العراق: مجلس النواب والقرار الصعب..!؟

 

باقر الفضلي

  إقتربت الساعة وإنشق القمر

يبدو أن إصرار الحكومة العراقية، وتحت عوامل ضاغطة شديدة من قبل الإدارة الأمريكية وتأثيرات من شركات النفط الإحتكارية بوسائلها الخاصة، على إحالة مسودة قانون النفط والغاز لسنة 2007 الى مجلس النواب للتصويت عليه وإقراره \"على عجل\"، قد وضع أعضاء المجلس في حالة من الإضطراب والبلبلة، بل وحتى التخوف من النتائج التي ستترتب على هذا الإقرار، والتي ستكون تبعاتها في جميع الأحوال على ذواتهم شخصياّ بإعتبارهم ممثلين لإرادة الشعب وتسنموا مواقعهم في مجلس النواب من خلال إنتخابات عامة مشروعة..!؟

ولعله القانون الوحيد في هذه الظروف، الذي له أبعاد وطنية وإقليمية ودولية، كما إنه القانون الأكثر تعرضاّ للجدل والنقاش والمساجلة والإختلاف والتعديل والتبديل، بل والقانون الوحيد الذي أسدل على مسودته ستار كثيف من الكتمان والسرية، لدرجة لم يعلن عنها في الصحافة إلا بعد تقديمها بشكلها الأخير والمعدل الى مجلس النواب ونشرتها صحيفة الصباح الحكومية بتاريخ 10/7/2007 لإطلاع الجمهور..!؟؟

فالقانون بأهدافه ومراميه يمس أكثر مكامن المسؤولية حساسية وخطورة، وهما النفط والغاز، المصدر الأول للثروة الوطنية وعماد مستقبلها ونهضتها الإقتصادية، وبالتالي فإن أي قرار خاطيء يتعلق بهذه المسؤولية،  قد يتخذه مجلس النواب، لا بد في النتيجة أن يكون عرضة للمسائلة التأريخية والوطنية، كما إن طلب التعجيل بإقراره، يثير الكثير من التساؤلات لدى النواب والمواطنين، ويلقي ظلالاّ كثيفة من الشك والريبة على دوافع هذا التعجيل وأسبابه ..!؟

فلا غرابة والحال، أن يحسب النواب حسابهم لكل شاردة وواردة تتعلق بما قيل أو يقال بشأن مسودة قاون النفط والغاز التي تلح الحكومة على إقرارها بوضعها الحالي؛ وهي لعمري مسودة القانون الوحيدة التي حضيت بكل هذه الدراسة والمناقشة ولا زالت، في الصحافة والفضائيات والشبكة العنكبوتية، لأهميتها المصيرية ، ولأنها تمثل منعطفاّ خطيراّ في حياة الشعب العراقي..!

 أقول؛ إنه من البدهي أن يتوجس السادة أعضاء مجلس النواب وغيرهم ويترددوا كثيراّ، بعد هذا الزخم الكبير من الإنتقادات والإعتراضات والشكوك والنصائح حول مسودة القانون، وأن يضعوا في حسابهم مصلحة الوطن قبل مصلحة المنصب والولاء، وهذا ما بدت بواكير معالمه الأولى تتضح شيئاّ فشيئا؛ فكانت من أولى تداعياته إستقالة عضو البرلمان النائب أسامة النجيفي من عضوية لجنة النفط والغاز البرلمانية \"احتجاجا على عرض المسودة على المجلس التي وصفها بانها \"ضربة كبيرة لحاضر الاقتصاد العراقي ولمستقبله.\"  كاشفاّ عن ضغوطات تمارس ضد الحكومة ومجلس النواب من بينها \"تحديد مهلة للمصادقة والانتهاء من هذا القانون باسرع وقت.\"..!؟؟(1)

كما ويبدو من الصعوبة بمكان؛ بأن مجلساّ مثل مجلس النواب العراقي؛ الحديث النشأة، القليل الخبرة، ومهما أوتي من معرفة وعلم، قادر بمفرده، أن يخرج سالماّ معافى، إذا ما دخل غابة شائكة حد اللعنة، كمسودة قانون النفط والغاز لعام 2007، إن لم يكن بمعيته أو يصحبه مرشد أو دليل، يمتلك من الخبرة والدراية والتخصص والنزاهة والإخلاص حداّ يشار اليه بالبنان، ويعرف عليه بالبرهان..!

فمسودة القانون التي نشرت بعد لأي وإنتظار، موزعة  تفاصيلها في خمسة أبواب ب ثمانية عشر فصلا، تحتوي على ثلاث وخمسين مادة تحتضن مائة وسبع وثمانين فقرة تحتها مائة وسبع فقرة  فرعية؛ أي أن مجموع مواد المسودة وفقراتها وفروع الفقرات يساوي ثلاثمائة وسبع واربعون، وهذا لعمري يشكل كماّ غير قليل من المواد القانونية،  المتداخلة والمتلابسة؛ تغلب عليها مصطلحات فنية ذات طبيعة خاصة، وتعابير تحتاج الى توضيح وبعضها يغلب عليها التعقيد والأبهام ومنها من هو مستل من الدستور وموضع خلاف، وجميعها تحتاج الى جهد كبير ومتخصص للتحليل والتفسير، خاصة وإن سدى ولحمة المسودة يتركز على \"عقود المشاركة\" سيئة الصيت، والمسماة في المسودة ب \"عقود التنقيب والتطوير والإتناج\"المادة/15، والتي كتب عنها الكثير بقدر ما يتعلق الأمر بشؤون حماية الملكية العامة والسيادة الوطنية، بالإضافة الى إشكالية حل النزاعات بين أطراف العقد وأولوية الأخذ بآلية القانون الدولي عند اللجوء الى التحكيم في حالة المتعاقد الأجنبي (الشركات الإحتكارية)، وهذا بدهياّ سيصب في مصلحة المتعاقد الأجنبي /المادة/ 45، بالإضافة الى إشكالية التنازع القانوني في الصلاحيات بين الأقاليم والمركز، وأمور خلافية أخرى..!؟ ولمعرفة المزيد من التداعيات المحتملة للقانون، يمكن الإطلاع على تفاصيل أكثر في الرابط أدناه..!(2)

ومما يجعل الأمر أكثر تعقيداّ أمام مجلس النواب، هي تلك القطيعة السياسية التي أعلنتها كل من جبهة التوافق والتيار الصدري إزاء مسودة القانون وبعيداّ عن النوايا، وإعلانهما صراحة عدم الموافقة على تمرير القانون بشكله الحالي وأبديتا ملاحظات كثيرة معلنة عن أسباب الرفض.. كما وأعلن التحالف الكوردستاني عن رفضه لإقرار المسودة المعدلة لتعرضها للمسائل الجوهرية المتفق عليها قبل التعديل، رغم إعلان الناطق الرسمي للحكومة السيد علي الدباغ بأن التعديلات كانت مجرد لغوية وقانونية وغير ملزمة، ولا أدري ما يعنيه الناطق الرسمي بذلك..!؟؟(3)

وبالتالي، فبين حالة الإصرار التي تتبناها الحكومة والتردد والرفض الذي تبديه أوصاط غير قليلة من النواب، بل وحتى كتل برلمانية يكاملها، يصبح معه من العسير فهم موقف الحكومة، ولا يمكن معه تفسير هذا الإصرار، إلا بما ذهب اليه السيد النائب أسامة النجيفي أعلاه..!؟؟

وبنفس الإتجاه، فقد حذر الكثير من العراقيين؛ من الأكاديميين والمتخصصين  والكتاب وأوساط سياسية ونقابات العمال ومن منظمات المجتمع المدني، من مغبة التعجل بإقرار مسودة القانون لما فيها من إنتقاص لحقوق العراق السيادية والتفريط بثروته الوطنية، وهي منشورة في  العديد من المواقع الألكترونية والصحافة..!

من كل ما تقدم يبدو أن مجلس النواب العراقي قد وضع في الإمتحان العسير، والكرة في ملعبه الآن، وفي مواجهة أدق حالة من الحساسية والمسؤولية التأريخية؛  وفي كلتا الحالتين؛ الرفض أو الإقرار، سيجد نفسه في وضع لا يحسد عليه، إذ هو مشدود بين مطرقة ضغوط الإدارة الأمريكية وشركات النفط الإحتكارية من جهة وسندان المسؤولية الوطنية التأريخية من جهة أخرى، وكمن يصح عليه القول: "ألقاه في اليم مكتوفاّ وقال له، إياك إياك أن تبتل بالماء"..!!؟

فلم يعد أمام السادة أعضاء المجلس والحال، إلا خيار من ثلاثة؛ إما اللحاق بالمارثون الحكومي المتسارع،  وكأنما " أقتربت الساعة وإنشق القمر"، و أصبحت القيامة قاب قوسين أو أدنى، وبالتالي القفز فوق كل إعتبارات النقد والخلاف والنصيحة، وإقرار مسودة القانون كما هي عليه الآن، وبذلك، سيضعون ثقة الشعب بهم في كفة الميزان، وهذا هو الرهان الأصعب، والمجازفة الأخطر..!؟؟

 أو إمعان النظر، بعين الحكمة والتبصر، وإستلهام دروس وعبر التأريخ في قضايا النفط، وهي كثر في العراق، وفيها ما يغني ويجنب عن الزلل ، فالشعب أحق في أن يطاع؛  والإقدام على إرجاء البت في المسودة  إذا ما تعذر عدم إقرارها في شكلها الحالي، الى وقت آخر تسمح فيه ظروف الشعب أن يبدي فيها رأيه بقناعة وأمن وسلام، لا في وقت يسبح فيه الشعب بدماءه؛  منتهكة سيادته؛ تتقاذفه أهواء الطامعين في خيراته، ومهدد فيه مصير الأجيال القادمة  بإرثها في ثرواته..!؟ وفوق كل هذا وذاك، فإنه لا زال هناك من بعض مواد المسودة أمور دستورية خلافية تنتظر التعديل..!؟؟  

 فالإرجاء خيار أقل ما فيه؛ أنه يحفظ ماء الوجه، ويوفر الندم ويحافظ على وحدة المجتمع، ويعطي مزيداّ من الوقت للتأمل والدراسة ومراجعة النفس، ويظل أسلم الشرّين في ظروف العراق الحالية..!؟(4)

  وهذا لعمري أضعف الإيمان..!!؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com