|
التوازن في طبيعة الحياة الحالية في العراق , لايسمح بأعلان الانحياز للعدالة والحق كموقف عملي , بقدر ما هو متروك لأفعال وردود افعال تقع تحت تأثير مجموعة الصراعات التي تلف المجتمع, والتي تختلف في شدتها من التباعد النفسي الى الصراع الدموي. وقد اوجد هذا الوضع حالة من العجز يصعب على القوى السياسية في تجمعاتها الحالية الخروج من مأزقها , ليس على مستوى تحالف القوائم فقط , بل على مستوى مكونات القوائم ذاتها . ولا يشذ عن هذا الا القائمة "الكردستانية" التي تتوحد تحت راية الحلم القومي , -وبغض النظر عن الأستعجال والرغبة في حرق المراحل التي تمارسها القيادة القومية الكردية – يبقى هذا التوحد "الظاهري" مهدد بعدم توحيد الأدارتين , وعدم التوجه الجدي لبناء تجربة ديمقراطية حقيقية تنهض بالأمكانيات الأنسانية للشعب الكردي, وتحارب الفساد الاداري, والعشوائية في التوجه الاقتصادي, والتسلط البوليسي والحزبي في كلا الادارتين السليمانية واربيل . ان غياب المشروع الوطني الذي يوحد توجهات المكونات السياسية, ويحدد لها سلم الأولويات في بناء العملية السياسية, واعادة بناء اجهزت الدولة. تلازم مع التهالك في ركوب الموجة الطائفية والقومية العالية التي تفجرت على اثر انهيار النظام المقبور. والتي وضعت المكونات السياسية الشيعية بالذات– بما فيها العريقة منها– في لجة البحث عن اماكن لمد نفوذها وفرض سيطرتها في ارض لم تزرع بغير سطوة البعث ولمدة زادت على الثلاثين عاما. وسرعان ما ظهر التنافس, رغم التوحد "الظاهري" ايضاً تحت عباءة مرجعية السيد علي السيستاني, ومصلحة النفوذ الايراني على بعض التنظيمات في تشكيل قائمة "الائتلاف" . وكان اكبر نجاح لهذه القائمة مع "الكردستانية" هو الأستعجال في في لفلفة كتابة الدستور , وصياغته بحرفية طائفية وقومية جعلته الاساس في عدم التوافق الوطني . ان المشاعر الوطنية التي تؤسس للمشروع السياسي الوطني لايمكن ان تنمو بقوة دون مطالبة الاجنبي - والعداء اذا اقتضت الضرورة- والنضال لتحقيق الاستقلال والأرادة الحرة. وهو ما افتقدت اليه القائمتان, وهذا لايمنع القائمة "الكردستانية" من الاعتراف بالدور الامريكي في حماية المنطقة الكردستانية منذ عام 1992, وكذلك مساعدتهم في ازاحة النظام البعثي بعد ان تلاقت مصالحهم مع مصلحة العراقيين في فرصة نادرة من التاريخ. وهو لايمنع ايضاً قائمة "الائتلاف" من التفريق بين تداخل الشعبين العراقي والايراني المذهبي والاجتماعي, وحتى تطلعات الشعبين نحو الانعتاق والتحرر, وبين مصلحة النظام الطائفي الايراني الذي سيطر على الجنوب والوسط واشبه مايكون بالاستعمار الاستيطاني الفرنسي للجزائر , ان لم يكن اكثر . هذه الفجوة الكبيرة في المشاعر الوطنية التي احدثتها عدم سلامة توجه الطرفين. استغلتها عصابات البعث, واوغلت في جرائمها, وخلطت بين الانتقام من الشعب العراقي الذي لم يدافع عن نظامهم المقبور, وبين مقاتلة الاحتلال بأسم تحرير العراق, وحققوا ما عجزت عنه باقي الاطراف , واولها اعادة الثقة وعلاقات التعاون بينهم وبين الامريكان من جهة , وادعائهم الكاذب بمقاتلة الاحتلال حاليا من جهة اخرى . في الوقت الذي سارت فيه عربة التعاون البعثي الامريكي, تتعثر عربة العملية السياسية العراقية بسبب الصراعات المستفحلة بين اطرافها, وبالذات بين مكونات قائمة "الائتلاف" والصراع الدموي بين "التيار الصدري" و"المجلس الاعلى" الذي تمكن من السيطرة على اغلب وحدات الشرطة عن طريق القيادي في المجلس السيد بيان جبر, عندما تولى وزارة الداخلية وبالأتفاق مع رئيس الوزراء السيد ابراهيم الجعفري,والتي ادخل في وحداتها الشرطة العاديين وبعض ضباط الصف من التيار الصدري لغرض اسكاتهم, وانفرد المجلس برتب الضباط والادارات العامة للشرطة. وكشف في وقتها عن بعض القوائم التي منحت فيها رتب عليا لأفراد المجلس وبعضهم لايحمل حتى الشهادة المتوسطة. ان تهويمة "الانتصار الساحق" التي لاكتها قيادات المجلس الاعلى كثيراً بعد الانتخابات, تجسدت في مد النفوذ والسلطة, والاستحواذ على العقارات والاراضي, وخلق طبقة من رجال الدين اشبه ب"الآخوندية" الايرانية تتولى السيطرة وادارة المؤسسات الحكومية, دون ادنى بحث عن وسائل ناجعة للنهوض بالعراق , وانقاذه من مأزق الدماء اليومي . ومن المؤسف ان يمرض ويبتعد السيد عبد العزيز الحكيم في هذه الفترة الحرجة من تاريخ العراق , والمجلس الاعلى بأعتباره اكبر الاحزاب الشيعية لايتوحد تحت زعامة غيره , مهما كثر الحديث عن الحرص في استمرار وحدة المجلس , وانعكس التعثر في ادائه بعد توزع المسؤوليات . ويعتقد الكثيرون ان المجلس سيطوى تحت سيطرة فيلق بدر , كونه تنظيم عسكري يخضع في تنفيذ القرارات الى مراتبية دقيقة , والسيد عبد العزيز الحكيم اطال الله عمره واعاده الينا بالصحة الجيدة , يكاد ان يكون الوحيد الذي يستطيع ان يوازن بين ضرورات العمل الوطني وتداعيات الاختراق الايراني , وينقذ المجلس من التمزق الذي يهدده . ان قائمة "الائتلاف" التي تقود السلطة بما تمثله من صراعات مختلفة بين اطرافها , اصبحت المعرقل الرئيسي لسير العملية السياسية. والتصريحات الأخيرة للسيد نوري المالكي رئيس الوزراء ورئيس حزب الدعوة ثالث مقومات "الائتلاف" , والتي هاجم فيها مكونات التيار الصدري تؤكد هذه الحقيقة. وقد انتبه حزب "الفضيلة" بشكل مبكر لهذا الواقع المؤلم , وسحب نفسه من "الائتلاف" لتبرئة ذمته من الانحدار الدموي الذي وصل اليه العراق . ولايوجد غير البرنامج الوطني لأنقاذ العراق , وانقاذ "الائتلاف" وباقي المكونات السياسية العراقية الاخرى .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |