهاد وانتزاع حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمذهبية كاملة غير منقوصة.

لقد ثبت من التجربة بأن التوصل إلى تفاهم مع القوى المضطهدة والمعادية للشيعة على أساس المساواة واحترام حقوق الجميع مستعصي، وما حدث ويحدث في العراق والبحرين ولبنان والسعودية والباكستان وأفغانستان أدلة قاطعة على تصلب مواقف الطرف الآخر واستمراره في سياساته وأساليبه القمعية والوحشية في اضطهاد الشيعة، مما لايترك خياراً أمام قادة الشيعة المذهبيين والسياسيين ومثقفيهم وعامتهم سوى البديل الثاني وهو النهوض بأنفسهم لانتزاع حقوقهم المشروعة بكل الوسائل المتوفرة، السلمية أولاً وإن لم تكفي فبالقوة.

 لا أبالغ إن قلت بأن اشد ما تخشاه معظم حكومات المنطقة وأمريكا والكيان الصهيوني استنساخ الشيعة في العراق وغيرهم للتجربتين الإيرانية واللبنانية في النهوض بالإنسان الشيعي من هوة الدونية إلى ذروة الاستقواء والاعتزاز بالنفس، ففي لبنان كان شيعة الجنوب والبقاع يرزحون تحت وطأة قادتهم الإقطاعيين المتنافسين، والذين فضلوا الانتساب لحركات سياسية خارج مذهبهم بدلاً من تكوين أحزاب وحركات حريصة على الدفاع عن مصالحهم ضمن المعادلة اللبنانية الطائفية، وفي غياب القيادة الواعية والمخلصة تدهورت أوضاع الشيعة ليصبحوا الفئة الأقل حظاً بالتأثير السياسي والقوة الاقتصادية على الرغم من كونهم الأكثر عدداً، وبدأ زمن النهوض الشيعي بنشاط الإمام موسى الصدر وتأسيسه لحركة أمل واكتمل بقوة وتنظيم حزب الله، ولولا هذه القوة والتنظيم لتجرأت القوى اللبنانية الحاقدة على محاربة الشيعة قبل الكيان الصهيوني.

 لا نقول لمن يحذر من قيام هلال شيعي بأننا براء من ذلك بل يجب أن نؤكد له ولحلفائه بأننا نريد أكثر من ذلك بكثير، لأننا نصر على انتزاع حقوقنا بالكامل، وهذا لن يتحقق بهلال شيعي بل بشموس وكواكب وأقمار شيعية، ومن خلال ما يلي:

· ممارسة شيعة العراق حقوقهم السياسية بحكم كونهم الأغلبية العظمى للسكان وعلى أساس ديمقراطي صرف من دون أي اعتبار للمحاصصات الطائفية المفروضة عليهم من الإحتلال الأمريكي و إلغاء التنازلات المقدمة على حساب حقوق الشيعة مع ضمان العدل والمساواة للأقليات.

· استكمال حصول شيعة لبنان على كامل حقوقهم السياسية المترتبة على نسبتهم العددية بين السكان لكونهم أكبر الأقليات اللبنانية عدداً إن لم يشكلوا أغلبية مطلقة.

· إنهاء اغتصاب آل خليفة للحكم في البحرين وتمكين الشيعة من ممارسة حقوقهم باعتبارهم الغالبية العظمى من السكان.

· انفصال المنطقة الشرقية من مملكة السعودية الوهابية المصطنعة لتقوم عليها دولة خاصة بالشيعة وغيرهم من سكان المنطقة لاستحالة بقاء الشيعة المضطهدين تحت حكم آل سعود والوهابيين النجديين.

· فرض الضغوط السياسية والاقتصادية على حكومات الدول التي تقطنها أقليات شيعية لضمان احترامها لحقوق الشيعة.

 جاء الحوت الأمريكي لقضم الهلال الشيعي في منتصفه العراقي، ومنعاً لحدوث ما يسميه بالدومينو الشيعي، الذي يخشى من بدايته في العراق باستلام الشيعة لزمام الحكم ومن ثم ينتقل لبقية الدول والمناطق ذات الغالبية الشيعية، وهذا ما يفسر إثارته للفتنة الطائفية وإصراره على البقاء لأمد طويل في العراق، ولكن نفاذ صبر الشارع الأمريكي والتحولات على الساحة العراقية تهدد مخططه بالفشل التام وانقلاب السحر على الساحر، ونؤكد على تحمل شيعة العراق مسئولية تاريخية في التصدي بحزم للمشروع الأمريكي والبدء سريعاً بتنفيذ مخطط مضاد يهدف للضغط على الأمريكان لسحب قواتهم وانهاء احتلالهم للعراق ومن ثم سحق الإرهاب بكل الوسائل الممكنة، والإعلان عن تسوية تاريخية مع كافة فئات الشعب العراقي لطمأنتها إلى نوايا الشيعة في تحقيق العدل والمساواة والتنمية للجميع.

 نقول للمحذرين والمتخوفين من هلال شيعي هل رأيتم هلالاً لم يكتمل بدراً؟ وكلنا يعلم بأن كل هلال مهما صغر جزء من قمر مستتر، وينبؤكم أطفالنا في الجنوب ومدينة الصدر بأن حوتكم الأمريكي الكبير الذي جاء لابتلاع قمرنا الساطع سيغص ويختنق به.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com