مثلث الضياع 

عزيز العراقي

ziziiraqi@yahoo.se

 البعث بين الفشل الشيعي والتخبط الكردي

يتكاثف الحراك السياسي العراقي الحالي حول جبهتين , واذا جاز القول , جبهة الحكومة , والأخرى التي تريد اسقاطها . الاولى مجموعة الأربعة وهي الحزبين الكرديين الرئيسيين , والحزبين الشيعيين " المجلس الأعلى" وحزب "الدعوة" , والثانية جبهتي "التوافق" و"الحوار" وقسم من " العراقية" وحزب "الفضيلة" و"التيار الصدري" . و"الجوكر" بين هذين الطرفين الحزب"الأسلامي" السني , التي تحاول كلا الجبهتين الحصول على ورقته المهمة . الا انه وحسب تكوينه المتمرس في اقتناص فرصة توجيه الحالة وجعلها اكثر مرونة مع البعثيين , سيؤخر اعلان توجهه الذي يصب اخيرا في مصلحة واهداف الجبهة الثانية .

من الغريب ان يجري التجاذب بين هذه الأطراف , وكأنهم السادة الحقيقيين على الساحة العراقية , وهم الذين سيقررون حسم التوجه للعراق, والكل يعرف ان سلطات الأحتلال هي التي رسمت محيط المثلث الشيعي السني الكردي , وجلس الامريكان على رؤوس زواياه . واذ كانت الزاوية الشيعية القائمة هي الأكبر في هذا المثلث , والتي تدين بولائها للنظام الايراني كما يعتقد الكثيرون , فأن التصدع الذي اصابها من خلال خروج حزب "الفضيلة" , والصراع الدموي الذي اخذ يستفحل يوما بعد آخر بين "التيار الصدري" و"المجلس الاعلى" للأستحواذ والسيطرة على الشارع الشيعي , جعل من "الائتلاف" الصورة الأسوء للألتزام في التحالفات السياسية العراقية , واكد ان لاشئ يمنع هذه الاحزاب في سعيها لتحقيق اجندتها على حساب وحدة المشروع الوطني , والحفاظ على وحدة العراق

اما زاوية المثلث السنّية "البعثية", فقد استفادت من اخطاء الامريكان بحل الجيش والقوات المسلحة وباقي اجهزة الدولة , عدا بعض المؤسسات التي تخدم الامريكان مثل وزارة النفط . ومثلما استفادت من هذا الفلتان الامني بعد ان استولت على مخازن الأسلحة في المعسكرات , اعادة تنظيم نفسها بعد انهيارها المخزي وسقوط نظام صدام , واستغلت مرة اخرى نفس الاخطاء التي وقعت فيها الاطراف الشيعية في انتفاضة عام 1991 , عندما لوحت بطائفيتها , وتبعيتها لايران , واستطاع البعثيون ان يوثقوا – ان لم تكن موثقة من زمن صدام – علاقتهم مع "القاعدة" والسنة التكفيريين , وارتكبوا معا ابشع الجرائم التي لاتخطر على بال , وشرعوا بالتهجير الطائفي وحولوا صراعهم على السلطة الى صراع طائفي , حصل على دعم كبير من الانظمة العربية المحيطة , بعد ان استجاب لهذا التوظيف فصائل المليشيات الشيعية , وجعلت من ردود الفعل الطائفي هو المحرك البارز لسير الاحداث .

لقد تمكن البعثيون من اعادة الثقة الى انفسهم , واخذوا يتحركون كحزب بحركة واضحة المعالم . وبعد ان ضمنوا عودة علاقتهم مع عرابهم , وراعيهم القديم "الامريكان" , اعادوا عجلاتهم على سكة قطار 1963 ,

ومحطتهم الاولى الانفصال عن "القاعدة" والسنة التكفيريين . ولاشك انهم سيواصلون الطريق لأنهم يعرفون جيدا اللغة التي يتحدث بها سائق القطار الامريكي, ولايحتاجون الا لزمن الوصول .

وتبقى زاوية المثلث الكردية هي الأكثر تعقيداً في فهم الحالة العراقية , فقد وضعت القيادة القومية الكردية اغلب بيضها في السلة الامريكية , وراهنت على حمايتها فقط – وليس على تطوير الامكانيات الديمقراطية للشعب الكردي , والعراقي عموما – في تطوير التجربة الوطنية الكردستانية . واخذت تلوح بالاستقلال , وبعيدا عن اللغة الدبلوماسية , فقد اثار هذا التلويح عداء الدول المحيطة التي يتواجد عليها الاكراد [ تركيا وايران وسورية] والدول العربية التي ترفض الفيدرالية قبل ان ترفض تقسيم العراق , وهذا الموقف ساعد البعثيين كثيرا كونهم المدافعين عن وحدة العراق , اضافة لما يؤكده الامريكان دائما بالمحافظة عل وحدة العراق .

من ناحية اخرى , وضعوا ايديهم في ايدي الاحزاب الطائفية الشيعية التي تعمل بشتى الاساليب لأفشال المشروع الامريكي بحكم تبعيتها للمشروع الايراني , بحجة تحقيق الاكثرية في البرلمان , وامكانية التفاهم بين القائمتين " الكردستانية" و"الائتلاف" في تمشية مشاريع الطرفين , والقفز على كل موانع التوافق الوطني مع الاطراف الاخرى . والخلط المقصود بين الامور المصيرية التي تستلزم التوافق الوطني , وبين القرارات والقوانين الاخرى التي تحسم من خلال التصويت في البرلمان .

هذا الاساس الهش الذي يعتقد بفرض التصورات البرلمانية , والتي تحققت بأنتخابات سريعة  , لم تتمكن الجماهير من التقاط انفاسها بعد سقوط النظام المقبور , وضع تزوير الارادة للمشروع الوطني العراقي في ثنايا كتابة الدستور , وبات الدستور وتعديله المشكلة الرئيسية في تعقيد الوضع . وما لم يتم تبني المشروع الوطني الديمقراطي بالسرعة الممكنة , وحشد كل الامكانيات له لأنقاذ العراق والتجربة الكردية بالذات , فأن طريق الهاوية اصبح اكثر انحدارا, ويغشى ان يكون الوقت اصبح متأخرا .

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com