كردستان العراق..نهج جديد يحتذى

 

محمد علي محيي الدين

abu.zahid@yahoo.com

  لعلها المرة الثانية التي  تمنيت أن أصفق فيها واقفا لحكومة إقليم كردستان،فقد صفقت ماشيا عندما خرجت طلائع المجد العراقي في مظاهرتها الأولى صادحة بنشيدها العتيد،سنمضي سنمضي إلى ما نريد،وطن حر وشعب سعيد،في ذكرى تموز الخالد/2003،عندما ازدحمت ساحة الفردوس بالرايات الحمراء معلنة بدء يوم جديد في النضال الوطني السلمي لبناء العراق الجديد،بعد أن كنا نناضل بالبندقية والقلم من أجل إسقاط الدكتاتورية الرعناء،فكانت البداية التي أرعبت المحتلين وأذنابهم والقادمين معهم على صهوات الدبابات الأمريكية الغازية،أن يخرج الحزب الشيوعي العراق من تحت أنقاض العراق ليقول للمحتلين وأتباعهم نحن هنا،ويعلن وجوده على الساحة العراقية مجددا،بعد أن امتلأت بالهوام من خشاش الطير،ونفايات الاحتلال والرجعية التي حاولت الانبعاث من جديد،فينظرون  بأعين حمراء دامعة إلى الذهب الأسود،الذي لن يكون من نصيبهم ما بقي شيوعي واحد على أرض الرافدين،وسيرى من ينظرون بعين زائغة إلى ما ستكون عليه الأمور في القادم من الشهور.

 ففي خطوة رائعة غير مسبوقة في تاريخ العراق الحديث،أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كردستان العراق،قرارها الثوري الحازم،بمنع أي نشاط سياسي أو تجمع حزبي في المعابد والمساجد والتكايا والربط في الإقليم،معتبرة إياها أماكن للعبادة ،ونشر الوعي الديني والأخلاقي والبناء النفسي للإنسان بما يعمق روح المحبة والإنسانية ويزيد من عرى التلاحم بين أبناء الوطن الواحد،لا للنشاط السياسي المشبوه والترويج للإرهاب والقتل ,إزهاق الأرواح،وحذرت الوزارة الجليلة بأتحاذ الإجراءات الرادعة ضد الجهات التي تحاول استخدام الدين والمساجد ودور العبادة الأخرى للأغراض الحزبية ونشر الفوضى والدمار،وجاء في البيان الذي أصدرته الوزارة ردا على قيام أمير الجماعة الإسلامية في كردستان الملا علي بابير بعقد اجتماع داخل  الجامع الكبير لمدينة جمجمال،رغم عدم حصوله على الترخيص بذلك،وقالت الوزارة أن الجماعة المذكورة طلبت الحصول على الترخيص من الوزارة لعقد اجتماع داخل المسجد،لكن الوزارة رفضت ذلك،ورغم المنع فأن الجماعة تحدت السلطة التنفيذية،وعقدت اجتماعها برئاسة  أميرها المؤمن المجاهد،ولذلك فأنها تحذر الجميع من استخدام المساجد ودور العبادة لغير الأغراض المخصصة لها،واستغلالها في الأنشطة الحزبية والسياسية،بعد أن استشرى نشاط التنظيمات الإسلامية،ثل الاتحاد الإسلامي في كردستان والجماعة الإسلامية وغيرها من التنظيمات الأصولية السلفية،وحركات الإسلام السياسي التي اتخذت من المساجد مركزا لنشاطاتها الحزبية والسياسية،من خلال استغلال حلقات الدرس الديني للبقاء حتى ساعات متأخرة من الليل بعد انتهاء صلاة العشاء،للاجتماعات الحزبية والفعاليات السياسية المؤطرة بإطار الدين.

 أن هذا القرار الصائب جاء في وقت نشطت فيه الحركات الإسلامية المتطرفة في إقليم كردستان،في محاولة منها لزعزعة الاستقرار في الإقليم،وجره لهاوية الحرب الداخلية التي لا تبقي ولا تذر،أسوة بالمناطق الساخنة من العراق،بدفع وتمويل خارجي لتقويض السلم والأمن في كردستان،ونشر الفكر الإرهابي السلفي الذي تغذيه المنظمات الإسلامية في الدول التي ترفع الشعارات الإسلامية وتصدر الإرهاب إلى الآخرين،لوجود المعلومات الأستخبارية المهمة عن تنامي الأنشطة الهدامة وتهريب الأسلحة وإيصالها إلى الجهات التكفيرية للقيام بأعمالها الجبانة وقتل الآمنين من أبناء شعبنا في كردستان،وقد ظهرت بوادرها في التفجيرات التي طالت بعض المؤسسات الحكومية،مما جعل الإدارة في كردستان تتخذ الأجراء اللازم  للتصدي لهذه الظاهرة قبل انتشارها،والقضاء عليها في مهدها خوفا من تناميها واستفحالها مستقبلا كما حدث في وسط وجنوب العراق.

 وهذا الأمر يجب أن يكون محفزا للحكومة المركزية بأن تحذوا حذو كردستان،وتصدر قراراتها الملزمة لكل الأطراف بمنع استخدام دور العبادة واستغلالها للأنشطة السياسية والحزبية،والتفريق بين السياسة والعبادة وطقوسها وشعائرها،لأن الخلط بين الاتجاهات سيؤدي إلى متاهات ما كان أغنانا عنها،فالعراق الذي يشهد حربا داخلية مدمرة يحتاج إلى الأصوات الشريفة التي تطفئ نار الفتنة،لا الأصوات الناعقة التي تغذي الفتن وتنشر الإحن،فقد أتخذ الإرهابيون من هذه الأوكار ستارا للقيام بأعمالهم الإرهابية،وطالما داهمت القوات الحكومية والأجنبية هذه الأماكن وعثرت فيها على مخازن الأسلحة الكبيرة،والمواد المتفجرة والأحزمة الناسفة،ومستلزمات صناعة العبوات الناسفة وتفخيخ السيارات،مما جعلها ملاذا آمنا للجماعات الإرهابية المسلحة لتمارس فيها القتل والتعذيب الوحشي،والتمثيل بالجثث أو تفخيخها،في سابقة لم يشهد لها التاريخ مثيلا حتى في أكثر العصور وحشية ودموية،والظاهرة الملفتة للنظر أن هذه المعابد قد أصبحت مدارس للتبشير الإرهابي الوافد من خارج الحدود،فقد أعترف الكثير من المجرمين الذين القي القبض عليهم ،بأنهم يستلمون التعليمات من أئمة الجوامع،ويحصلون على التسهيلات للازمة للقيام بعملياتهم الجماعة بالتنسيق فيما بينهم،وأن الكثير من هؤلاء الأئمة كانوا يقومون بأعمال مخزية،فيما أظهرت وسائل الأعلام اعترافات قسم منهم كانوا يمارسون الأعمال الجنسية المشينة داخلها،مما يعني فقدان هذه الأماكن للقدسية المطلوبة  عند التعامل مع المقدسات،ويفقدها صفتها الدينية بتحولها الى بؤر للقتل والإرهاب والفساد الأخلاقي،فيما كشفت معلومات أخرى أن الكثير من هؤلاء المتسربلين بلباس الإسلام من ضباط المخابرات المحترفين الذين نزعوا أرديتهم السابقة ،وارتدوا مسوح العهد الجديد،وجلهم من المتمرسين في عمليات القتل والتخريب،وشاركوا في دورات تأهيلية خارج العراق،تمهيدا لهذه الأيام،لذلك نرى وجوب قيام الحكومة العراقية بإصدار التشريعات اللازمة لمحاربة هذه الظواهر المسيئة للدين،وأدت الى هذا الدمار الهائل في العراق،واتخاذ الإجراءات الرادعة بحق كل من يمارس العمل السياسي في المعابد والمساجد،حتى لو أدت الأمور إلى إغلاقها،فالضرر القادم منها يبيح للمشرع استنباط الحكم الشرعي بإغلاقها، وهدمها إذا أقتضى الأمر،لانتفاء القدسية عنها باستخدامها لغير الأغراض التي وجدت من أجلها في نشر الخير والمحبة بين الجميع،وأن يكون القانون ساريا على الجميع بغض النظر عن الطائفة والمذهب والدين،وأن تؤخذ تعهدات مسبقة من القائمين على شؤونها بعدم استخدامها لغير الصلاة الواجبة،ومنع كل مظاهر النشاط السياسي والتخريبي فيها،وهذا هو السبيل الأوحد للقضاء على الإرهاب والحد منه،ولكن هل تستطيع الحكومة العراقية لاتخاذ مثل هذا القرار،هذا ما أشك فيه في ظل التظاهر الحالي  لكل الأطراف بارتداء لبوس الدين والدخول تحت مظلته، والمزايدة عليها من أجل الكسب وإسقاط الآخر، واتخاذه وسيلة للوصول إلى السلطة لتحقيق المكاسب الذاتية الضيقة،التي لا تدخل في أطار الحقيقة الكبرى للأديان في نشر المحبة والتسامح بين الجميع،وفي ظل تكالب واضح لتسييس الدين وأقساه على الدخول في الخانق السياسي،والانحراف به عن مساره الصحيح في الوعظ والإرشاد والبناء الإنساني السليم.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com