هل تغذي السعودية الأرهاب في العراق؟

 

مهند حبيب السماوي

Muhaned_alsemawee@hotmail.com

يعد موضوع الإرهاب في بعده التمويلي المالي من أهم الموضوعات التي يتحدث عنها العراقيون في مستواهم الثقافي العمودي من جهة والشعبي الأفقي من جهة أخرى, إذ يعلم الجميع ان العمليات الإرهابية التي تجري في ساحة العراق الدامية تحتاج الى آلآف أن لم اقل ملايين الدولارات لايستطع _ من غير أدنى شك _ أن يمولها تمويلاً ذاتياً الإرهابيون أو الذين يدعمونهم في العراق حتى لو صرحت مصادر أمريكية بخلاف ذلك , حينما أكدت بان الإرهابيين في العراق مكتفون ذاتياً ويمولون أنفسهم تلقائياً من جراء عمليات إجرامية ثانوية أخرى يقومون بها .
وفي الواقع أن هنالك رأيين متناقضان لكل منهما حججه التي ينطلق منها في موقفه من قضية مايقال عن وجود تمويل سعودي للأرهاب في العراق, هذه القضية شائكة ويعد حلها وكشف النقاب عن تلغيزها من الأمور المهمة, لان التمويل والدعم المادي يشكل النسغ الذي يعتاش منه الإرهابيون والرئة التي يتنفسون منها وتجعلهم يستمرون بالتالي في قتالهم في ارض العراق التي انغمست لحد الرقبة في بحر الدماء.
وفي مقالتي هذه سوف أتناول كلا الرأيين المتناقضين مع حججهم المساقة في هذا الجانب , فالرأي الأول يقول أن المملكة العربية السعودية تغذي الإرهاب في العراق وتمدهم بالسلاح والأجساد والأموال. فالكثير من الانتحاريين الذي يفجرون أجسادهم في أرض العراق هم سعوديون (ومراهقون غالباً), كما أن هنالك تيار وهابي تكفيري لا يمكن إنكار وجوده في السعودية لا يدعم فكرة القتال في العراق ضد الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة العراقية فقط بل يحرض ضد الشيعة, وهذا الأمر يتم بصورة سرية حيناً وعلنية حيناً أخر كما حدث قبل عدة أشهر في البيان الذي كتبه 38 نموذجاً ظلامياً من هذا التيار الذي يعيش خارج التاريخ والحضارة والمدنية.
ولأصحاب هذا الرأي أدلة تتركز في النقاط التالية:
• أن المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية تخشى من تنامي النفوذ الشيعي في العراق لأنه هذا سوف يؤدي إلى تعاظم الدور الشيعي في المنطقة وتوسيعه وربما يؤثر ذلك على شيعة السعودية والخليج والمنطقة بأجمعها , بل ربما يتسع الأمر ليشكل هلالاً شيعياً عظيماً يشمل أيران ولبنان وشيعة الخليج العربي, وبالتالي تمول السعودية المجاميع المسلحة في العراق من أجل الحد من هذه الضاهرة.
• أن للسعودية موقفاً مزدوجاً من القضية العراقية , فهي لا تفعل شيئاً عملياً إزاء الفتاوى التي تظهر على لسان بعض مشايخها والتي تحرض على العنف والقتال في العراق, بينما لاتسمح لفتاوى من هذا النوع أن تصدر فيما يتعلق بأرضها , حيث نراها تعتقل أي شيخ يصدر فتوى يدعو فيها لقتال الولايات المتحدة وضرب مصالحها في السعودية, وهذا يعني أن المملكة موافقة _من خلف الكواليس_ بهذه الفتاوى التي تصدر بحق الشيعة في العراق , وان أدعت غير ذلك.
• كما ينظر أصحاب الرأي أعلاه الى المسألة أحياناً من بعد تاريخي مشبوب بالطائفية وماكان يحدث للشيعة ولمراقدهم المقدسة من أعتداءات قامت بها الحركة الوهابية في القرن الماضي, وهي بالتالي ترى أن للسعودية الدور الأكبر في تمويل هذه الهجمات الي سوف تؤدي الى فشل التجربة العراقية الوليدة التي يقود وجوهها الأساسية_بصورة ظاهرية_ الشيعة بعد غياب عن السلطة مدة طويلة أمتدت لقرون عديدة .
• وللقضية أيضاً بعد اقتصادي , أذ يرى هؤلاء أن أستمرار العنف في العراق سوف يؤدي الى تناقص حصة العراق من أمداداته النفطية التي قررتها له منظمة أوبك , وبالتالي يتم تعويض هذه الخسارة من قبل المملكة العربية السعودية التي تجني من جراء ذلك ملايين الدولارات اليومية.
• وقد عزز هذا الرأي رفض السعودية أستقبال المالكي في جولته الأخيرة, حيث يعتبر أصحاب هذا الراي ان السبب الاساسي لهذا ألامر يرجع الى كون المالكي ينتمي الى الطائفة ال الشيعية , وأن الطائفية السعودية كانت العامل الأساس في هذا الرفض الغير لائق.
وفي مقابل هذا الرأي وهذه الحجج , يوجد رأي ثاني لا يقبل هذا المنطق ويسخر منه ويرفضه رفضاً قاطعاً ويرى في السعودية شعباً وحكومة أحدى ضحايا براثن الإرهاب الذي طالها شأنها شأن العراق وأن يكن بنسبة أقل, ولولا قوة الأجهزة الأمنية في المملكة وتصفية قواتها _ نسبياً_ لهذه الزمرة لفتكت بالمملكة السعودية ولمارست الإرهاب والقتل والعنف كما يمارس ألان بشكل دموي وبربري في العراق المحتضر.
ولايخلو أصحاب هذه الرؤية من أدلة يسوقونها من اجل اثبات اطروحتهم , وهي:
• أن السعودية ضحية من ضحايا الإرهاب والعنف العشوائي, حيث طالت أيادي الإرهاب وتنظيماتهم المسلحة أرض السعودية وذاق الشعب السعودي ويلاتها غير مرة , ولولا قدراتهم الأمنية المتنامية والمتطورة كما ذكرت أعلاه لسحق الإرهاب مفاصل السعودية كما يسحق ألان العراق في عملياته الإرهابية الدموية.
• ويؤكد هؤلاء أيضاً أن السعوديين الذين يقاتلون في العراق لم يخرجوا _ بعلم المملكة_ منها الى العراق, ولو علمت المملكة العربية السعودية وأجهزتها الأمنية بتوجههم نحو العراق من أجل القتال لاعتقلتهم بدون أدنى ريب, وربما يعلم الجميع بأن السعودية الأن بصدد أنشاء حاجز كبير على حدودها مع العراق من أجل منع تسلل الإرهابيين إلى العراق والحد منه ولعل ماقاله مستشار الامن القومي العراقي موفق الربيعي مؤخراً في أيطاليا خير دليل إذ قال أن الإرهابيين السعوديين ليس لهم علاقة بحكومة الرياض ولاتعلم بهم.
• أن هؤلاء السعوديين المغرر بهم _ كما وصفهم وزير الداخلية السعودية الامير نايف بن عبد العزيز_ قد دخلوا العراق من البلدان المجاورة له وليس من حدود السعودية , حيث أوضح الأخير أن دخول هؤلاء إلى الأراضي العراقية يتم عبر سفرهم إلى بلدان مجاورة للعراق ومنها يدخلون إليه.
• اعتقلت القوات الامنية السورية_ وحسب برنامج برغماتي مع أمريكا_ العديد من الأرهابين السعوديين في سوريا الذين يرومون الالتحاق بالمقاتلين في العراق, وقد سلمتهم الى السعودية التي أودعتهم السجون بتهمة الذهاب للعراق من أجل تنفيذ عمليات أرهابية.
• يعلم الجميع أن أغلب المؤسسات الأعلامية التي تشرف عليها المملكة_ سواء كانت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة_ تحارب الفكر التكفيري والإرهاب بشكل جوهري وتحاول تعبئة الجماهير العربية ضده, ولعل في نموذج الشرق الاوسط كوسيلة أعلامية مقرؤة وقناة العربية كوسيلة أعلامية مرئية خير دليل على هذا الطرح.
• أن المراقب الموضوعي والحيادي لخطابات تنظيم القاعدة التي تطل علينا كل فترة حينما يشعر قادة التنظيم بأن النسيان قد طوى وجودهم , يجد المراقب ان السعودية من الدول التي يخوٌنها دائماً هذا التنظيم بحيث نرى أن الأخير يتهم السعودية بالعمالة لأمريكا وأنها تقاتل رجال القاعدة وتمنع وصولهم الى العراق الى غير هذه التصنيفات والتهم الكلاسيكية التي دأب تنظيم القاعدة على الاشارة لها في كل خطاب.
• أن اغلب القيادات البعثية الصدامية التي تدعم الارهاب والعنف في العراق تتواجد في الأردن وسوريا وأوربا بشكل علني لا يماحك ولا يجادل فيه احد ولم نسمع يوماً أن احد من أتباع صدام ونظامه السابق قد تواجد في السعودية او قام بتحركات مشبوهة انطلاقاً من ارض السعودية, وهذه حقيقة واقعية الفت الانتباه لها _ ربما_ لأول مرة.
• أن السعودية قد القت قبل فترة على عشرات المنتمين الى منظمة القاعدة الإرهابية, وكان من بين هؤلاء سبعة قد تدربوا في العراق ورجعوا الى بلدهم لتنفيذ عمليات أرهابية , وهذا يؤكد انه من الحمق دعم هؤلاء الارهابيون الذين يقتلون الناس في العراق لانهم سوف يعودون بالتالي الى أوطانهم لتنفيذ عين العمليات التي كانوا ينفذوها في العراق كما فعل عرب الافغان قبل ذلك.
وأما كاتب المقال فيترك للقارئ حرية الأقتناع بأي من هؤلاء ألرايين هو الصائب, ولكني أنبه على جملة من الحقائق التالية:
• على السعودية وغيرها من البلدان العربية أن لا تغفل _ وأظنها لا تغفل _ أن دعم الإرهاب في العراق له نتائج وأثار سلبية مدمرة على المنطقة كلها ومن ضمنها هذه البلدان نفسها. إذ أن هذه الجماعات التكفيرية لها طموحات واهداف أقليمية تتعدى حدود دولة معينة , فلو نجحوا في العراق فسوف ينتقلون الى الدولة المجاورة بل وحتى إلى أوربا كما أشارت إلى ذلك أحدث التقارير الاستخبارية. بل أن العملية الأمنية السعودية التي حدثت قبل فترة معينة والتي أدت الى أعتقال أكثر من مائة أرهابي في عملية كبيرة, أثبتت هذه العملية أن بعض هؤلاء قد تدربوا خارج السعودية ورما يكونوا في العراق , كما أتوقع ذلك.
• علينا في الواقع ان نحذر من الخلط بين الوهابية المتشددة التكفيرية والحركة الدينية السلفية المنفتحة في السعودية التي يمكن أن تكون خير من يحارب الأفكار الظلامية للتنظيمات الارهابية, فقد قالت دراسة عنوانها أطلس الايديولوجية المتشددة وضعتها مركز مكافحة الارهاب بأكاديمية وست بوينتالعسكرية فيما نصه( المفكرون السلفيون ولا سيما علماء الدين السعوديون هم أفضل من يمكنهتقويض مصداقية هذه الحركة). وهذا تشخيص صحيح إذ أن السلفيين يستطيعون مواجهة أفكار هؤلاء ونقد أسسها وفضح مسكوتاتها وتعرية بنيتها لأنهم وليدي نفس المدرسة السلفية وعين المنبع الفكري الذي يتحكم في رؤاءهم وتحليلاتهم ونتائجهم التي يتوصلون ليها.
• كما أن علينا التمييز أيضاً بين النظام السعودي الحاكم والحركة الوهابية (بفرعيها النظري,والعملي التكفيري الذي حمل السلاح) والتي تتحرك في فضاء المملكة الديني والثقافي .حيث أنه وعلى الرغم من أن الوهابية كحركة دينية سلفية تشكل الفضاء الأبستيمي ( وفقاً لاصطلاحات الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو ) للملكة العربية السعودية الا أننا نرى أن حكام السعودية غير متشددين من الناحية الدينية, وربما هم أقرب الى الأنفتاح والليبرالية السياسية منهم إلى التشدد والانغلاق والظلامية.
• يجب على المملكة العربية السعودية أن تحاسب بشدة أي شيخ يصدر فتوى أو يدعو للقتال والذهاب إلى العراق لان في مسكوت هذه الدعوة (باللغة التفكيكية المعاصرة) تحريض للعنف والقتال والحرب ضد النظام السعودي نفسه الذي يعتبر من الدول الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية, والقتال ضد الأخيرة في العراق يعني القتال ضد مصالحها وسفاراتها وشركاتها في أي مكان في العالم , سواء كان في السعودية أو غيرها .

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com