وزارة النفط بين الواقع والخيال

 

 

محمد علي محيي الدين

abu.zahid@yahoo.com 

 لا أدري لماذا يتفاءل بعض الأحبة بشخصي الكريم لاختيار أسماء أبنائهم،فتراني أتبع طرق عديدة،فإذا كان الصديق متدينا،اخترت له من الأسماء ما عبد و حمد،أي إضافة أسماء الله الحسنى لكلمة عبد،فيكون عبد الله أو عبد الرحمن وما الى ذلك،والحمد ما أشتق من أسم الرسول الأكرم،إما إذا كان منفتحا بروحية عصرية فيكون الياسمين والسندس والفل وما إليها،وللأولاد أسماء عصرية بعيدة عن الأسماء المكروهة التي كان عليها إباؤنا الكرام،لذلك حاولت اليوم الاستفادة من هذه ألخاصية أو الخصيصة كما يقول علماء اللغة،وأقترح أسما جديدا لوزارة النفط العراقية حتى يكون أسما على مسمى،بعد أن تمرغ أسمها بالوحول،والتسمية القديمة فيها الكثير من الغبن والإجحاف للذهب الأسود الذي يسيل له اللعاب،وتحنى لهوله الرقاب،لذلك بعد التفكير والاستخارة رأيت أن أضع لها اٍسما مركبا يلاءم  معناه ومبناه حقيقتها التي يعرفها الملايين،ولعل القراء الكرام سيؤيدون ذلك ،وللمنظمات المعنية باستطلاعات الرأي،إجراء استفتاء داخلي وخارجي يستثنى منه العاملين في الوزارة لبيان مصداقيتي في هذا المجال.

وأستميح القارئ الكريم عذرا لهذه المقدمة الطويلة،ولكن النفط يستحق الكثير من الاهتمام،لذلك أصبح مدار صراع عالمي رهيب سالت من أجله بحار من الدماء الزكية الطاهرة ،وتهاوت الكثير من الرؤوس الكبيرة من عليائها لتتمرغ بالوحول بما أحاق بسمعتها من تهم واتهامات،بالفساد والإهمال والتقصير،بسبب الصراع من أجل الهيمنة على هذه الوزارة التي تسمى بحق ذات الوزارتين،فهي سيادية لأنها أكثر الوزارات  في الموارد المالية،وأكثرها عرضة للفساد لما تتعامل به من ذهب أسود،جعل أيامنا سوداء،وخدمية لعلاقتها المباشرة بالمواطن،لمسؤوليتها الكاملة في تأمين احتياجاته من هذه المادة التي أصبحت عصب الحياة.

وقد يزداد نهم القارئ لمعرفة الاسم المقترح لهذه الوزارة بعد هذا الإسفاف الممل،لذلك أسارع وأقول،أتمنى على الحكومة العراقية أن تسميها وزارة(الشفط واللفط واللغط) ولعل الكلمات واضحة للعراقيين لأصالتها في المعجم العربي،باستثناء "اللفط" التي تعني فيما تعني في اللهجة العراقية،السرقة والنهب،ولو أردنا الاسترسال في أيراد الأدلة  التي تثبت فساد هذه الوزارة منذ اكتشاف النفط اللعين الى اليوم،لاحتجنا الى عقل الكتروني لكي يستطيع إحصاء أفضال الوزارة الكريمة في النهب والسلب،وما زخر به تاريخها العريق بالفضائح التي أزكمت الأنوف،وهذه الفضائح ليست وليدة العهد الحالي،فالوزارة  المحترمة بنيت  أصلا على أساس متين من السرقات الكبرى التي يصعب إحصائها ويعلمها الجميع،ولكن في زمن الشفافية والديمقراطية وسلطة الشعب،صار بالإمكان الإشارة الى ما يحدث في أروقتها،لذلك شاعت وذاعت أخبارها وملئت الأسماع، فالقاصي والداني يعلم حجم الفساد المالي الذي ينخر في جسد الوزارة الهزيل،والسرقات العلنية واضحة لكل ذي عينيين،،وما على المشكك في ذلك إلا  استنشاق ملابس العاملين فيها،حتى تخنقه  روائح البترول النتنة التي تفوح رائحتها لمسافات بعيدة،ويلمس الدمار الهائل الذي أحاق بالثروة الوطنية التي أصبحت نهبا مشاعا لحفنة من المغامرين المتمرسين في هذا المجال،ممن كان النظام السابق يعتمد عليهم في تمرير البترول وتهريبه للدول المجاورة،في صفقات سرية بعيدا عن رقابة الهيئات الدولية المكلفة بمراقبة التصدير النفطي أيام الحصار،وهؤلاء استعادوا عافيتهم،وعادوا لسابق عهدهم،بسبب الفوضى الخلاقة الجارية في العراق،وافتقار المسئولين الجدد والمشرفين على عمليات الإنتاج والتصدير للنزاهة المطلوبة للعاملين في المشاريع العامة،فكادر الوزارة الكبير الممتد على طول الساحة العراقية،ظل على ما هو عليه،دون أن تطله يد التغيير،سوى رؤوس قليلة قد أينعت وحان قطافها،فيما بقيت ذيولها تمارس أعمالها علنا في وضح النهار،بسبب افتقار الإدارة الجديدة للحزم الكافي في قطع دابر السراق والمرتشين،بل أن البعض من ذوي النفوس المريضة،ممن طفت أسمائهم على سطح الأحداث بعد الزلزال الكبير،كان لهم دورهم الفاعل في استفحال هذه الظاهرة وانتشارها ونموها بشكل كبير،فأصبحت السرقة مشاعة للجميع،لأن القوامين على الإدارة لا يمتلكون القدرة على محاسبة المسيئين،لجهلهم المطبق بأمور الإدارة،ومشاركتهم في كسب المال الحلال،فالسرقة سابقا كانت مقتصرة على رأس النظام وعائلته والمقربين منهم،فيما أصبحت في الوقت الحاضر للرؤوس الكبيرة وحاشيتها  ومن كان على علاقة بها،بل تجاوز ذلك الى صغار الموظفين،بكرم حاتمي  لم يتحلى به أركان النظام السابق،الذين كانوا  يستحوذون على كل شيء ولا يعطون الفتات للآخرين.

 ولا أريد بقولي الإشارة لشخص بعينه،أو رمز باسمه،ولكن العجز والتقصير لا يعفي المدير من مسؤوليته،أو الوزير عما يجري في وزارته،والساكت عن الحق شيطان أخرس،كما جاء في الحديث الشريف،وأموال الشعب العراقي ليست حكرا لطائفة أو فرد،فهي ملك الجميع،ويشارك في نفعها وحمايتها الجميع،وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته كما يقول الخليفة الراشد عمر أبن الخطاب،والسياسة المالية الرصينة للأمام علي أبن أبي طالب أصبحت المثل الأعلى للأمانة والنزاهة،فما احرانا نحن الذين نتاجر بأسمائهم وتراثهم الاقتداء بهم والسير على منوالهم،فالشعارات لا تكفي لمقاييس الشرف عند الإنسان،والعمل هو المعول عليه،وإلا سنكون كابن الراوندي الذي يعلم على الصلاة ولا يصلي.

 ولكن لو أقتصر الأمر على الفساد والتهريب والسرقة لهان الأمر،وقلنا جل من لا يسرق،فالإنسان جبل على الجشع،وليس معصوما عن الخطأ والزلل،والعراقيون والحمد لله تمرسوا في احتمال الحكام الدكتاتوريين،والشموليين والظالمين والمستبدين والعلمانيين والإسلاميين والمعوقين،وفلسفتهم الخالدة في الحياة (الياخذ أمي يصير عمي) و(أيد الما تشابجها بوسها) و(رافق رفيق مرتك حتى يقضي وقتك)الى غير ذلك من معجم الأمثال الشعبية الداعية للذل والخنوع،لذلك ابتلاهم الله بالاستعمار والاستعباد على مدى العصور والأزمان ولم يحكمهم عراقي صميم من زمن حمو رابي وحتى اليوم،- وربما نتناول ذلك في فرصة أخرى – ويرددون كلما جد جديد(راح حسن وأجه حسوني) ولكن سوء الخدمات المقدم من الوزارة جعلهم يجأرون بالشكوى لله،ويرفعون أكفهم بالدعاء  للخلاص من الداهية الدهماء التي أنقضت على رؤوسهم،فالوزارة الجليلة عاجزة عن توفير المشتقات النفطية للمواطنين بالأسعار الرسمية،في الوقت الذي تتوفر فيه موارد الوزارة لدى المتاجرين بالسوق السوداء،من ساسة العراق الجديد،والفوضى العارمة التي تشهدها  الوزارة في مجال الاستيراد والتوزيع،مما لا يمكن السكوت عنه،فقد وصل السيل الزبى،وأصبح المواطن العراقي يعاني الأمرين بسبب أخفاق الوزارة اللعينة في تأمين الوقود،وإدارة أمور البلاد،مما أدى الى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بصورة جنونية أدت الى ارتفاع نسبة التضخم بوتائر عالية لا يمكن معالجتها في المستقبل المنظور،وارتفاع أجور النقل وانعدام الخدمات الأساسية التي ترتبط بشكل مباشر بالوقود،فالكهرباء ترمي بأخطائها على عاتق وزارة النفط التي لم توفر لها كميات الوقود الكافية لتشغيل محطاتها العاطلة أساسا،ومديريات الماء  تتذرع بعدم توفير الماء الصافي بسبب الكهرباء،والصناعة تتعكز على وزارة النفط في تبرير انخفاض طاقتها الإنتاجية،ومنتسبيها رفعوا أيديهم بالدعاء لينصر الله الوزارة ويسدد خطاها بعد أن أصبحت رواتبهم بمستوى الربع عن السابق،والتجارة،لا تشتغل مطاحنها لعدم توفر الكهرباء،وهكذا أخذ الكل يحارب الكل والضحية المواطن العراقي الذي(رادله قرون قصوا آذانه)وأصبح  ضائع وسط هذه الفوضى التي مدت أطنابها وأحاطت بكل شيء،ولا ندري من هو المسبب الأول،والغريب أن الوزارة رغم فشلها الذريع في تأمين حاجات المواطن الأساسية، تقوم بين آونة وأخرى برفع أسعار مشتقاتها،بل وتختلق الأزمات من أجل زيادة الأسعار وإنعاش السوق السوداء،في استهانة كاملة بمشاعر المواطنين،وانتقاص مهين لكرامتهم،ومعاملة مجحفة لا تصدر عن جهة تهمها مصلحة الشعب.

 وأغرب ما في الأمر،أن السيد وزير النفط تناقض أفعاله تصريحاته،فما أن يخرج على وسائل الأعلام حتى (يجعل الهور مرق والزور خواشيك)ولعلها المصادفات أو سوء النية، إذا صرح الوزير بتوفر الوقود،فهذا يعني  أن الوقود قد ابتلعته الأرض،واختفى بقدرة قادر،و(تعود حليمة الى عادتها القديمة) ففي اليوم التالي تشاهد طوابير السيارات تنتظر قيام الساعة للحصول على الوقود ،والجميع ينشدون(دايمين ودايم نصرنه بيكم) ولا أدري سر هذا التوقيت المريب،هل هو عن قصد أم معاكسة الٌدار.

  وأخيرا،لو كنت رئيسا للوزراء – واحمد الله أن لم أكن – لاتخذت أجرا آت صارمة رادعة ماحقة بحق جميع الوزراء المتقاعسين عن أداء واجباتهم،والذين أثبتوا فشلهم في الوفاء بالتزاماتهم وإدارة وزاراتهم،ورميت بهم خارج الملعب السياسي،وليكن بعد ذلك الطوفان،وأحب أن أطمئن السيد رئيس الوزراء أنه لو صارح شعبه بالحقائق ومعاناته من فشلهم،وأنه سيطيح بهم حتى أذا غضب الائتلاف أو أنزعج التحالف ،أو هددت التوافق،فسيقف شعبه الى جانبه لمساندته ،وإذا جاء بأكفاء بعيدا عن المحاصصة المقيتة،فستكون الملايين الى جانبه تؤيده وتشد من أزره،فالمواطن لا يريد فلانا أو علانا ،وإنما يريد الكفء العامل الملتزم المتمكن من أدارة وزارته وليكن أبن سنحاريب،أو يخرج بوجهه الأبيض أمام الناس ليعلن تخليه عن المنصب لعدم قدرته على العمل في ظل المحاصصة وعدم قدرته على التوفيق بين المتخاصمين ويكشف للجماهير الحقائق المستورة،ليكون المالكي الذي لا يخشى في الحق لومة لائم،إما إذا أستمرء كرسيه الوثير،وأغراه بريق السلطة،وأخذته العزة بالإثم،فأقول وهو سيد العارفين،لو دامت لغيرك ما وصلت إليك،فكل  شيء متحول،وسيقول التاريخ كلمته ولو بعد حين.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com