2- المثقفون خصوم الاحتلال وضحاياه 5/15
· تعرض المثقفون العراقيون خلال العقود الاربعة الماضية التي سبقت الاحتلال الى اصناف مروعة من استلاب الارادة، وخنق الحريات، وتسفيه الثقافة، وتخويف الكلمة، وتلويث العلم، وافساد الفن، واقصاء المثقف.
· وراج الخطاب المجوف والنص المتوعد ، مما جعل المثقفين العراقيين من بين اول ضحايا الاستبداد واكثر الفئات الاجتماعية التي تعرضت للقتل والسجون والمعتقلات والتشريد خارج الوطن وداخله..
· واوجد هذا التلازم بين ادراك المثقفين للاستبداد ووحشية المستبدين..قوة اجتماعية واعية معارضة للنظام الدكتاتوري لكنها عاجزة عن وقفه عن جرائمه وتخريبه للوطن والانسان.. ناهيك عن عجزها عن ازاحته والاتيان بنظام ديمقراطي تعددي فيدرالي مستقل تنموي وعاقل!.
· وتعرض المثقفون – داخل الوطن - خلال سنوات الحروب الى انماط مختلفة من البطش والخويف، والترويع، والاذلال، والتشويه، والتمسيخ، والمهانة ..
· وفي سنوات الحصار قُذِف المثقفون - كجزء من شعبهم - بتجربة التجويع المنظم لهم ولعوائلهم..
· وتشهد ارصفة الاسواق والشوارع على عذابات العلماء والادباء والفنانين – من كل الاختصاصات والاجيال والجذور والمكونات والمدن والايديولوجيات - الذين كانو يفترشون تراب الارصفة لبيع مكتباتهم ومحتويات منازلهم ثمنا للقمة عيش شائكة..
· وبعد ان هلكت المكتبات وهلك العديد من اصحابها قتلا وقهرا وخوفا ومرضا وجوعا وتشردا وغربة..وتلبدت الغيوم السوداء في ارواح معظم المثقفين والشعب العراقي..وتناءت الامال بتبدد طاعون الابادة المنظمة للعراقيين ومنهم المثقفين..تفاقم الياس والاحباط وصار العراقيون ومنهم المثقفون يبحثون عن الخلاص من كابوس النظام الدكتاتوري واصبحوا مهيئين لقبول المرير من الحلول..وصار التساؤل:(من هو الرمضاء ومن هو النار؟.. عندما نصف انفسنا_كالمستجير من الرمضاء بالنار!)..
· وصارت حياة العراقي معلقة بالبطاقة التموينية والبطاقة معلقة بيد (الرفيق الحزب) وعلى المرء ان يتنازل ويذعن لكل شيئ للحفاظ على البطاقة التموينية(سفينة النجاة من الموت جوعا)..التي صارت تتمايز بين الانسان والاخر.فللرفاق بطاقتهم وحسب درجاتهم الحزبية،وللعسكريين(النظيفين) بطاقتهم وحسب مراتبهم، وللمسؤولين (الطليعيين) بطاقتهم وحسب درجاتهم الوظيفية، ولعامة الناس ومنهم المثقفون بطاقتهم الهزيلة المعرضة للازالة كلما تعكر مزاج (الرفيق الحزب) في الشارع او القطاع الذي هم فيه..
· (فلتسقط البطاقة التموينية..وليعش سوق هرج!)..بهذا الهتاف الساخر كان الصديق الصبور كاكه محسن يودعنا مساء كل يوم بعد ان يحرقنا النهار العاري على الرصيف الترابي لسكة حديد الدورة ونحن نفترش ترابها نبيع مكتباتنا ومحتويات منازلنا كي لاينقرض اولادنا!)..
· وليس بعيدا عنا على الرصيف المقابل كان العالم النووي (م.ح) يتربع على الاسفلت الحارق، وعيونه عالقة بالسماء، يتململ بجسمه النحيل تحت لهيب الشمس خلف علبة من السجائر، بانتظار ان يمر به السابلة ويبتاعون بصمت سيجارة منه..وهم لايعرفون أي جريمة اذلال ارتبكت بحق هذا العقل العراقي ..الذي باع كل محتويات منزله ومن ثم باع منزله واحتمى ببيت اخته كي لا تفنى وتتشرد عائلته..(تحية له من قرارة روحي ..اينما يكون..).
· ان شارع المتنبي يعد اغنى ذاكرة لما آل اليه المثقفون ايام الحصار الممنهج الذي صممته كل قوى الشر الدولية والاقليمية والمحلية ضد الشعب العراقي ومنهم مثقفوه. – والى اليوم -!؟ ولن انسى ماحييت ذلك اللقاء العابر مع استاذنا الجليل المرحوم الدكتور على جواد الطاهر وهو يتسلل الى شارع المتنبي محتضا بعض كتبه..
· لقد اوغلت الدكتاتورية تدميرا باحتلالها لـ:
ارادة الانسان..
ولقمة عيشه..
واحلامه..
وطرق خلاصه..
وازمنته..
ومفردات اطفاله..
ولغته..
وخصوصيات بيته..
ومشاعره..
وسني عمره..
وتاريخه..
واصدقاء طفولته..وووو..
وتوحشت في اقصاء الانسان العراقي خارج فضاء الحضارة والمدنية المستمتعة بـ:ثمار عقلها، وخيرات بلدانها، وزهو طبيعتها، وبهاء تراثها، واتساع احلامها، وتدفق ابداعها، وتفجر طاقاتها،وضمان حرياتها..
وتراجعت ذاكرة العراقي المعرفية وهو القارئ المتميز بين الشعوب عبر التاريخ..
وصار اسيرا مذعورا بقيود الخوف والتجويع والغد المفزع المجهول..فهو متهم بالولادة وعليه اثبات براءته من تهمة (عصيان السلطة ومعاداة الحزب القائد!؟) كل ساعة،ودون ان تشفع له مئات (الاستمارات) التي يحشوها باجوبة الولاء والطاعة والتعهد والاقرار..فما ان تغضب عليه (آلهة الحزب واوصياء الامن ورسل المخابرات) فانه لاشك زائل مع اسرته و(سبعة من الجيران!)..
وقد اوصلت الدكتاتورية الانسان العراقي الى جحيم صار يتمنى فيه الموت كل لحظة للخلاص من تواتر الازمات والحروب والمخاطر والمآزق والمخاوف..وتلبدت في افقه غيوم حالكة تنذر بما هو اسوء من الجحيم الذي يتلظى فيه..وعشعش الياس والاحباط في روحه ، وبات يستبعد انقشاع كابوس الدكتاتورية المدعوم من الدول الكبرى والنظام العربي والاقليمي ،وترسخ اعتقاد في ذهن هذا العراقي السجين بان العالم يتحالف ضده ، ولا خلاص له من القبر الذي القي فيه سوى انتظار الموت او المعجزات ( حيث يأتيك الفرج من حيث لاتحتسب !).
· لكن هذا العراقي الذي جبل على عصيان كل ماهو متعسف وظالم ومعتدي..تمكنت الدكتاتورية من كسر شوكته وتحجيم قدرته على الرفض وتكبيل طاقته على الحراك التغييري..بعد ان ادرك تشابك مصالح العالم الاستبدادي مع مصالح الدكتاتوية المحلية..فاستنتج المثقف العراقي ان الخلاص من الدكتاتورية لايمكن ان يحدث الا اذا تعارضت تلك المصالح المتكاملة بين (المستبد الصغير) و(المستبدين الكبار)، وهذا ما بدءت بوادره تظهر منذ ان راح النظام الدكتاتوري يتخبط بحروبه ،وتجاوز الحدود التي رسمها له اولياء سلطته ونعمته..فكان يمهد الجسور لعبور دبابات الغزاة الى قلب بغداد ، في جميع سياساته واجراءاته ومخططاته..حتى اللحظة الاخيرة التي (انتهت بها اللعبة) !!
العودة الى الصفحة الرئيسية