|
تنموا البنى الإجتماعية بكل إتجاهاتها في المجتمعات الإنسانية عندما ينموالكائن البشري فيها بكل طاقاته، ذلك عندما يظهر نظام ديمقراطي متين يساند ويدعم بالدرجة الأساس عملية بناء الإنسان من كل النواحي الثقافية ، الإجتماعية ، السياسية، الإقتصادية والحضارية..وهذا يتحقق تزامنا مع ظهور نخبة سياسية وحزبية تكنوقرطية بكفاءة عالية تثق بنفسها خارج المنظمومة الإجتماعية والسياسية المتخلفة وخارج المنظومة الدكتاتورية التي لم تخلف سوى دمار الإنسان والقيم الإنسانية على مدى سنوات الحكم.. والعراق نموذجاً.. من غير الممكن بكل حال من الأحوال قيام نظام ديمقراطي صحي تام على أنقاض نظام دكتاتوري ، مثلما يحدث الآن في العراق ، ما يحدث الآن هي محاولات لفهم الديمقراطية ، وربما أقل من ذلك ، هومحاولة للإقتراب من معنى الديمقراطية ، وليس محاولات بناء الديمقراطية وتطبيقها كما يدعي البعض ، لأن الديمقراطية هي هي ثقافة وهي عملية طويلة الأمد ، لا تبدأ من حيث سقط النظام الدكتاتوري وإنما تبدأ بالتوافق بدأ من تنظيف الأرض من أشواك الديمقراطية وأعشاب البغض والحقد وسياسة فرق تسد ، وفلاحتها وتسميدها من ثم زرعها من جديد ، وهذه عملية تستغرق زمناً أطول مما نفكر به.. فليست هناك أساساً تجربة ديمقراطية حقيقية، لأن من بالداخل الآن ليسوا في حالة تؤهلهم لإستيعاب دروس الديمقراطية وسط الهلاك والخراب والإرهاب الدائر حالياً على أرض الواقع، وتورط أفراد متنفذة في السلطة ومن داخل مراكز القرار الحكومي في جرائم الإرهاب وإنكشاف ضلع لهم في العمليات الإرهابية .. ومن هنا لا يمكن بناء الديمقراطية بأيد زرعت سابقاً بذور الإرهاب وسقتها من ينابيع الدكتاتورية، وهي أيدي متهمة بالإرهاب وتواطوءها مع الشيطان .. عليه من المستحيل تثبيت أركان ودعائم الديمقراطية على أرض جدباء وأرض لم تنموا عليها أعشاب الديمقراطية قبلاً، لأنها مزروعة أصلاً ببذور الدكتاتورية منذ عهود طوال.. ولأن الثقافة الوحيدة التي تغلب الآن على أرض الواقع والتي هي من مخلفات النظام البائد ، هي ثقافة الدم وإلغاء الآخر والإرهاب والدمار.. فلن تنموا على المدى البعيد على هذه الأرض بذور الديمقراطية ، البذور التي يتم زراعتها بالخطأ على أرض مليئة بطفيليات وبذور الإرهاب ومخلفات الدكتاتورية، ولن تزدهر بساتين أحلام الديمقراطية مالم يغيروا الواقع ويغيروا الأعماق والعقول، وكما تقول الآية: " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.." ولن تغير السياسة الأمريكية ايضاً شيئاً في العراق مالم تأتي مبادرة وإرادة التغيير الحقيقية من داخل أهل البلد أنفسهم.. عليه ليست هناك تجربة ديمقراطية تنموا في أحشاء الدكتاتورية، وليست هناك فلسفة فكر ديمقراطية تقوم على خلفية فكر دكتاتوري سابق.. فهذه التعقيدات والإشكالات الفكرية والمذهبية والقومية لن تزول إلا على أيدي النخب السياسية التي تعمل ضمن المنظومة السياسية والعملية السياسية الحالية في العراق، من ثم يولد فكر وثقافة سياسية وحزبية جديدة على أرض لم تعرف لون الدم ولم تتعامل مع معطيات الإرهاب ولم تتعاطاه، بحيث يمكننا في النهاية تحديد ملامح الدولة الديمقراطية لكن على مراحل ستأخذ منا الوقت والجهد الكثيرين.. إضافة إلى ذلك علينا أن نفرق بين النخب السياسية والنخب الحزبية، والنخب الدينية وأخرى عقائدية وأخرى قومية، فتجري الآن خلظ في أورراق المصالح المختلفة، من إقتصادية، سياسية ومذهبية وقومية وأخرى مصالح ترتبط بدول الجوار والمنطقة بشكل عام.. وعلينا أن نعترف بحقيقة أن ليس كل من يمارس السياسة الآن على أرض العراق هوسياسي وليس كل حزبي حزبي بالفعل ، كما ليس بالضرورة كل الحزبيين سياسيين، لأن ما يحدث الآن هوعبارة عن عملية خلط الورق إستعداداً للهملية السياسية الكبرى التي ستطرح ثمارها بعد سنوات طوال وليس على المدى القريب.. لأنه ببساطة ليس هناك فهم لكل معطيات الديمقراطية وليس هناك إستعداد نفسي وسايكولوجي لدى الإنسان السياسي العراقي لإستيعاب دروس الديمقراطية بنفس السرعة التي يحدث فيها الإرهاب وبنفس السرعة التي تسيل بها الدماء.. ففي هذه الحالة يضطر الكثير من السياسيين العراقيين ترك الكثير من حصص الديمقراطية واللجوء إلى بعض أدواة الدكتاتورية بدعوى محاربة الإرهاب من أجل إحداث توازن في القوى السياسية والسيطرة على الوضع المتأزم حالياً على أرض العراق.. لابد من أن نعترف أيضاً أن البعض من النخب السياسية في العراق على إختلاف إنتماءاتهم القومية والدينية لها مصالح مع إٍستمرار الوضع السياسي المتأزم وعدم الإستقرار الذي هما من مخلفات النظام البائد، أولاً من أجل تحقيق المزيد من المصالح والمطامع التي لا تتحقق إلى في أجواء سياسية متأزمة وعلى أنقاض السياسة الشوفينية البائد، ولأنهم لا زالوا لا يؤمنون يحتمية تداول السلطة سلمياً وديمقراطياً بين أبناء الشعب.. وثانياً بسبب صعوبة الإنتقال مرة واحدة من دكتاتورية أسست لسنوات طوال لثقافة القتل والتشريد والتهجير والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد، إلى نظام ديمقراطي قائم على أسس ومباديء إحترام حقوق الإنسان ومبني على ثقافة القبول بالآخر، وهذه أصعب مرحلة وأصب عملية، ستأخذ سنوات طوال من عمر العملية الديمقراطية في العرق.. وإن لم يتم تهيئة أرضية حقيقية نظيفة قائمة على اساس العدالة والمساواة والتسامح ومستمدة روحها من ثقافة التنوع العرقي والقبول بالآخر مهما كان لونه، وتطبيق مبدأ "نحن مختلفون، نحن متساوون" تلك الثقافة التي عمل النظام البائد جاهداً على تشويهها بين أبناء الشعب.. فلورجعنا إلى الوراء وقسنا الزمن الذي سيستغرقه هدم تلك الثقافة الشوفينية وإنهاء كل هذا الدمار الذي خلفه النظام الدكتاتوري بالزمن الذي إستغرقته عملية زرعه لتلك الثقافة الشوفينية وتجذرها في الأرض العراقية، فإننا بدون شك سنصل إلى حقيقة قاسية وهي أن جيلين سيتوالان إلى أن يزول كل الخراب الذي أورثه النظام البعثي الغاشم للإرهابيين من بعده.. رغم أن الصراع والإشكاليات السياسية الحالية في العراق لا تتمثل فقط بصراعات من طائفية ومذهبية وقومية، بل هي أيضاً صراعات داخل الحزب الواحد والمذهب الواحد وحتى القومية الواحدة، عليه فهي صراعات داخل صراعات.. من هنا فلايوجد في العراق الآن الأرضية المناسبة لتثبيت أقدام ثقافة القبول بالآخر وفق مباديء ديمقراطية حقيقية، لأنه ليست هناك ديمقراطية حقيقية أصلاً في العراق، وهذا ليس تشائم وإنما إستنتاج لما يحدث أمام الأعين.. فمن في السلطة الآن فهويحمل المعول ويحاول هدم البعض من جدران بنيان النظام الدكتاتوري في طريقه لفهم الديمقراطية ، فمن لم يشب على مفاهيم الديمقراطية من الصعب عليه إستنباطها من واقع مؤلم مثل الواقع السياسي العراقي، ومن لم يشرب من ينبوع الديمقراطية في طفولته، من الصعب أن يؤمن بالحلول الديمقراطية لمعضلة مثل المعضلة العراقية ، وهذه هي الحالة العراقية الآن بيد ساستها.. ومن بوادر فشل الديمقراطية في العراق أنها تبنى على ارض مزروعة ببذور الدكتاتورية، وقبل قلع تلك البذور..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |